أوباما يدرس توجها جديدا حيال أفغانستان

قبول الحوار الناشئ بين كابل وعناصر طالبان وتجديد الالتزام الأميركي بتعقب ابن لادن

ضباط شرطة افغان خلال عرض عسكري في حفل تخرجهم من اكاديمية الشرطة الافغانية في العاصمة كابل أمس (ا ب ا)
TT

صرح مستشارون لباراك أوباما الرئيس المنتخب، معنيون بشؤون الأمن القومي، بأن الإدارة القادمة تنوي دراسة اتباع استراتيجية ذات طابع إقليمي أكبر إزاء الحرب في أفغانستان ـ تتضمن إمكانية عقد محادثات مع إيران ـ وتبدي قبولاً للحوار الناشئ بين الحكومة الأفغانية وعناصر جماعة طالبان، التي يُمكن التوصل إلى تسوية معها. أيضاً، ينوي أوباما تجديد التزام الولايات المتحدة بتعقب أسامة بن لادن، الأمر الذي يعتبره الرئيس المنتخب واحدة من الأولويات التي عمدت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى التقليل من أهميتها بعد سنوات من الفشل في إلقاء القبض على زعيم تنظيم «القاعدة». يذكر أن أوباما انتقد خلال حملته الانتخابية إدارة بوش لتوجيهها اهتماما مفرطا للعراق على حساب أفغانستان. وعليه، ينوي أوباما المضي قدماً في نشر الآلاف من الجنود الأميركيين الإضافيين بأفغانستان. ومن المحتمل أن تحظى الخطوط العريضة للتوجهات العامة لأوباما التي بدأت تتضح ملامحها بترحيب من جانب عدد من كبار مسؤولي المؤسسة العسكرية الأميركية الذين يدعون إلى اتخاذ توجه أكثر قوة وإبداعاً حيال الصراع هناك والذي يشهد تردياً واضحاً. يذكر أن أعداد الهجمات التي شنتها طالبان هذا العام والضحايا في صفوف الجنود الأميركيين خلال هذا العام، تعد الأكبر من نوعها منذ اشتعال الحرب عام 2001. إلا أن بعض القيادات العسكرية لا تزال قلقة إزاء تعهد أوباما بتنفيذ انسحاب تدريجي للقوات المقاتلة من العراق، بحيث يكتمل في غضون 16 شهراً ـ وهو أمر يقول مستشارو أوباما إنه من المحتمل صدوره خلال الأسابيع الأولى من توليه مهام منصبه. في هذا الإطار، وصف الأدميرال مايكل مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة، مسألة وضع جدول زمني لانسحاب القوات من العراق بـ«الخطيرة»، بينما أبدى آخرون عدم ثقتهم بالإدارة الجديدة التي يرون أنها غير متمرسة في التعامل مع حروب التصدي لحركات التمرد التي أنهكت المؤسسة العسكرية على مدار السنوات السبع السابقة. إلا أن المحادثات التي أجريت مع العديد من مستشاري أوباما وعدد من كبار المخططين الاستراتيجيين العسكريين قبل ومنذ الانتخابات التي أجريت الثلاثاء الماضي، كشفت عن شعور مشترك بأن جهود التعامل مع القضية الأفغانية في ظل إدارة بوش تعرضت لعوائق بسبب قيود أيديولوجية ودبلوماسية، علاوة على التزام غير واقعي بهدف بناء نظام ديمقراطي حديث ـ بدلاً من مجرد دولة مستقرة ترفض «القاعدة» والتطرف الإسلامي، ولا تهدد المصالح الأميركية. ورفض جميع من تحدثنا إليهم في هذا الشأن تسجيل الحوار معهم، معللين ذلك بالحساسية المرتبطة بالفترة الرئاسية الانتقالية والحرب ذاتها. وفي الوقت الذي شرع فيه أوباما في صياغة سياسته إزاء الحرب في أفغانستان، بدأ بعض كبار المخططين الاستراتيجيين العسكريين بإثارة التساؤلات حول مدى التزام واشنطن بدعم الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، الذي من المتوقع أن يترشح لإعادة انتخابه العام المقبل، لكن يجري النظر إليه على نطاق واسع باعتباره ضعيفا وغير كفء. من ناحيتهم، اقترح مسؤولين أوروبيين، وآخرون تابعون لحلف الناتو، قيام مجلس مؤلف من زعماء القبائل باختيار القائد الجديد للبلاد، الفكرة التي رفضتها وزارة الخارجية الأميركية. وقد شدد مستشارو أوباما على أن توجيه المزيد من الاهتمام إلى «القاعدة»، لا يعني التراجع في إطار الحرب البرية الدائرة داخل أفغانستان. يذكر أنه في وقت مبكر من حملته الانتخابية، دعا أوباما لنشر لواءين أميركيين مقاتلين أو ثلاثة إضافيين في أفغانستان. المعروف أن بوش وافق بالفعل على هذه الزيادة، لكن من المحتمل البدء في تنفيذها الربيع المقبل، بناءً على إجراءات سحب القوات من العراق. ووضع كل من وزير الدفاع روبرت إم. غيتس، ومولن بالفعل، واللذان يشعران بالإحباط إزاء مستوى أداء قوات حلف الناتو، التي تشكل ما يزيد على نصف إجمالي القوات الأجنبية في أفغانستان، خطة لاضطلاع واشنطن بدور قيادي أقوى في إدارة الحرب، علاوة على مشاركة القوات الأميركية بصورة ذات طابع مباشر أكبر في قتال طالبان بجنوب وغرب أفغانستان. من جهتهم، أبدى بعض المسؤولين العسكريين في الناتو، ترحيبهم تعزيز الدور القيادي الأميركي، طالما أنه لن يتم النظر إليه باعتباره «محاولة لفرض السيطرة»، حسبما قال ضابط أوروبي رفيع المستوى، تشارك بلاده بقوات كجزء من قوة الناتو المرابطة في أفغانستان. جدير بالذكر أنه في الوقت الذي دأبت المؤسسة العسكرية الأميركية منذ فترة بعيدة على انتقاد بعض أعضاء الناتو، متهمة إياهم بالافتقار إلى الحماس القتالي والخبرة داخل أفغانستان، يبدي الكثير من الضباط الأوروبيين ما يعتبرونه غطرسة أميركية. وأشار ضابط الناتو إلى أن أوباما، الذي قوبل انتخابه بترحيب واسع النطاق من جانب أوروبا، ربما يحرز نجاحاً أكبر من بوش في إقناع الأعضاء الآخرين في الحلف بزيادة أعداد قواتها المشاركة في أفغانستان. وقال: «أعتقد أن الرئيس سينجح في إقناع عدد من الدول الأوروبية، التي لم يرق لها أسلوب عمل الإدارة السابقة بمساندته». من ناحية أخرى، وبناءً على توجيهات مولن، تجري إعادة رسم خريطة المعارك الدائرة بأفغانستان، بحيث تتضمن الأقاليم القبلية في غرب باكستان. وقد وجه المسؤولون العسكريون وكبار المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين رسائل قوية إلى المسؤولين الباكستانيين بخصوص الحاجة إلى تصعيد الهجمات ضد طالبان و«القاعدة» داخل ملاذاتهما الآمنة بالأراضي الباكستانية. وصرح مستشارو أوباما بأنه ينوي تكثيف الاهتمام العسكري والاستخباراتي الأميركي على «القاعدة» وبن لادن. وقال مسؤولون استخباراتيون، إن جهود البحث عن الزعيم الإرهابي جارية على قدم وساق، في الوقت الذي شددوا على أن شبكة «القاعدة» اللامركزية ستبقى مصدر تهديد حتى بدونه. من جهتهم، عمد مسؤولو إدارة بوش على الصعيد المعلن، إلى التقليل من أهمية بن لادن، باعتباره فردا واحدا في إطار حملتهم الهجومية واسعة النطاق ضد الإرهاب. وبعد أسبوع من الانتخابات، لم يتوصل الفريق المعاون لأوباما بعد، إلى كيفية رفع أولوية إلقاء القبض على بن لادن داخل الأجندة الأميركية لمكافحة الإرهاب، على الصعيدين الخطابي والفعلي. ورغم أن أوباما تلقى أول تقرير استخباراتي موجز الأسبوع الماضي، باعتباره الرئيس المنتخب، فإن الفريق المعني بالأمن القومي المعاون له، ما زال يعكف على دراسة المواد الاستخباراتية الموجزة التي أعدتها لهم إدارة بوش. ولم يتفحص الفريق بشكل كامل بعد الموارد العسكرية والاستخباراتية والكيفية التي يجري بها استغلالها في الوقت الراهن. أيضاً، لم يحدد الفريق ملامح السياسية التي سيتم اتباعها تجاه باكستان، التي يعتقد مسؤولو الاستخبارات الأميركية أن بن لادن يختبئ بها. وفي الوقت الذي شددت على أهمية الاستمرار في العمليات الأميركية ضد مقاتلي طالبان المرابطين داخل الأراضي الباكستانية، الذين يهاجمون القوات الأميركية في أفغانستان، تنوي الإدارة الجديدة تذكير الأميركيين كيف بدأ القتال ضد المتطرفين الإسلاميين ـ في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قبل حربي أفغانستان والعراق ـ والتأكيد على أن «القاعدة» تبقى الأولوية الأولى أمام واشنطن. وفي إشارة إلى أسامة بن لادن، شدد أحد مستشاري أوباما: «هذا عدونا، وينبغي أن يشكل هدفنا الرئيس». يذكر أنه خلال حملته الانتخابية، قال أوباما، إن إدارته ستدرس إمكانية عقد محادثات مع دول مثل إيران وسورية، رافضاً السياسة التي ينتهجها بوش حالياً. جدير بالذكر أن إيران، التي تقع غرب أفغانستان، لعبت دوراً مختلطاً على مدار السنوات السابقة، حيث عمدت في بعض الأحيان إلى التعاون بصورة غير مباشرة مع الأهداف الأميركية، بينما قدمت العون في أحايين أخرى إلى المتطرفين. وبينما حرصت إدارة بوش على إبقاء مسافة فاصلة بينها وبين إيران، قال مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى إنه: «بينما نتطلع نحو المستقبل، من المفيد أن نعقد محادثات» لاستكشاف الأهداف المشتركة. وأضاف أن الإيرانيين: «لا يرغبون في تولي متطرفين سنة، زمام الأمور في أفغانستان، بقدر ما نرفض نحن ذلك». علاوة على ذلك، أشار مستشارو أوباما، إلى أنه يرحب بفكرة عقد مناقشات بين الحكومة الأفغانية وعناصر طالبان، التي تبدي استعداداً للتوصل إلى تسوية، وهي مناقشات لا تزال في مراحلها الأولى، وسبق أن رفضتها وزارة الخارجية. في هذا الصدد، أعلن ريتشارد إيه. بوتشر، مساعد وزير الخارجية، أنه رغم أن إدارة بوش تؤيد الشروط التي وضعتها الحكومة الأفغانية الخاصة بالتخلي عن العنف وقبول الدستور الأفغاني، فإنها لا ترى: «أي مؤشرات جادة من قبل أي شخص في طالبان تثبت اهتمامه بالأمر». وأضاف: «إنهم مستمرون في اختطاف الحافلات، وقتل الأشخاص وقطع رؤوسهم. إن هؤلاء الأشخاص لم يبدوا أي رغبة جادة في التفاوض». بيد أن البنتاغون، وعلى الأقل على الصعيد الخطابي، ترك الباب مفتوحاً. ووصف بعض كبار الضباط الأميركيين نسبة كبيرة من مقاتلي طالبان، بأنهم انتهازيون أكثر من كونهم ملتزمين أيديولوجياً. من ناحيته، تحدث غيتس علانية عن إمكانية التوصل إلى تسوية، قائلاً: «في نهاية الأمر، تلك هي الكيفية التي تنتهي بها غالبية الحروب، وتلك في النهاية هي استراتيجية الخروج لنا جميعاً». وصرح الجنرال دافيد دي. مكيرنان، قائد قوات الناتو والقوات الأميركية في أفغانستان، خلال زيارة قام بها مؤخراً لواشنطن، أن فكرة «التسوية ملائمة، على ما أعتقد، وسوف نوفر الدعم اللازم لذلك في حدود التفويض الصادر إلينا». أما داخل البيت الأبيض، فيقود الفريق دوغلاس إي. لوت، عملية تقييم للحرب في أفغانستان، من المقرر أن تنتهي خلال الشهر الحالي. ويقول مسؤولو الإدارة إنها ستركز على تعزيز الدعم المقدم إلى الحكومات المحلية والإقليمية وبناء الشرطة الأفغانية. وينوي لوت التوجه إلى بروكسل لتقديم موجز إلى الناتو بشأن نتائج المراجعة. وداخل البنتاغون، يتولى مولن الإشراف على استراتيجية لفترة انتقالية بالنسبة لأفغانستان وباكستان، ومراجعة لهيكل القوات من جانب هيئة الأركان المشتركة، بينما يعكف الجنرال دافيد إتش. بيترايوس، القائد السابق للقوات الأميركية في العراق، والذي تولى الشهر السابق منصب قائد القيادة المركزية الأميركية، على وضع خطط لكيفية اضطلاعه بمسؤولياته الأوسع نطاقاً، التي تشمل أفغانستان والعراق. يذكر أن مولن وبيترايوس سيظلان في منصبيهما عندما يرحل صانعو السياسات من المدنيين من أعضاء إدارة بوش عن السلطة في يناير (كانون الثاني). ونوه مسؤول بارز بالبنتاغون بأن بيترايوس وافق على خطة أوباما لإتباع توجه ذي طابع إقليمي أكبر إزاء أفغانستان، ورحب بـ«عقد نقاش حول الأهداف المنشودة والجهود المناسبة» فيما يتعلق ببناء الدولة هناك.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»