صراع في إدارة بوش حول أساليب التحقيق القاسية

آخر جولة من المواجهات بين المعتدلين والمتشددين

TT

مع اقتراب موعد رحيل إدارة بوش، يصعد المعتدلون داخل الحكومة ما قد تكون آخر حملة لوقف سياسات الاعتقال والتحقيق القاسية التي دفع بها نائب الرئيس ديك تشيني.

وتمثل الجهود، التي يبذلها مسؤولون في وزارة الخارجية، آخر صراع في الحرب بين المتشددين والمعتدلين، والتي احتدمت معظم فترة إدارة بوش. في الأعوام الأولى من فترة بوش الرئاسية، فاز تشيني وحلفاؤه في معظم الخلافات الداخلية التي كانت تدور حول معتقل خليج غوانتانامو، وبرنامج تحقيقات وكالة الاستخبارات المركزية، والتجسس الداخلي، والمحاكم العسكرية وقضايا أخرى مثيرة للخلافات. ولكن حارب النقاد الداخليين، ومن بينهم المستشار القانوني في وزارة الخارجية جون بي بيلينغر الثالث، ضد تلك الجهود. وقد ساعد المعتدلين، مدعمين بقرارات من الكونغرس وأحكام قضائية، في الأعوام الأخيرة، على تفتيت مقاومة الإدارة للاتفاقيات والمعايير الدولية. وتؤكد الدفعة الأخيرة على مدى فقدان مواقف البيت الأبيض العدوانية لشعبيتها حتى بين أعضاء الإدارة ذاتها.

ومن المرجح أن يفضل الرئيس المنتخب باراك أوباما اقتراحات النقاد الداخليين، ولكن يريد المعتدلون في إدارة بوش الدفع بالتغييرات قبل أن يتولى أوباما الحكم، أملا في رفع الضرر الذي يعتقدون أنهم تسببوا به.

وبدأ بيلينغر آخر مصادماته برسالة أرسلها في بداية العام يحث فيها الإدارة على إتباع مجموعة عريضة ومفصلة من أدنى المعايير الدولية في معاملة المعتقلين المتهمين بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب. تثير الخطوة جدلا داخل الإدارة إلى حد ما بسبب المخاوف من أنها ستجبر على حدوث تغييرات في برنامج التحقيقات السري المتبع في الـ(سي أي أيه). ولكن يعتزم المؤيدون اتخاذ الخطوة من أجل تحسين العلاقات مع الحلفاء والسماح للولايات المتحدة بالمساعدة على صياغة الحوار حول كيفية معاملة الإرهابيين المشتبه فيهم. وقال بيلينغر في رسالته، التي كتبها إلى مستشار البنتاغون في ذلك الوقت ويليام جي هاينز، وهو حليف لتشيني، في شهر يناير (كانون الثاني): «يمكننا أن نغير الانتقادات التي تقول إن الولايات المتحدة تتبني وجهة نظر انتهازية للقانون العرفي، وتعتمد عليها كالسيف... ولكن نادرا ما تعمل من أجل استخدامها كمصدر للضمانات الإنسانية».

وقد استمعت «التايمز» إلى نسخة من الرسالة، التي لم يعلن عنها مطلقا. ولكن لم يرغب أي من بيلينغر أو مكتب تشيني في الحديث عن ذلك الأمر. وصرح المتحدث الرسمي بوزارة الخارجية أن بيلينغر مستمر في دراسة القضية. وبعد مرور أشهر على استقالة هاينز من منصبه، يختلف مسؤولو الإدارة الآن حول إتباع توصية بيلينغر المتعلقة بالمعيار الذي نص عليه التعديل الذي أضيف إلى اتفاقية جنيف والمعروف رسميا باسم المادة 75 من البروتوكول الأول. قال ماثيو واكسمان، الذي كان يعمل مع بيلينغر في وزارة الخارجية، قبل أن يصبح أستاذا للقانون في جامعة كولومبيا إن تبني ذلك المعيار يشير إلى أن الولايات المتحدة «طوت صفحة» في كيفية معاملتها للمعتقلين. قال واكسمان: «لقد اعتادت أميركا على وضع قاعدة ذهبية. ويجب أن نكافح من أجل العودة إلى ذلك مجددا برسم خطوط معقولة وإقناع الآخرين باستخدامها. ولا يمكنك أن تفعل ذلك بدون أن تعرف أن الخطوط موجودة بالفعل». لقد اصطدم بيلينغر، وهو مقرب من وزيرة الخارجية كونداليزا رايس، على مدار أعوام مع صقور الإدارة الأميركية، في البداية كمحام في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ثم كمستشار قانوني في وزارة الخارجية.

سعى مكتب تشيني، منذ بداية فترة إدارة بوش، إلى تحويل نظرته الشاملة لمهام الرئيس لتبني ممارسات تحقيق قاسية ونظام اعتقال سري ومحاكم إرهابية متخصصة، وزيادة التنصت الداخلي. وقالت الإدارة إن المعتقلين بتهم الإرهاب مقاتلون غير شرعيين لا تغطيهم اتفاقية جنيف. واجهت السياسات إدانة واسعة النطاق من جماعات حقوق الإنسان الأميركية والعديد من القادة الدوليين. وواجهت المبادرات أيضا مقاومة من مسؤولين رفيعي المستوى في المباحث الفيدرالية ووزارة العدل ووزارة الخارجية وأماكن أخرى. ويعتقد حتى أشد نقاد إدارة بوش الخارجيين قسوة أن المقاومة الداخلية لديها في النهاية تأثير إيجابي. تتضمن المادة 75 فقرات مخصصة لضمان إقامة محاكمات عادلة، وتمنع أيضا العقاب البدني والتعذيب العقلي وممارسة العنف ضد «الصحة الجسدية أو العقلية» للمعتقلين. لم يصدق مجلس الشيوخ على ذلك البروتوكول، ولكن يعتقد مساندو اقتراح بيلينغر أن إدراك الرئيس لمعايير الإضافة إلى الاتفاقية سيعزز من موقف الولايات المتحدة في القضية. وبعد أن أصدرت المحكمة العليا ثلاثة أحكام، ووضعت القوانين الفيدرالية الجديدة، وأصلح دليل الجيش للتحقيقات، تغير الكثير من سياسات الإدارة. وقال مسؤولون إن ممارسات البنتاغون، ومن بينها المحاكم العسكرية في غوانتانامو تتماشى مع المادة 75.

ولكن ظل برنامج الـ«سي أي أيه» سريا. وفي بداية هذا العام، عارض بوش مشروع قانون يمنع وكالة الاستخبارات من إتباع أساليب قاسية مثل الإيهام بالغرق. ومن الممكن أن يجبر اعتراف الإدارة الرسمية بالقاعدة الدولية، كما اقترحت وزارة الخارجية، على حدوث تغييرات. في البداية جذبت رسالة بيلينغر إلى هاينز القليل من الاهتمام. في الأشهر الأخيرة، أخذت ساندرا هودجكينسون، نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون الأسرى، الطلب إلى نائب وزير الدفاع جوردون إنجلاند، وهو المسؤول المدني الثاني في البنتاغون. قال مسؤولون إن إنجلاند كان مهتما بالاقتراح، ولكن شكك محامون في وزارة العدل في الحكمة من الاعتراف الرسمي. فإذا اعترفت الولايات المتحدة بأن تلك القاعدة «قانونا عرفيا»، سيجب عيها الالتزام بها، حتى وإن لم يصدق عليها مجلس الشيوخ. ورفضت هودجكينسون مناقشة «المراسلات الداخلية» أو دورها في نصيحة مسؤولين رفيعي المستوى في البنتاغون. ولكنها قالت إن الإدارة لم يكن لها «موقف موحد» من المادة 75. ووافقت هودجكينسون على أن عمليات الاعتقال التي تقوم بها وزارة الدفاع تأتي التزاما بالمادة رقم 75، وهو ما أخبر البنتاغون عنه الحلفاء الذين أثاروا القضية.

* «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»