رئيس الوزراء التركي يعرض الوساطة بين إيران وإدارة أوباما الجديدة

قال إن رسالة نجاد للرئيس الأميركي المنتخب خطوة يجب الاستفادة منها

TT

قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا تريد أن تقوم بالوساطة بين إدارة الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما وإيران، مستغلة دورها المتنامي في الشرق الأوسط لتقريب الفجوة بين الشرق والغرب. وقال أردوغان في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية إن انتخاب باراك أوباما قد يفتح الباب أمام فرص جديدة من أجل تغيير مسار العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، المجاورة لتركيا. وقال أوباما أثناء حملته الانتخابية بأنه سوف ينظر في اجراء مباحثات مع إيران، وهو ما كانت إدارة الرئيس الاميركي جورج بوش تعارضه لفترة طويلة.

ووصف أردوغان برقية التهنئة التي أرسلها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى أوباما الأسبوع الماضي، بـ«الخطوة التي يجب الاستفادة منها». وقال رئيس الوزراء التركي قبل ذهابه إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماع حول الأزمة الاقتصادية العالمية: «نحن على استعداد لأن نكون وسطاء. وأعتقد أننا من الممكن أن نكون مفيدين جدا». وقد فرضت الأمم المتحدة عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي الذي تقول الولايات المتحدة ودول أخرى أنه من أجل صنع قنبلة نووية. ولكن تعلن إيران أن برنامجها سلمي. وتؤيد تركيا موقف حلفائها الغربيين، ولكنها تقول إن العقوبات تضعف من الإصلاحيين الإيرانيين.

وأوضح اردوغان موقفه هذا قائلا: «إننا نراقب العلاقات بين إيران وأميركا باهتمام بالغ. ونتوقع أن تحل مثل هذه القضايا على مائدة المفاوضات، فالحروب لم تعد حلا على الإطلاق في العصر الحاضر».

وتخشى تركيا من أن تفرض على إيران عزلة اقتصادية وسياسية، حيث تمدها إيران بالغاز وموارد الطاقة. وتريد أيضا أن تتجنب نشوب صراع عسكري آخر على حدودها. وقال مسؤول غربي اشترط عدم ذكر اسمه: «إنهم (الاتراك) يخشون مما قد يحدث إلى درجة الموت. ولا يريدون أن يتكرر ما حدث في العراق». وتقول تركيا إنها في موضع فريد لتسهيل المباحثات بين واشنطن وطهران. وهي عضو في حلف الناتو وحصلت على مقعد غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الشهر الماضي. كما أنها دولة إسلامية جددت علاقاتها مع دول الجوار في الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة، وحققت إنجازا في مايو (أيار) بإحضار إسرائيل وسورية معا على مائدة المفاوضات لأول مرة منذ أعوام.

ولكن يعرب مسؤولون غربيون عن تشككهم في أن تركيا، عضو التحالف الغربي، من الممكن أن تنجح في أن تكون وسيطا غير متحيز بين واشنطن وطهران. وتتميز العلاقات بين تركيا وإيران بالتعقيد، اذ توجد بين الدولتين روابط في مجالي الثقافة والطاقة، ولكنهما تتنافسان على النفوذ السياسي في المنطقة. وبالرغم من النزعة الإسلامية لحكومة أردوغان، فإن تركيا دولة علمانية كما ينص الدستور، وبينها وبين إيران اختلافات آيديولوجية عميقة. وأضاف المسؤول الغربي: «إنهم يعرفون أن التوسط بين الغرب وإيران أمر خطير بالفعل. وسيضعهم في المكان الخطأ».

ولكن في ظل وجود إدارة أميركية جديدة ورئيس منتخب قال إنه ينوي إحداث تغييرات موسعة في السياسة الخارجية، ربما تكون هناك فرص. وقال المسؤول: «ستبدأ العلاقات في التحول مرة أخرى في طرق مختلفة مثيرة للاهتمام». وبعد إعلان الجمهورية في تركيا خلال العشرينات، قطعت تركيا علاقاتها مع جيرانها من المسلمين، بل وغيرت أبجديتها من الحروف العربية إلى اللاتينية، وأصبحت حليفا قريبا من الولايات المتحدة، حيث أيدت واشنطن طوال فترة الحرب الباردة، ولكن كان لها دور بسيط في الشؤون الدولية.

ولكن منذ أن وصل حزب أردوغان، العدالة والتنمية، إلى الحكم عام 2002، استضافت تركيا رؤساء ورؤساء وزراء وملوك ست دول على الأقل في الشرق الأوسط، من بينها السعودية والعراق وسورية وقطر. وزارها الرئيس أحمدي نجاد في الصيف الحالي.

ويقول أحمد داوود أوغلو كبير مستشاري أردوغان للسياسة الخارجية إن حجم التبادل التجاري مع دول الجوار وصل إلى 30 في المائة من التجارة الخارجية التركية حاليا، بعد أن كان 8 في المائة قبل انتخاب حزب أردوغان. وقال أردوغان: «إن مبدأنا في السياسة الخارجية هو أننا ضد إثارة العداوات». وتوسع الحكومة التركية أيضا من علاقاتها خارج المنطقة، بإعلانها عن خطط لفتح 15 سفارة جديدة في دول جنوب الصحراء الكبرى، بعد أن كان العدد 12 فقط، وتحاول إعادة النظر في علاقاتها الداخلية. وفي الشهر الماضي، عقد مسؤولون أتراك مباحثات مع رئيس اقليم كردستان في العراق مسعود برزاني، وهي خطوة لم يكن من الممكن التفكير فيها منذ عام.

ويقول سونر كاغتاباتي، كبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «إنها لم تعد الدولة التي تتخذ قرارات السياسة الخارجية معتمدة على فيما سيفكر الغرب؟».

وقال داوود أوغلو بأن السياسة الخارجية المتنوعة أمر جيد، وإن التحول لا يعني أن تركيا تستبدل حلفا بآخر. وتابع: «لا يجب أن يسيء أحد فهم تركيز تركيا في الوقت الحالي على المساعي الدبلوماسية في الشرق الأوسط أكثر من الناتو. وإذا كان لنا نفوذ أكبر في الشرق الأوسط، فهذا سيدعمنا في عملية انضمامنا إلى أوروبا وإلى حلف الناتو».

وقد كانت هناك بعض العثرات، مثلما حدث عندما قام مسؤولون من حركة حماس الفلسطينية بزيارة تركيا عام 2006، ولكن سريعا ما تراجعت تركيا بعد أن أعلنت إسرائيل والولايات المتحدة احتجاجهما.

ووصف المسؤول الغربي الأتراك بـ«أنهم مفيدون للغاية». ولكن على الرغم من ابتعاد المساعي الدبلوماسية مع طهران عن إمكانية النجاح، قال المسؤول إن «أحد الأشياء التي قد تساعد هو وجود دولة إسلامية تحاول إرشاد إيران إلى اتجاه مختلف».

من جانبه، قال أردوغان إن انتخاب أوباما منح الولايات المتحدة فرصة لاستعادة ثقة العالم وتصحيح «صورة كانت الولايات المتحدة قد فقدتها». وقال إن الولايات المتحدة «أعلنت رسوخ قيم محددة في مطلع القرن الحادي والعشرين»، ولكن «لم تتقدم صوب هذه القيم، بل تراجعت إلى الخلف». وأضاف رئيس الوزراء التركي: «بالنسبة لي، فمن المهم للغاية أن نطبق تلك القيم». وقدم أردوغان، الذي ينهي عامه السادس كرئيس للوزراء، نصيحة لأوباما: «حافظ على ثبات موقفك، ولكن لا تدخل في معارك».

*خدمة «نيويورك تايمز»