ملك البحرين: تنوع الأديان والمذاهب ينبغي أن يكون رافدا للحوار الذي يحصن البشرية ضد النزاعات

أبدى استعداد بلاده لاستضافة أمانة عامة لحوار الأديان والثقافات في المنامة

ملك البحرين يصافح الأمين العام للأمم المتحدة (رويترز)
TT

شدد ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، على أن تنوع الاديان والمذاهب ينبغى أن يكون رافدا للحوار الذي يحصن البشرية ضد النزاعات والصراعات، موضحا في كلمته بالأمم المتحدة ليل أول من أمس، أنه لا ينبغى اقحام الاديان في المأسي التي مرت على البشرية خلال العقود الماضية كما ينبغي الاعتراف بأن السبب الحقيقي لتلك المآسي، هو غياب منهجية الحوار مما أدى الى وجود التطرف الذي اتبعه قلة من أتباع الاديان، متوهمين انهم بذلك يؤدون واجبا دينيا والدين منهم براء. وهنا نص كلمة ملك البحرين في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار بين الاديان والثقافات: بسم الله الرحمن الرحيم.. السيد الرئيس معالي الأمين العام اصحاب الجلالة والسمو والفخامة السيدات والسادة. يطيب لنا بداية ان نتقدم الى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، بوافر الشكر والتقدير على جهوده الحثيثة في توجيه الدعوة لحضور تدشين اطلاق مبادرته الكريمة، من أعلى المنابر الدولية لتعزيز لغة الحوار والتفاهم بين الاديان والثقافات والتي تأتي متسقة مع دعم مبادئ الاحترام المتبادل وتحقيق الامن والسلام للبشرية قاطبة، كما انها تعتبر من اهم المبادرات على الصعيد العالمي لما لها من نتائج واثار ايجابية. كما لا يفوتنا أن نتقدم بالشكر الى سعادة السيد الاب ميغل ديسكوتو بروكمان رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الثالثة والستين، على رعايته عقد هذا الاجتماع الهام، مثمنين الجهود التى يبذلها من موقعه لإرساء قيم العدالة بين شعوب العالم وترسيخ مفاهيم التضامن والانصاف والشفافية في العلاقات الدولية بمساندة من اعضاء المجتمع الدولي ومؤازرة من الأمين العام للامم المتحدة الذي يقوم بدور مشهود له لبلوغ تلك الاهداف والمقاصد التي ينص عليها ميثاق الامم المتحدة.

السيد الرئيس، يلتئم اليوم شمل الاسرة الدولية تفعيلا لما اتفق عليه في المؤتمر العالمي لحوار الاديان الذي عقد في مدريد خلال شهر يوليو 2008 بمبادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الذي دعا فيه المؤتمرين الى عقد دورة خاصة للجمعية العامة للامم المتحدة للحوار بين الاديان.

وإن مملكة البحرين لتؤيد ما جاء فى اعلان مدريد من تأكيد على وحدة البشرية والمساواة بين الناس على اختلاف الوانهم واعراقهم وثقافاتهم واحترام التنوع الثقافي والحضاري بين الامم وبين اتباع الديانات الالهية ومراعاة خصوصيات الشعوب، واعتبار الارهاب ظاهرة عالمية تستوجب وقفة موحدة في معالجة اسبابه وظواهره بالاتفاق على تعريفه ومفهومه.

السيد الرئيس، ان الاصول التاريخية والفلسفية لحقوق الانسان متجذرة في الاديان والحضارات والثقافات المختلفة، ومنذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان حمل الاسلام لواء الدفاع عن حقوق الانسان شاهدا بالتكريم الالهي لخلقه معززا سمو رسالته في هذه المعمورة بغض النظر عن ثقافته أو معتقده أو لونه، قال الله تعالى «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا». (سورة الاسراء الآية 70) والاسلام منذ بزوغ فجره قد مد يده ليصافح كل الحضارات بإيجابية تضمن استمرارية الحوار والانفتاح والتعارف الانساني في ظل منظومة القيم الاخلاقية التي تتفق عليها الشرائع والملل كافة، اذ ان الجميع يهدف الى ايجاد آلية موحدة لتحقيق التعايش السلمي عبر التفاهم والاحترام المتبادل المبني على الثقة المشتركة بين كافة الاطياف البشرية.

الحضور الأجلاء، ان تنوع الاديان والمذاهب ينبغي أن يكون رافدا للحوار الذي يحصن البشرية ضد النزاعات والصراعات التي تزيد من اتساع الهوة بين الشعوب ولا ينبغي اقحام الاديان في المآسي التي مرت على البشرية خلال العقود الماضية، كما ينبغي الاعتراف بأن السبب الحقيقي لتلك المآسي هو غياب منهجية الحوار مما أدى الى وجود التطرف الذي اتبعه قلة من أتباع الاديان، متوهمين انهم بذلك يؤدون واجبا دينيا والدين منهم براء وكذلك ابتعاد البشرية عن القيم والاخلاق التي تنادي بها الاديان أدى الى انتشار الفساد وزيادة معدلات الجريمة والمخدرات وتنامي ظاهرة الارهاب الذي لا يعرف دينا ولا مذهبا ولا وطنا.

السيد الرئيس، رغم ان حقوق الانسان ترتبط في اصلها وجوهرها بالتنوع الثقافي من ناحية وبوحدة المصير البشري من ناحية اخرى، الا ان بعض الاهواء والمطامح والمصالح الضيقة تسيء في أحيان كثيرة الى هذه الحقوق، فبدلا من أن تؤكد وتعزز مظاهر المساواة والاخوة بين البشر فإنها تثير نزعات الكراهية والعنصرية والتفرقة مثل تلك التي يطلق عليها نزعة الخوف من الاسلام «الاسلاموفوبيا» والتي تروج لها القلة في بعض الدوائر بقصد اثارة الفتن والكراهية بين الشعوب ولتحقيق مآرب سياسية ضيقة تهدف الى ايجاد صراع بين الحضارات متجاهلين سماحة الاسلام وتعاليمه التي تنبذ العنف وتدعو الى السلم والامن والعدل والرحمة والمؤاخاة بين بني البشر عموما.

قال الله تعالى «يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» (الحجرات 13) السيد الرئيس، ان مملكة البحرين وعلى مر العصور كانت ومازالت ارضا خصبة للتعايش المتميز بين جميع الاديان، لما تقره تشريعاتها من احترام لحقوق الانسان، حيث يتمتع اتباع الديانات المختلفة في مملكة البحرين بحرية اقامة شعائرهم الدينية وبناء دور العبادة، اذ يوجد على ارض المملكة 14 كنيسة وكنيس لليهود وعدد من دور العبادة لمعتقدات دينية اخرى وهم جميعا يتمتعون بجميع الحقوق التي تكفلها لهم الدولة مواطنين كانوا أو وافدين وهذا التعايش الديني والمذهبي يزيد البحرينيين فخرا بثقافتهم التنوعية المنفتحة المنطلقة من قيم الاسلام السامية.

ولا شك ان اتباع تلك الديانات قد اسهموا بدور فعال عبر العصور في تقدم ورقي مملكة البحرين وعاش الجميع بحمد الله في اجواء اخوية، يسودها التآلف والمودة جعلت من مملكتنا نموذجا للتعايش في ظل تنوع ثقافي وفكري فريد.

السيد الرئيس ومن خلال حرص مملكة البحرين على تأكيد دعم مسيرة حوار الاديان قد استضافت العديد من المؤتمرات والمنتديات وبحضور كبار العلماء ورجالات الدين والمفكرين من مختلف الديانات، فاحتضنت عام 2002 مؤتمر الحوار الاسلامي المسيحي، وفي يناير 2008 نظمت منتدى حوار الحضارات فضلا عن تنظيم زيارات متبادلة للعلماء والدعاة ورجالات الدين من والى دول غربية وشرقية لتفعيل مبدأ الحوار بين اتباع الاديان والحضارات.

السيد الرئيس ان ميثاق الامم المتحدة يدعو الى تعزيز العلاقات الدولية وايجاد مجتمع انساني آمن من خلال اعلان الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1994 المبادئ الداعية للتسامح ونشر ثقافة السلام واعتبار عام 1995 عاما للتسامح واعلانها عام 2001 عاما للحوار بين الحضارات، ونؤكد على ان الامم المتحدة حريصة في مسعاها لتعزيز السلام بين الامم وايجاد تلك القواسم المشتركة للتقارب بين الشعوب، وفي هذا الصدد تدعم مملكة البحرين جميع مبادرات الامم المتحدة الهادفة الى ايجاد القواسم المشتركة بين الاديان للوصول الى ابراز القيم الدينية والاخلاقية المتفق عليها، والتي تسهم في بناء الحضارة الانسانية وترسيخها وتنميتها وازدهارها وتكريس قيم العدالة والمساواة والاحترام المتبادل تحقيقا لأمن وسعادة البشرية. كما تساند مملكة البحرين كل مشروع انساني يهدف الى اسعاد البشرية وتؤيد الرؤى الحضارية التي غايتها حماية الانسان وتحقيق امنه واستقراره.

وتعتبر مملكة البحرين مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار الاديان، رؤية جديدة لتقريب شعوب العالم على مختلف دياناتهم اذ يمكن اعتبارها اداة عملية لمعالجة ظاهرة التطرف والكراهية من جهة، ومكافحة ما يسمى بالخوف غير المبرر من الاسلام والمسلمين من جهة اخرى، حيث تمثل المبادرة سياقا ثقافيا تتداخل فيه القضايا الاستراتيجية الكبرى ويتوافر فيه المناخ العام لإنجاح الكثير من المبادرات الدولية، التي تمتد بها جسور التواصل بين الاديان، وصولا الى الغاية الأسمى الا وهي ان يعم السلام ارجاء الارض وتسعد البشرية بمكتسباته.

وعليه نقترح ان يتم تبني اعلان عالمي من قبل الامم المتحدة يتضمن دور الاديان في ارساء السلام والعدالة والحرية في العالم كما نادى بذلك المؤتمرون في مدريد وغيرها من المحافل، التي عقدت حديثا في هذا المجال. وفي هذا السياق فإن مملكة البحرين حرصا منها على استمرار هذا الحوار والمبادرة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين تبدى استعدادها لاستضافة امانة عامة لحوار الاديان والثقافات، يكون مقرها مملكة البحرين.

السيد الرئيس ان ايماننا عميق بقدرة الشعوب على التعايش في وئام على الرغم من تنوع الاديان والمذاهب والثقافات بفضل ما تمتلكه هذه الشرائع والثقافات من منظومة متميزة في القيم الاخلاقية الداعية الى رعاية حقوق الانسان وتحقيق امنه وسعادته، واننا على ثقة تامة من ان اجتماعنا هذا يشكل امتدادا لمؤتمر حوار الاديان، الذي عقد في مدريد وهو اضافة فعالة لجهود خادم الحرمين الشريفين والامم المتحدة وكل الزعامات الدينية والفكرية والسياسية والمنظمات الدولية والاقليمية التي دعمت تلك المبادرة وان مملكة البحرين تؤكد مجددا عزمها على المساهمة الفاعلة في هذه المسيرة بكل ما تملك من جهد وامكانات، وصولا الى الهدف المنشود وهو عالم تسوده المحبة وتظلله العدالة ويحقق الامن والسلام سعادة شعوبه ومجتمعاته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وشكرا السيد الرئيس.