خادم الحرمين: لو اتجه العالم إلى الفقر والعمل الإنساني والصحة لما وجدنا أمراضا وفقرا

الملك عبد الله شدد على أهمية الحوار وقال إنه لا يوجد دليل يجيز عداوة الإنسان لأخيه الإنسان إلاّ الذي يعمل شراً ضد أخيه

خادم الحرمين الشريفين لدى استقباله عددا من المشاركين في جلسات الأمم المتحدة للحوار بين أتباع الديانات والثقافات والحضارات أمس (رويترز)
TT

استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمقر إقامته في نيويورك ليل أول من أمس، مجموعة من المشاركين في مؤتمر مدريد للحوار بين أتباع الأديان والحضارات الذين قدموا لتحيته بعد كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في افتتاح مبادرته للحوار بين الاديان.

وألقى خادم الحرمين الشريفين خلال الاستقبال الكلمة التالية:

«بسم الله الرحمن الرحيم أيها الأخوة الكرام: يطيب لي أن أرحب بكم، وأتمنى أن يكون هذا الحوار فاتحة خير للإنسانية، فليس للإنسان إلاّ أخاه الإنسان مهما كان. وأعتقد أن الأيام والسنين التي فاتت لن تعود ـ إن شاء الله ـ كفى ما حصل من القتل ومن العداوة ومن الإفراط في حقوق الغير.

والحمد لله الذي سخركم من جميع الأديان، لأن الأديان نقية، كلها منزلة من الرب عز وجل، ويحثنا الرب عز وجل على التآخي والتآلف وعمل الخير للعاجز والفقير والمحتاج والمريض وهذه كلها طرق إنسانية، وأعتقد أنكم وغيركم ـ إن شاء الله ـ تحثون على محبة الإنسان لأخيه الإنسان، وعندما يفكر الإنسان في الماضي وما ارتكبه من أخطاء على أخيه يتساءل ما هي الأسباب؟ ما هي الأسباب إلاّ النفس، والنفس كما تعرفون أمَّارة بالسوء، وأعتقد أن العالم أحس وانتبه لهذه الأمور لأن ليس فيها فائدة، فإلى متى سفك الدماء؟ والعداوات لماذا؟ وبأي حق؟. والرب عز وجل ما أنزل ديانة إلاّ وفيها دليل واضح على الرأفة بالإنسان، وأعتقد أنه لا يوجد أي إنسان عمل خطيئة على إنسان إلاّ وتندم وتحسر وتأسف إلى أبعد الحدود، لماذا هذا العدوان. الأديان براء من هذه الأعمال ولكنه الشيطان والأعمال السياسية التي دخلت في الأديان وشوشت عليها.

الآن البشرية في حاجة إلى البشر مثلكم يدلونهم ويرشدونهم ويفهمونهم ما هي الحقائق، لأن الرب عز وجل أمرنا بالتعوذ من الشيطان والنفس لأن الشيطان والنفس إذا اجتمعا فهذا يعني أن الإنسان أصبح محكوماً عليه بالشر والعداوة للغير.

نحن بشر، نحن مخلوقات للرب عز وجل، ولا يوجد دليل يجيز عداوة الإنسان لأخيه الإنسان إلاّ الذي يعمل شراً ضد أخيه. هذا ما أحببت أن أشرحه لكم في هذه الأمسية وأتمنى لكم ولنفسي أن نغذي النفس بالصبر لأنه لا يوجد عمل يفيد الإنسان إلاّ الصبر.

كما أتمنى لكم الخطى الحثيثة في تأثيركم الروحي، وعلى كل من هو على دين أن يحث جماعته على التآخي وعلى الإلفة وعلى المحبة، وأهم شيء الصراحة والصدق.

تحياتي لكم ولكل إنسان في هذا الكون مهما كان. وبقيت نقطة هامة وهي الأسرة، الأسرة هي التي تضم الإنسان لعائلته وبيته وأبنائه، والآن لا يخفى عليكم جميعاً أن الأسرة بدأت تتحلل ومع الأسف وصلتنا نحن في الشرق الأوسط، إذا كبر أولادك وبناتك وبلغ عمر الواحد ثمانية عشر عاماً ثم يغادر البيت، وهذا من فلذات أكبادنا وما نعلم له أي مصير، لأن فلذات أكبادكم تشاهدونهم يعملون أشياء وما للأب أو للأم الحق في ردعهم، والأسرة أنتم تعرفونها، الأسرة هي التي تجمع كلمة الأب والأم والأولاد، وهذه كلها نريد كل العالم، من الفرد إلى الجماعة، أن يحرصوا عليها. وشكراً لكم». عقب ذلك ألقى ممثلون عن الديانات السماوية الإسلام والمسيحية واليهودية كلمات أمام خادم الحرمين الشريفين، وقال أحد الحاضرين للاستقبال لخادم الحرمين بعد الترحيب به وتهنئته بوصول الحوار إلى الأمم المتحدة «إنني أمثل المجتمع المسيحي وأشكركم بحرارة على كلمتكم الحكيمة والتزامكم بالعمل من أجل ترقية الحوار والصداقة والسلام في أنحاء العالم».

وأكد المتحدث التزام أتباع الديانة المسيحية بتشجيع جهود السلام والعدل والتفاهم والمودة بين الجميع في هذا العالم، مشيراً إلى أن لكل إنسان الحق في الحرية والسعادة والتقدم.

وقال «إن الحوار الذي بدأتموه في مدريد إضافة إلى وجودكم هنا في نيويورك إنما هو تأكيد لالتزامكم بدعم الاعتدال الديني».

بعد ذلك ألقى أحد المشاركين في الحوار، من الشخصيات الإسلامية كلمة أعرب فيها عن شكره وشكر المشاركين في الحوار في مكة المكرمة، وفي مدريد لخادم الحرمين على مبادرته بالدعوة للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في العالم، التي وصفها بأنها دعوة إنسانية وإسلامية في صميمها انطلقت «من الإيمان بالله ثم بأن البشرية كلها أسرة واحدة وأن الله كرم بني آدم وبعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين». وقال «يا خادم الحرمين الشريفين إن الله سبحانه وتعالى جعلكم مفتاحاً للخير للعالم كله، ومغلاقا للشر ووفقكم لبناء الجسور للتعاون على البر والتقوى وهدم السدود التي تفرق بين إنسان وإنسان».

عقب ذلك ألقى الأمين العام لهيئة الدين والسلام كلمة عبر فيها عن سعادته برؤية المؤمنين، والقادة الدينيين يتلاقون ويحترمون بعضهم البعض ويتعاونون في أصعب الظروف بإخلاص وإيمان. وقال «لقد سمعنا منكم عن تعطش الأسرة الإنسانية للإيمان بالله والوحدة فيما بينهم وفقا لمعتقداتهم والاحترام المتبادل بينهم وأن المشاكل الكبيرة التي تواجه الإنسانية والتي أشرتم إليها هي مشاكل الحروب والفقر تتخطى حدود الدول». وأضاف في ختام كلمته «إننا جميعاً نتطلع إلى السلام والحوار والتضامن ونشعر بالامتنان لصوتكم الذي ارتفع ليسمعه العالم».

وتعقيباً على ذلك، أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز: أن دول العالم لو اتجهت إلى السلام وبعدت عن الحروب والنزاعات التي لا تحل إلاّ بالأسلحة التي تخسر عليها الدول ملايين الملايين واتجهت إلى الفقر والعمل الإنساني في الصحة لما كنا شاهدنا هذه الأمراض ولا هذا الفقر.

ومن ثم ألقى مشارك في الحوار من الجمعية الإسلامية في أمريكا الشمالية كلمة أبدى فيها سعادته واعتزازه بالمشاركة في الحوار مع قادة المؤسسات الدينية، موضحاً أنه أمكن تحقيق النجاح في ديمقراطية جماعية. ولفت النظر إلى أنها المرة الأولى التي ينتخب فيها أميركي من أصل أفريقي لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية.

وقال «إننا ننظر إلى المملكة العربية السعودية كدولة رائدة ومصدر للاستنارة في العالم الإسلامي. إن جامعاتكم ومعاهدكم الدينية يمكن أن تمدنا بما نحتاجه في الغرب لشرح الإسلام في القرن الحادي والعشرين باعتباره دين السلام والاعتدال».

وفي تعقيب جديد لخادم الحرمين الشريفين، أشار إلى أن انتخاب الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما يدل على أن الشعب الأميركي فعلاً شعب ديمقراطي، وبرهن بهذا الاختيار للعالم كله أنه شعب ديمقراطي مائة في المائة وإن شاء الله نرى منه خيراً للبشرية وهذا ما أتمناه لزعماء العالم ككل أن ينزل الله في قلوبهم محبة وإخاء لجميع البشر».

بعد ذلك تحدث أحد المشاركين مرحبا بخادم الحرمين الشريفين في أميركا، وقال «اليوم يوم عظيم لأنكم ألقيتم خطاباً شجاعاً وصريحاً وهو يعبر عن ثلاث مراحل، الأولى مرحلة الإجماع الداخلي بين المسلمين على ضرورة الحوار وبدأ في مكة المكرمة، والثانية مرحلة البحث عن شركاء في مدريد ونجحنا في ذلك، والمرحلة الثالثة اليوم من أهم نقطة في العالم أرسلتم رسالة واضحة للبشرية».

وعبر عن الشكر لخادم الحرمين الشريفين على تبنيه لفكرة الحوار وجعله الخطاب الإٍسلامي العام إن شاء الله. ودعا المشاركين من المسيحيين واليهود إلى أن يكونوا شركاء مع المسلمين في الولايات المتحدة لإنزال مبادرة خادم الحرمين الشريفين منزل العمل، مشيراً إلى أنه سيتم إطلاق مؤسسة السلام الإسلامية بنهاية العام الحالي والتي ستركز على مفهوم التعايش والحوار بين المسلمين في الولايات المتحدة وبين المسيحيين واليهود وإذا حققت هذه المؤسسة النجاح فإنها ستقدم نموذجاً مهماً.

ثم ألقى أحد المشاركين كلمة نوه فيها بمبادرة خادم الحرمين، وقال «إننا لا نتصور مدى الخطوة العملاقة التي اتخذتموها فمبادرتكم تعني بالتأكيد أن الدين سيكون أداة حقيقية للسلام ولمساعدة العالم على فهم المعنى الحقيقي للإسلام». ودعا الله أن يبارك جهود خادم الحرمين، معتبراً أن هذا اليوم يوم تاريخي لجميع المشاركين.

وفي مداخلة لإحدى السيدات المشاركات قالت «إنني واحدة من الناس الذين جلبوا من أفريقيا وقد اهتدينا عبر السنين إلى الإسلام واحتفظنا بهويتنا الإسلامية رغم العبودية». وأشارت إلى أن الحوار بين أتباع الأديان مهم لأن الكثير من أفراد أسرهم لا يزالون مسيحيين ولذلك فإن مبادرة خادم الحرمين تعمل على إنهاء هذه الانقسامات الظاهرة. ورداً على هذه المداخلة قال خادم الحرمين الشريفين «كلنا عبيد للرب عز وجل والحمد لله رب العالمين».

وفي ختام لقائه بالمشاركين في مؤتمر مدريد للحوار بين أتباع الأديان والحضارات، أعرب خادم الحرمين الشريفين عن أمله في أن يرى الجميع بخير ويعمهم التآلف والتقارب والعمل على نشر هذه المبادئ الإنسانية الأخلاقية متمنياً لهم النجاح والتوفيق.

وقد حضر الاستقبال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، والأمير عبد الإله بن عبد العزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين والأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة بالسعودية، والدكتور غازي القصيبي وزير العمل والدكتور إبراهيم العساف وزير المالية وإياد مدني وزير الثقافة والإعلام وعادل الجبير سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأميركية والسفير خالد النفيسي مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة.