كرزاي: علينا مواجهة الأصوات القليلة المعارضة الداعية إلى الحقد والتفرقة

الإرياني: العالم أحوج ما يكون اليوم إلى إشاعة ثقافة السلام القائمة على الحوار * الإمارات تدعو إلى أن يكون عام 2010 السنة الدولية للتقارب بين الثقافات

خادم الحرمين الشريفين لدى استقباله الرئيس الأفغاني كرزاي ورئيس الوزراء الباكستاني زرداري (رويترز)
TT

نوه رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في عقد اجتماع رفيع المستوى لحوار أتباع الأديان والثقافات والحضارات، وقال في كلمته أمام الجمعية العامة «إن عالمنا يواجه جملة من المخاطر والتهديدات، من الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل والمخدرات والجريمة المنظمة التي اتخذت ابعادا دولية». وقال إنه بالرغم من الانجازات التي حققها العالم على صعيد الانتاج والشفافية «فإننا لا نستطيع أن ندعي أن هذه الشفافية يمكن تقاسمها ولا نستطيع أن ندعي أن عالمنا قد أصبح آمنا». ومضى قائلا «علي أن أؤكد، إما أن نكون جميعا آمنين أو لن يكون أي واحد منا آمنا». ودعا رئيس الوزراء التركي إلى وضع نهاية لما أسماه بمفهوم «إرهابيين جيدين» و«إرهابيين سيئين» مطالبا بتجنب توفير أي ملاذ لمن سماهم بالإرهابيين الآخرين. وقال «إن الإرهاب جريمة ضد الإنسانية بغض النظر عن مصادره ودوافعه وطموحاته». وشدد على أهمية وضرورة الاختلاف وعلى أهمية الحوار والفهم المشترك. وأوضح أردوغان قائلا «لهذا نحن نرحب بمبادرة أخي العزيز جلالة ملك المملكة العربية السعودية التي أطلقها في حقل الحوار». وأضاف «إن الاجتماع يجب النظر إليه كمؤشر على الحساسية العالية للمجتمع الدولي». وتحدث رئيس الوزراء التركي كذلك عن المبادرة التي اطلقتها تركيا بالاشتراك مع اسبانيا تحت عنوان «تحالف الحضارات». وقال «ان التحالف قد أصبح مبادرة الأمم المتحدة وتحت رعاية أمينها العام». وأضاف «إن تحالف الحضارات قد برهن على القيم الأساسية والجوهرية التي جمعتنا معا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون ونحن جميعا أقوياء بثقافاتنا المختلفة». وشدد على أهمية العمل الجماعي من أجل انجاح مبادرة حوار الأديان.

ومن منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة دعا أردوغان المشاركين في الاجتماع الرفيع المستوى إلى المشاركة في المنتدى الثاني لتحالف الحضارات الذي سيعقد في اسطنبول في اليوم الثاني والثالث من شهر أبريل (نيسان) المقبل.

من جهته خصص الرئيس الأفغاني حميد كرزاي كلمته للدفاع عن الدين الاسلامي ورفض مبدأ ارتباط الارهاب بأية ديانة. وقال: «الارهاب لم يكن ظاهرة دينية في افغانستان، بل الارهاب ظاهرة دولية واقليمية راسخة في اطار تاريخي معقد عبر العقود الأربعة الماضية». وتحدث كرزاي عن تاريخ بلاده، خلال الثمانينيات من القرن الماضي والغزو السوفياتي ثم تفشي أعمال تنظيم «القاعدة» في البلاد الذي وصفه بأنه «بقايا ماض غير مسؤول ـ ماض يحيط بنا كلنا حول هذه الطاولة وعلينا الاعتراف به ومعالجته». وبدأ كرزاي حديثه بتوجيه الشكر لخادم الحرمين الشريفين لما وصفه بـ«التزامه بقضية الحوار بين الأديان وللمبادرة بهذا الحدث». وتقدم بالشكر أيضاً إلى رئيس الجمعية العامة للدورة الثالثة والستين للجمعية العامة ميغيل ديسكوتو بروكمان للدعوة إلى الاجتماع.

وقال كرزاي إن الهدف من الاجتماع «التأكيد على أن كل الأديان في عالمنا تعكس رغبة البشرية الداخلية للسلام»، مضيفاً: «حيثما خرج نزاع أو مواجهة خلال تاريخ البشرية، نبع ليس من الدين بل من ملاحقة البعض لأهداف سياسية ضيقة من قبل اتباع لكل دين ولكل آيدولوجية سياسية». وشدد الرئيس الافغاني على ضرورة انتهاز الفرصة من أجل «تعديل أخطاء الماضي وابطال تهديد السلام والتعايش السلمي والحوار والتفاهم والاحترام المتبادل كطريق إلى الأمام». وأضاف: «في الوقت نفسه علينا مواجهة الأصوات القليلة المعارضة الداعية إلى الحقد والتفرقة واساءة استخدام اسم الدين للتغطية على تحقيق أهدافهم السياسية»، موضحاً: «علينا التأكد من انتصار صوت السلام والتسامح». وبينما اعتبر كرزاي بلاده مثالاً على أن الارهاب ليس مرتبطاً بدين، اعتبر أيضاً أن افغانستان «مثال قوي خلال السنوات السبع الماضية على أمل التعاون الحقيقي بين الحضارات بهدف تحقيق الأهداف المشتركة». وأضاف: «دول مثل السعودية والولايات المتحدة واليابان والصين الهند وإيران وباكستان تشارك في دعم جهودنا لاعادة بناء افغانستان، وقد ساهموا حتى في مشاريع مثل بناء الطريق السريع الوطني الذي يبدأ من شرق البلاد الى غربه». وتابع: «مستقبلنا في عالم سلمي يقف على درجه التعاون بين الحضارات مثلما نرى في افغانستان». وختم كرزاي خطابه بالتوجه مجدداً إلى خادم الحرمين الشريفين، قائلاً: «الملك عبد الله، اني اتشرف حقاً بأن أكون هنا لأشدد على أهمية جهد دولي لدعم التسامح والتقبل المتبادل ومكافحة التطرف». وأضاف: «نحن ندعم جهودك كلياً في تطوير الحوار بين الأديان والتسامح». وتابع: «أملنا الكبير أن الحوارات مثل تلك في مدريد وهنا في نيويورك ان تجعلنا واعين بأن السلام والتسامح والاحترام هو ارثنا كلنا وان التطرف بجميع أشكاله مصدره ليس الدين بل العمل على تحقيق مصالح سياسية ضيقة». من جهته دعا مستشار الرئيس اليمني ورئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الكريم الارياني المسلمين إلى الاجتهاد المؤدي إلى التجديد الذي يسهل تفاعل المجتمعات الإسلامية مع حضارة العصر بجوانبها الإنسانية. ووصف الإرياني مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار الأديان بالدلالة العميقة. وقال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الاجتماع الرفيع المستوى لحوار الأديان «إن موضوع هذه الدورة له دلالة عميقة لأنها تصبو إلى إشاعة ثقافة الحوار الحر المتفتح على الآخر بين أتباع الديانات والثقافات في جميع أنحاء العالم».

ودعا الإرياني الغرب إلى أن يعيد النظر في علاقته مع الإسلام والمسلمين داخل وخارج مجتمعاته بعيدا عن التركيز على اختلاف العقائد والثقافات. وأكد على أن العالم أحوج ما يكون اليوم إلى إشاعة ثقافة السلام القائمة على الحوار لمواجهة ظواهر الإرهاب والعنف والغلو والتكفير. وتابع يقول «إن مما لا شك فيه أن انهيار جدار برلين وأحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية قد أفرزت شعورا عاما في الغرب بأن هناك خطرا حقيقيا من وجود عدو جديد اسمه الإسلام». وأضاف «ذلك الشعور ناجم عن الجهل المتبادل الذي روج لخطر مصطنع عنوانه صراع الحضارات الذي بشر بحتمية الصراع بين حضارة الإسلام وثقافته مع الحضارة الغربية». وأكد الارياني على أهمية وضرورة إشاعة الحوار المتكافئ بين بني البشر على مختلف عقائدهم وثقافاتهم وقال «إنها مسؤولية عامة نتحملها جميعا سواء في إطار الأمم المتحدة ومنظماتها أو على مستوى التعاون الثنائي أو متعدد الأطراف واجب تتعدد أسبابه ووسائله». وشدد وزير الدولة الالماني هيرمان غروهي في كلمته على حرية التدين ودعا في بيانه المشاركين في الاجتماع الرفيع المستوى إلى تطوير وتشجيع الحوار بين المجتمعات الدينية نفسها. وحذر غروهي من تسييس الحوار بين الأديان وقال «ما نريده هو التزام من المجتمعات الدينية وليس إنشاء بنى أو معاهد جديدة على المستوى السياسي سواء كجزء من الأمم المتحدة أو كجزء من أي منتدى آخر متعدد الأطراف». وحذر وزير الدولة الألماني من انتشار الاسلاموفوبيا ومن معاداة السامية، وأوضح أن سوء استخدام القيم والتعاليم الدينية من بعض الجماعات لا يبرر الكراهية ضد دين معين. وقال «إن الإرهابيين الإسلاميين والمتشددين قد شوهوا دينهم ومع ذلك فإن هذا الأمر لا يبرر أي نوع من الاسلاموفوبيا». وأكدت دولة الامارات العربية المتحدة على أهمية برامج التحول الفردي والجماعي والمؤسسي إلى ثقافة للسلام والتفاهم بين الأديان. وشدد الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى للدولة حاكم الفجيرة وممثل رئيس الامارات في الاجتماع الرفيع المستوى لحوار الأديان على أهمية الأخذ في نظر الاعتبار الاحترام الكامل لسيادات الدول وسلامتها الإقليمية والخصوصيات العقائدية والاجتماعية والاقتصادية لشعوبها. ودعا الشيخ الشرقي في كلمته إلى دعم الجهود والتوجهات الرامية إلى بسط سيادة القانون والسلام والاستقرار في كافة أنحاء العالم. كما دعا إلى تهيئة الأجواء الملائمة لتنمية ثقافة السلام وتطبيقات احترام وتفهم التنوع الديني والثقافي والتسامح بين البشر. وقال «إن دولة الامارات قد قامت ببناء جسور الثقة والشراكة في العالم من خلال انتهاجها لثقافة الحوار ونشر التسامح والانفتاح والتعاون البناء مع جميع الدول والمجوعات الإقليمية والأطراف الدولية المتعددة». وأعرب عن تطلع الدول الأعضاء إلى إعلان الأمم المتحدة عام 2010 لتكون السنة الدولية للتقارب بين الثقافات، وقال «نأمل في أن يتواصل حوارنا هذا إلى خطة وبرامج عمل محددة وقابلة للتنفيذ تساهم في تعزيز التفاهم المتبادل والتقارب بين الأديان والحضارات».

واعتبر «أي. أحمد» وزير دولة الهند للشؤون الخارجية، حوار الأديان حجر الزاوية لوجود الدول القومي، وقال في كلمته أمام الجمعية العامة «إن الهند مهد الهندوسية والبوذية والسيخ وفي الوقت ذاته وجدت التعاليم العظيمة للإسلام واليهودية والمسيحية والزرداشتية تربة خصبة وانتشرت بسرعة في بلدنا». وأضاف «اليوم وجد كل دين أساسي موطنا له في الهند التي أصبحت وطنا للتعددية والاختلاف». ومضى قائلا «إن حوار الأديان وحوار الثقافات ليس بالأمر الجديد في الهند». وأشاد وزير الدولة للشؤون الخارجية الهندي بمبادرة خادم الحرمين الشريفين وقال «إن جهود ومساعي جلالته الحميدة تسعى إلى نشر التفاهم والخير بين شعوب العالم وانها ستمكننا من العمل معا في شراكة عميقة من أجل نظام عالمي من المساواة والسلام». وأعرب في بيانه عن انزعاج حكومته من بروز ظاهرة عدم التسامح على الصعيد العالمي وأشار إلى تنامي التيارات الأصولية التي تتمتع بقدرات هائلة من المصادر والتمويل ووصفها بالجماعات المتعصبة لتبرير أجندتها غير المبررة. ودعا الى توحيد الجهود لمواجهة الجماعات الإرهابية التي وصفها بالمدمرة. وقال «إن الانشطة التدميرية لمثل هذه الجماعات يمكن أن تكون لها آثار محتملة وجدية على الاستقرار الاجتماعي وعلى السلم والهدوء». وقال «إن العالم هو وطن لتعددية المعتقدات والثقافات وإن تنشيط الحوار على أساس مبادرات تضمن الفهم المشترك بين الشعوب وإن مثل هذا الحوار يجب أن ينطلق من أساس الفهم المشترك لتقليص سوء التفاهم».