بعد السيارات المفخخة.. العبوات اللاصقة تثير الذعر بين العراقيين

خبير متفجرات وصفها بأنها صغيرة الحجم وخفيفة الوزن وتطلى بلون سيارة الضحية

عراقيات يسرن قرب علم عراقي علق في أحد شوارع مدينة الصدر ببغداد أمس (أ.ب)
TT

«العبوة اللاصقة» هي قنبلة صغيرة لا تكون في أغلب الأحيان أكبر حجما من قبضة اليد الواحدة، وتكون في العادة مرفقة بمغناطيس أو شريط لاصق. ونظرا إلى خفة وزنها، وإمكانية حملها، وسهولة وضعها، يتم تثبيت هذه القنابل أو العبوات اللاصقة سريعا أسفل صداد السيارة أو في شق موجود بأحد الحوائط المتصدعة. ولإمكانية تفجير هذه القنابل عن بعد، فمن النادر أن تضر أو تؤذي الشخص الذي زرعها. ومع تحسن الأوضاع الأمنية في بغداد، سرعان ما أصبحت هذه القنابل الصغيرة المخادعة، رغم أنها أقل ضررا من السيارات المفخخة أو الأحزمة الانتحارية الناسفة، خيارا مفضلا لدى مجموعة كبيرة من الجماعات المتمردة. وتسهم هذه العبوات أيضا، في غمار ازدياد عمليات العنف الصغيرة المدى، في الإحساس المتزايد بالقلق داخل العاصمة. ويقول الليوتيننت كولونيل ستيفن ستوفر، الناطق باسم الجيش الأميركي في بغداد: «يمكنك أخذ القليل من C4 أو نوع آخر من المركبات. ثم الذهاب إلى متجر خردوات، وأخذ القنبلة معك، والبدء في تجميعها بسرعة، واضعا بها بعض الزجاج أو الرخام، أو القطع المعدنية في مقدمتها، حينها يكون لديك قنبلة كلايمور يدوية الصنع»، وهي نوع من أنواع القنابل المضادة للأفراد.وليست العبوات اللاصقة ابتكارا عراقيا. فخلال الحرب العالمية الثانية، كان يتم زرع الألغام اللاصقة على جوانب السفن، كما كانت القنابل الشركية المغناطيسية تُستخدم خلال صراع آيرلندا الشمالية. وطبقًا للجيش الأميركي، يتم استخدام القنابل المتطورة للمرة الأولى بالعراق بنهاية عام 2004، أو في طليعة 2005. ومع بداية هذا العام، يتراءى لنا أن تلك العبوات اللاصقة باتت أكثر شيوعا على نحو ثابت، حيث يقول ستيفن إن الانفجارات الناجمة بسببها زادت في متوسطها من انفجارين أسبوعيا خلال فترة الربيع إلى خمسة حتى الفترة الأخيرة. وطبقًا للإحصاءات التي أفادت بها وزارة الداخلية العراقية، فإنه في خلال شهر يوليو (تموز)، تسببت القنابل اللاصقة في مصرع ثلاثة، وجرح 18 في بغداد فقط. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، لقي تسعة أشخاص مصرعهم وجُرح 46 آخرون جراء تفجيرات بواسطة القنابل اللاصقة. وما زالت معدلات الضحايا الناجمة عن القنابل اللاصقة منخفضة نسبيًا حتى الآن. ويوضح الكولونيل ستوفر أن الغارات الأخيرة على الجماعات المتمردة كشفت عن مخابئ للقنابل، بل «ومصانع للقنابل اللاصقة». وقد شكلت القنابل المطورة المغناطيسية في الفترة الأخيرة جزءا واضحا من التدريب الذي يتلقاه الجنود الأميركيون في بغداد. ويضيف الكولونيل: «اننا نمكن جنودنا من الدراية بآخر التهديدات، وأحدث القنابل المطورة. فالقنابل المطورة المغناطيسية هي التي تمثل التهديد في الوقت الحالي. ونحن نضع هذه القنابل بين أيديهم قائلين لهم: أيها الجنود، هكذا يبدو هذا الشيء، وأحيانا ما يتم استخدام هذه القنابل ضدنا ـ وضد هياكل مركباتنا أيضا». وقد أقر المسؤولون الأميركيون والعراقيون بأن «القنابل اللاصقة» تعد من الأساليب الفعالة لنشر الإرهاب بين السكان المدنيين العراقيين. وللمفارقة، يمكن ملاحظة أن تلك القنابل تعد أيضا علامة على أن الإرهابيين بات من الصعب عليهم حمل ونقل القنابل بحرّية كما كان في السابق. ويستطرد الكولونيل ستوفر: «أن الحوائط الآمنة، والحوائط نفسها أضعفت إلى حد كبير من هذه الهجمات المفجعة التي كنا نشهدها في السابق، أما تلك القنابل الصغيرة فليس بمقدورها أن تحدث مثل هذه الهجمات المفجعة. إلا أنها تتسبب في الكثير من الذعر». ويقول اللواء جهاد الجابري، خبير المتفجرات بوزارة الداخلية العراقية: «برزت القنابل اللاصقة على السطح في بداية هذا العام بعد الانخفاض الواضح في الهجمات عبر السيارات المفخخة، والقنابل المتطورة، والأحزمة الناسفة». وتابع الجابري: «لقد قللت العمليات العسكرية من إتاحة المواد المتفجرة المستخدمة في السيارات المفخخة». وفي الوقت الراهن، يتم استخدام القنابل أو العبوات اللاصقة بصورة تكرارية لمهاجمة الحكومة العراقية، والمسؤولين العسكريين، وكبار رجال الأعمال. تجدر الإشارة إلى أنه في يوليو (تموز)، أُصيب فارس أمير ـ نائب مدير عام شرطة المرور في بغداد ـ إثر هجوم بقنبلة لاصقة. وفي شهر سبتمبر (أيلول)، نجا مسؤول بقناة العربية الفضائية من محاولة اغتيال باستخدام قنبلة لاصقة، أسفرت عن تدمير سيارته. وفي شهر أكتوبر لقي المحامي وليد العزاوي، وعمر أبو عترة ـ قائد شرطة محافظة الديوانية ـ مصرعهما جراء انفجار عبوات لاصقة في بغداد. وشرع القسم الإعلامي بوزارة الداخلية العراقية في حملة لتوزيع الكتيبات لتوعية الأفراد بشأن التهديد الذي تفرضه القنابل اللاصقة. ويقول محمد سعدون، 28 عاما، ويعمل كاشير في مقهى تملكه أسرته ـ إنه في الفترة الأخيرة بدأ بمتابعة مرتادي المقهى أثناء جلوسهم عن كثب. ويقول سعدون: «لاحظت في الفترة الأخيرة أن هناك الكثير من القنابل اللاصقة، لذا فنحن حريصون للغاية على مراقبة كل شخص يدخل إلى المقهى، كما أننا نتأكد من فحص الحمامات، وأسفل الطاولات. كما أن أخي دائما ما يفحص سيارتنا من أسفل، أو أي حقيبة يتم تركها داخل المقهى، وذلك نظرا إلى أننا سمعنا من رجال الشرطة، والجنود أنهم دائما ما يفتشون السيارات المشتبه بها بحثًا عن هذه القنابل الصغيرة، السريعة، والشديدة الانفجار». وأضاف : «بصراحة، لو أننا أمسكنا بشخص ما يحاول وضع قنبلة لاصقة في محلنا، فإننا نوسعه ضربا قبل إخبار السلطات». ويقول أحمد عبد الإله، مالك محل للعطور ومستحضرات التجميل، إنه سمع أن القنابل اللاصقة عادة ما تستهدف مسؤولي وزارتي الداخلية والدفاع. ومع ذلك، فإنه يحرص بشدة على فحص سيارته، وذلك «لأن شيئا مثل هذا سيخيفني ويقلقني بشدة». ويقول اللواء الجابري: «يأتي الكثير من القنابل اللاصقة من خارج العراق، وقد تم تدريب المتمردين المحليين على كيفية تفجيرها وإلحاقها بالسيارات. إلا أنه في خلال الشهرين الماضيين، لاحظنا إنتاج قنابل لاصقة محليا، وذلك بعد تكثيف الإجراءات الأمنية على الحدود». واستطرد الجابري قائلا: «تم تصميم القنابل اللاصقة في العادة للتمكن من تفجيرها عبر الهاتف الجوال، حيث يقومون بالاتصال بالهاتف عندما يريدون تفجير القنبلة. وعندما تم البدء في استخدام القنابل اللاصقة، كان من السهل العثور عليها، لأنها كانت دائما ما يتم تثبيتها تحت خزانات الوقود». ويتابع الجابري، إلا أن هذه القنابل قد أصبحت أصغر حجما. كما أنه في الوقت الحالي يتم تلوين القنبلة لتتماشى مع لون سيارة الضحية التي يريدون تفجيرها. * خدمة «نيويورك تايمز»