الكويت: الملف الطائفي يتفجر مجددا بعد دخول رجل دين شيعي إيراني إلى البلاد

نواب هددوا بمساءلة رئيس الوزراء واعتبروا دخوله البلاد إثارة للفتنة الطائفية

نائبان في البرلمان الكويتي خلال جلسة عقدت الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

تصاعدت أمس حدة التوتر الطائفي على خلفية مطالبة نواب بالبرلمان الحكومة إبعاد رجل الدين الشيعي الإيراني السيد محمد الفالي عن البلاد بعد وصوله إليه مساء أول من أمس قادما من طهران.

وشدد نواب سلفيون وآخرون مقربون من الحركة السلفية على أنهم سيسائلون رئيس الوزراء والمسؤولين عن رفع القيد الأمني على السيد الفالي والسماح بدخوله للبلاد خاصة بعد صدور حكم قضائي ضده في يونيو (حزيران) الماضي بتهمة سب الصحابة، مشيرين إلى أن «من قام بذلك هدف إلى تأجيج الفتنة الطائفية في الكويت».

إلا أن مصادر قضائية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «الحكم الصادر بحق السيد محمد الفالي هو حكم ابتدائي، وهناك طلب استئناف مقدم حاليا وسيفصل فيه الشهر المقبل، كما أن الحكم لم يتضمن عقوبة إبعاد ومنع من دخول البلاد، بل اكتفى بتغريمه عشرة آلاف دينار كويتي».

وتعود خلفيات القضية إلى قيام أحد المواطنين بتوجيه من تجمع ثوابت الأمة، وهو تجمع سياسي سلفي، برفع دعوى قضائية على السيد محمد الفالي في أبريل (نيسان) الماضي، بتهمة سب الصحابة، ومستندا إلى محاضرة له تم تداولها عبر المنتديات والمواقع الالكترونية، مدعيا بأنها أقيمت في الكويت، فأصدر قاضي المحكمة الابتدائية في يونيو (حزيران) الماضي حكما بتغريم السيد الفالي عشرة آلاف دينار كويتي ومصادرة النسخ المطبوعة من المحاضرة، إلا أن محامي السيد الفالي خالد الشطي قدم طلبا لاستئناف الحكم، وسينظره قاضي الاستئناف الشهر المقبل.

وكان السيد محمد الفالي، وهو رجل دين إيراني قد اقتيد من مطار الكويت إلى جهاز أمن الدولة وتناقلت بعض الأخبار معلومات عن استجوابه داخل الجهاز في كيفية حصوله على تأشيرة دخول للبلاد وهو من المقيدين على لائحة الممنوعين من الدخول، إلا أن الجهاز سرعان ما أخلى سبيله بإيعاز حكومي رفيع إثر تدخل نواب وسياسيين شيعة طالبوا بالإفراج عنه نظرا لعدم وجود أي تهمة سياسية في ملفه.

وفي اتصال هاتفي نفى المحامي خالد الشطي أمس أن يكون موكله السيد محمد الفالي من ضمن المقيدين في لائحة الممنوعين من دخول البلاد لأسباب أمنية، كاشفا عن أنه كان متواجدا في البلاد قبل شهور قليلة، وأن أبناءه مقيمون في الكويت، وتم تجديد سمات إقامتهم عن طريق وزارة الداخلية الأسبوع الماضي، ولا يوجد أي مؤشر على وجود أي قيد أمني على السيد الفالي.

وقال الشطي في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط» أن «الحديث عن تدخل لرفع القيد الأمني غير صحيح، وكذلك التدخل للإفراج عن موكلي لدى أمن الدولة، فالحكم الصادر بحق السيد محمد الفالي محل استئناف حاليا، ويخلو من أي عقوبة تقضي بإبعاد موكلي عن البلاد أو منعه من الدخول إليها، وأنا متيقن من أن قاضي الاستئناف سيحكم لمصلحة السيد الفالي، فقرائن البراءة التي قدمت في القضية ترجح براءته أكثر من إدانته».

من جانبهم حمّل نواب إسلاميون الحكومة ممثلة برئيسها الشيخ ناصر المحمد ووزير الداخلية الشيخ جابر الخالد مسؤولية دخول السيد الفالي إلى الكويت، وهددوا برفع سقف المساءلة السياسية «إذا استمر وجوده في البلاد أكثر من 24 ساعة»، كما قال النائب السلفي وليد الطبطبائي.

وحذر الطبطبائي «رئيس الحكومة من تبعات قضية منع الفالي من الدخول إلى البلاد، فنحن نرى أن أي تدخل يعني المساءلة السياسية، لأن القضية أمنية، ولا نعلم لماذا وكيف يتم الرضوخ فيها لضغوط البعض».

أما النائب المحسوب على تنظيم الإخوان المسلين الدكتور جمعان الحربش فاتهم من أدخل السيد الفالي للبلاد بأنه «سعى لإدخال الفتنة الطائفية إلى الكويت وعليه تحمل تبعاتها».

وتوالت الردود الشيعية على تصريحات النواب تباعا، فقد أكد النائب السيد حسين القلاف أن «السيد محمد الفالي عليه قضية، وعلينا انتظار حكم القضاء»، متهما تصريحات زملائه النواب بأنها أتت «لإثارة النعرات الطائفية والفتن».

أما النائب الشيعي الدكتور حسن جوهر فطالب «باحترام القضاء، وعدم الزج باسم رئيس مجلس الوزراء في قضايا طائفية لأن ذلك يسمم الأجواء»، ومثله استكمل النائب صالح عاشور بالقول إن «إقحام رئيس الوزراء في قضايا تحمل بين طياتها نعرات طائفية غير مقبول، وقضية السيد الفالي منظورة أمام القضاء وعلينا الانتظار لما سيحكم به».

أما الرد الأعنف فكان على يد النائب أحمد لاري الذي عاب على زميله النائب وليد الطبطبائي أن «يكون هو رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية ويطالب في نفس الوقت بإبعاد وافد لديه إقامة صالحة، ولاتزال قضيته منظورة أمام القضاء»، ومحذرا في الوقت نفسه «من شق الوحدة الوطنية».

من جانبه اعتبر النائب محمد هايف المطيري وهو ممثل تجمع ثوابت الأمة في البرلمان الذي يقف خلف قضية السيد الفالي، أن «استجابة وزارة الداخلية للضغوط التي يقوم بها البعض للإفراج عن المدعو محمد باقر الفالي المتهم بعدة قضايا من أهمها التطاول على الذات الإلهية وشتم وسب الصحابة رضي الله عنهم، أمر خطير، فالفالي وأمثاله من الوافدين الذين أخذوا يثيرون الفتن الطائفية في الآونة الأخيرة، ويساهمون بشق الصف وهدم الوحدة الوطنية بما يثيرونه أثناء لقاءاتهم ومحاضراتهم الطائفية».

أما النائب المقرب من التجمع السلفي محمد المطير فأكد أن «النائب وليد الطبطبائي لن يكون وحده في مساءلة رئيس الحكومة حول قضية الفالي، وسنقف معه ما لم يُتخذ قرار بإبعاد محمد الفالي عن البلاد».

يذكر أن هذه المرة الثانية خلال العام الجاري التي يتم فيها ارتفاع حدة الصراع الطائفي في البلاد، إذ سبق أن تفجر هذا الملف بعد إقدام مجموعة من المواطنين في فبراير (شباط) الماضي بإقامة مجلس عزاء لقائد الجناح العسكري في حزب الله عماد مغنية، وتمت إحالتهم للقضاء، كون الكويت تتهم مغنية بضلوعه في اختطاف طائرة كويتية وكذلك عدد من الاعتداءات الإرهابية التي شهدها خلال الثمانينيات، إلا أن القضاء أبرأ المشاركين في التأبين، واعتبر أن ما قاموا به يأتي ضمن التعبير عن رأيهم في بلد يرتكز أساسا على حرية التعبير.