الرئيس الروسي متمسك بمواقفه من أزمة نشر الصواريخ وساركوزي ينتقد بوش

قمة ميدفيديف ـ ساركوزي: اختلاف في السياسة واتفاق في الاقتصاد

الرئيس الفرنسي ونظيره الروسي لدى وصولهما إلى قمة نيس (أ ف ب)
TT

«اختلاف في السياسة واتفاق في الاقتصاد والمال» هكذا يمكن اختصار القمة الأوروبية ـ الروسية التي استضافتها مدينة نيس المتوسطية الفرنسية أمس بحضور الرئيسين نيكولا ساركوزي، ممثلا الاتحاد الأوروبي، والرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، بالإضافة الى رئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروزو والممثل الأعلى للسياسة الخارجية خافيير سولانا.

واحتل تهديد روسيا بنشر صواريخ «اسكندر» في جيب كالينينغراد بين بولندا وليتوانيا وبحر البلطيق مساحة واسعة في القمة من غير أن يؤدي الى أي تبديل في موقف روسيا. فقد امتنع ميدفيديف عن تقديم أية «هدية» للرئيس الفرنسي الذي يرأس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام الجاري، ما حدا بالأخير الى الإعراب رسميا عن «القلق» إزاء المشاريع الروسية بنشر درع صاروخية ردا على سعي الولايات المتحدة لنشر شبكة رادارية وصاروخية في تشيكيا وبولندا. وقال ساركوزي إنه «اشار» للرئيس الروسي قائلا «من المهم ألا يتم أي نشر (للصواريخ) في أي جيب طالما لم نناقش سلفا موضوع الأمن في أوروبا كلها». وفي محاولة لاستمالة ميدفيديف ودفعه لتليين موقفه، وعد ساركوزي ضيفه الروسي بطرح الموضوع «أواسط العام المقبل» في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. غير أن وعود ساركوزي لم تجد نفعا حيث سارع ميدفيديف الى ربط التوصل الى اتفاق أمني شامل في أوروبا بـ«التخلي عن أية مشاريع أحادية الجانب» في إشارة الى الدرع الصاروخية الأميركية. وتعتبر مصادر فرنسية متابعة للملف أن روسيا تريد «المقايضة» بين التهديد بنشر صواريخها في كالينينغراد وبين الصواريخ الأميركية في إطار «الخيار الصفر». وحمل ميدفيديف واشنطن ووارسو وبراغ مسؤولية التصعيد من خلال تأكيده أن ما تقوم به بلاده ليس سوى «ردة فعل على تصرفات دول أخرى اتخذت قرارات بنشر وسائل عسكرية على أراضيها من دون استشارة أحد» أي روسيا. وحتى الآن دفعت المشاريع الصاروخية الأميركية في أوروبا تحت حجة درء مخاطر صواريخ «الدول المارقة» الى توتير العلاقات الروسية ـ الغربية التي ساءت أكثر بسبب الحرب الجورجية. وشكلت هذه الحرب وتتماتها الموضوع الثاني في محادثات ميدفيديف وساركوزي. وسعى الرئيس الفرنسي الى التخفيف من الاحتقان بالتأكيد على أن روسيا نفذت «الأساسي» من التزاماتها إزاء المجموعة الدولية. وكان ساركوزي هو الذي توصل مع القادة الروس ومع الرئيس الجورجي الى اتفاق في شهر اغسطس بعد ايام قليلة من اندلاع النزاع. وكان لافتا للنظر أن ساركوزي لم يطالب ميدفيديف بالانسحاب الكلي من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وهما الجمهوريتان اللتان أعلنتا استقلالهما عقب حرب الصيف الماضي، واعترفت روسيا بهما بعد ذلك مباشرة، علما أن الموقف المبدئي الفرنسي والأوروبي هو التمسك بسلامة أراضي جورجيا، أي اعتبار أن الجمهوريتين الوليدتين أراضي جورجية. واكتفى الرئيس الفرنسي بمطلب تحقيق «تقدم إضافي» من قبل روسيا، مشيرا بالتحديد الى ضرورة انسحاب القوات الروسية من جيبين في جورجيا والى تمكين المراقبين الأوروبيين من دخول أراضي الجمهوريتين الجديدتين. ولقي الرئيس الفرنسي «وعدا» من ميدفيديف للقيام بشيء ما لتحاشي أي «مسببات إزعاج» بين روسيا والاتحاد الأوروبي. غير أن وعود ميدفيديف تبدو «دبلوماسية» قياسا للموقف الرسمي الروسي الذي أكده الرئيس الروسي أمس مجددا عندما اعتبر أن لا عودة عن الاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وأن المراقبين الأوروبيين «ليس لديهم ما يفعلونه» في الجمهوريتين المذكورتين. لكن الطريف أن ساركوزي، المعروف بقربه السياسي من الرئيس بوش، لم يتردد لليوم الثاني على التوالي عن انتقاده علنا وهو أمر نادر. ودافع ساركوزي بقوة عن العمل الدبلوماسي الذي قام به الاتحاد الأوروبي مقابل «المناورات» الأميركية في البحر الأسود. وقال الرئيس الفرنسي «ما بين استراتيجية بعض أصدقاء جورجيا (في اشارة الى واشنطن) واستراتيجية الاتحاد الأوروبي (القائمة على الحوار مع روسيا)، فإن الإستراتيجية الأخيرة هي التي أعطت نتائج وجاءت بالكثير». ووصف الدور الأوروبي بأنه كان «عامل سلام» بين روسيا وجورجيا.

وما لم تحققه السياسة حققه الاقتصاد، حيث أيد ميدفيديف مطلب ساركوزي بالدعوة الى قمة اقتصادية جديدة قبل نهاية شهر فبراير (شباط) المقبل. وأعرب ساركوزي عن ارتياحه لتقارب الموقفين الأوروبي والروسي لجهة إيجاد حل لأزمة أسواق المال الراهنة والطروحات التي ستناقش في قمة العشرين في واشنطن. وقال ساركوزي إن المقترحات الروسية «الفنية والمالية والاقتصادية ذات نوعية عالية، وهي تقترب كثيرا من المقترحات الأوروبية» مشيرا بالتحديد الى رغبة الجانبين في توصل القمة الى «مقررات قوية» تفضي الى «حلول شاملة لأزمة شاملة». ويشارك ميدفيديف وساركوزي في قمة واشنطن التي يغاردها الرئيس الروسي بعد ذلك للقيام بجولة في بعض دول أميركا اللاتينية، منها كوبا.