أكاديمية في الريف الهندي توثق للثقافة الشفهية وعادات القبائل قبل أن تندثر

إنقاذ ثقافات الهند.. من الألف إلى الياء

TT

في أكاديمية في الريف غرب الهند، كان خمسة طلاب يكتبون بسرعة في دفتر. كانوا في مقتبل العشرينات من العمر ومسجلين حديثا في الأكاديمية، ولا يقل الواجب المكلفين به أهمية: فعندما ينتهون من مهمتهم، ستكون هناك خمس لغات أخرى موثقة في العالم.

يؤلف الطلاب قواميس للغات التي نشأوا عليها، والتي تعد نادرة الوجود في بقية أنحاء العالم. إنها لغات شفهية، ربما لا تكون أصواتها قد كتبت من قبل.

يقول كانتيلال ماهالا، 21 عاما، وهو في فترة راحة من عمله على تدوين لغة كونكنا: «إذا فعلنا ذلك، سيستفيد منها من يأتوا بعدنا. في قريتي، لا يتحدث من يترقى من الناس إلا اللغة الغوجاراتية. فهم يشعرون بالخجل من لغتنا».

وليست اللغات المجهولة فقط هي التي يحاول الطلاب تدوينها والحفاظ عليها، بل أيضا المطابخ وعادات الملابس وعناصر أخرى مهمة من ثقافة الريف. وكما يتجه السائقون إلى وسط المدينة في وقت الذروة، يرى الطلبة أن الجميع الآخرين يذهبون في اتجاه آخر. فترى طبقة متضخمة من الهنود الطموحين في المدن الصغيرة والقرى مثل تيجغاد أن الحياة في الحضر واللغة الإنجليزية هما السبيل إلى الثراء والأمان والاحترام.

لولا غانيش ديفي، أستاذ الأدب الإنجليزي السابق الذي أسس الأكاديمية منذ أكثر من عقد، لاتخذ الشباب في ذلك المجتمع الريفي سبيلا متدنيا. فأقام الكلية، التي تعرف باسم أكاديمية أديفاسي، وكان هناك سؤال ملح يدور في ذهنه: لماذا ننتظر إلى أن تنحسر الثقافات حتى نتذكرها؟

يقول ديفي: «تتعرض قارة ثقافية للغرق، لذا قررت أن أقوم بدور حاسم». وبتمويل من مؤسسة فورد وجمعيات خيرية أخرى، تحاول أكاديمية أديفاسي أن تحافظ على الثقافة بغمر جيل جديد من المزارعين بعاداتهم التي تتلاشى بسرعة. ويسكن في مدينة تيجغاد فرع واحد من سكان أديفاسي، أو «السكان الأصليون». وأحيانا ما يتم تشبيههم بسكان أميركا وأستراليا الأصليين. وهم منقسمون إلى أجزاء عديدة، ويوجد العديد من اللغات والثقافات على عدد العشائر، ولكن هناك خيوطا مشتركة بينهم.

عادة ما تسكن العشائر المناطق المنحدرة أو المليئة بالغابات، حيث يعيشون حياة البداوة والصيد والبحث عن الطعام. ويشتهرون باحترامهم للطبيعة، والسحرة، وعبادتهم للأفيال والأشجار بدلا من الآلهة المجردة، وحبهم للفن وعدم اهتمامهم بجمع المادة.

وتسكن في منطقة تيجغاد عشيرة راثوا، التي تشتهر برسوماتها على الجدران. عندما يصاب احدهم بالمرض، يدعو أهل عشيرة راثوا رساما ومعه ساحرا. وبينما يرسم الرسام على الجدار، يدخل الساحر في حالة نشوة ويوجه له فرشاته.

في الأعوام الأخيرة، أصبح بعض السكان في تيجغاد فنانين محترفين، وهو مثال على تحول أكبر. بدأت الحداثة تزحف إلى القرى، وبدأ الشباب من سكانها في الخروج. ولكنهم غير مستعدين لذلك. فقد نشأوا على لغة لا يفهمها أحد خارج قريتهم، وليس لديهم خبرة في التعامل باللغات الغوجاراتية والهندية والإنجليزية، وهي لغة الوظائف في الحضر. وفي المدن، وجدوا أنه من الصعب الهروب من أحقر الوظائف.

وقد أراد ديفي أن يحارب هذه القوة التجاذبية. فهل يقتنع سكان الأديفاسي بدراسة ثقافتهم بدلا من التخلي عنها، والبقاء في القرى بدلا من الهرب منها؟

في متحف الأكاديمية، يجري تصوير ثقافة الأديفاسي كما لو أنه لم يعد لها وجود. ويعرض المتحف أدوات مطبخ وأواني للطعام الأديفاسي وآنية فخارية وأباريق للسوائل التي يجري تصنيعها داخل المنازل. ولو كان الهدف الرئيسي شرح ثقافة الأديفاسي للأجانب، ربما كان يتم بناء المتحف في نيودلهي، لكن الهدف الحقيقي هو إثارة إعجاب نسل الأديفاسي بثقافتهم التي تستحق العمل على الحفاظ عليها. وقال ديفي: «عندما يتمتع مجتمع ما بالشعور بوحدة الهوية والفخر بهذه الهوية، تصبح لديه رغبة في البقاء والازدهار. إن الاقتصاد الجديد مهم. والثقافة القديمة أيضاً على نفس القدر من الأهمية». بالنسبة للطلاب العاكفين على وضع المعاجم، فإنهم يعملون في إطار المقرر التعليمي الرئيسي للأكاديمية ويحمل اسم الدراسات القبلية. وبصورة عامة، يجري التدريس من خلال اللغتين الغوجاراتية والهندية للطلاب، لعدم توافر كتب باللغة التي يتحدثها الطلاب. ومثلما الحال مع غالبية خريجي الأكاديمية، اختار فيكيش راثوا، 27 عاماً، الذي تخرج منذ عامين، البقاء داخل القرى والعمل لحساب بهاشا، المنظمة الأم المالكة للأكاديمية.

وقال: «في البداية اعتقدت أني سأكتفي بالحصول على البكالوريوس والماجستير وصنع فيلم». ومن الواضح أن تعمقه في تاريخه نجح في أن يغير وجهة نظره، حيث أضاف: «مجيئي إلى هنا جعلني أرى حياتي العائلية من منظور مختلف». والآن، يعكف راثوا على تأليف كتاب عن الفن والعلوم الأديفاسية. وقال: «إننا بحاجة للتكيف مع تقاليدنا، والتقنية أيضاً».

* خدمة: «نيويورك تايمز»