المندوب السويدي لاجتماع «ثقافة السلام»: جو تفاؤل يسود عملية الحوار لأن المبادرة تأتي من السعودية

هينينغسان لـ«الشرق الأوسط»: نشعر بمسؤولية لبنائها

TT

قبل أن يجيب المندوب السويدي لاجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة «ثقافة السلام» يان هينينغسان على اسئلة «الشرق الاوسط» عن الاجتماع، توقف وقال إن هذا الاجتماع عقد في اطار مختلف عن اجتماعات سابقة تحدثت عن حوار الحضارات والاديان وبجو ساده تفاؤل غاب عن اجتماعات مشابهة في السابق. وأوضح أن السبب وراء هذا التفاؤل هو التغيير داخل الولايات المتحدة نفسها بانتخاب الرئيس الاميركي المقبل باراك اوباما. وقال هينينغسان: «اجتماعات الحوار السابقة اخترعت في مناخ مختلف تماماً، فكانت روح اليأس والإحباط والحيرة تسود العالم وخاصة في العالمين الاسلامي والغربي». واضاف: «الانتخابات العامة في الولايات المتحدة وانتصار باراك حسين اوباما (مركزاً على اسم حسين) غير هذا المناخ تماماً». وأضاف: «ربما لم يكن هذا المؤتمر في هذه الصورة لو توقع العرب والمسلمون نتيجة الانتخابات الاميركية».

وشدد هينينغسان، الذي كان مدير المعهد السويدي في الاسكندرية قبل العودة الى ستوكهولم والعمل في دائرة الشرق الاوسط في وزارة الخارجية السويدية، على ان هذا التغيير في واشنطن ستكون له تبعات واسعة في مستقبل الحوار بين الغرب والعالم العربي والاسلامي. وقال: «هذا التطور اهم مما يتصوره الشخص الغربي، فالعالم يعيش في شهر عسل رغم الأزمة المالية والبطالة ومشاكل اخرى». ولم يكن هينينغسان الوحيد الذي اشار الى اهمية انتخاب اوباما اثناء الاجتماع الذي عقد على مدار اليومين السابقين في نيويورك، فتحدث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن ارتياحه لانتخاب اوباما في مؤتمره الصحافي عشية انعقاد اجتماع ثقافة السلام، قائلاً بحماس: «اتطلع الى لقاء السيد اوباما في اقرب وقت ممكن وحتى قبل توليه منصبه»، بينما صرح بأنه غير متأكد اذا كان جدوله يسمح له بلقاء الرئيس الاميركي جورج بوش اثناء زيارته الى نيويورك.

وبالاضافة الى اهمية انتخاب اوباما وشعبيته الواسعة في العالم الاسلامي واوروبا ومناطق اخرى في العالم، اعتبر هينينغسان أن جو التفاؤل وتحريك عملية الحوار يعودان أيضاً الى ان المبادرة في نيويورك تأتي من المملكة العربية السعودية ومن طرف المسلمين بحضور قادة إسلاميين عدة في تأكيد لدعم المنطقة منهج الحوار. وقال الدبلوماسي السويدي الذي يجيد العربية: «لقد عملت 30 عاماً في مجال الحوار، وخاصة في مجال الحوار بين المسلمين والمسيحيين ومنذ البداية وحتى التسعينيات من القرن الماضي كان تقريباً كل النشاط من طرف المسيحيين وبمبادرتهم بينما كان هناك تردد من الجهة الاسلامية، ولكن ذلك تغير الآن بوضوح». واضاف: «عبر الزمان برزت صورة اوضح للثقافة الاسلامية في الغرب وشهدنا تقوية الهوية العربية والاسلامية التي نراها الآن بصورة كاملة». وتابع أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز «تمثل مبادرات بصورة جديدة تماماً، لا يوجد نموذج لها قبل الان».

وعلى الرغم من ان الاجتماع في نيويورك لم يشر المجتمعون فيه مباشرة الى هجمات 11 ستمبر (ايلول) 2001 في نيويورك وواشنطن وما تلاها من «الحرب العالمية على الارهاب»، إلا ان هينينغسان لفت الى ان «هجمات سبتمبر سببت نوعا من رد الفعل او الصدمة، ما ادى الى تناقض تاريخي، إذ فتحت ابواب جديدة حول العالم للحوار وفتحت أعين المسلمين المعتدلين الى اهمية الخوض في هذا الحوار».

ورداً على سؤال حول اهتمام السويد في هذا المجال، أجاب هينينغسان أن ذلك «نتيجة شعور بالمسؤولية تجاه العالم»، موضحاً: «لا توجد بلاد كثيرة مثل السويد، فقد بارك ربنا لنا بسلام، فلم تكن حرب على ارض السويد منذ 200 عام وهذه بركة نشكر ربنا من اجلها، لكنها تحمل مسؤولية». واضاف: «مثل سويسرا، السويد تشعر بالمسؤولية لبناء السلام وقد ظهرت شخصيات في القرن الماضي مثل داغ همرشولد وأولف بالما والعزيزة آنا ليند.. فلدينا إرث في بناء ثقافة السلام ونحن ملتزمون بها». وشدد هينينغسان على اهمية اعتبار جميع المبادرات في الحوار جزءا من عملية مستمرة ومتكاملة. وقال: «منذ عام 2002 وممثل الكنيسة الانجليكية (قس كانتربري) اقترح على امير قطر اللقاء سنوياً، وبدأت سلسلة حوارات في الدوحة ومن جهة اخرى أسست لجنة دائمة للحوار في جامعة الازهر وغيرها من مبادرات مثل تحالف الحضارات بمبادرة اسبانيا وتركيا تؤدي الى اجواء ساهمت في اطلاق مبادرات جديدة ابرز واقوى من التي سبقتها» مضيفاً: «عندما نجتمع في الامم المتحدة في اطار الجمعية العامة آخر مرحلة ضمن مراحل عدة وليست الاخيرة». ولفت هينينغسان الى ان ابرز ما يمكن ان ينتج عن حوار الحضارات هو «تعاون المؤمنين والمؤمنات من الاديان المختلفة في عمل مستمر على ارض الواقع، على سبيل المثال في مؤسسات مثل صندوق الامم المتحدة للسكان التي ترأسها الامينة العامة السيدة ثريا عبيد». واشاد هينينغسان في خطابه امام الجمعية العامة، الذي القاه بالعربية، بعمل عبيد، معتبراً انها تمثل العمل البناء بغض النظر عن اختلاف الثقافات والاديان. واضاف: «هذا التعاون مطلوب لمكافحة الايدز والختان»، موضحاً: «الحوار بالاعمال يعبر عن الدين من خلال الاخلاق والاهتمام بالاخر اكثر من اي خطاب في الامم المتحدة على رغم اهميته». وأضاف ان الخطابات التي القيت في الجمعية العامة اثناء اجتماع «ثقافة السلام» مهمة من حيث إلهام العاملين في هذه المجالات، موضحاً: «ربما التشجيع من قادة الاسلام من ملوك ومشايخ يكون مصدراً للإلهام ويساعد في مواجهة التحديات». وقال هينينغسان ان من بين المشاريع المهمة التي تساهم في هذا الحوار هو مشروع بدأ في «البيت العربي» في القاهرة عام 2004 بالتعاون مع امين عام الجامعة العربية عمرو موسى والمجلس الاوروبي ومجلس «انا ليند» السويدية وهي «مبادرة مدروسة مبنية على استراتيجية تصحيح الكتب المدرسية وارتفاع مستوى وصف الآخر». ويهدف المشروع الى اصلاح صورة «الآخر» في الكتب المنهجية في المدارس العربية والاوروبية. واوضح الدبلوماسي السويدي: «النتائج ليست للوقت الراهن بل ليوم غد وللجيل المقبل».