رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي العماد ميشال عون لـ«الشرق الاوسط»: زيارتي للسعودية عرقلتها الظروف المحلية.. وإيران ليست بديلا عن الدول العربية

قال إن المسيحيين ليسوا جالية غريبة.. والتباين مع البطريرك الماروني حسمته الأحداث

العماد ميشال عون يتحدث الى «الشرق الاوسط» (تصوير: جوزيف ابي رعد)
TT

دافع رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النيابي النائب ميشال عون في حوار مع «الشرق الاوسط» عن زيارته الاخيرة الى ايران التي أثارت جدلا، قائلا إنها لم تأت بديلا عن زيارات الى الدول الخليجية ومصر، ومؤكدا «أنا أفتش عن صداقات. وينبغي ألا يكون للبنان أعداء». وشرح ظروف هذه الزيارة بالقول ان الايرانيين أرادوا «أن يكرموني على موقفي في حرب يوليو (تموز) وعلى موقفي من المقاومة وسياسة التفاهمات التي أنتهجها في حياتي السياسية»؛ في اشارة الى تحالفه مع حزب الله. وقال عون ان زيارته الى ايران لم تشهد عقد أي صفقات، شارحا «أنا لا أملك أي صفة رسمية لأعقد معاهدة أو أعد بأي شيء آخر. كل ما أعتبر أني فعلته في ايران هو انني سمعت هناك الكلام الذي أردده هنا».

وعن زيارات محتملة له الى الدول العربية وفي مقدمتها السعودية، قال عون انه حصل على دعوة لزيارة المملكة في عام 2006 إلا ان توتر الاجواء اثر اغتيال النائب بيار الجميل دفعه الى طلب تأجيلها. وأشار الى انه أبلغ السفير السعودي لدى بيروت اخيرا أنه جاهز لتلبية الزيارة «لكن الدعوة لم تعد تأتيني، فاعتبرت ان القيادة السعودية عدلت عن الفكرة»، قائلا «أنا لست من الاشخاص الذين يتحرشون بالدول لزيارتها، ولا بالأفراد».وفي ما يأتي نص الحوار:

* الى متى يستطيع لبنان أن يتحمل بقاءه ساحة صراع اقليمية ودولية؟ وإلى أي حد تستطيع القوى السياسية المحلية عزل نفسها عن تلك الساحة؟

ـ ان أساس ضبط التدخل في الشؤون اللبنانية يكمن في السلوك اللبناني تجاه التدخل. والوحدة الوطنية هي الاساس في هذه العملية. وأي وطن يعيش هذه الوحدة لا يسمح لأي طرف خارجي بالتدخل في شؤونه. وعلى عاتق الحكومة يقع ضبط كل التدخلات. لكن طالما هناك ارتباطات مباشرة مع أي قوة خارجية سيبقى لبنان عرضة للتدخلات.

* أليس بإمكان القوى المحلية أن تعزل نفسها عن تلك التدخلات؟

ـ بالتأكيد، تستطيع ان تعزل نفسها اذا كانت هناك إرادة استقلالية من دون نظرة عدائية تجاه الأطراف العربية الموجودة على الساحة اللبنانية. وإذا كنا نستطيع ان نوجه رسالة واضحة الى جميع مسؤولي الدول العربية المتدخلة في شؤوننا بأننا بلد شقيق وصديق لا يؤذي مصالحهم من خلالنا، فإن عليهم ألا ينقلوا صراعاتهم مع الدول الاخرى الى ساحتنا الداخلية. هكذا نكون قد حافظنا على جو الصداقة معهم من دون ان نؤذيهم أو نؤذي أنفسنا. أما اذا تحزبنا نحن الى المحاور العربية فسيكون الخطأ مزدوجاً، فإما ان الطرف اللبناني يستقطب محوراً خارجياً، أو محاور خارجية تستقطب قوى محلية. لذلك على اللبناني ألا يكون مستقطباً للخارج ولا مستقطباً من الخارج.

* نعرف انك كنت قد تلقيت دعوات لزيارة عواصم عربية ومنها السعودية ومصر، فلماذا تأخرت في تلبية هذه الدعوات؟

ـ لم أتلقَ دعوة من مصر. اما بالنسبة الى السعودية فقد طلبت أنا شخصياً الذهاب اليها في عام 2005، فجاءت الدعوة في 2006. وقد أكدت زياراتي الى دول الخليج، ومنها السعودية والكويت والامارات، لكن الجو في ذلك الحين كان ضاغطاً في لبنان ومتوتراً على اثر اغتيال النائب بيار الجميل، فما كان مني إلا ان طلبت تأجيل هذه الزيارات. وفي اليوم نفسه اتصل بي السفير السعودي لدى لبنان، وأبلغني ان المملكة جاهزة لاستقبالي، فتمنيت عليه تأجيل الزيارة بعض الوقت. ولم أكن أحسب أن المسؤولين السعوديين اعتبروا التأجيل بمثابة رفض. وبعدما هدأ الوضع نسبياً في لبنان أبلغت السفير السعودي أنني جاهز لتلبية الزيارة. وقد عبرت عن هذه الرغبة يومها في الصحف، وحتى في صحيفتكم. لكن الدعوة لم تعد تأتيني، فاعتبرت ان القيادة السعودية عدلت عن الفكرة. وفي أي حال، أنا لست من الاشخاص الذين يتحرشون بالدول لزيارتها، ولا بالأفراد. وأنا أعتبر نفسي خفيف الظل من هذه الناحية.

* وماذا عن زيارة الكويت والإمارات؟

ـ أبلغت سفارتي هاتين الدولتين رغبتي في زيارتهما عندما تسنح الظروف لهما، ولم أتلقَ الجواب حتى الآن. بالاضافة الى ذلك، سئلت من أكثر من جهة اذا كنت أرغب في زيارة مصر، فأجبت بالايجاب. وبعد مؤتمر الدوحة حاولت ان أعبر شخصياً عن رغبتي في الزيارة، وأبلغت ذلك للسفير المصري لدى لبنان خلال زيارته لي، فكان بالغ الترحيب. وحتى الآن لم تصلني الدعوة. أعتقد أن كل هذه الزيارات تحتاج الى سياق جديد لأن الظروف عاكستها سابقاً، لكنني ما زلت على الاستعداد نفسه. وأنا اذا زرت أي بلد أحمل صداقة لبنان لهذا البلد وأعود بصداقته الى لبنان. وإذا كانت هذه الدول تعتبر زياراتي ذات صفة عدائية أو ضد مصالحها، فهذه مشكلتها وليست مشكلتي. أنا قوي على أرض وطني، ولست قوياً على أرض أي دولة أخرى. ولو لم أكن أمثل ما أمثل في لبنان لما كنت أدعى الى غير مكان. هدفي من أي زيارة ليس اعطائي قوة أو حقني بضعف.

* هل نستطيع، اذن، القول ان زيارتك الى ايران هي بديل عن هذه الزيارات؟

ـ ليست بديلا على الاطلاق. أنا أفتش عن صداقات. وينبغي ألا يكون للبنان اعداء. رسالته سلام وتعايش ومحبة. حتى فكرنا العسكري فكر دفاعي. لذلك يستحيل علينا ان نفتش عن عداوات في الدول الاخرى. لا بل، بالعكس، اذا كان بامكاننا ان نوفق بين هذه الدول، فلا بد من أن نلعب هذا الدور التوفيقي اذا كان مسموحاً او مقبولاً.

*هل يمكن لنا ان نعرف بماذا عدت من ايران؟

ـ زيارتي الى ايران كانت في إطار التفتيش عن صداقات للبنان. وهم شاؤوا أن يكرموني على موقفي في حرب يوليو (تموز) وعلى موقفي من المقاومة وسياسة التفاهمات التي انتهجها في حياتي السياسية. أنا لا أملك أي صفة رسمية لأعقد معاهدة أو أعد بأي شيء آخر. كل ما أعتبر أني فعلته في ايران هو انني سمعت هناك الكلام الذي أردده هنا.

* هل نستطيع القول إن زيارة رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع الى مصر هي رد على زيارتك الى ايران؟

ـ لا أريد أن أعرف اذا كانت ردة فعل أو لا. لكنها تبدو كذلك. أنا لا أعلق على الأمر. وله الحق في أن يزور من وما يرغب.

* بات من المؤكد أنك ستزور سورية، فهل سبقتها زيارات تمهيدية لممثلين عنك؟ وهل ستحمل اليهم أو يحضرون لك ما هو أكثر من التعارف الذي كنت قد اعتبرت انه هدف زيارتك؟

ـ لن نأتي بهدايا...

* ... لكن الوزير السابق سليمان فرنجية أكد انك ستعود من سورية بما يوضح مسألة المفقودين؟

ـ المسألة ليست شرطاً للزيارة أو عدمها. وأنا، كما تعلم، كنت قمة الصعوبة في وجه سورية وفي التلقي منها. لكن اي فرد أو أي دولة أو أي شعب لا يمكن أن يتوقف عند نقطة من التاريخ ويثبت قدميه فيها. وبعد زوال الظروف الاساسية لا بد من التأقلم مع الجو الجديد ومن اعادة النظر بالماضي بما يساعد على بناء المستقبل. لقد كنا أول من تصادم مع السوريين. ومع ذلك قلنا اننا مستعدون لأن نقيم مع سورية افضل العلاقات عندما تنسحب من أرضنا. وهكذا ألزمتنا صدقيتنا بوعدنا، بصرف النظر عما نحمل وعما تحملنا. ومع ذلك قلنا ونردد أن مسألة المفقودين في سورية يجب وضع حد لها. وهذا الكلام قلته في فرنسا فيما كانت القوات السورية تنسحب من الاراضي اللبنانية. ثم لا ننسى ان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أخذ هذه المسألة على عاتقه في خطاب القسم. وكرر الامر عند تسلم جثامين المقاومين على ارض المطار. وخلال زيارته الى سورية تحدث عن تشكيل لجنة مشتركة للبحث في قضية المفقودين. وانا لست في معرض تنافس مع الرئيس. ولكن اذا كنت مفيدا في هذا المجال فلن أتوانى عن توظيف ما املك.

* هل تعتقد ان هذه المسألة ستبلغ نهايتها السعيدة، إذا جاز التعبير؟

ـ ليس في المسألة سعادة، لأن هناك من توفي. وهناك من لم يصل الى سورية وقد يكون صفي في لبنان، وأعرف بعض الحالات من هذا النوع. واذا عدنا بالذاكرة الى حادثة ضهر الوحش (على مداخل القصر الجمهوري) لاستطعنا القول ان الضحايا الذين سقطوا في هذه المواجهة استعدنا جثثهم. وانت تعرف ان هذه المسألة بقيت حية لاننا تبنيناها من الاساس عبر اللجان التي اسسناها.

* هل تعتقد ان التغيير الذي حصل في اميركا، وسابقا في فرنسا، سيدفع الأطراف اللبنانية الى اعادة التموضع سياسيا؟

ـ يحاولون اعادة التموضع، لكنها اعادة غير سليمة، وفي اطار ما مورس لغاية الآن. بعد عودتي من فرنسا في عام 2005، كنت اتوقع ان اجد اصدقاء يشكرونني على ما بذلت في سبيل استعادة البلد حريته. فاذا بي أجد الطرق مقفلة بوجهي، كما فعلوا ايام السوريين لكي يستأثروا بالسلطة. والآن يمكن ان يقطعوا طريق المصنع (نقطة الحدود مع سورية). لقد حولوا زيارتي الى سورية قضية. وهل يحق لرئيس «القوات اللبنانية» الذي قصف القصر الجمهوري والسفارة الفرنسية عند دخول الجيش السوري الى قصر بعبدا ان يتفوه بكلمة واحدة عن زيارتي الى سورية؟ انا الوحيد لم يعرفني السوريون ولم أعرفهم. بلى، انا سلمت على وزير الخارجية السوري وليد المعلم للمرة الاولى اثناء انتخاب الرئيس ميشال سليمان. فهل يعيرونني اليوم باني ذاهب الى سورية بعد انسحابها من لبنان واستعدادها لاقامة العلاقات الطيبة معه؟ انا ماذا اعطيت لسورية؟ نعم اعطيتها مواقف طيبة وحسن جوار. هذه مصلحة لبلدنا ومستعدون للدفاع عنها.

* هل صحيح ان مصالحتكم مع بكركي (مقر البطريركية المارونية) التي يقال انها باتت قريبة، ستكون على اساس ما لقيصر لقيصر وما لله لله، على حد قول الوزير السابق سليمان فرنجية؟

ـ نحن لسنا مفصولين دينيا عن بكركي ولسنا في صدد تشكيل بدعة مارونية مستقلة عن الكنيسة المارونية. استغفر الله العظيم. لكن كان بيننا وبين بكركي وجهات نظر مختلفة في السياستين الداخلية والخارجية. واعتقد ان هذا الموضوع حسمته الاحداث، وحسمت الخيارات معه. وانا لست في حالة سجال مع البطريرك. والخلاف هو حالة طبيعية.

* هل كان للفاتيكان دور في هذا التوجه؟

ـ القاصد الرسولي في لبنان يدعو دوما الى التفاهم بين الطوائف المسيحية. وفي نظري يجب ألا يكون التفاهم مساويا للفكر الواحد ـ وهذا ما ابلغته للبطريرك في وقت سابق ـ لاننا عندما نصبح بفكر واحد نفقد حيويتنا وقدرتنا على التطور.

* لو افترضنا ان المعارضة الحالية تحولت اكثرية في الانتخابات المقبلة وان المعارضة العتيدة مارست الدور الذي مارسته المعارضة الحالية منذ ثلاث سنوات، فاي مطاف سنكون قد وصلنا اليه؟

ـ هل تريد المشاركة بالثلث المعطل فأهلا وسهلا بها. لكن اذا كانت تمثل اقل من الثلث فستعطى النسبة المئوية لها. وفي اعتقادي ان قبول السيد حسن نصرالله بالثلث المعطل كان كرما منه، لكننا كنا نستحق 13 وزيرا.

* ألا تفضل تجيير الثلث المعطل الى رئيس الجمهورية، ايا يكن الرئيس؟

ـ عندما كنت مرشحا لرئاسة الجمهورية كانوا يرددون أنهم لا يريدون رئيسا عنده تكتل نيابي. وعندما انتخب رئيس للجمهورية صاروا يقولون بضرورة ان يكون للرئيس تكتل نيابي. عيب ان نشتهي الشيء وضده.

* يلاحظ ان الاكثرية النيابية تروج لكتلة نيابية وسطية لرئيس الجمهورية، فهل انتم مستعدون لدعم مثل هذه الكتلة اذا كانت مختلطة من المعارضة والموالاة؟

ـ هذه حفلة تبييض سجلات. نحن لا نفصل أنفسنا عن الرئيس. ومستعدون لأن نعطيه كل كتلتنا.

* يقال ان وزراءكم يتجهون الى مقاطعة جلسات مجلس الوزراء على غرار ما فعله وزراء المعارضة في الحكومة السابقة، فما مدى صحة ذلك؟

ـ هذا الموضوع غير مطروح. لكن هناك حركة اعتراضية يقوم بها نائب رئيس الوزراء اللواء عصام ابو جمرا، لأن مجلس الوزراء من دون نظام داخلي وكل المؤسسات غير منظمة وغير خاضعة للرقابة والمساءلة. خذ الهيئة العليا للاغاثة، مجلس الانماء والاعمار، صندوق المهجرين، مجلس الجنوب وسواها.

* نلاحظ انك طورت في ما يصطلح على تسميته ثوابت مسيحية، فهل تعتقد أن الرأي العام المسيحي جاهز لاستيعاب هذا التطور، خصوصاً عشية الانتخابات النيابية؟

ـ نحن سميناها طروحات وليست ثوابت. هذه الطروحات مستقاة من حاجات مجتمعنا المسيحي داخل لبنان وحوله. وأنا أصر على ذلك لأن الشرق هو مهد المسيحية من بلاد ما بين النهرين وحتى شواطئ البحر المتوسط، وحتى شبه الجزيرة العربية. لقد وصلنا الى مرحلة وكأننا جالية غريبة في لبنان، في حين ان رسلنا هم الذين طوروا الغرب وبشروا بالمسيحية عندما كان الآخرون يعيشون في المغاور، وكانت بيروت إحدى أهم حاضرات الامبراطورية الرومانية. نستطيع ان نكون منفتحين على الغرب مع الحرص على أصالتنا الشرقية.