أميركا تخشى أن تزيد الأزمة المالية من خطر الإرهاب

خبراء: ستؤدي إلى إضعاف الحكومات الموالية للغرب حول العالم

مواطنون أتراك يتذكرون ضحايا هجوم «القاعدة» الانتحاري على معبدين يهوديين في مدينة اسطنبول حيث سقط واصيب العشرات وسط أخبار عن أن الأزمة المالية العالمية ستقدم لـ«القاعدة» والمنظمات الإرهابية منفذا جديدا (رويترز)
TT

حذر قادة الاستخبارات من إمكانية أن يؤدي استمرار الأزمة المالية العالمية إلى إضعاف الحكومات الهشة الموالية للغرب في أخطر مناطق العالم وتقويض قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على الرد في حال شن موجة جديدة من الهجمات الإرهابية.

وأشارت مصادر مطلعة إلى أن المسؤولين الحكوميين الأميركيين والمحللين قالوا إن الأزمة الاقتصادية أبرزت المخاطر القصيرة المدى للهجمات الإرهابية، حيث تسعى الجماعات الإرهابية إلى استغلال نقاط الضعف في الحدود والفجوات الجديدة في الدفاع. وإلى إمكانية أن تؤدي تلك الأزمة الاقتصادية الحالية إلى إضعاف الأنظمة الصديقة في باكستان والشرق الأوسط إذا ما حاولت الدول الغربية خفض نفقاتها على شؤون الدفاع والاستخبارات والمساعدات الخارجية. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تعزز الأزمة التحول إلى عالم مركزي آسيوي، عبر التحول إلى قوة ناشئة، كالصين التي اكتسبت نفوذا كبيرا في المؤسسات المالية العالمية وتأثيرا أكبر في عدد من العواصم العالمية.

ويشير مايك ماكونيل، أرفع مسؤول استخباراتي أميركي، حيث يشغل مدير الاستخبارات القومية إلى أن المشكلات والاتجاهات الرئيسة التي تواجه العالم ـ خاصة عدم الاستقرار الإقليمي وضعف تأثير الغرب ـ معروفة بالفعل، لكنها كما قال: تتسارع نتيجة للأزمة المالية العالمية. ويعتبر ماكونيل واحدا من بين عدد من كبار مسؤولي الاستخبارات الأميركيين الذين حذروا من إمكانية أن يؤدي الخفض الشديد لميزانيتي الدفاع والاستخبارات إلى تقويض قدرة البلاد على التوقع وصد الهجمات الإرهابية الجديدة.

هذا وتبلغ حصيلة الإنفاق السنوي الأميركي على ميزانيات عمليات الاستخبارات في الوقت الحالي حوالي 47.5 مليار دولار، وهو رقم لا يتضمن نفقات الأقمار الصناعية العالية التكلفة التي تقع ضمن نطاق ميزانية البنتاغون.

وقال تشارلز ألان مدير الاستخبارات بوزارة الأمن الداخلي في مقابلة معه: «ما يقلقني هو المدى الذي يمكن أن نصل إليه خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة»، وأضاف «ما يثير قلقي بشكل خاص هو عدم قدرتنا على الحصول على التمويل اللازم للعمل وبناء أنظمة تمت الموافقة عليها بالفعل».

وأشار مسؤولو الاستخبارات إلى أنهم لم يحصلوا على أدلة قوية لإمكانية وقوع هجمات إرهابية وشيكة، حيث أشار مايكل هايدن مدير الاستخبارات المركزية الأميركية في مؤتمر صحافي الخميس الماضي إلى أن وكالته لم تتبين أن نشاطا متزايدا في اتصالات «القاعدة» أو أي إشارات أخرى على هجمات وشيكة.

ويتفق كثير من خبراء الإرهاب الحكوميين وغير الحكوميين في أن الأزمة المالية العالمية قدمت لـ«القاعدة» منفذا جديدا، فاستنتجوا من التصريحات التي تبث على مواقع متصلة بـ«القاعدة» والمكالمات المعترضة أن قادة «القاعدة» مبتهجون من الأزمة التي تعاني منها الاقتصادات الغربية والتي يعتبرونها تتويجا لجهودهم وإشارة إلى ضعف القوى الغربية الرئيسة. ويشير بروس هوفمان الأكاديمي السابق بالاستخبارات المركزية الأميركية والذي يعمل حاليا كأستاذ في جامعة جورج تاون إلى أن الذراع العسكرية لـ«القاعدة» لا تزال مستمرة في قرع طبول الحرب، بالقول: «إن اقتصاد الولايات المتحدة على شفا الهاوية وان الجهاديين هم الذين سيدفعونها من فوق الهاوية». لكنه أضاف أن الرؤية لا تزال غير واضحة بشأن قدرة أسامة بن لادن على شن هجمة أخرى مثل 11/9، لكن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه دأب على اختيار فترات انتقالية لشن هجماته، فالهجمتان الرئيستان اللتان شنتا على الأراضي الأميركية ـ تفجير مركز التجارة العالمي في 1993 وهجمات 2001 ـ وقعتا في الأشهر الأولى لتولي الإدارة الجديدة.

وإلى جانب الظروف الاقتصادية السيئة التي تعاني منها الولايات المتحدة وأوروبا حيث يتوقع أن يحدث ركود اقتصادي العام المقبل، تزداد الأمور سوءا في دول مثل باكستان، التي تخوض الآن معارك ضارية ضد التمرد والفقر المستشري في البلاد. ويحذر عدد من الخبراء من أن استمرار الأزمة المالية يمكن أن يؤدي إلى حدوث حالة من الاضطرابات الواسعة التي يمكن أن تقوي شوكة الإرهابيين وتهدد الحكومة الباكستانية المنتخبة ديمقراطيا، مع احتمالية حدوث عواقب أكثر خطورة على المنطقة وربما العالم ككل. وينوه شهيد جاويد بوركي المواطن الباكستاني والموظف السابق بالبنك الدولي إلى أن الخفض في عدد الوظائف وارتفاع أسعار السلع الغذائية تسببت في الكثير من الغضب والإحباط الذي شاهده خلال رحلته الأخيرة إلى باكستان فيقول «إنني قلق بشكل خاص على المراكز الحضرية الكبيرة».

ويتابع المسؤولون الأميركيون تلك التطورات الجارية في باكستان بحذر بالغ بسبب الدور الباكستاني الهام في الحرب على الإرهاب، إضافة إلى الترسانة النووية التي تملكها باكستان، إذ كانت «القاعدة» قد طلبت من الباكستانيين الإطاحة بحكومتهم وقام مناصروها من طالبان بشن عمليات انتحارية استهدف بعضها منشآت اقتصادية مثل تفجير فندق ماريوت في إسلام آباد الذي وقع في سبتمبر(أيلول) الماضي.

من ناحية أخرى، عززت الأزمة المالية المخاوف بشأن الصين، على الرغم من انقسام المحللين حول كيفية تصرف الصين خلال الأزمة، خاصة إذا ما استمرت فترة الركود الاقتصادي. وقد أدى إغلاق عدد في المصانع في الصين إلى إثارة موجة من الاحتجاجات وإلى إبراز الفجوات الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية في الصين. كما عمل رفض الصين الطلب الباكستاني بمنحها قرضا قيمته أربعة مليارات دولار والعوائق الاقتصادية التي تمر بها في تضاؤل الآمال في قدرتها على إنقاذ الاقتصاد العالمي من عثرته. وتعليقًا على ذلك يقول آدم سيجال من مجلس العلاقات الخارجية الأميركية «امتدت قصة النجاح الصيني لمدة 30 عاما، لكننا الآن ندخل مرحلة حرجة». ويشير ألبرت كيدل، الاقتصادي الأسبق بالبنك الدولي ووزارة الخزانة الأميركية والخبير بمؤسسة كارنغي للسلام الدولي لشؤون شرق آسيا، إلى أن الخبراء الصينيين يرون الفرصة سانحة للعملاق الشيوعي لاحتلال مكانة بارزة على الساحة الدولية؛ ففي الوقت الذي يؤدي فيه الكساد العالمي إلى تراجع في أسواق الصادرات، تستمر الصين في تحقيق نمو قوي في الداخل، والفضل في ذلك يرجع إلى العادات الاستهلاكية للطبقة المتوسطة بها، كما ستحافظ الحوافز الاقتصادية على استمرار النمو. وينوه كيدل إلى التداعيات الكبيرة لذلك على الأمن الدولي والاقتصاد العالمي، فيقول: «إذا ما حدث ركود عالمي وزاد معدل النمو الصيني فإن هذا المعدل الزمني سيتقلص».

ويقول ديريك سيزورز المتخصص في الشؤون الآسيوية في مؤسسة هيرتدج، المؤسسة البحثية في واشنطن: «لا يتعلق الأمر بصعود الصين إلى أعلى السلم، لكن الأمر متعلق بتعثرنا وهبوطنا إلى أسفله».

ويشير ألان مدير استخبارات الأمن الداخلي في معرض حديثه عن أنظمة المراقبة المستخدمة في العراق وعلى طول الحدود الأفغانية الباكستانية «هذه برامج مكلفة، وبعضها صعبة الفهم لكنها غاية في الأهمية، وقد حققنا تقدما كبيرا، لكنني أرى أن هناك تباطؤا في الناحية التكنولوجية وهو ما يقلقني».

وأعرب جيمس آر كلابر وكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات أمام تجمع مسؤولي الاستخبارات والمتعاقدين في ناشفيل، عن أن مساعديه يبحثون عن وسائل تدعيم الوحدات وخفض النفقات، فمنذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) حظي برنامج مكافحة الإرهاب «بالكثير من الأموال»، لكن أوقات الأزمات توجب على مسؤولي الاستخبارات اتخاذ خيارات صعبة. وأضاف كلابر «دائما ما أفكر في التصريح المشكك في نسبته إلى وزير خزانة المملكة المتحدة في عام 1927 (المال ينفد منا، لذا يجب أن نشرع في التفكير)»، وأضاف «أعتقد أننا نمر بحالة كتلك».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»

* شاركت الباحثة جولي تات في كتابة هذا التقرير