جدل حول قانون الاعتقال الوقائي ومحاكمة متهمي «القاعدة» أمام محاكم جنائية

خطة أوباما تجاه غوانتانامو: سؤال يحير فريقه المعاون.. ماذا لو تمت تبرئة المعتقلين؟

TT

أثناء حملته الانتخابية للوصول إلى الرئاسة، رسم السيناتور باراك أوباما الخطوط العريضة لخطة إغلاق مركز الاعتقال القائم في خليج غوانتانامو بكوبا ومحاكمة المحتجزين أمام المحاكم الأميركية، وأعلن رفضه لنظام المحاكم العسكرية الذي وضعته إدارة بوش. والآن، مع اقتراب أوباما من تولي المسؤولية عن غوانتانامو، يثير تعهده بإغلاق مركز الاعتقال العديد من القضايا الشائكة، التي يعكف مستشاروه على دراستها. ومن بين هذه القضايا أين سيتم نقل محتجزي غوانتانامو داخل الولايات المتحدة، كيف يمكن إعادة الكثير منهم إلى أوطانهم، إلى جانب التساؤل الذي يؤكد الفريق الانتقالي المعاون لأوباما أنه أكثر ما يثير قلقهم وهو: ماذا سيكون الحال إذا ما تمت تبرئة ساحة بعض المحتجزين أو لم يكن من الممكن محاكمتهم من الأساس؟ وتكمن هذه المخاوف في قلب النقاش الدائر بين الخبراء المعنيين بالأمن القومي وأنصار حقوق الإنسان والخبراء القانونيين، والذي ازدادت حدته منذ إجراء الانتخابات. والملاحظ أنه حتى بعض الأصوات الليبرالية أكدت أنه كي تتمكن الإدارة الجديدة من التعامل بواقعية مع مشكلة الإرهاب، ينبغي أن تسعى الإدارة الجديدة للحصول على سلطة من جانب الكونغرس يسمح لها بالقيام باعتقال وقائي للإرهابيين المشتبه فيهم ممن يُعتبرون بالغي الخطورة، بحيث لا يُمكن إطلاق سراحهم حتى إن كان من المتعذر محاكمتهم بنجاح. من جهته، أكد ديفيد دي. كول، بروفسور القانون بجامعة جورج تاون، الذي كان من بين منتقدي إدارة بوش، أنه: «لا يمكن للمرء التشدد والقول بأنه ليست هناك أي ظروف من الممكن أن يضطر فيها مجتمع ديمقراطي إلى اعتقال شخص ما كإجراء وقائي». جدير بالذكر أنه رغم أن الولايات المتحدة توجد بها منذ أمد بعيد إجراءات قانونية محدودة لاعتقال الأشخاص الخطرين، الذين لم تتم إدانتهم بارتكاب جرائم، فإن القضية باتت مثيرة للجدل بشكل بالغ في إطار غوانتانامو، حيث جرى اعتقال معظم المشتبه فيهم لفترة قاربت أحد عشر عاماً من دون توجيه اتهامات إليهم. من جهته، أعرب كين جود، أستاذ الأمن القومي بمركز أميركان بروغرس، عن اعتقاده بأن مسألة ما إذا كان ينبغي على إدارة أوباما الضغط من أجل إقرار قانون للاعتقال الوقائي أثارت: «جدالاً محتدماً وجاداً للغاية»، مضيفاً: «لقد أجريت محادثات مع عناصر تقدمية استساغت الفكرة وآخرين محافظين رأوا أنها فكرة بشعة». من جانبه، رفض فريق العمل بالمكتب الانتقالي للرئيس المنتخب التعليق على مسألة ما إذا كانت هذه الفكرة قيد الدراسة أم لا. إلا أن جماعات حقوق الإنسان عملت على التصدي للضغوط التي تقول إن أوباما يتعرض لها من أجل إظهار الصرامة في ما يخص محتجزي غوانتانامو، ربما من خلال المضي قدماً في الإصرار الذي أبدته إدارة بوش، على أن الحاجة ربما تستدعي اعتقال بعض المشتبه فيهم إلى أجل غير مسمى. يذكر أن القانون الدولي الخاص بالحرب يمنح الحكومات سلطة اعتقال مقاتلي العدو حتى انتهاء الحرب. تاريخياً، تعرض عشرات الآلاف من أسرى الحرب الألمان والإيطاليين للاعتقال داخل الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية. وبينما استشهدت إدارة بوش بهذا الحق كأساس لسياسات الاعتقال التي اتبعتها، والتي أثارت انتقادات حادة، فإن سعي أوباما للحصول على سلطة صريحة باعتقال المشتبه فيهم لأمد غير مسمى بدون محاكمة سيجري النظر إليه من قبل بعض أنصاره باعتباره خيانة. ويؤكد معارضو الاعتقال الوقائي أن الاستمرار في تعامل الأسرى باعتبارهم محتجزين وليسوا متهمين داخل المحكمة سيعزز الصورة التي يعمد الإرهابيون إلى رسمها لأنفسهم باعتبارهم محاربين وليسوا مجرمين. ويشيرون إلى أنه رغم إمكانية إغلاق معسكر غوانتانامو، فإن القانون الجديد المقترح من شأنه فعلياً نقل غوانتانامو وصورتها إلى الولايات المتحدة ذاتها. وفي هذا الصدد، قالت إليسا ماسيمينو، المديرة التنفيذية لمنظمة هيومان رايتس فرست: «إننا لسنا بحاجة إلى نظام للاعتقال الوقائي فحسب، بل إن ذلك من شأنه إطالة أمد مشكلة غوانتانامو ويعيدنا إلى نفس الطريق المسدود الذي نواجهه الآن». على الجانب الآخر، يرى بعض أنصار إقرار مثل هذا القانون أنه سيحسم المسائل العالقة التي خلفتها وراءها إدارة بوش ومعاركها القانونية التي خاضتها لسنوات حول غوانتانامو. على سبيل المثال، شدد بنجامين ويتس، زميل معهد بروكنغز، في كتاب نشره في يونيو (حزيران) على أن الأميركيين بحاجة إلى اجتياز «الحاجز النفسي» وتقبل فكرة أن الاعتقال الوقائي أداة ضرورية في جهود مكافحة الإرهاب. وأضاف خلال لقاء أُجري معه: «أخشى أن يتم إطلاق سراح أشخاص باسم حقوق الإنسان ويقترفون أعمالا بشعة». وأعرب ويتس عن اعتقاده بأن الجدال الذي دار حول غوانتانامو خلق خرافة أن القانون الأميركي يسمح بالاعتقال فقط في حالة الإدانة بارتكاب جريمة. واشار ويتس الى أن حبس الأشخاص المرضى ذهنياً والذين يتم اعتبارهم مصدر خطر يعد إجراءً أميركياً مقبولا قانونياً. من العناصر المحورية التي يدور حولها الجدال الخاص في ما إذا كان ينبغي إقرار قانون للاعتقال الوقائي، الشكوك المتعلقة بالمخاطر التي تنطوي عليها المحاكمات الجنائية، حيث يحذر بعض المحامين من أن طبيعة الأدلة القائمة ضد بعض المحتجزين في غوانتانامو ربما تعجز عن إدانتهم. على سبيل المثال، قال أندرو سي. مكارثي، المدعي السابق المعني بقضايا الإرهاب، الذي يتولى حالياً إدارة مركز القانون مكافحة الإرهاب: «لدينا الكثير من المعلومات الموثوق بها والتي تفيدنا بأن شخصا ما يشكل تهديداً، ولكن لا يمكن إثبات ذلك داخل قاعة المحكمة». وربما تواجه جهود تقديم المحتجزين للمحاكمة أمام المحاكم الأميركية على قدر كبير من الصعوبة، التي ترجع في جزء منها إلى أن المشتبه فيهم الذين يتم أسرهم خلال حرب لا يحصلون على عناصر الحماية القانونية التقليدية، مثل التحذيرات ضد إدانة الذات، التي تعد واحداً من الإجراءات المعيارية التي تلتزم بها الشرطة. علاوة على ذلك، فإن الكثير من الأدلة القائمة ضد المحتجزين سرية، ويؤكد مسؤولو الاستخبارات أنه لا يمكن الكشف عنها. إلى جانب ذلك، فإن بعض أساليب التحقيق، بما في ذلك تكنيك محاكاة الغرق، ربما يجعل بعض الأدلة الحيوية التي حصلت عليها الحكومة غير مقبولة لدى القضاة الأميركيين. ويعد جاك إل. غولدسميث، المسؤول السابق بوزارة العدل في عهد إدارة بوش، الذي ألف كتاباً انتقد فيه بعض الاستراتيجيات القانونية التي اتبعتها الإدارة، من بين الأصوات الداعية لإقرار قانون للاعتقال الوقائي. وخلال لقاء أُجري معه، قال البروفسور غولدسميث، الذي يقوم بالتدريس في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، إنه يعتقد أن الإدارة كانت محقة بشأن تأكيدها على حقها في اعتقال هؤلاء الأشخاص في غوانتانامو، لكنه استطرد موضحاً أن موافقة الكونغرس من شأنها: «ضمان أن باستطاعتنا اعتقال الأفراد بشكل مشروع لفترة طويلة». بدون مثل هذا القانون، فإن أي خطة لنقل ولو بعض المحتجزين الـ250 المتبقين في غوانتانامو إلى الولايات المتحدة سوف تتطلب دراسة دقيقة لسلطة حبس المحتجزين، الذين قال العديد منهم أنهم سوف يتمتعون بأي فرصة لقتل الأميركيين. في نهاية الأمر، ربما تقرر إدارة أوباما أنه من غير الممكن السعي لاتخاذ إجراءات اعتقال وقائية جديدة. ومن شأن ذلك إثارة الاعتقاد بأن الإدارة الجديدة تسير على نهج الرئيس بوش، وهو أمر لا يسعى أوباما لتحقيقه بالتأكيد.

*خدمة «نيويورك تايمز»