أسرى محررون لـ «الشرق الأوسط»: تمنينا أحيانا.. لو لم يفرج عنا

قالوا إنهم فوجئوا بالواقع الصعب ويشكون من غياب مصادر الرزق والتقدير

TT

ما زال الأسير المحرر محمد قبها، يتلمس حياة افضل خارج سجنه، في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، بعد الافراج عنه قبل اكثر من شهرين، بعد ان قضى اكثر من 6 سنوات معتقلا في السجون الاسرائيلية. قال انه لم يكن يتوقع ان يفرشوا له بساطا أحمر، الا انه تفاجأ بالواقع والحياة الصعبة. وبرغم ان قبها عاد إلى عمله شرطيا في السلطة الوطنية، الا انه يفتقد الى التقدير المطلوب، كما يقول، ويشعر كأنه لم يقدم شيئا في حياته. أما صديقه شادي متواسي، الذي قضى كذلك اكثر من 6 سنوات، وخرج مع محمد في اواخر شهر أغسطس (آب) الماضي، ضمن 198 افرجت عنهم اسرائيل، كبادرة حسن نية تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فما زال يبحث عن عمل في مدينة رام الله، وبسبب فشله في ذلك، فإنه يرى احلامه «تتبخر» شيئا فشيئا. وكلاهما قالا لـ«الشرق الأوسط» انهما احيانا يتمنيان لو لم يفرج عنهما. وحدها خطيبة محمد، تشعره انه كان على موعد مع شيء جميل خارج سجنه. لا يتحدث باندفاع الا عندما يذكر قصة خطبته الجديدة، فقد تعرف اليها عندما جاءت واهلها الى زيارته، لكن الطريف انها تذكره دائما ان للحرية في فلسطين جدرانا لا يمكن تجاوزها، كما جدران سجنه تماما، اذ تعيش خطيبته في منطقة سياحية شمال يعبد قرب جنين تسمى «العمرة»، وهي منطقة يغلقها الجيش الاسرائيلي، ويمنع الوصول اليها الا بتصارح خاصة. وقال محمد، «خطيبتي تسكن خلف الجدار، وانا ممنوع من الحصول على التصاريح، رفض الاسرائيليون منحي التصاريح مرتين». لم يزر محمد بيت خطيبته ولا مرة. واضاف «ما بروح عندها هي بتيجي عنا، وحتى عندما خطبتها، المفروض ان الخطبة تتم في بيت العروس بس احنا عملناها في بيتنا». وبين «العَمرة»، التي تسكنها خطيبته ومنطقة «طورا» التي يسكنه محمد مسافة دقائق، لكن بفعل الجدار تحتاج خطيبته الى ان تقطع مسافة 5 كيلوات كي تزوره.

وبرغم ان محمد كان عازفا عن الزواج، الا انه قال «القلب لما يدق ما في مناص». أما عن سبب عزوفه فذلك عائد لأنه ما زال يشعر بالحرمان. وقال «الحرمان العاطفي والحياتي الذي كنت اشعر به داخل السجن، استمر معي بعده، ربما لأني لم أجد الحرية أو الحياة التي كنت أبحث عنها».

الحياة، التي كان ينشدها قبها «عادية»، الا انه تفاجأ بتغير الواقع. وقال «ونحن في الأسر، لم نكن نتوقع أن يستقبلونا بالبساط الأحمر، لكننا فوجئنا بأن القيم مختلفة عند الناس، القيم الوطنية والاجتماعية، انا فوجئت بالواقع كثير، وفوجئت بالحياة الصعبة، حتى التكافل الاجتماعي تراجع». بدا قبها مذهولا من تراجع اهتمام الناس بالوطن. وقال «القضية ضاعت، الناس لم يعودوا مهتمين بالقضايا الوطنية، الكل يتحدث بالاقتصاد». ويرى قبها ان ذلك انعكس بشكل مباشر على حياة الاسرى. واضاف «هذا انعكس علينا، واستطيع ان اقول بشكل واضح، ان الشريحة الوحيدة التي تعاني اليوم هي الاسرى واهاليهم». وتابع «لا يوجد اهتمام كاف، ما بدي احكي مثاليات، فعلا لا يوجد اهتمام، الاسرى شريحة على الرف».

ولولا عمل شادي شرطيا قبل اعتقاله، لكن الآن يبحث عن عمل. وحتى داخل عمله لا يجد شادي التقدير المطلوب. وقال «لا يوجد تقدير ولا رتب جيدة مقابل سنين الاعتقال».

ويتحدث قبها عن مجموعة من اصدقائه الاسرى يطلبون حاجتهم من المصروف من اهاليهم. وقال «البعض يذهب ويطلب 20 شيكلا (5 دولارات) من أهله». وتابع «ان السلطة لا تقبلهم لأن اعمارهم اصبحت فوق سن التوظيف، وبطبيعة الحال لا يستطيعون العمل في اسرائيل، لأنهم يعتبرون مخربين، والوضع الاقتصادي هنا صعب جدا». واكثر ما يثير قبها او يدفعه للحزن، ما يقوله له الناس. وقال «بحكولنا الناس، انت انسجنت 6 سنين على الفاضي». واضاف «اصبح لدينا ردة فعل ويأس، لا يوجد لدينا حقوق، واصبحنا نصدق اننا بالفعل اضعنا سنوات عمرنا بدون حتى تقدير. وأحيانا نجد ان بقاءنا في السجن كان افضل، كانت الحياة حقيقة افضل بكثير، هناك يوجد تقدير واحترام بالحد الأدنى».

ويؤكد شادي متواسي، صديق محمد، انه يفضل حياة السجن. وقال «احكيلك فش اهتمام فينا نهائيا، انا من يوم ما روحت ولغاية اليوم لم اجد وظيفة». كان حظ شادي اسوأ من صديقه محمد، فبدون عمل توقفت كل احلامه حتى في ان يتزوج. وقال شادي انه توجه الى وزير الاسرى اكثر من مرة من دون نتيجة، فالسلطة ليس لديها استعداد لتوظيفه. واضاف «اصبحنا نشعر احيانا اننا عالة على المجتمع».

وقضى شادي 6 سنين وشهرين السجن، وكان يعمل في السلطة الفلسطينية، لكنه تركها قبل اعتقاله لأسباب لم يذكرها. واعتقل بسبب انتمائه لفتح. وعندما خرج لم يجد «لا سلطة ولا فتح» كما يقول. واضاف «كنت اتوقع أن أجد حياة افضل من هذه، كل شيء طلع خيالي».

وكان متواسي يعتقد، انه على الاقل في حال الافراج عنه سيجد من يهتم بمصدر رزقه، «كنا نعتقد ان افضل وسيلة هي السلطة، والسطة اليوم رفضت أن تستوعبنا وبتقول انها لا تقبل اي احد».

يطلب شادي المال الذي يحتاجه من اخيه، وقال «المفروض ان تصرف لنا السلطة راتب بطالة لـ6 اشهر، ولنا مستحقات قديمة لم يدفعوها، وابلغونا عن منحة من لرئيس ولم يعطونا شيئا من كل ذلك».

يصف شادي استقبال السلطة له ولرفاقه بالدعاية الاعلامية. وقال عملونا دعاية اعلامية ونسونا بعدها، وحتى البوسترات والبقلاوة والقهوة، التي تقدم للناس الذين جاءوا للسلام علينا لم يتكفلوا بها». واضاف «انا براهنك اذا في تنظيم او سلطة جابت فلس واحد لعائلتي».

ويبدو ان الأبواب الأخرى امام شادي ايضا مغلقة، وقال «طرقنا كل الابواب، انا بصراحة صرت اخجل اقول احنا من الاسرى المحررين، وصلنا الى درجة الاحباط». هذا الاحباط يدفع متواسي للقول «والله جوا افضل (يقصد السجن) بكفي بدون مصاريف وبدون هم، ومتطلبات الحياة صعبة اليوم علينا». ومثل صديقه، كان شادي متفاجئا من تراجع اهتمام الناس بالوطن، وقال «توجهنا لبعض المؤسسات ولأشخاص وطلبنا المساعدة للاسرى، ولم يقدموا شيئا. والله للامانة مرت ايام تمنيت فيها اني ما ورحت». وبرغم الحرية بعد 6 سنوات قال «الحرية حلوة بس جوا(السجن) احسن». ولا يبدي شادي الندم على سنين عمره. وقال «نحن لم نقدم ما قدمناه لا للسلطة ولا للتنظيمات ولا للناس، نحن عملنا لفلسطين ولو عادت الكّرة مرة اخرى لعدنا».