ضغوط على أوباما للتخلي عن «البلاك بيري» قبل دخول البيت الأبيض

إجراءات أمنية تقيد حرية الرئيس المنتخب الإلكترونية

صورة أرشيفية للرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما وهو يستخدم جوّال «بلاك بيري» خاص به في يناير (كانون الثاني) الماضي («نيويورك تايمز»)
TT

عذراً سيدي الرئيس، عليك التخلي عن جهاز بلاك بيري. هذه الكلمات التي يخشى الرئيس المنتخب باراك أوباما أن يسمعها، لكنه يتوقعها عندما يتسلم الحكم في غضون 65 يوماً، بحسب أصدقائه ومستشاريه. فمنذ سنوات، كان أوباما شبه مدمن على استخدام البلاك بيري. وكان نادرا ما يبتعد هذا الجهاز عنه ـ وفي غالبية الايام كان مشدوداً إلى وسطه ـ لكي يوفر له اتصالاً بالعالم الخارجي، بينما تضيق الحلقة حوله أكثر وأكثر خلال الحملة. فقد رد أوباما على تهنئة أحد أصدقائه في رسالة ليلة فوزه، بقوله: «ما رأيك بذلك؟».

ومن المتوقع أن يضطر أوباما إلى التخلي عن جهازه قبل وصوله إلى البيت الأبيض. فإلى جانب المخاوف الامنية بشأن البريد الإلكتروني، سيواجه أيضا قانون تسجيلات الرئيس، الذي يضع مراسلاته ضمن السجلات الرسمية لتعرض بعد ذلك للمراجعة العامة ويواجه إمكانية استدعائه أمام لجان التحقيق في الكونغرس أو مجلس الشيوخ. ولم يتم اتخاذ موقف واضح بعد حول إمكانية أن يكون أوباما أول رئيس يتلقى رسائل إلكترونية، لكن مساعديه قالوا إن ذلك الأمر موضع شك.

وعلى الرغم من كل الصلاحيات والسلطات الممنوحة للرئيس، إلا أن هناك بعض الأدوات التي تحرم منها أعلى سلطة في الولايات المتحدة بموجب القانون والثقافة، في الوقت الذي تتاح فيه أمام المديرين التنفيذيين في جوانب اخرى من الحياة. ولكن أوباما يبدو مصراً على جر مكتبه، ولو جزئياً، الى القرن الحادي والعشرين، وقال مساعدوه انه يأمل في الحصول على حاسب محمول «لاب توب» على مكتبه في المكتب البيضاوي، ليكون أول رئيس أميركي يفعل ذلك.

ولم يرسل أوباما إلى الآن رسالة وداع لكل أصدقائه وأقربائه من بريده الإلكتروني، الذي يستخدمه حتى الآن ـ والذي لم يغيره منذ سنوات ـ لكن أصدقاءه قالوا إن عدد مراسلاته انخفض، على الرغم من أنه شوهد في الآونة الأخيرة يسجل أفكاره بشأن الفترة الانتقالية ومواضيع أخرى على البلاك بيري، متجاهلاً، على الأقل ولو بصورة مؤقتة، البيروقراطية التي بدأت تحيط به.

وقبل عام، عندما كان الكثير من المساهمين الديمقراطيين يشعرون بالقلق إزاء إمكانية نجاحه أمام هيلاري كلينتون، قرروا الاتصال به مباشرة. وقد غير اوباما رقم هاتفه الجوال، لكن البريد الإلكتروني ظل السبيل الوحيد للتواصل بصورة مباشرة معه.

ويقول ديفيد آكسلرود كبير الاستراتيجيين في الحملة «كان جهاز البلاك بيري دائما ما يغص بالرسائل الإلكترونية»، مضيفاً: «كان الناس كرماء جداً بنصائحهم، لكن الكثير منها كان متضارباً».

ويعد أوباما الرئيس الأميركي الثاني الذي عليه التعامل مع فكرة العزلة الاختيارية، فجورج دبليو بوش أرسل قبل توليه الرئاسة بأربعة أيام رسائل إلكترونية إلى 42 من أصدقائه وأقربائه يشرح لهم فيها وضعه الجديد.

وكتب بوش في رسالته، من بريده القديم [email protected]: «بما انني لا أرغب في تعرض مراسلاتي الخاصة للتدقيق من قبل أشخاص يريدون احراجي، فإن الخيار الأوحد بالنسبة لي هو التوقف عن استخدام البريد الالكتروني. إن ذلك سيحزنني كثيرا، فقد كنت استمتع كثيرا بتبادل المراسلات معكم».

ولكن خلال السنوات الثماني الماضية، اصبح البلاك بيري في كل مكان، والخيار الأقل تطفلاً من الهواتف، وقد تضاعفت كميات البريد الإلكتروني كما نضج دور التكنولوجيا. واستخدم أوباما البريد الإلكتروني ليبقى على اتصال دائم بأصدقائه، وكثيراً ما يبعث رسالة باسم «سوكس» بعد فوز فريق شيكاغو «وايت سوكس» في مباريات البيسبول، كما مكنته من الاطلاع عن قرب على مجريات الأحداث خلال الحملة الانتخابية.

ويشير مساعدوه إلى أنه نادراً ما كانت المذكرات الى أوباما تطبع وترسل إلى منزله أو غرفته في الفندق، فكانت ترسل ببساطة إلى جهاز البلاك بيري لمراجعتها. وإذا ما كانت المذكرة طويلة فإنه يقرأها ويرد عليها من اللاب توب ويضع التعديلات المناسبة باللون الأحمر.

ويقول أصدقاؤه ومستشاروه إن رسائله تتسم بالوضوح والحزم، خالية من الرمزية او العاطفة. وتقدم تواريخ إرسال هذه الرسائل نافذة تمكننا من الاطلاع على الوقت الذي ينام فيه ليلا، فبعض الرسائل كانت تصل إلى مساعديه في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وأحياناً في الساعة الثالثة صباحا، إذا كان يعمل على خطاب مهم.

وكان اوباما يتسلم قائمة مطولة من قصاصات الأخبار من مساعديه في محاولة لإثنائه عن متابعة المدونات والاخبار المتطورة التي ترد طيلة اليوم، ولكنهم قالوا إنه على الرغم من ذلك كان يسمع كل شيء وقت حدوثه، فشبكة أصدقائه الواسعة ـ بعضهم زملاء دراسة، وبعضهم من شيكاغو وآخرون أصدقاء قابلهم في حياته المهنية ـ وعدوه بأن يبقوه على اطلاع على كل ما يدور.

واعتبر الموظفون الذين قضوا عدداً لا يحصى من الساعات معه، إن بعده عن الإنترنت سيكون تحديا كبيرا.

فتقول لندا دوجلاس، واحدة من كبار المستشارين الذين رافقوه خلال الحملة الانتخابية: «بالنظر إلى الاهمية التي يعلقها على الحصول على معلومات لم تتعرض للتنقيح من مصادر متعددة، اعتقد انه سيفتقد هذه الحرية».

وقد اجبر اوباما، ولو للحظات قليلة، للتخلي عن الانترنت، اذ خلال الجلسات التي كان يعقدها مع مستشاريه للتجهيز لمناظراته مع السيناتور جون ماكين كانت كانت هناك قاعدة مهمة: يمنع اصطحاب البلاك بيري. وأمر ألكسندر جميع الحضور بالتخلي عن أجهزتهم خلال جلسات مناقشات العمل، حتى أوباما الذي كان يشتهر بأنه يختلس النظر إلى جهازه، لم يستثنه القرار.

وفي الوقت الذي يعد فريقه فيه للحكم النهائي بشأن إمكانية احتفاظه بحق الاطلاع على بريده الإلكتروني، أشار عدد من المسؤولين عن الاتصالات الرئاسية إلى انه من غير المتوقع أن يتمكن أوباما من ذلك.

وتقول ديانا أوين، التي ترأس برنامج «الدراسات الأميركية» في جامعة جورج تاون، إن الرؤساء ينصحون بعدم استخدام البريد الإلكتروني بسبب الإجراءات الأمنية والخوف من إمكانية اعتراض تلك الرسائل.

وتقول أوين، التي تدرس مراسلات الرؤساء في عصر الإنترنت: «من الممكن أن تحظى هذه الرسائل بنوع من الحماية، لكن كل شيء قابل للاختراق». وأضاف: «طبيعة عمل الرئيس يعني ان اخرين يمكنهم استخدام البريد الالكتروني بالنيابة عنه». لكن إذا ما كان أوباما يرغب في أن يكسر التقليد ويصبح أول رئيس يبعث برسائل إلكترونية من الجناح الغربي، ومن أي مكان يسافر إليه، فعليه أن يلجأ إلى نائب الرئيس الاميركي السابق آل غور كنموذج يحتذى. فخلال الأعوام الأخيرة من عمله نائبا للرئيس كان يستخدم البريد الإلكتروني الحكومي وبريد الحملة الانتخابية في سباقه ضد بوش. ولكن الرئيس يواجه تدقيقاً عاماً اوسع بكثير. وحتى إن لم يشد بلاك بيري إلى حزامه أو يحمل هاتفا جوالا في جيبه، فلم يخل من الوصول الى وسائل الاتصال الحديثة.

ويوم السبت الماضي، جاء خطاب الحزب الديمقراطي الإذاعي الأسبوعي الذي قرأه أوباما بجو جديد، اذ لاول مرة تم تصويره وسيسجل على ارشيف موقع «يوتيوب» الالكتروني.

* خدمة «نيويورك تايمز»