الرئيس الموريتاني المعزول: لا حوار مع الانقلابيين قبل عودتي .. وأراهن على الداخل والخارج

ولد الشيخ عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: الانقلاب لا يعكس موقف المؤسسة العسكرية كلها وليست لدي التزامات مع القادة الجدد

ولد الشيخ عبد الله
TT

يواصل الرئيس الموريتاني المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي نقل إلى مسقط رأسه، جنوب العاصمة نواكشوط، منذ الخميس الماضي، عقد لقاءات مع مسؤولين وقادة أحزاب سياسية مناوئة لانقلاب السادس من أغسطس (آب) الماضي. وشملت هذه اللقاءات رئيس مجلس النواب مسعود ولد بولخير إضافة إلى وزراء الحكومة المطاح بها وبعض الشخصيات الوطنية المعروفة.

وقد أجرى ولد الشيخ عبد الله، الذي يخضع حاليا لإقامة جبرية بمدينة لمدن (250 كيلومترا شرق العاصمة نواكشوط)، أمس، مباحثات طويلة مع القائم بالأعمال في السفارة الأميركية بنواكشوط تركزت حول الأزمة السياسية القائمة في البلد منذ الانقلاب الماضي، وتناولت تدارس إمكانية إيجاد حل لإنهاء هذه الأزمة، في وقت أعلن فيه الرئيس المخلوع عدم استعداداه لفتح أي حوار مع القادة الجدد قبل ان يعود لمهامه كرئيس شرعي للبلاد.

وأكد الرئيس المعزول، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، في مقر إقامته الجبرية، أنه يرفض الحوار مع القادة الجدد للبلاد قبل إعادته لمنصبه، مشيراً إلى أنه يراهن على جبهتي الداخل والخارج. وأوضح أن انقلاب السادس من اغسطس لا يعكس موقف المؤسسة العسكرية بقدر ما يشكل رد فعل ضابطين أو ثلاثة تمت إقالتهم. ونفى أن يكون قد قدم تعهدات للقادة الجدد قبل نقله الخميس الماضي إلى لمدن. وذكرت آمال بنت الشيخ عبد الله ابنة الرئيس السابق أن اتصالات داخلية وخارجية أجراها والدها مع أطراف عدة كانت تصب كلها في سياق الحث على ضرورة العودة إلى الشرعية وأنه حصل على تعهدات مهمة من جهات خارجية رفضت الكشف عنها، بالوقوف إلى جانبه حتى يعود لمهامه في أسرع الآجال.

وكان المجلس الأعلى للدولة قد نقل الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله من معتقله في نواكشوط إلى قرية لمدن مسقط رأسه حيث خضع للإقامة الجبرية هناك بعد ثلاثة أشهر من الإطاحة به، لكنه سمح له بلقاء أفراد عائلته وأصدقائه وحلفائه السياسيين وكان يتنقل بحرية مطلقة داخل قريته الصغيرة ويتحدث إلى وسائل الإعلام على مدى الأربع والعشرين ساعة. وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط» مع الرئيس الموريتاني المعزول:

* ماهو موقعكم الآن في المشهد الموريتاني؟

ـ موقعى هو أني رئيس شرعي منتخب ممنوع من مزاولة مهامه بالقوة ولا أتمتع بحرية مطلقة لأني رهن الإقامة الجبرية في مسقط رأسي. كل ما يمكنني القيام به هو التنقل من البيت إلى المسجد، ولم يسمح لي بالعودة إلى بيتي في نواكشوط. وبالنسبة لي فإن هناك صراعا بين القوة الممثلة في الانقلابيين وعلى رأسهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز، والشرعية الممثلة في جبهة الدفاع عن الديمقراطية التي تعمل جاهدة على عودتي إلى الحكم وهي تحظى بتأييد داخلي وخارجي قويين.

* هل صحيح أن المجلس العسكري اشترط عليكم عدم الخوض في الأمور السياسية قبل نقلكم إلى قريتكم الأصلية كما أكد ذلك وزير الإعلام الحالي محمد ولد امين؟

ـ لم أتفاوض مع الانقلابيين أبدا حول هذا الموضوع، كل ما حدث هو أن أحد اعضاء هذا المجلس اتصل بي في المساء وأبلغني انه سيتم نقلي من نواكشوط إلى هنا، وبعد ساعات انطلقت في موكب من ثلاث سيارات من بينهم اثنتان عسكريتان، ورافقني عضو في المجلس إلى قريتي، وليست لدي أي التزامات مسبقة مع القادة الجدد.

* هل لديكم استعداد للحوار مع السلطات الجديدة لإنهاء الأزمة من أجل تجنيب الموريتانيين العقوبات التي يلوح بها المجتمع الدولي؟

ـ لست مستعدا للدخول في أي حوار مع الانقلابيين قبل عودتي لتسلم مهامي، وعندما تعود الأمور لطبيعتها السابقة سأبذل كل ما بوسعي للوقوف دون ما يضر بمصلحة الشعب الموريتاني، وأعتقد أن الضباط الانقلابيين هم من يتحمل مسؤولية كل ما يتعرض له البلد من عقوبات سياسية واقتصادية، لأنهم هم من تسبب في ذلك نتيجة الانقلاب الذي قادوه، وبالمناسبة فإن هذا الانقلاب العسكري لا يعكس موقف المؤسسة العسكرية بقدر ما يشكل ردة فعل ضابطين أو ثلاثة تمت إقالتهم على خلفية محاولتهم الانشغال عن دورهم بالانغماس في الحياة السياسية وتوظيف النواب البرلمانيين لتنفيذ مخططات كانوا يعتزمون القيام بها، وكان الهدف من المرسوم الذي صدر بإقالتهم هو إحباط هذه المحاولات.

* على من تراهنون حاليا في العودة إلى القصر الرمادي؟

ـ أراهن أولا على الجبهة الداخلية التي تضم قادة أحزاب سياسية ورؤساء الغرف البرلمانية، وهي جبهة قوية أثبتت تماسكها بالصمود أمام كل المحاولات لتشتيتها وتقليص جهودها، وكان لذلك أثره البين في إفشال مخططات الانقلابيين والجهات الداعمة لهم بمحاولة تقديم صورة مشوهة للخارج عما يجرى في البلد وإظهار انقلابهم على أنه «حركة تصحيح». من ناحية ثانية أراهن على موقف المجتمع الدولي خصوصاً الاتحاد الأوروبي والإفريقي وكذلك الولايات المتحدة الأميركية، وأعتقد ان كل هذه الجهود ستعطي نتائج إيجابية قد تسهم في وضع حد للانقلابات العسكرية في موريتانيا مستقبلاً.

* كيف كانت ظروف اعتقالكم؟

ـ بينما كنت في طريقي من الإقامة بالقصر الرئاسي إلى المكتب صبيحة السادس من أغسطس الماضي لاحظت أن عناصر الأمن المكلفة بحراستي الشخصية قد عززت بعنصرين آخرين، ولفت ذلك انتباهي دون أن أجد تفسيراً واضحاً لذلك، وإن كنت أدرك أني اتخذت قراراً جريئا بإقالة الضباط.

قطعت بضع خطوات في اتجاه المكتب وبدلا من أن يرافقني الحراس إلى مكتبي كالعادة طلبوا مني التوجه معهم إلى جهة لم يكشفوا عنها وهددوني باستخدام القوة في حال عدم انصياعي لأوامرهم. كانت المحطة الأولى هي غرفة صغيرة بمقر قيادة الحرس الرئاسي، حيث مكثت يوماً وليلة ثم انتقلت إلى فيلا في قصر المؤتمرات وكانت مجهزة بكل ما أحتاجه، ووضعوا عناصر من الحرس رهن إشارتي ثم سمحوا لي بالتفرج على التلفاز وسماع الراديو، لكنهم منعوني من الاتصال بأفراد عائلتي ولو عن طريق الهاتف. وهكذا بقيت في هذه الوضعية لثلاثة اشهر ويومين قبل نقلي إلى مسقط رأسي، وقد التقيت خلال هذه الفترة بالسفير الفرنسي في نواكشوط ومبعوثين آخرين أحدهما من الاتحاد الإفريقي والآخر من السنغال، كما التقيت بمجموعة من الحقوقيين الموريتانيين.