دراسة ترشيح هيلاري كلينتون للخارجية تسلط الأضواء على دور زوجها

مخاوف من تصادم المصالح بين الرئيس السابق والإدارة الجديدة

TT

أوضحت مصادر مطلعة في الحزب الديمقراطي أن مستشاري الرئيس المنتخب باراك أوباما شرعوا في دراسة النشاطات والموارد المالية للرئيس السابق بيل كلينتون للنظر في إمكانية إسناد حقيبة وزارة الخارجية إلى زوجته هيلاري رودهام كلينتون.

ويكشف فحص البيانات الخاصة بالرئيس السابق عن مدى جدية أوباما في ضم منافسته السابقة في الترشح لمنصب الرئاسة إلى ادارته. وكانت مصادر مقربة من المعسكرين قد أشارت اول من امس إلى أن أوباما التقى كلينتون يوم الخميس الماضي للحديث بشأن التوقعات في الفترة المستقبلية القادمة ومن ثم تسربت الأنباء. وأوضحت المصادر احتمالية أن يطلب منها أوباما تولي المهمة على افتراض إمكانية التوصل إلى صيغة بشأن دور الرئيس السابق كلينتون.

وذكرت مصادر مقربة من كلا المعسكرين أن فريق المحامين الذي يحاول تسهيل ذلك الترشيح المحتمل قضوا عطلة نهاية الأسبوع في الاستفسار عن منظمة كلينتون الخيرية وعلاقاته بالحكومات الأخرى وارتباطاته بشركات الأدوية. فعلى الرغم من استخدام كلينتون لمؤسسته للمساهمة في جهود محاربة الإيدز والفقر والتغير المناخي، إلا أنه تقاضى ملايين الدولارات في مقابل المحاضرات التي ألقاها وكذلك مساهمات من مسؤولين أجانب ورجال أعمال تربطهم مصالح بالسياسة الحكومية الأميركية.

ويناقش مستشارو أوباما مع كلينتون الأمور التي يتوجب عليه القيام بها لتجنب تصارع المصالح مع واجبات زوجته، التي قيل إنها راغبة في شغل المنصب. وقال أحد كبار مستشاري أوباما «تلك هي العقبة الأولى والأصعب والأهم»، موضحاً: «إنه يقوم بعمل جيد، ولا أحد يرغب في وقفه، لكن يجب التفكير بتضارب المصالح».

وقال اكثر من عشرة مستشارين لكلا المعسكرين يوم الاحد الماضي إنه على الرغم من انهم لم يحصلوا على معلومات مؤكدة حول هذا الترشيح، إلا أنهم اعتبروا من غير الوارد أن يفتح أوباما الباب أمام احتمال تعيين كلينتون بدون أن يكون قد قرر ذلك بالفعل، أو حتى على الأقل مبدئياً أنه يرغب في حدوث ذلك. ومن الممكن ان يؤدي رفض تعيينها بعد الحديث عن احتمالية توليها حقيبة الخارجية إلى المخاطرة بحدوث انقسامات في الحزب الذي عانى العام الماضي من المنافسة بين أوباما وآل كلينتون.

وقد أحدثت إمكانية تولي هيلاري كلينتون وزارة الخارجية رد فعل إيجابي حتى من الحزب الجمهوري، فأوردت وكالات الأنباء أن هنري كسينجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق حيا أمام منتدى في نيودلهي هذا الاختيار بالقول «إنها سيدة تتمتع بذكاء كبير، وأظهرت قدرًا كبيرًا من التصميم وسيكون خيارًا صائبًا».

وخلال حديثه أمام المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في الكويت اول من امس، اعترف بيل كلينتون بإمكانية تولي زوجته مسؤولية وزارة الخارجية وقال: «إذا قرر تعيينها وزيرة للخارجية فأعتقد أنها ستكون وزيرة خارجية رائعة فقد عملت بجد من أجل فوزه بالرئاسة بعد انتهاء المعركة الانتخابية الاولية، وكذلك عملت أنا أيضاً، وقد سعدنا جدًا بفوزه».

واحد المؤشرات إلى إمكانية تعيين كلينتون كان تعيين جورج كريغ في منصب مستشار البيت الأبيض بدلاً من مستشار للأمن القومي أو نائب لوزير الخارجية كما توقع البعض. على الرغم من الصداقة التي جمعته بآل كلينتون منذ ايام الجامعة وتمثيله لكلينتون أثناء محاكمته بسبب فضيحة مونيكا لوينسكي، إلا ان كريغ دعم أوباما منذ بداية الحملة الانتخابية وكان واحد من أشد منتقدي خبرة هيلاري كلينتون بالسياسة الخارجية. وعلى الرغم من اعتقاد بعض المراقبين بأنه لا يوجد رابط بين الأمرين، إلا أن آخرين قالوا إن إلحاقه بمنصب متعلق بالسياسة الخارجية سيكون أمرا غير مقبول إذا شغلت هيلاري كلينتون منصب وزيرة الخارجية.

كان أوباما وهيلاري قد حافظا على سرية محادثاتهما لكن ذلك الصمت اوعز لمساعديهما بأن تلك التوقعات صحيحة، فيقول جيمس كارفيل الصديق والمستشار المقرب لكلينتون منذ زمن طويل «لم يطلب منا أحد عدم التمادي في التفاؤل، فالصمت قد يكون موحيًا بقدر الحديث».

وقال أحد المستشارين المقربين من هيلاري كلينتون والذي اشترط عدم ذكر اسمه: «إذا كانت تلك بالونة اختبار فقد طفت على السطح» وقال آخر: «لا أعتقد أنهم سيثيرون كل تلك الدعايا ما لم يكن الأمر حقيقيًا». وقد التقى أوباما خلال الأسبوع المنصرم، في مكتبه للفترة الانتقالية في شيكاغو ستة على الأقل من أعضاء حكومته القادمة مركزًا على وزيري الخارجية والخزانة، وقد خطط فريقه للإعلان عن أول منسق لسياسات واستراتيجيات مجلس الوزراء هذا الأسبوع، لكن مستشاري أوباما قالوا إنه لم تتخذ قرارات بشأن ذلك بعد. وأوضح ديمقراطيون أن أوباما كان يفكر في بيل ريتشاردسون حاكم ولاية نيومكسيكو ومرشح آخر ربما يكون السيناتور جون كيري النائب عن ولاية ماساشوتس لمنصب وزير الخارجية.

وتشارك هيلاري كلينتون أوباما في آرائه في السياسة الخارجية، لكن المناظرات التي عقدت للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة شهدت سجالاً حاداً بينهما، إذ اتهمته بأنه غير آهل لتولي الأزمات العالمية واتهمته بالسذاجة عندما قال إنه سيتفاوض مع إيران بدون شروط مسبقة ويؤيد الضربات الجوية للإرهابيين في باكستان حتى بدون الحصول على إذن مسبق من الحكومة الباكستانية، كما هاجم الدعم المبدئي لحرب العراق واتهمها بالمبالغة في ركائز سياستها الخارجية.

وعلى الرغم من هيلاري ستضيف ثقلاً سياسيًا استثنائيًا إلى حكومة اوباما إلا أن ذلك أثار التساؤلات حول إمكانية تقاطع دورها مع جوزيف بيدن نائب الرئيس والذي يملك صلاحية كبرى في السياسة الخارجية، ومن الممكن أيضًا أن يؤدي ذلك إلى تقويض خياراته بشأن مناصب أخرى مثل مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع حيث يحاول أوباما إيجاد توليفة من الشخصيات التي تتمتع بالاتساق فيما بينها. وقد قال أحد المستشارين الديمقراطيين إنه يبدو من الواضح أن بيل كلينتون سيكون العقبة في وجه هذا التعيين، فالمحامون يحاولون دراسة الفترة التي تلت رئاسته بأسرع ما يمكن، وكذلك فإن هذه الدراسة يشرف عليها المستشار الشخصي لأوباما كريستيان فارني التي كانت المساعدة السابقة لكلينتون في البيت الأبيض.

وقد كان من غير الواضح ما إذا كانت المراجعة ستمتد لما وراء السجلات المتاحة أو ما إذا كان كلينتون قد أطلعهم على سجلاته الخاصة، لكن لديه حافزاً قوياً للقيام بذلك، حيث يقول أحد المستشارين الديمقراطيين: «لأول مرة منذ 16 عامًا يضطر للتعاون مع شخص آخر، عندما علم برغبة زوجته في تولي المنصب».

وصرح مستشارو أوباما أنه بالرغم من المشاكل المتوقعة، إلا أن كلينتون سيمثل ثقلاً كبيرًا كشخصية بارزة حول العالم والذي سيعمل بهمة كسفير بدون أجر لسياسات أوباما، كما عبروا عن تفاؤلهم المشوب بالحذر من إمكانية تطوير خطوط إرشادية تكون ملائمة للقيام به.

وقد جمع بيل كلينتون منذ مغادرته للبيت الأبيض ثروة كبيرة من خلال المحاضرات والكتب والصفقات التجارية وأنشأ أيضًا منظمة خيرية تساعد في نشر التعليم وتقديم الرعاية الصحية والتغذية على مستوى العالم، كما سافر إلى دول العالم المختلفة كشخصية بارزة يدعو قادة دول العالم لدعم أهدافه، لكنه في ذات الوقت قبل ملايين الدولارات من مسؤولين أجانب ورجال أعمال بدون الكشف عن أية تفاصيل بشأنها. كانت مؤسسة كلينتون قد جمعت 500 مليون دولار مما سمح له بإنشاء المكتبة الرئاسية للفن وجعلها تبرز كمؤسسة خيرية عملاقة، لكنه غير مطالب من قبل القانون بالكشف عن المتبرعين وهو ما دفعه إلى الرفض المطلق للقيام بذلك.

ولم يثر أي من المانحين لمؤسسة كلينتون أية تساؤلات أكثر من فرانك جيوسترا تنفيذي التعدين الكندي، حيث تشارك كلينتون وجيوسترا مأدبة عشاء مع رئيس كازاخستان نور سلطان نزار باييف، حيث امتدح كلينتون عرض نزار باييف ترؤس منظمة دولية لمراقبة الانتخابات مقوضًا بذلك السياسة الخارجية الأميركية والانتقادات الحادة التي وجهتها زوجته لكازاخستان لسجلها في حقوق الإنسان.

وبعد يومين من الرحلة وقعت شركة جيوسترا اتفاقات أولية تمنحها الحق في شراء ثلاثة مشروعات لليورانيوم تسيطر عليها كازاخستان. وقال متحدثان باسم الرجلين إنه لا توجد علاقة بين الرحلة والصفقة. وبعد عدة شهور منحت المؤسسة التي يرأسها جيوسترا مؤسسة كلينتون 31.3 مليون دولار وهو ما يعتبر أضخم التبرعات التي أعلن عنها. * خدمة «نيويورك تايمز» ـ ساهم كل من دون فان ناتا وجيف زيليني في كتابة هذا التقرير