الكويت: أجواء التوتر السياسي قائمة.. وعودة الحديث عن حل البرلمان

الخرافي يحمّل وسائل الإعلام مسؤولية التأزيم.. وترجيح استقالة جماعية للحكومة

TT

بدا المشهد السياسي في الكويت أمس ضبابيا، إذ أعلن النائب الدكتور وليد الطبطبائي تأجيل تقديم استجوابه بحق رئيس مجلس الوزراء إلى صباح اليوم، وسط تحذيرات حكومية من مغبة العبث والتمادي في الخوض بالمسائل المثيرة للطائفية.

وفيما اعتبر بأنه رسالة مبطنة للنواب، كلف أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد أمس، رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد تمثيله شخصيا في حفل افتتاح مؤتمر منظمة «برلمانيون ضد الفساد» الذي افتتح أمس في البرلمان تحت رعايته، وفسر مراقبون الخطوة الأميرية بأنها رسالة للنواب مفادها أن «رئيس الحكومة لا يزال محل ثقة الشيخ صباح الأحمد».

من جانبه أشار النائب وليد الطبطبائي الى أن تأجيل استجوابه أتى بعد انقضاء موعد العمل الرسمي داخل البرلمان، كاشفا عن أن السبب وراء التأخير يعود إلى إضافة محاور جديدة لمساءلة رئيس مجلس الوزراء أبرزها التجاوز في القيود الأمنية، والتعدي على القوانين، وغياب هيبة الدولة، والفشل في إدارة الأزمات. وكان الطبطبائي قد أعلن مطلع الأسبوع اعتزامه والنائبين المقربين من الكتلة السلفية محمد المطير ومحمد المطيري تقديم استجواب بحق رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد لمسؤوليته عن دخول رجل الدين الشيعي الإيراني السيد محمد الفالي إلى البلاد وهو ما اعتبروه تجاوزا للقانون، كون الفالي مدانا بموجب حكم قضائي بتهمة سب الصحابة، وأعطته الداخلية الكويتية مهلة حتى بعد غد الخميس لمغادرة البلاد، فيما كان يفترض فيها أساسا منعه من الدخول.

ومساء تواترت أنباء عن عقد رئيس الحكومة اجتماعات مع أطراف نيابية بهدف احتواء الأزمة، كما أعلنت مصادر مقربة من السيد الفالي اعتزامه عقد مؤتمر صحافي مساء غد الأربعاء لتوضيح بعض الأمور المرتبطة بقضيته، وهو ما رأت فيه مصادر مقربة من المستجوبين «محاولة لاستفزاز مشاعر الشعب الكويتي»، كون المستجوبين يضغطون على السلطات لترحيل الفالي في أسرع وقت ممكن.

وكانت الكويت قد شهدت أمس أجواء سياسية مشحونة على خلفية انتشار أنباء متضاربة، لم يتسن التأكد منها، حول احتمال تقديم الوزراء استقالة جماعية متى ما تم تقديم الاستجواب، كما تناقلت أنباء أخرى، احتمال حل البرلمان بشكل دستوري والدعوة لانتخابات مبكرة لمواجهة تداعيات تقديم طلب الاستجواب بحق رئيس مجلس الوزراء.

وأكد الطبطبائي في مؤتمر صحافي عقده أمس بالبرلمان للإعلان عن التطورات في استجواب رئيس مجلس الوزراء أن «القضية ليست سنة وشيعة، بل تعد على القيود الأمنية، وهذا سيؤدي إلى الفوضى في البلد، ويدفعنا إلى التساؤل عن عدد الأشخاص الذين تمكنوا من دخول البلاد وهم ضمن قائمة الممنوعين من دخولها».

وكشف الطبطبائي عن أنه سيأخذ بالاعتبار إذا أبعد الفالي عن البلاد قبل تقديم الاستجواب، «لكن هذا لا يعني أننا سنتراجع عن تقديم صحيفة الاستجواب، ومتى ما تم ذلك فإننا سندرس هذا الموضوع إذا حصل، وسنقيمه دون تعهد أو التزام بعدم تقديم الاستجواب، لأن كسر القانون تم ويجب المحاسبة على ذلك»، معتبرا قرار الداخلية الكويتية إبعاد السيد الفالي «قاصرا لأنه أعطاه مهلة أطول من 48 ساعة لتخليص أموره، وهو الذي كان يجب ألا يدخل البلاد أصلا». وأحيى الطبطبائي فكرة إعادة الدمج بين منصبي ولاية العهد ورئاسة الحكومة التي كانت الكويت تعمل بمقتضاها حتى 2003 مبينا «نحن شعرنا بأن رئاسة مجلس الوزراء ضعيفة، وربما يكون من المناسب مؤقتا الجمع بين ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء حتى يكون لكرسي رئيس الوزراء هيبته»، ومضى بالقول «هناك اختلافات في وجهة النظر بيني وبين رئيس الحكومة، وأتمنى من الرئيس أن يترك قيادة مجلس الوزراء لغيره، فأنا أرى أنه غير قادر على القيام بالأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقه في قيادة دفة البلاد».

أما النائب الشيعي صالح عاشور فبين أن «هناك مجموعة من النواب لديهم أجندة خاصة، ويهدفون لإفشال مهمة رئيس الحكومة والدعوة لحل مجلس الأمة لأهداف خاصة».

وقال إن ربط استجواب رئيس الحكومة بسفر السيد الفالي دليل على ضحالة وتفاهة الاستجواب»، لافتا إلى أن «إعطاء تعليمات لرئيس الحكومة أو وزير الداخلية بإخراج الفالي خلال 24 ساعة فيه إسفاف، والتصعيد في قضية لا تستحق كل هذه الضجة»، مضيفا بأن «على أعضاء مجلس الأمة (البرلمان) الاهتمام بقضايا البلد ومشاكل الناس، بدلا من أن ندخل من مشكلة إلى أخرى، وجميع هذه المشاكل ثانوية».

وأكد عاشور أن رجل الدين الشيعي الإيراني الجنسية السيد محمد الفالي سيخرج بعد غد الخميس وأنه «سيعود للكويت بتاريخ 15/12 لأن قاضي الاستئناف طلب أن يمثل أمامه لاستئناف الحكم في القضية التي أدين فيها، وبالتالي فمن حق أي متهم أن يدافع عن نفسه حتى تثبت براءته، وعدم الإتاحة للمتهم للدافع عن نفسه أمام المحكمة فيه انتهاك لحقوق الإنسان، وعلى رئيس لجنة حقوق الإنسان النائب وليد الطبطبائي أن يقف مع أي متهم حتى تثبت إدانته أو براءته».

وعلى صعيد مواز، أكد رئيس البرلمان الكويتي جاسم الخرافي أمس «حاجة البلاد الماسة إلى الوحدة الوطنية والتضامن ووحدة الكلمة في ظل الظروف المحيطة بالمنطقة، وأن تحقيق ذلك مسؤولية الجميع».

وبين بعد مغادرته البرلمان أمس بأن انتهاء ساعات العمل الرسمية حال دون تسليم الأمانة العامة تقديم طلب لاستجواب رئيس مجلس الوزراء، ذاكر بأنه «حتى انتهاء الدوام لم يقدم أي استجواب، ولا نستطيع استلام أي شيء بعد ذلك، وإذا كان الطلب سيقدم، فربما يكون غدا (اليوم) خلال ساعات العمل».

وحول وجود نية لحل البرلمان شدد الخرافي على أن «هذا الموضوع لا يستطيع أي كان أن يناقشه، فهو حق مطلق لسمو الأمير، وبالتالي فليس هناك أي مجال للحديث عنه أو إبداء وجهات النظر فيه».

وقال الخرافي أن دوره كرئيس للسلطة التشريعية «سيستمر في إيجاد المعالجة التي تحقق استقرار الكويت ووحدة الكلمة فيها، والجميع مطالب بتحقيق الاستقرار، فبلدنا لا تتحمل، وليس من الممكن الاستمرار في أوضاع التأزيم والإثارة والخروج من أزمة للدخول في أزمة أخرى».

وطالب الخرافي وسائل الإعلام بالتعاون للعمل على استقرار الأوضاع في البلاد، وخاطب الصحافيين وممثلي وسائل الإعلام قائلا بأن «الملامة تقع عليكم أيضا فيما ينتج من أحداث، فنحن في مرحلة حساسة وحرجة تتطلب الحرص على الوحدة الوطنية والتضامن ووحدة الكلمة، وهو ما يتطلب ضرورة تعاون وسائل الإعلام مع الجميع في ذلك».

يذكر أن مجلس الوزراء أصدر بيانا مساء اول من أمس أكد فيه «حرصه على حماية معتقداتنا وثوابتنا الإسلامية الراسخة وصيانة أركانها ومقوماتها»، وشدد على أنه «لم ولن يسمح بالتطاول أو الإساءة إلى صحابة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام وإلى منزلتهم الرفيعة».

وأضاف البيان الذي جاء ردا على محاولات الربط بين قضية السيد محمد الفالي واستجواب الطبطبائي بأن «مجلس الوزراء يحذر الجميع من مغبة العبث والتمادي في الخوض في هذه المسألة بما لها من قدسية، وبما تنطوي عليه من أبعاد بالغة الحساسية والخطورة، تطال ثوابت عقيدتنا الإسلامية ووحدتنا الوطنية».

وفيما اعتبر تصعيدا حكوميا، أشار البيان إلى أن «مجلس الوزراء هو السلطة التنفيذية التي أنيط بها بسط سيادة القانون، وفرض هيبته وتطبيقه على الجميع، ويرفض التدخل في اختصاصاته وصلاحياته، ولن يسمح لكائن من كان وتحت أي سبب أو مبرر المساس بوحدتنا الوطنية».

وأضافت الحكومة بحسب البيان الصادر عنها بأن «مجلس الوزراء لن يتردد في اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير التي تكفل صيانة الوحدة الوطنية وتعزيزها والمحافظة على أمن الوطن واستقراره ومحاسبة العابثين به».

يذكر أنه سبق للنواب أحمد السعدون وأحمد المليفي والدكتور فيصل المسلم تقديم طلب استجواب بحق رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد في مارس (آذار) 2006، وانتهى بحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، وذلك وفقا لمادة دستورية تخول أمير البلاد إما حل البرلمان أو إقالة الحكومة متى ما قدم البرلمان طلبا بعدم إمكان التعاون مع رئيس الحكومة.

وكانت أزمة رجل الدين الشيعي الإيراني الجنسية السيد محمد الفالي قد تفاقمت لتصل إلى حد مساءلة رئيس الوزراء إثر دخوله البلاد الخميس الماضي قادما من طهران، وهو ما اعتبره نواب إسلاميون استفزازا ومحاولة لإثارة الفتنة الطائفية، خاصة بعد صدور حكم قضائي في يونيو (حزيران) الماضي يغرمه عشرة آلاف دينار كويتي (حوالي 37 ألف دولار أميركي) إثر إدانته في قضية سب الصحابة كان قد رفعها ضده أحد المواطنين، ما دفع الفالي لاستئناف الحكم وتحديد منتصف الشهر المقبل موعدا للفصل في قضيته، ويؤكد النواب المقربين من الكتلة السلفية مسؤولية رئيس مجلس الوزراء عن دخول الفالي للبلاد رغم وجود قيد أمني يمنعه من دخول الأراضي الكويتية.