مستشار الرئيس كلينتون الخاص السابق: لن تحدث «ثورة» في سياسة أميركا الخارجية

واشنطن لن تبيع لبنان لسورية والبيت الأبيض لن يتخلى عن الخيار العسكري ضد إيران

TT

دعا روبير ماليه المستشار الخاص السابق للشؤون العربية ـ الإسرائيلية للرئيس الأميركي بيل كلينتون ومدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة «أنترناشيونال كرايزيس غروب» الأميركية الى عدم توقع «ثورة» في سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية في عهد الرئيس المنتخب باراك أوباما. وقال ماليه الذي كان يتحدث أمس في باريس بدعوة من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن سياسة أوباما الخارجية «ستشهد فور تسلمه لمسؤولياته انقطاعا فوريا» مع بعض سياسات الرئيس بوش مثل إغلاق معسكر غوانتانامو وبدء سحب القوات الأميركية من العراق وانفتاح أكبر على العالمين العربي والإسلامي والتزام متجدد بالسلام في الشرق الأوسط وإرسال مبعوث أميركي خاص الى المنطقة، لكنه أضاف أنه «لا يتعين انتظار تغيير ثوري في السياسة الأميركية، إذ أن عناصر الاستمرارية عديدة والأسس التقليدية لسياسة واشنطن ستبقى هي نفسها». وتفضي قراءة ماليه لتوجهات الرئيس أوباما الى توقع «تعديل» في رؤية الولايات المتحدة للعالم الخارجي. وفي الشرق الأوسط، ينتظر ماليه انفتاحا أميركيا على سورية وإيران تبنيا للمفاوضات السورية ـ الإسرائيلية وربما للموضوع الفلسطيني ـ الإسرائيلي شبيهة بمقاربة الرئيس كلينتون، لكن ماليه يرى أن ذلك لا يعني بتاتا أن الولايات المتحدة «ولدت من جديد». وفي الموضوع الإيراني يرى ماليه أن الجديد هو في قيام حوار بين واشنطن وطهران وهذا «لم يحصل منذ عقود». ورغم ذلك، دعا ماليه بعض دول الاتحاد الأوروبي التي تتخوف من «تسرع» أميركي في الانفتاح على إيران إلى «الاطمئنان» إذ أن سياسة أوباما، في المرحلة الأولى ستقوم على المراقبة وانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية. وباعتبار أن الرئيس الجديد يرى أن ميزان القوى في الوقت الحاضر «يميل لمصلحة إيران» فإنه سيكون «مضطرا لإبراز عضلات أميركا» عبر التزام مواقف متشددة منها. ويذهب ماليه أبعد من ذلك إذ انه يعتبر أن إدارة أوباما لن تتخلى حتى عن سيناريو الضربة العسكرية ضد إيران. ويقول ماليه إنه يتعين على المسؤولين الإيرانيين أن يفهموا الرسالة التالية: «إذا فشلت المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي وإذا تبين للإدارة والخبراء الأميركيين أن إيران تقترب من حافة امتلاك التكنولوجيا النووية العسكرية، فإن خيار استخدام القوة العسكرية (لوقف هذا البرنامج) يعود واردا».

ويتقاطع هذا التحليل مع قراءة فرنسية تصب في الاتجاه عينه، وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس تعتبر أن الشهور الستة التي تتبع الانتخابات الرئاسية الإيرانية «ستكون حاسمة» وأنها «تشكل النافذة الدبلوماسية التي يمكن فيها التوصل إلى تسوية شاملة مع إيران تشمل الملف النووي». وبحسب باريس، فإن الخبراء الإسرائيليين يرددون في العواصم الغربية أن إيران تقترب من «العتبة النووية» وأنها «ستكون قادرة على تصنيع أول قنبلة لها مع أواخر عام 2009 وهذا ما تؤكده تقارير استخبارية أوروبية». ووفقا لذلك، فإن صيف وخريف العام القادم «سيوفران مؤشرات حول نية طهران بعد أن تكون واشنطن قد بدأت الحوار معها». وانطلاقا من ذلك، فإما أن تقبل إيران «تسوية متكاملة تعترف بدورها وبمصالحها الاستراتيجية وتضمن أمن نظامها وبالتالي تقبل التخلي عن برنامجها النووي أو أن الخيار العسكري يصبح واردا جدا» إن أميركيا أو إسرائيليا.

وفي الموضوع السوري، يرى ماليه أنه يتعين على الإدارة الأميركية ألا تذهب إلى الحوار مع دمشق ومن بين أولوياتها إبعاد سورية عن إيران وحماس وحزب الله باعتبار أن سورية «لن تتخلى عن هذه الأوراق ولن تفرط تحالفها مع إيران هكذا». وفي حديث لاحق، قال ماليه لـ«الشرق الأوسط» إن أوراق إيران وحزب الله وحماس هي التي «تسمح لدمشق بأن تلعب دورا أكبر من وزنها الإقليمي»، مضيفا أن هذه الموارد هي «الموارد الحقيقية لدمشق» التي تفتقر للثروات الطبيعية. وبحسب ماليه، فإن فرض هذا الانقطاع كشرط مسبق من قبل الولايات المتحدة على سورية يعني أن الحوار «لا فائدة منه ولن يعطي نتيجة». ولكن بالمقابل، يمكن أن تكون هذه الأهداف «نتيجة» للانفتاح على سورية خصوصا إذا ترافق ذلك مع توقيع سلام مع إسرائيل. ويرى ماليه أن السلام سيدفع سورية الى إعادة رسم علاقاتها مع هذه الجهات كما سيفرض على هذه الجهات أن «تعيد النظر في وضعيتها» بما في ذلك إيران التي يتعين عليها هي أيضا أن «تعيد النظر بمواقفها إذا تغيرت وضعية سورية، حليفها الاستراتيجي في الشرق الأوسط». وفي الملف اللبناني وتحديدا إزاء مخاوف بعض الجهات اللبنانية من انتخاب أوباما واحتمال أن تبرم واشنطن صفقة على حساب لبنان ولصالح سورية، يعتبر ماليه أن هذه المخاوف «ليست مبررة رغم أن اللبنانيين كانوا في الماضي ضحية مؤامرات خارجية». ويرى ماليه أن أمرين أساسيين تحققا في عهد بوش، الأول، إخراج القوات السورية من لبنان والثاني تحول سيادة واستقلال لبنان الى ثابتة في سياسة واشنطن في المنطقة، ولذا «لا يرغب أحد في واشنطن، لا من الديمقراطيين ولا من الجمهوريين، في بيع لبنان ولا في التعامل معه كأنه امتداد لسورية».

ويستعيد ماليه الفترة التي قضاها مستشارا لكلينتون «حيث كنا نزور دمشق ثم نمر لساعات في بيروت رفعا للعتب». وفي رأيه أن «الأمور تغيرت اليوم، أوروبيا وأميركيا». وينظر ماليه الى انفتاح واشنطن المحتمل على دمشق على أنه «أمر إيجابي للبنان» كذلك التحولات الجارية في العلاقات اللبنانية ـ السورية حيث «لا تريد سورية حكومة معادية لها في بيروت ولا يريد لبنان دورا سوريا مهيمنا في بيروت».