كيف تخطف سفينة في عرض البحر أمام السواحل الصومالية؟

السيناريو الكلاسيكي لعمليات القرصنة

TT

بقواربهم الصغيرة المسلحة بشكل جيد، وبتقنيات غربية حديثة، يمثل رجال الميليشيات المسلحة المنتشرون على طول سواحل الصومال، كابوسا يوميا للسفن والبواخر المارة عبر هذه المنطقة، التي لم يفلح الوجود المكثف لأساطيل حربية متعددة الجنسيات من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا، في إيقافهم القراصنة الصغار عن مواصلة البحث كل يوم عن غنيمة جديدة.

وقدرت منظمة بحرية متمركزة في كينيا، عدد القراصنة المنتشرين على طول السواحل الصومالية بنحو 1100 رجل، موزعين على أربع مجموعات ومعظمهم من خفر السواحل السابقين.

بينما تتراوح الفديات التي يطلبها القراصنة بين مئات الآلاف وملايين الدولارات، حسب السفينة التي يستولون عليها وهويات الرهائن. وتفيد تقديرات حديثة بأن القراصنة حصلوا على حوالي ثلاثين مليون دولار منذ مطلع العام الحالي.

ويبلغ طول سواحل الصومال 3700 كلم. وتراقب هذه السواحل بين 12 و15 سفينة تابعة للتحالف البحري «كومبايند تاسك فورس 150» الذي يضم عدة دول تعمل في مكافحة الإرهاب.

وبرغم مظاهر الفوضى والتخلف التي تحيط به، يبدو المشهد غريبا وشاذا إلى حد كبير، عندما يجلس أحد قراصنة البحر الصوماليين، وهو يتحلى بهدوء شديد، في منطقة غير مأهولة بالسكان في مكان ناء على سواحل الصومال المخيفة، إلى جهاز الكومبيوتر النقال (اللاب توب) الموصول عبر الأقمار الصناعية بشبكة الانترنت لكي يتابع الجدل الذي تتداوله مختلف وسائل الإعلام الدولية في الشبكة العنكبوتية، حول تزايد مخاطر عمليات القرصنة المسلحة على سواحل الصومال.

ومنذ سقوط نظام حكم الرئيس الصومالي المخلوع محمد سياد بري عام 1991 والقراصنة يضعون أيديهم من دون منازع على السحل الصومالي، ويصعب على دولة تفتقر حتى الآن إلى حكومة مركزية قوية، أن تبسط سيطرتها عليه، لمنع تكرار عمليات القرصنة، التي باتت كابوسا مزعجا لكل المارين عبره.

ولشن عملية ناجحة للقرصنة، فإن كل ما تحتاج إليه، بحسب مصادر صومالية وغربية، هو 20 رجلا مسلحا على متن قاربين يتجولان في هدوء في عمق المياه الإقليمية، وعندما تقترب الفريسة «الهدف» فإن طلقات الرصاص ستتكفل بإخماد أية مقاومة، وإذا ما تدهورت الأمور فقذيفة صاروخية واحدة، يمكن أن تعطب السفينة أو تغرقها أو تنسفها.. إذ الخيار يبقى دائما لقائد السفينة وربانها.

وأغلب القراصنة مجرد أشخاص عاديين، وبعضهم لم يستكمل تعليمه، ولا يعرف حتى كيف يمكنه أن يكتب اسمه، لكنه يحصل على راتب متوسط يبلغ 10 دولارات أميركية يوميا، وهو مبلغ ضخم، مقارنة بتدهور الحالة الاقتصادية في البلاد، وقلة الوظائف وفرص العمل المتاحة.

وفي مدينة صغيرة تسمى ايل، يحتجز القراصنة الذين يحصلون بسهولة على قوارب حديثة وأسلحة أوتوماتيكية، وأجهزة اتصالات متقدمة، عشرات السفن، التي شاء لها حظها العاثر، أن تقترب من سواحل الصومال، التي باتت أخطر السواحل في العالم المعاصر.

ولم يدرس القراصنة علم النفس، لكن غريزة البحث عن المال، مكنتهم من اكتشاف الطريقة المثلى لتحقيق هدفهم بسرعة، فبحارة السفن لن يغامروا بإضاعة سفنهم وحمولتها وهم مستعدون مقابل إطلاق سراحهم، وتأمين عودتهم إلى التفاوض مقابل بعض المال.

وفى أحدث تقاريرها، رصدت مؤسسة «شاتام هاوس» للدراسات في العاصمة البريطانية لندن، كيف أن القراصنة مجرد انتهازيين، فعملياتهم باتت اشد اتقانا، وسيستمر تطورها في هذا الاتجاه، إذا لم يتغير الرد على هجماتهم، لافتة إلى أن الفديات التي حصل عليها القراصنة تستخدم على الأرجح لتأجيج الحرب الأهلية، وهي مخصصة للمتمردين الإسلاميين المتطرفين، الذين يخوضون حربا شرسة منذ العام الماضي ضد الحكومة الصومالية.

ويستخدم القراصنة أنظمة دفاع جوي، وقذائف صاروخية وهواتف وأنظمة توجيه مرتبطة بالأقمار الصناعية «جي.بي.إس». ويعمل المسلحون بنظام حيث ينتشرون على متن قوارب صغيرة، وفي مجموعات أشبه بالموكب. وكما يشرح مسؤول صومالي رفيع المستوى، فالقراصنة «لديهم دورية للاستكشاف تتقدم هذه القوارب، وإذا رأت صيدا محتملا ترسل بإشارة تنبيه إلى البقية لكي ينتشروا لمنع الفريسة من الهرب، وعندما تسقط في الفخ يصطحبونها إلى ملاذهم الآمن، تمهيدا للمطالبة بفدية مالية مقابل السفينة أو شحنتها أو طاقمها».

يقدر مسؤول صومالي عدد القراصنة بالآلاف، لكنه يعطى بعدا آخر للمسألة بقوله: «ولما بدأوا يكسبون الفلوس، كل الشباب والناس شاركوا هذه المجموعات، مع الأسف الشديد القرصنة تحولت إلى مهنة مربحة لمن يمارسها».