الكويت: نواب إسلاميون يستجوبون رئيس الحكومة ويفتحون الباب أمام جميع السيناريوهات

القلاف: مادته سخيفة وتافهة ويؤسس للجان تفتيش على العقائد

TT

قدم نواب إسلاميون في البرلمان الكويتي أمس طلب استجواب بحق رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، فاتحين الباب على مصراعيه أمام أكثر من سيناريو سيتعين على أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد اختيار أحدها لحل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ حوالي شهر. وجاءت صحيفة الاستجواب التي قدمها النواب المقربين من التيار السلفي الدكتور وليد الطبطبائي ومحمد المطيري وعبد الله البرغش في 16 صفحة تقسمت على 3 محاور هي تردي وتراجع الخدمات العامة في الدولة، وزيادة مظاهر الفساد الإداري وهدر الأموال العامة، إلى جانب تراجع الحكومة عن قراراتها بداعي تعرضها لضغوط، وهو ما رأوا فيه «تهديدا لدولة المؤسسات والقانون، وتعطيلا للتنمية نظرا لاهتزاز الثقة بالدولة».

وقال الطبطبائي في مؤتمر صحافي «نحن سعداء بممارسة دورنا الرقابي، ولأمير البلاد مطلق الحرية في تقرير ما يراه مناسبا من خيارات دستورية»، معتبرا أن الخيارات المتاحة الآن هي إما صعود رئيس الوزراء منصة الاستجواب والمواجهة، أو حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، أو إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة.

وتعد هذه هي المرة الثانية التي يقدم فيها طلب استجواب بحق رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد خلال عامين، إذ سبق للنواب أحمد السعدون وأحمد المليفي والدكتور فيصل المسلم تقديم طلب استجواب بحق رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد في مايو (أيار) 2006، وانتهى وقتها بحل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.

وحتى مساء أمس لم يتسن التأكد رسميا من أنباء تفيد بوضع الوزراء استقالاتهم بتصرف رئيس مجلس الحكومة، وإقدام مجلس الوزراء على رفع خطاب يفيد بعدم إمكان التعاون مع البرلمان، وهو ما تناقلته مصادر متفرقة في إشارة إلى الموقف الحكومي من الاستجواب المقدم بحق الشيخ ناصر المحمد، كما تواترت أنباء عن احتمال لجوء أمير البلاد إلى إعلان حل البرلمان، لكن أيا من ذلك لم يحدث.

وتعود خلفيات التصعيد النيابي الأخير إلى الخميس الماضي حينما سمحت السلطات الكويتية لرجل الدين الشيعي الإيراني السيد محمد الفالي بدخول البلاد بإيعاز من رئيس مجلس الوزراء، كما أشار المستجوبون، وهو ما رأوا فيه تحديا لمشاعر الكويتيين، خاصة وأن الفالي مصنف أمنيا كوافد غير مرغوب به في البلاد، نظرا لإدانته من قبل محكمة كويتية في يونيو (حزيران) الماضي بتهمة سب الصحابة، وغُرّم إثرها عشرة آلاف دينار كويتي (حوالي 37 ألف دولار أميركي)، إلا أنه استأنف الحكم ولا تزال قضيته منظورة أمام القضاء.

وسبق للنواب المستجوبين أن طالبوا بإبعاد السيد الفالي، لكنهم اعتبروا إمهاله حتى الخميس المقبل كموعد نهائي من قبل السلطات الأمنية لمغادرة البلاد أمرا غير مقبول، ويستحق مساءلة رئيس مجلس الوزراء، إلى جانب قضايا أخرى تعاني منها البلاد.

وحتى ظهر أمس راجت معلومات عن نجاح جهود التهدئة التي قادها على خطين متوازيين، رئيس البرلمان جاسم الخرافي وزعيم كتلة السلفيين في البرلمان النائب خالد السلطان، بهدف احتواء الموقف وثني المستجوبين عن تقديم طلب الاستجواب، إلا أن إقدام النواب على إيداع صحيفة الاستجواب لدى الأمانة العامة كشف فشل جميع الجهود الرامية للتهدئة.

يذكر أن النائب المقرب من الحركة السلفية محمد المطير أعلن انسحابه أمس من المشاركة في تقديم الاستجواب بعد أن كان واحدا من أكبر داعميه، مشيرا إلى أن قراره «جاء بعد أن رأيت التجاوب الإيجابي من قبل الحكومة في إعادة الأمور إلى نصابها، وفرض هيبة القانون في هذه القضية المتعلقة بالمدعو الفالي، وقامت بإصدار بيان يؤكد إبعاده عن البلد، ووضعه على قائمة الممنوعين من الدخول إليها»، أما الفريق المستجوب فأكد أن انسحاب النائب المطير جاء رغبة منه بالتنازل عن مشاركته في الاستجواب لزميله عبد الله البرغش.

إلى ذلك، خلا البيان الأسبوعي لمجلس الوزراء من أي إشارة لموضوع الاستجواب المقدم بحق رئيسه، ولم يرد رسميا أي تعليق حكومي على الأزمة السياسية إذ اكتفى البيان بأن «مجلس الوزراء بحث شؤون مجلس الأمة (البرلمان) واطلع بهذا الصدد على الأسئلة والاقتراحات بالرغبة المقدمة من بعض الأعضاء، وكذلك الموضوعات المدرجة على جدول أعمال جلسة مجلس الأمة».

وكانت المفاجأة السياسية الأثقل أمس هي تصريحات النائب الشيعي السيد حسين القلاف والتي ناشد فيها أمير البلاد تعطيل البرلمان وتعليق العمل بالدستور حتى تستعيد البلاد أنفاسها، واصفا صحيفة الاستجواب المقدمة لرئيس مجلس الوزراء بأنها «سخيفة وتافهة وتعتمد على العموميات، والاستجواب الحالي سيؤسس عندنا لجان تفتيش على العقائد».

وأعقب القلاف ذلك بأنه سمع شخصيا من الشيخ صباح الأحمد ما من شأنه أن «رئيس الوزراء الحالي الشيخ ناصر المحمد هو الحاكم السابع عشر للكويت»، وهي إشارة إلى أنه سيكون مرشحا لتولي ولاية عهد خلفه الحالي الشيخ نواف الأحمد.

وسرعان ما أتت التصريحات النيابية الرافضة لمحاولات التسويق لمبدأ تعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان بشكل غير دستوري إذ أكد النائب الليبرالي صالح الملا أن «تعليق أي مادة من الدستور أمر من شأنه المساس بذلك البنيان الذي يحرص الجميع على بقائه شامخا صلبا ما حيت دولة الكويت»، مشيرا إلى ان الدستور هو من ضمن للكويت شرعيتها خلال الغزو العراقي عليها عام 1990، وهو من ساهم بحل أزمة بيت الحكم قبل عامين. وأضاف أن «اللجوء إلى الحل غير الدستوري وتعليق بعض مواد الدستور لقطع دابر الفتنة، إنما هو أيضا يؤدي إلى فتنة أكبر وأعظم، كما يعد عقابا جماعيا سواء لمن يختلق الأزمات ويهدف إلى زعزعة الاستقرار، ومن يسعى إلى الصالح العام». وألمح الملا إلى «الصراع الدائر بين بعض الأطراف من داخل الأسرة الحاكمة والبرلمان لوأد الدستور ومحاولة التمهيد لطمس مجلس الأمة بهدف تكفير الشعب بالبرلمان».

أما النائب الإسلامي الدكتور فيصل المسلم فقال إن «الترويج لحل مجلس الشعب وتعليق الدستور دعوة مرفوضة، والاستجابة لها تجاوز عظيم ستكون كلفته كبيرة جدا على البلد والشعب، وثقتنا مطلقة بأن التزام الجميع بالنصوص الدستورية، بروح المسؤولية وتمكين السلطات الشرعية من إدارة البلد، كفيل بحل كل المشاكل». وبدوره كشف رئيس اللجنة التشريعية في البرلمان النائب ناصر الدويلة عن أن «الشيخ ناصر المحمد لن يصعد منصة الاستجواب، كون طلب الاستجواب بحقه لا يحظى بتأييد داخل البرلمان، وأنه جاء خدمة لمن يتربصون بالديمقراطية».