المالكي يقيل بصمت مفتشي النزاهة في الوزارات.. ومساعدوه ينفون وجود دوافع سياسية

الحملة طالت حتى الآن 17 مفتشا عاما حسب التقديرات

TT

تستهدف الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي في الوقت الراهن مسؤولي الرقابة العراقيين بصورة منظمة وفصلهم. واستعين بهؤلاء المسؤولين بهدف محاربة الفساد داخل الوزارات العراقية بناءً على أوامر من إدارة الاحتلال الأميركية، التي كانت تأمل من وراء هذا الإجراء إقرار المعايير الغربية المتعلقة بالمحاسبة داخل الهيكل البيروقراطي المفتقر إلى الشفافية والمفعم بالفساد. وتتزامن قرارات الفصل، التي أكدها مسؤولون بارزون بالحكومتين العراقية والأميركية يومي الأحد والاثنين، مع تقديرات تشير إلى تفاقم مستويات الفساد الحكومي العراقي بصورة بالغة. يذكر أن أحد كبار المحققين العراقيين سابقاً قال في شهادته التي أدلى بها مؤخراً أمام الكونغرس إن 13 مليار دولار من الأموال المخصصة من جانب الولايات المتحدة لإعادة الإعمار ضاعت جراء عمليات احتيال واختلاس وسرقة وإهدار ارتكبها مسؤولو الحكومة العراقية. ومع أن قرارات الفصل لم تعلن عنها حكومة المالكي، فإن أنباءها بدأت في الانتشار عبر مختلف مستويات الهيكل البيروقراطي العراقي. وفي الوقت الذي دافع بعض المسؤولين العراقيين عن إجراءات الفصل، مؤكدين أنه لا تكمن وراءها دوافع سياسية، يشير آخرون إلى السرية التي أحاطتها، مؤكدين أن من فقدوا وظائفهم تعرضوا للفصل من دون سبب وجيه. جدير بالذكر أن كلا من الوزارات الثلاثين القائمة بالعراق بها مفتش عام واحد. ويحظى هؤلاء المسؤولون الرقابيون بميزانيات وفرق عمل متنوعة في حجمها. وفي الوقت الذي تميز بعض المفتشين العامين بهدوء لافت للنظر، أجرى آخرون تحقيقات نشطة بشأن الوزراء الحاليين والسابقين وغيرهم من كبار المسؤولين، الأمر الذي دفع هؤلاء المسؤولين لأن يحسبوا لهم ألف حساب. وفي إحدى الحالات، دفعت بعض التحقيقات بوزير الكهرباء السابق إلى السجن قبل أن يتمكن من الهرب إلى الولايات المتحدة. كما وضع مفتش عام بوزارة النفط تقريراً مفصلاً حول مخططات تهريب وابتزاز واسعة النطاق أكد أنها أفسدت صناعة النفط. كما اشتكت وزيرة أشغال عامة سابقة، كردية، من أنه قبل فرارها من البلاد اتسم المفتش العام في وزارتها، وكان شيعيا، بنشاط مفرط وأنه أثار اتهامات تقوم على اعتبارات سياسية، وليس تجاوزات فعلية. من ناحية أخرى، يختلف المسؤولون العراقيون فيما بينهم حول عدد الوزارات التي تلقت أوامر بفصل المفتشين العاملين لديها، إلا أن التقديرات تتراوح بين بضعة من المفتشين وما يصل إلى 17. ويتفق العديد من كبار المسؤولين العراقيين والأميركيين على أن ما يتراوح بين سبعة وتسعة مفتشين عامين تعرضوا بالفعل إلى الفصل أو تم إجبارهم على التقاعد. وفي إحدى الحالات، تحديداً داخل وزارة التعليم، باتت الوظيفة شاغرة بوفاة المفتش العام. وقال عدد من كبار المسؤولين العراقيين وأربعة من المسؤولين المفصولين، طلب الكثيرون منهم عدم ذكر أسمائهم خوفاً من التعرض لانتقام حكومي، إن المفتشين تم فصلهم بالفعل من وزارات المياه والموارد والثقافة والتجارة والشباب والرياضة. إضافة إلى ذلك، تم فصل المفتشين من المصرف المركزي العراقي، ومن مؤسستين دينيتين، هما هيئتا الوقف السني والمسيحي، واللتان يحمل رئيس كل منهما رتبة نائب وزير. وأضاف أحد المسؤولين العراقيين البارزين أن قائمة الوزارات التي تم فصل مفتشيها تضم أيضاً وزارة الخارجية، لكن مكتب الشؤون العامة التابع للوزارة نفى ذلك يوم الاثنين. من ناحيتهم، رفض ثلاثة مستشارين بارزين معاونين للمالكي التعليق على هذا الأمر. على سبيل المثال، قال ياسين مجيد، المستشار الصحافي لرئيس الوزراء: «بالتأكيد أعلم بهذا الأمر، وكافة التفاصيل. لكنكم تعلمون القصة برمتها، إذاً لماذا تسألونني؟ إن هذا ليس تخصصي، إنها مسألة إدارية». إلا أن عادل محسن، المنسق المعاون للمالكي المعني بشؤون منظمات مكافحة الفساد والذي يعمل هو نفسه مفتشاً عاماً بوزارة الصحة، أكد أن أي تلميحات لوجود دوافع سياسية وراء قرارات الفصل لا أساس لها من الصحة. وقال محسن: «إن هذا محض هراء بالتأكيد»، مضيفاً أن اللجنة التابعة لمجلس الوزراء التي أوصت بإجراء التغييرات تألفت: «بصورة رئيسة من مهنيين، وليس سياسيين. وبالتالي، جاء الاختيار على الوتيرة ذاتها. إنه قائم على المهنية بنسبة 100%». على الجانب الآخر، لم تستجب السفارة الأميركية في بغداد إلى طلب تقدمنا به إليها يوم الاثنين للتعليق على إجراءات الفصل. لكن ستيوارت دبليو. باون، الذي يترأس مكتب الرقابة المستقلة داخل واشنطن، المعروف باسم مكتب المفتش العام المعني بإعادة إعمار العراق، والذي يعمل حالياً داخل العراق، قال إنه علم بأمر ستة إجراءات فصل. وأضاف أن المفتشين العامين كانوا عرضة للخطر لأنه بمجرد إقرار منصبهم، لم توفر واشنطن لهم سوى قدر ضئيل من الدعم والتدريب ليتمكنوا من تطبيق فكرة راديكالية بالنسبة لهيكل بيروقراطي غلبت عليه السرية والفساد في عهد صدام حسين. وبغض النظر عن العدد المحدد للمفتشين المفصولين، بدأت تلك الأحداث في إثارة اتهامات بأن المالكي، الذي لم يؤيد قط إخضاع أسلوب عمل حكومته للتفحص والرقابة، ربما يترك هذه المناصب شاغرة أو يعين فيها مؤيدين لحزبه (الدعوة). وكان من شأن السرية التي أحاطت قرارات الفصل تعظيم الشكوك بأن الحكومة ترمي لإعاقة آليات الرقابة التي تم إقراراها بعد الغزو. وفي هذا الصدد، أشار شيخ صباح الساعدي، أحد أعضاء البرلمان العراقي عن حزب الفضيلة، والذي يترأس لجنة النزاهة داخل البرلمان، إلى أن: «الحكومة فرضت تعتيماً إعلامياً على الأمر بحيث يمكنهم فعل كل ما يحلو لهم». وأضاف الساعدي أنه عندما اقترح البرلمان مؤخراً قانونا يحدد المتطلبات المهنية التي يجب توافرها في المرشح لمنصب المفتش العام، عارضته حكومة المالكي بشدة. وقال عن الوظائف الرقابية: «إنهم يرغبون في تحويلها إلى مناصب سياسية. إنهم يحاولون تقييد جهود مكافحة الفساد بمختلف أنحاء البلاد». يذكر أن اثنين على الأقل من المسؤولين الذين تم فصلهم من النساء المسيحيات، هناء شكوري بوزارة الثقافة وسامية يوسف شعيا بهيئة الأوقاف المسيحية. إلا أن غالبية المراقبين المفصولين ينتمون إلى مسؤولين تكنوقراط سنة وشيعة ظلوا بمناصبهم لسنوات عدة، وفي الكثير من الحالات تم تعيينهم في هذه المناصب في الأصل من جانب بول بريمر، رئيس الإدارة الانتقالية في العراق. من ناحيته، قال حسن الصافي، الذي تم إجباره على ترك منصبه داخل وزارة الشباب والرياضة بعد وضع اسمه على القائمة الحكومية التي قال إنها تخص المفتشين المفتقرين إلى الكفاءة، إنه نال درجات علمية جامعية في القانون والاقتصاد والتدقيق الحسابي، وأنه شارك في أوائل جهود مكافحة الفساد داخل العراق بعد الغزو. وقال الصافي: «إذا كنت غير كفوء، اثبتوا ذلك». وقد رفع الصافي دعوى قضائية لإجبار الحكومة على التراجع عن تأكيداتها بأنه لا يؤدي وظيفته على نحو ملائم. ويتجلى موقف المالكي من الرقابة في خلافه القائم منذ أمد بعيد مع القاضي راضي الراضي، الرئيس السابق للجنة النزاهة العامة، وهي الوكالة الرقابية التي أسستها إدارة التحالف المؤقتة.

يذكر أنه في أعقاب تسبب مجموعة من التحقيقات ترأسها الراضي حول قضايا فساد في إحراج حكومة المالكي، أيد مكتب رئيس الوزراء اتهامات فساد موجهة ضد الراضي نفسه. واعتبر أنصار الراضي الاتهامات ملفقة. في نهاية الأمر، أُجبر الراضي على ترك منصبه والفرار من العراق في صيف 2007. وفي النهاية، استبدل رئيس الوزراء الراضي بالقاضي رحيم العجيلي. وأشار محسن، المنسق المعاون للمالكي فيما يخص شؤون مكافحة الفساد، إلى أن القاضي كان واحداً من بين ثلاثة مسؤولين برتبة وزير يعملون في اللجنة وأوصوا بفصل المفتشين العامين. أما الاثنان الآخران فهما رئيس فريق العمل المعاون للمالكي ورئيس اللجنة العليا للتدقيق الحسابي. ولم يستجب أي من المسؤولين الثلاثة لطلبات التعليق التي تقدمنا بها إليهم يوم الاثنين. وكان كبير المحققين السابقين المعاونين للراضي، سلام اذهيب، قد أدلى بشهادته أمام الكونغرس في سبتمبر (أيلول) وأكد خلالها على أن تقريرا سريا سابقا للجنة العليا للتدقيق الحسابي توصل إلى أن 13 مليار دولار من الأموال التي خصصتها واشنطن لإعادة إعمار العراق تعرضت للإهدار جراء الفساد. الى ذلك، أكد رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة لـ«الشرق الأوسط» أن المالكي أحال خمسة من المفتشين العامين على التقاعد وأقال سادسا بناء على قرار لجنة عليا مشكلة من رئيس هيئة النزاهة ورئيس ديوان الرقابة المالية والأمين العام لمجلس الوزراء، وان هذه اللجنة «قد رفعت قرارها لرئيس الوزراء الذي اعتمدها ونفذ القرار»، مؤكدا «ان المفتش العام في وزارة الثقافة هو الذي أقيل من منصبه، بينما أحيل على التقاعد مفتشو وزارات الموارد المائية والخارجية والشباب والتجارة والوقف السني بسبب العمر». وأكد أن الهيئة بصدد اختيار بدلاء عن هؤلاء المفتشين وان في النية تعيين مفتشين عامين في أماكن لا يوجدون فيها مثل مؤسسة السجناء والشهداء وشبكة الاعلام العراقي وغيرها من المؤسسات.

* خدمة «نيويورك تايمز»