وكالة الطاقة: سنعرض على سورية الصور التي لدينا ونحتاج تفتيش 3 مواقع أخرى

السفير الأميركي في الوكالة لـ«الشرق الأوسط»: على دمشق التعاون * أزمة صامتة بين طهران والوكالة

الرئيس السوري بشار الأسد خلال لقائه مع وزير الخارجية البلغاري بحضور وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمس (ا. ف.ب)
TT

في تقرير وصفه مسؤول في وكالة الطاقة الذرية بأنه «حاد»، قالت وكالة الطاقة أمس، انها لم تتوصل الى تحديد طبيعة الموقع السوري، الذي دمره الطيران الاسرائيلي في سبتمبر (أيلول) 2007، والذي عثر فيه على اثار يورانيوم. وجاء في التقرير الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه «مع انه لا يمكن استبعاد أن يكون المبنى المعني معدا لاستخدام غير نووي، الا أن خصائص المبنى.. اضافة الى اتصاله بنظام لضخ مياه التبريد، مشابهة لما يمكن العثور عليه في موقع مفاعل» نووي. واكد التقرير الذي جاء في 4 صفحات، ان مفتشي الوكالة عثروا على «كمية كبيرة من جزيئات اليورانيوم» في الموقع الذي سارعت السلطات السورية الى ردمه، لكنه لفت الى أن الوكالة لم تتمكن حتى الآن من تحديد مصدر اليورانيوم هذا، بسبب رفض دمشق السماح لخبرائها بالكشف على ركام المبنى.

وقال مسؤول في وكالة الطاقة الذرية تحدث لـ«الشرق الأوسط» بشرط عدم الكشف عن هويته، إن التقرير يعتبر «حادا» بالنسبة الى سورية، موضحا انه لا يترك مجالا امام السوريين غير التعاون. وتابع: «عدم التعاون سيعني ان الملف السوري سيصبح مثل الملف الإيراني دائما امام مجلس امناء الوكالة. إذا كان المبني كما قالت سورية غير نووي، يجب ان تسمح دمشق بالتفتيش مجددا». ولمح المسؤول الغربي الى غياب «ارضية مشتركة» بين دمشق والوكالة فيما يتعلق بالخطوات المستقبلية، موضحا: «الوكالة تريد بدء تحقيقاتها وتفتيش المواقع ذات الصلة، فيما تريد سورية اغلاق الملف على اساس أنه ليس هناك شيء للنقاش أو للبحث». وزار مفتشو الوكالة في يونيو (حزيران) موقع الكبر في شمال شرقي سورية، الذي دمره الطيران الاسرائيلي، على اساس انه كان يحوي مفاعلا نوويا. الا أنهم لم يستطيعوا الحصول على معلومات كثيرة منه، بسبب القصف الاسرائيلي وازالة السلطات السورية الكثير من معالم المكان وركام المبني. وهو ما كان مثار انتقاد مدير وكالة الطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي، الذي اوضح في تقرير امس، ان استخدام القوة لتدمير موقع الكبر السوري، وابلاغ الوكالة بالمعلومات الخاصة به في مرحلة متأخرة، بالاضافة لعمليات الازالة التي تمت بعد ذلك، كلها عوامل ادت الى عرقلة عمل الوكالة بشكل كبير للتحقق حول طبيعة ذلك المكان، وما كان يجري فيه من نشاط. واوضح البرادعي أنه في ضوء هذه الحقائق، فإن مهمة الوكالة في التحري والتفتيش اكثر صعوبة، وستستغرق وقتا أطول. وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، قد أكد الثلاثاء الماضي، ان الموقع ضم مبنى عسكريا عاديا، وأن اثار اليورانيوم التي تم العثور عليها هي «نتيجة القذائف الاسرائيلية». وللتحقق من هذا الأمر، أملت الوكالة امس أن يسمح لها بـ«زيارة الموقع الذي يحوي حطام المبنى وأي معدات سحبت (منه)» بهدف اخذ عينات، داعية دمشق الى «اظهار الشفافية الضرورية». وكانت تحقيقات الوكالة قد تعثرت بعد أول جولة، اثر اغتيال مسؤول سوري كبير كان يرافق مسؤولي وكالة الطاقة في تحقيقاتهم. وفيما لم يذكر البرادعي اسم المسؤول المعني، الا ان مصادر من وكالة الطاقة، أشارت الى ان مدير الوكالة كان يعني العميد محمد سليمان المستشار الامني للرئيس السوري بشار الأسد، الذي اغتيل في منزله في مدينة طرطوس البحرية بنيران قناص من البحر قبل أشهر. وأشار البرادعي في التقرير الى أن الوكالة ستعرض على سورية صورا لموقع الكبر، حصلت عليها الوكالة من بعض الدول (في حدود الاطار الذي ستسمح به هذه الدول) وذلك للحصول على توضيحات من سورية حول هذه القضية. كما طالب البرادعي سورية بإبداء الشفافية اللازمة في تعاونها مع الوكالة، لتكملة عمليات التحقيق والتحري التي تجريها الوكالة، بشأن النشاط النووي السوري في موقع الكبر، الذي دمرته اسرائيل في سبتمبر 2007، بعد معلومات حصلت عليها من الولايات المتحدة في ابريل 2007  .

وقال التقرير ان سورية لم تقدم حتى الآن الوثائق والبينات اللازمة لإثبات ما تردده بأن موقع الكبر، كان لأغراض عسكرية غير نووية، موضحا ايضا ان سورية لم تسمح لمفتشي الوكالة بزيارة المواقع الثلاثة الاخرى التي طلبت الوكالة معاينتها، والتي لها صلة بموقع الكبر. اما فيما يخص العينات التي حصلت عليها الوكالة من الموقع، والتي تم فحصها ودراستها بمختبرات ومعامل الوكالة بالنمسا، والتي تشير لوجود كميات من اليورانيوم المعالج، فقد أوضح التقرير أن سورية، اشارت الى ان التفسير الوحيد لهذه العينات، هو انها كانت موجودة في الصواريخ الاسرائيلية التي ضربت المفاعل. وشددت الوكالة في تقريرها على انها مستمرة في تقييم هذه المعلومات، وانها تنوي ان تطلب من اسرائيل موافاتها بمعلومات متصلة بادعاء سورية بهذا الشأن.

وطالب البرادعي من وصفهم بـ«دول أخرى» بحوزتها معلومات ذات صلة بتوفير هذه المعلومات للوكالة الذرية، والسماح لها بإطلاع سورية عليها بشكل مباشر. ووفقا لمصادر «الشرق الأوسط»، فإن الدول المعنية هي اسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية.

من ناحيته، أشار السفير الاميركي في وكالة الطاقة الذرية جريجوري شولتي لدعم بلاده التام للمجهود الذي تقوم به الوكالة الدولية، كما حث في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» سورية على ضرورة التعاون مع الوكالة، والسماح لها بالقيام بمهمتها من دون عوائق وامدادها بالمعلومات كافة. وحول إيران، التي شملها التقرير ايضا، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ان التعاون بينها وبين إيران لم يحقق اي تقدم، مشيرة الى ان طهران ما زالت تواصل تخصيب اليورانيوم، موضحة ان طهران تواصل تجاهل قرارات مجلس الامن الدولي، التي تطالبها بتجميد انشطة تخصيب اليورانيوم، ولا تزال تعرقل التحقيق حول شق عسكري محتمل لبرنامجها النووي.

ووجهت الوكالة الذرية نداء الى ايران للتعاون. وقالت «من المؤسف ان الوكالة لم تتمكن من تحقيق تقدم ملموس (في هذا الملف) بسبب عدم تعاون ايران». كما أفاد التقرير الذي سيطرح للمناقشة على الدول الـ35 اعضاء مجلس الامناء، الوكالة خلال اجتماع في فيينا في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، بأن طهران تواصل تطوير انشطتها لتخصيب اليورانيوم. واكدت الوكالة انه «خلافا لقرارات مجلس الامن، فإن ايران لم تعلق نشاطاتها المرتبطة بالتخصيب وواصلت.. تركيب اجهزة طرد مركزي متسلسلة، واختبار طاردات مركزية من الجيل الجديد». وقال دبلوماسي رفيع قريب من الوكالة، ان ايران كانت تستخدم 3800 جهاز طرد مركزي في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) وتعمل على تشغيل 2200 جهاز اضافي. وشدد المصدر نفسه على ان المفاوضات مع ايران لم تحرز اي تقدم، واضاف ان المفاوضات «متعثرة.. ليس هناك أي شكل من التواصل حول احتمال وجود شق عسكري». وتأمل الوكالة الذرية ان تقدم طهران توضيحات مفصلة حول وثائق كشفتها اجهزة استخبارات غربية مفادها بأنها اعدت دراسات حول تطوير برنامج نووي عسكري.

وقالت الوكالة التي تحقق حول هذا الملف منذ اكثر من خمسة اعوام، ان هذه الدراسات تتناول خصوصا تعديل صاروخ شهاب ـ 3 وانجاز رؤوس صواريخ واقامة منشآت لاجراء اختبارات نووية تحت الارض.

وزاد تعقد الموقف بين طهران والوكالة، انقطاع الاتصالات بين الطرفين. وقال مسؤولون في الأمم المتحدة، ان التحقيق الذي تجريه الوكالة في برنامج ايران «تدهور الى درجة الازمة الصامتة منذ عدة شهور». وقال مسؤول رفيع في الأمم المتحدة لرويترز «لقد شهدنا أزمة من قبل. ولكننا كنا نتحدث الى بعضنا البعض على الأقل. والأمر الآن أسوأ. لا يوجد اتصال من أي نوع.. ولا يوجد تقدم متعلق بالأبعاد العسكرية المحتملة في برنامجهم». وعلى الرغم من أن الاتصالات الخاصة بالتحقيقات التي تجريها الوكالة مع ايران مجمدة، الا أن الوكالة مستمرة في التعامل مع المسؤولين الايرانيين، فيما يتعلق بأعمال التفتيش الروتينية للمواقع النووية الايرانية. وفي يونيو (حزيران) قالت ايران انها سلمت أكثر من 200 صفحة من الوثائق الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أجابت عن جميع الاسئلة المرتبطة بالأمر، وأضافت «الأمر انتهى» ولا تؤيد الوكالة ذلك.

وردا على انتقادات وكالة الطاقة، نفت ايران امس عدم تعاونها. وقال السفير الايراني لدى الوكالة الذرية علي اصغر سلطانية لوكالة فارس «يظهر التقرير أن ايران، كدولة مسؤولة، وفت تماما بالتزاماتها القانونية. من هنا، فانتظار المزيد منها غير منطقي، وغير ممكن التحقيق».

واضاف ان «ما قاله (المدير العام للوكالة الذرية محمد) البرادعي ان عمليات التفتيش استعادت طبيعتها تماما، وتتواصل من دون عراقيل».