نائب رئيس البرلمان الصومالي لـ«الشرق الأوسط»: الوضع خطير ومؤسف للغاية

الصراع على السلطة بين القبائل حولها نموذجا للدولة الفاشلة

TT

فيما تشتعل الحرائق في رأس ترويكا السلطة الانتقالية التي تتولى الحكم في الصومال منذ شهر أغسطس (آب) عام 2003، تفقد الدولة مقوماتها المعهودة في هذا البلد الذي يشهد منذ سقوط نظام حكم رئيسه المخلوع محمد سياد بري عام 1991، حربا أهلية لم تنقطع، وفوضى أمنية عارمة قوضت كل المؤسسات الحكومية ودمرت البنية التحتية بشكل مريع.

وينشغل الرئيس الانتقالي عبد الله يوسف بصراعاته مع رئيس حكومته العقيد نور حسن حسين (عدي) رغم محاولات الوساطة الإثيوبية الفاشلة، وينهمك الدبلوماسي الموريتاني أحمد ولد عبد الله في محاولة التوفيق بين حكومة لم يعد رئيسها يشغل منصبه من وجهة نظر الرئيس الانتقالي مع تيار منشق عن تحالف المعارضة الصومالية الذي يتخذ من العاصمة الاريترية أسمرة مقرا له.

كل تلك الظروف هيأت للصومال مكانا خارج التاريخ ودفعته إلى هوة سحيقة والأخطر أنها منحت للفوضويين من أمراء الحرب وزعماء الميلشيات والقراصنة فرصة للعمل بجد واجتهاد في دولة باتت عمليا مجرد اسم تنظر إليه بأسى وحسرة وأنت تطالع خارطة الكرة الأرضية.

»الوضع خطير ومؤسف للغاية»، هكذا يصف عمر طلحة نائب رئيس البرلمان الانتقالي بدايات المشهد في بلاده بعدما استعصت خلافات كبار المسؤولين على الحل فيما بينهم وعجزوا عن إيجاد أرضية مشتركة للعمل من أجل مصلحة البلاد والعباد. ويقول أحمد ولد عبد الله مبعوث الأمم المتحدة الخاص للصومال لـ«الشرق الأوسط»: «يتعين على الصوماليين أن يساعدوا أنفسهم أولا بوقف الانقسام الحاصل فيما بينهم قبل أن يطلبوا من المجتمع الدولي مساعدتهم».

«إنها دولة فاشلة» هكذا يعلق دبلوماسي غربي على صلة بالملف الصومالي لـ»الشرق الأوسط» على الوضع الحالي، مضيفا:لا أفهم لماذا يفعل الصوماليون هذا ببلدهم.. إنهم يتعاركون على حطام ويتطلعون إلى مناصب وهمية في دولة لم تعد موجودة عمليا».

ولا تسيطر السلطة الصومالية سوى على العاصمة مقديشيو ومدينة بيداوة الجنوبية، بينما هناك إقليم أرض اللبان ( البونت لاند) في شمال شرق الصومال وجمهورية أرض الصومال، بمعزل عن تلك السيطرة. ويقول أحد أعضاء البرلمان الصومالي الذي كغيره من زملائه نجح في إخراج عائلاته إلى خارج البلاد: «حسنا أنت أمام دولة مفككة أساسا، ولا توجد فيها حكومة مركزية بل مجرد كانتونات مقسمة، بهذا الوضع أنت تتحدث عن دولة باتت في ذمة التاريخ». لكن هذا الحكم القاسي نوعا لا يلفت انتباه أحد بما في ذلك النخبة السياسية الحاكمة في البلاد.

السلطة الانتقالية التي كان الجميع يراهن عليها باعتبار أن من يتوسد مقعد القيادة فيها هو رجل عسكري مخضرم أشبه بالأسد العجوز، لم تعد قادرة على ضبط الأمن حتى في محيط مقراتها الحكومية وثكناتها العسكرية.

وأخفق الرئيس الصومالي عبد الله يوسف في أن يحقق لملايين الصوماليين حلمهم في الحصول على دولة مستقرة وحكومة مركزية فاعلة. في المقابل لم يعد يوسف آمنا على حياته وأمنه في مقره الرئاسي المعروف باسم فيلا الصومال داخل العاصمة الصومالية التي تعيش كابوسا أمنيا رهيبا بفعل اقتراب ميلشيات حركة الشباب المجاهدين من تخومها بعدما سيطرت بسهولة شديدة وبدون أي مقاومة تذكر على معظم مدن وسط الصومال وجنوبه.

يخشى الرئيس الصومالي كما قال بعض مساعديه لـ«الشرق الأوسط» أن تستغل جماعات المقاومة المسلحة المناوئة له وللتواجد العسكري الأثيوبي والأفريقي في البلاد استمرار الخلافات بينه وبين رئيس الحكومة للقيام بعملية اقتحام وغزو للعاصمة مقديشيو بهدف إسقاطها تمهيدا لإعلان قيام دولة إسلامية في الصومال.

وكان يوسف قد اعترف خلال غداء عمل أقامه الأسبوع الماضي لنحو مائة وخمسين عضوا برلمانيا في العاصمة الكينية نيروبي، في معرض انتقاداته لرئيس حكومته، أنه قبل أن يتولى العقيد نور عدي مهام منصبه كرئيس للحكومة، كانت (الحكومة) تسيطر على معظم أنحاء البلاد، أما الآن فإن السلطة الانتقالية لا تسيطر سوى على العاصمة مقديشيو ومدينة بيداوة الجنوبية، مشيرا إلى أنه لا أمن حتى داخل هاتين المدينتين.

وقال يوسف بلهجة تشوبها العاطفة والحماسة: «الإسلاميون سيطروا تقريبا على كل شيء». في تلك الأثناء اعتاد سكان مقديشيو سماع أصوات الانفجارات الضخمة التي تخلفها القنابل الموقوتة وقذائف المورتر والهاون التي يطلقها المسلحون المناوئون للسلطة الانتقالية وللتواجد العسكري الأجنبي في البلاد على أهدافهم المنتقاة بعناية.

عبدي محمد أحد سكان المدينة المنكوبة قال أمس لـ»الشرق الأوسط» عبر الهاتف إن الرعب يدب في قلوب السكان المحليين خشية نجاح الإسلاميين المتشددين في غزو المدينة واقتحامها، مشيرا إلى أن معظم السكان يستعدون للمغادرة إلى خارج العاصمة وإلى حيث المجهول على حد تعبيره.

ويتهم عبدي كبار المسئولين بتفضيل مصالحهم الشخصية على مصالح الشعب، مستندا في ذلك إلى ما يصفه بتلك الخلافات العبثية بين يوسف وعدي. وهو في كل الأحوال لا يفهم لماذا يصر الرجلان على إدارة ظهريهما للوضع البائس الذي تشهده البلاد من أجل التركيز على خلافاتهما الشخصية والسياسية.

التخوف من انهيار السلطة الانتقالية في الصومال رافقته تهديدات إثيوبية رسمية وعلنية بسحب القوات الإثيوبية التي كانت قد دخلت الصومال لمناصرة السلطة الانتقالية في مواجهة ميلشيات تنظيم المحاكم الإسلامية سابقا نهاية عام 2006.

الآن وفقا لما يراه زكريا عبدي نائب رئيس تحالف المعارضة الصومالية في أسمرة، يبحث رئيس الوزراء الأثيوبي ميلس زيناوي عن مخرج بعدما تكبد خسائر بشرية ومادية غير معلنة، علما بأن ميزانية التواجد اليومي لهذه القوات في هذه الظروف تصل كلفتها إلى نحو خمسة ملايين دولار.

ولعل هذا هو ما دفع كينيا تحديدا إلى الإعلان للمرة الأولى عن عزمها نشر كتيبة من قوات حفظ السلام في إطار بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميسوم) لوقف المزيد من التدهور في القتال في تلك البلاد التي تقع في القرن الإفريقي ولإنقاذ الحكومة الصومالية المؤقتة.

الإعلان الكيني صدر أمس خلال الاجتماع الوزاري الطارئ للهيئة الحكومية للتنمية (منظمة الإيقاد) التي تضم سبع دول وتقود الجهود من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لوقف الأزمة في الصومال. وقال رئيس المجلس الوزاري للإيقاد وزير الخارجية الإثيوبي سيوم مسفين إن السلطات الكينية أعلنت نشر كتيبة للانضمام لبعثة قوات الإتحاد الإفريقي في الصومال (أميسوم) التي تتكون من القوات البوروندية والإثيوبية والأوغندية المنتشرة في الصومال.

وهدد رئيس الحكومة الإثيوبية أخيرا بأن بلاده ستسحب قواتها التي تساعد في حماية الحكومة الصومالية ما لم يتفق الرئيس الصومالي عبد الله يوسف ورئيس وزرائه على العمل سويا نحو السلام.

وكانت كينيا التي استضافت محادثات سلام أدت إلى تشكيل الحكومة الانتقالية غير راغبة في نشر قوات لحفظ السلام خشية ردود الفعل السلبية في أراضيها من القتال في تلك البلاد التي تقع في القرن الإفريقي.

ويخشى الخبراء والمحللون من نشوب حرب حدودية مشابهة بين الصومال وكينيا بينما أعرب أعضاء البرلمان الصومالي في المقابل عن قلقهم من نشر قوات كينية على الأرض، وطالبوا بأن تظل الحكومة الكينية محايدة للبحث عن السلام في الصومال حيث لم تلق جهودها لتشكيل حكومة استجابة منذ 17 عاما.

وعقد المجلس الوزاري للإيقاد اجتماعه لبحث التقدم الذي أحرزته الحكومة الصومالية المترنحة منذ قمة قادة ورؤساء دول وحكومات الإيقاد التي منحتها إنذارا نهائيا لمدة 14 يوما لتشكيل مجلس وزراء وبرلمان جديد وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وقال الوزراء إن الوضع في الصومال يتدهور مع الانهيار الوشيك للحكومة الصومالية في أعقاب موجة الاستقالات التي تقدم بها الوزراء هناك وفشل الحكومة في إنشاء قاعدة سياسية لنفسها في البلاد، ومنح قادة ورؤساء دول وحكومات الإيقاد الذين عقدوا قمتهم يوم 29 أكتوبر( تشرين أول) الماضي، في نيروبي لبحث الأزمة في تلك البلاد، لكن مهلة الأسبوعين انتهت ولم يتم الإعلان عن تشكيل هذه الحكومة، وهو ما حدا بوزراء خارجية دول الإيقاد إلى إعلان سلسلة عقوبات استهدافية ضد السياسيين الصوماليين الذين يقاتلون للإطاحة بالحكومة المؤقتة، ودعوا إلى اجتماع لرؤساء دول الإقليم في مطلع الشهر المقبل لبحث إمكانية فرض عقوبات مشددة على الميليشيات الصومالية.

وستقوم الدول الأعضاء في إطار العقوبات التي فرضتها الإيقاد بتحديد الممتلكات الخاصة بالمجموعات التي ترعى القتال في الصومال من أجل تجميدها في حين سيحظر سفر الميليشيات وأنصارها إلي خارج البلاد لكن وزير الخارجية الصومالي على أحمد جامع نفى على الفور إمكانية أن تستهدف العقوبات الرئيس الانتقالي ورئيس حكومته.

وقال جامع في تصريحات تلقت «الشرق الأوسط» نصها أن «العقوبات لن تستهدف الرئيس أو رئيس الوزراء إلا إذا أصبحا عقبتين»، وأن «العقوبات لا تستهدفهما الآن»، وأن «المجلس حثهما على حل خلافاتهما لأن الوضع على الأرض خطير جدا». وقال وزراء الشؤون الخارجية فيما يتعلق ببعثة حفظ السلام إن قوات حفظ السلام من الإقليم لا يمكن أن تستمر في دفع ثمن السلام في الصومال.