الأجهزة اللبنانية مصرة على اعتقال عبد الرحمن عوض قبل تنفيذ تهديده بتفجير نفسه

بايع الزرقاوي في العراق وعاد «أميرا» لـ«القاعدة» في لبنان

TT

بعد انتهاء معارك مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الاسلام الارهابي، تمكن العشرات من عناصر هذا التنظيم، الذين هربوا من المخيم او كانوا خارجه اثناء المعارك، من لملمة اوضاعهم وتأطير انفسهم في خلايا وشبكات متفرقة وموزعة في كل المناطق اللبنانية، وتنفيذ عدد من التفجيرات التي استهدفت بصورة اساسية الجيش في شمال لبنان واوقعت العشرات من جنوده بين قتيل وجريح، انتقاما لهزيمة نهر البارد ومقتل المئات من رفاقهم واعتقال مئات اخرين واحالتهم الى المحاكمة.

غير ان الجهود المشتركة لمخابرات الجيش وفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي والتنسيق الدائم بينهما، مكنت هذين الجهازين من تحقيق انجاز نوعي ادى الى الاطباق على هذه الخلايا وتوقيف معظم افرادها، باستثناء الرأس المدبر لعمليات التفجير عبد الغني جوهر، الذي ترجح المعلومات المستقاة من التحقيقات هربه الى خارج الحدود اللبنانية عبر معابر غير شرعية في شمال لبنان.

ولعل التوقيفات الاضافية لـ18 عنصرا، خلال الاسبوعين الاخيرين، بعد بث اعترافات موقوفين من فتح الاسلام عبر التلفزيون السوري الرسمي، كانت بمثابة الضربة القاضية لبقايا هذا التنظيم وشبكاته، التي انتهت فعليا وباتت في قبضة الأمن وغير قادرة على تنفيذ اي عملية ارهابية.

لكن تفكيك السلسلة الطويلة من خلايا فتح الاسلام ينتظر معالجة آخر حلقاته المتمثلة بالفلسطيني عبد الرحمن محمد عوض، المعروف باسم ابو محمد، والمتحصن داخل مخيم عين الحلوة قرب صيدا، والذي كان القائد الفعلي لهذه الشبكات والخلايا بعد اختفاء زعيم التنظيم شاكر العبسي وتهريبه الى سورية.

وحاليا تعقد لقاءات تنسيقية بين مسؤولين امنيين لبنانيين وقادة فصائل فلسطينية مسيطرة عسكريا على عين الحلوة لوضع الآلية الناجعة والقاء القبض على عوض وخمسة من حراسه، لحاجة التحقيق اليه (عوض) حيا، نظرا الى ما يعرفه من معلومات عن نشاطات المجموعات الارهابية من تنظيمي القاعدة وفتح الاسلام في لبنان، وبعد ورود اسمه في الاعترافات السورية المتلفزة وارتباطه بعشرات العمليات الارهابية التي ضربت الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل وغيرها من الجرائم.

وقد اكدت مصادر أمنية لبنانية لـ«الشرق الاوسط»، أن عوض «بات المطلوب رقم واحد في لبنان. وثمة اصرار وجهود مكثفة للقبض عليه». لكن المصادر أقرّت بصعوبة توقيفه حياً مع مرافقيه بعد ورود معلومات تفيد بأن سكان حي الصفصاف الذي يقطنه في عين الحلوة، لم يعودوا يشاهدونه. وثمة معلومات استخباراتية مصدرها عين الحلوة تؤكد أن عوض يتنقل ورفاقه سرّاً وينامون وهم مزنرون بأحزمة ناسفة استعداداً لتفجير انفسهم في حال جرت مداهمتهم من أي تنظيم فلسطيني، وأن بعض من فاوضوا عوض لتسليم نفسه إلى السلطة اللبنانية تبلغوا منه بشكل قاطع استحالة تسليم نفسه حيّاً لأجهزة «كافرة»، بحسب زعمه، وانه يفضل تفجير نفسه و«الاستشهاد»، الامرالذي يعقّد مهمة اعتقاله للاستفادة من معلوماته في التحقيق في ملف فتح الاسلام. من هو عبد الرحمن محمد عوض او «ابو محمد عوض» او محمد شحرور؟

المعلومات الضئيلة نسبيا عنه تشير الى انه ابن عائلة فلسطينية من سكان عين الحلوة. وتنتمي عائلته واشقاؤه الى حركة فتح. غير انه تمايز عنهم والتحق بتنظيم عصبة الانصار الاصولي، وكان المرافق الشخصي لمؤسس العصبة هشام الشريدي. وتحول فجأة من شاب منفتح الى ملتزم دينيا ومتشدد. وراح يكفّر الذين ينتمون الى فتح.

اصبح عوض مطلوبا للقضاء اللبناني بسبب تفجيرات حصلت في صيدا واعمال مسلحة كانت تحصل داخل المخيم، وينتج عنها مقتل اشخاص، وذلك بين عامي 1996 و2000. وفي عام 2003 تمكن من الخروج من عين الحلوة متنكرا بزي امرأة وتوجه الى العراق لمحاربة القوات الاميركية. وهناك تعرّف الى ابو مصعب الزرقاوي وبايعه. وكان مسؤولا عن «مجموعات جهادية» هناك. وبعد مقتل الزرقاوي عاد عوض برا عبر سورية ودخل لبنان بطريقة غير شرعية. ووصل الى عين الحلوة متنكرا ايضا وبدأ بتشكيل خلايا مرتبطة بالقاعدة، حيث تمت مبايعته «اميرا» على هذه المجموعات. استعان عوض بأحد المقربين منه، المدعو اسامة الشهابي (مرافقه الشخصي حاليا). وراح يجند شبانا مسلمين وينقلهم من لبنان الى سورية، ومن هناك الى العراق بعد ان يخضعهم لدورات تدريبية على السلاح والقتال وحرب العصابات والتفجيرات.

واثر اندلاع معارك نهر البارد تعاطف مع فتح الاسلام، واخذ يجند مقاتلين لنصرة هذا التنظيم. وحاول فتح معركة مع الجيش في محيط عين الحلوة مستعينا بعناصر من «جند الشام» لتخفيف الضغط عن نهر البارد. كما امر بتنفيذ تفجيرات عدة في بيروت وجبل لبنان استهدفت مناطق سكنية واسواقا تجارية انتقاما من معركة الجيش اللبناني ضد فتح الاسلام.

وبعد سقوط نهر البارد واختفاء زعيم فتح الاسلام، شاكر العبسي، اصبح عوض، امير هذا التنظيم. وراح يجمع عناصره الذين كانوا خارج نهر البارد في منزله في عين الحلوة، ويخضعهم لدورات تأهيلية على الاسلحة والمتفجرات لتحضيرهم لمهمات اخرى. برز اسم عوض للمرة الاولى عند توقيف فلسطينيين ولبناني اثناء عملية سطو. وقد اعترف هؤلاء بان عوض هو مسؤول فتح الاسلام في عين الحلوة، وانهم يعملون بأمرته وقد كلفهم تنفيذ عمليات سلب وسطو لجمع المال لشراء الاسلحة والمتفجرات لضرب قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان بصفتها «قوات صليبية كافرة جاءت لحماية اسرائيل».

كذلك برز اسم عوض في اعترافات موقوفين آخرين لهم علاقة بوضع عبوات لاستهداف اليونيفيل. وقد اكدوا انه هو من أعد الخطط وحدد الاهداف المنوي ضربها. كذلك اثبتت التحقيقات مع موقوفين جدد من فتح الإسلام ان عبدالغني جوهر كان يتلقى الاوامر من عوض مباشرة، وان الاخير هو الذي امر بتفجير حافلات ومراكز للجيش اللبناني في طرابلس وعكار، ما ادى الى سقوط عشرات القتلى والجرحى. كما أمر بتفجير عبوات ناسفة صيف عام 2007 في فردان والبربير (بيروت) وعاليه (جبل لبنان). وانطلاقاً من هذه الحقائق تسعى السلطات الامنية اللبنانية للقبض على عوض حيّاً، لمعرفة الكثير من اسرار الجماعات الارهابية الناشطة في لبنان وتفكيكها قبل ان يسلّم المهمة الى وريث آخر ويفجّر نفسه ويذهب مع ما لديه من اسرار.