مع تراجع العنف.. الجيش الأميركي يركز جهوده على المصالحة في العراق

الفعاليات تتضمن برامج لإعادة الإعمار ومسيرات سلام واجتماعات للتوفيق بين زعماء العشائر المتشاحنين

طالبات عراقيات في طريقهن لأداء أناشيد خلال حفل نظمته القوات الأميركية أخيرا ( «واشنطن بوست»)
TT

جرى الإعلان عنها بوصفها حفلة غنائية للدعوة للسلام داخل بغداد، إلا أنه بعد مرور ثلاثين دقيقة على الأشعار والأغاني الوطنية، لم يتبق من الحضور سوى عدد من زعماء القبائل والمسؤولين البيروقراطيين مبعثرين هنا وهناك على المقاعد المنتشرة داخل ساحة واسعة أمام منصة تحمل صورا لحمائم. بيد أن هذا الأمر لم يثر ضيق الكولونيل بيل هكمان، الذي ساعد جنوده من أفراد الفرقة 101 المحمولة جواً في تنظيم هذا الحدث الفني. وعلق هكمان على الحفل أثناء وقوفه في نهاية الجزء المخصص للجمهور وبرفقته جنوده، الذين كان منظرهم لافتاً لارتدائهم دروعا واقية ونظارات للرؤية الليلية، بقوله: «لدينا شيوخ من مناطق مختلفة سيجلسون هنا ويتحدثون إلى بعضهم البعض». ومع تراجع معدلات أعمال العنف بصورة بالغة هذا العام، تعمد المؤسسة العسكرية الأميركية إلى توسيع نطاق جهودها لتحقيق المصالحة بين السنة والشيعة، وإعادة دمج المتمردين السابقين في المجتمع وإصلاح الصدع القائم بين العراقيين وحكومتهم. إلا أنه مع شروع القوات الأميركية في الانسحاب، بدأ بعض العراقيين في إثارة الشكوك حول جدوى حملة التهدئة على المدى البعيد، خاصة أن العراق ليس له تاريخ بمجال الديمقراطية، في الوقت الذي تعاني الحكومة التي جاءت إلى السلطة منذ الغزو الذي قادته واشنطن للبلاد عام 2003 تعاني من انقسامات حادة ذات طابع طائفي. من ناحيته، علق قاسم داود، وزير الأمن القومي العراقي السابق، على الجهود الأميركية بقوله: «فكرة أو هوية ذلك أميركية، وليست عراقية». وأضاف أنه رغم إعلان الحكومة العراقية تأييدها لجهود المصالحة، فإنه: «لا يوجد لديها برنامج أو خطة». خلال الحفل، تحدث مسؤولو المدينة بفخر عن جهود المصالحة، لكن بعض الحضور اعترفوا بأن الحقيقة أقل بكثير مما يقولون. على سبيل المثال، أشار عبد الأمير، 48 عاماً، أحد الشيعة الذين حضروا الحفل مع اثنين من أبنائه، إلى أنه عاجز عن زيارة أصدقائه السنة. وعلل ذلك بالقول إنهم يعيشون في مدينة الطارمية الواقعة شمال بغداد، وهي «مخصصة للسنة فقط. لن اشعر بالأمان هناك». يذكر أن حملة المصالحة التي تتزعمها واشنطن تتضمن بعض المشروعات الكبرى، لكن الكثير من الجهود الأميركية يتسم باللامركزية، تشمل برامج لإعادة الإعمار ومسيرات للدعوة إلى السلام وعقد اجتماعات مع زعماء القبائل المتشاحنين تتضمن وليمة من الأرز والضأن. وفي الكثير من الحالات، يصيغ الجنود الأميركيون التفصيلات أثناء مضيهم قدماً في تنفيذ هذه الجهود. من ناحيته، تحمل الليفتنانت كولونيل مونتي ويلوبي، 42 عاماً، مسؤولية وضع خطة للحفاظ على السلام بمنطقة تقع شمال غرب بغداد شكلت من قبل معقلاً للمتمردين السنة. وشعر ويلوبي بالقلق الربيع الماضي عندما أعلن القادة الأميركيون عن خطة لإطلاق سراح آلاف العراقيين المحتجزين بناءً على اتهامات بوجود صلات بينهم وبين المتمردين. وتساءل ويلوبي قائلاً: «كيف يمكننا الحيلولة دون معاودة هؤلاء الأشخاص لنشاطهم؟». يذكر أن ويلوبي يتولى قيادة السرب الرابع من فوج المدرعات 10، الملحق بالفرقة 101 المحمولة جواً. وقرر ويلوبي أنه بحاجة إلى مساعدة شخص ما للمعاونة في إعادة دمج المحتجزين في المجتمع. وعليه، قام السرب المؤلف من مشاة أميركيين ودبابات بالاستعانة بأول مهني متخصص بهذا المجال. وبذلك أصبح فواز كشمولة أول مدير لشؤون إعادة التأهيل لدى القوة. وأوضح المحامي العراقي كشمولة، 45 عاماً، أن «الدور الذي أقوم به يتمثل في إظهار الود والعطف تجاه المحتجزين الذين يتم إطلاق سراحهم». لكن الود ليس كل ما يحصل عليه المعتقلون السابقون، وإنما يقوم كشمولة ومعاونوه بالعمل على توفير سكن وفرص عمل أو تنظيم برامج تدريبية. وبعد ذلك، تجري مراقبة سلوكهم للتأكد من أنهم امتنعوا عن خلق المشكلات. وربما يكون من العسير تقييم مدى فعالية بعض البرامج الأميركية. على سبيل المثال، ساعد الجنود العاملون تحت إمرة هكمان في تنظيم مباريات كرة قدم بين الأحياء السنية والشيعية، وإمداد اللاعبين بملابس موحدة أو قمصان. وأشار هكمان إلى أنه رغم عدم نعت هذه الأحداث باعتبارها موجهة لصنع السلام، فإن هذه المباريات تساعد فعلياً على اختلاط الآباء والأمهات من الجانبين. علاوة على ذلك، ساعدت هذه المباريات في اجتذاب هؤلاء العراقيين من داخل أحياء تفصلها جدران عملاقة وذكريات مريرة لأعمال الاقتتال الطائفي. وشدد هكمان على أن: «الهدف هنا هو جمع السنة والشيعة معاً». من ناحيتهم، أثنى المسؤولون العراقيون على الجهود الأميركية الرامية لصنع السلام، لكنهم استطردوا موضحين أن أمامها قيود تحد منها. وأوضح صفاء رسول حسين، نائب مستشار الأمن القومي، أن البرامج الأميركية كانت مفيدة بالفعل، خاصة في ما يخص التواصل مع الأقلية السنية، لكنه اشار الى أن بعض الأطراف والجماعات المسلحة العراقية ترفض الحديث إلى القوات الأميركية. وأضاف: ربما سيتحقق قدر أكبر من المصالحة عندما يرحلون.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»