السلطة الفلسطينية تسعى لتحويل جبل النار إلى «عاصمة اقتصادية» في مواجهة الاحتلال

مؤتمر الاستثمار ينطلق اليوم في نابلس.. وتجار المدينة يصفون الاقتصاد بـ«صفر ماينس»

TT

أطبقت إسرائيل مرة أخرى قبضتها، على مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، بعد انفراجة لم تدم طويلا. وكانت المدينة شهدت مؤخرا حركة تجارية نشطة لم تشهدها منذ 8 سنوات، حين سمح لعرب الـ48 بالتسوق من المدينة، بعد ان منعوا من ذلك منذ بداية انتفاضة 2000. إلا أن الجيش الإسرائيلي عاد مجددا ومنعهم من الدخول بسياراتهم. فعاد الاقتصاد «ممسوحا» كما قال احد تجار المدينة.

ومنذ عدة شهور، تعمل السلطة الى تحويل المدينة التي كانت تعرف «بجبل النار» باعتبارها مركزا للمسلحين في الضفة الغربية، الى عاصمة اقتصادية. ومن اجل ذلك تعقد اليوم مؤتمرا استثماريا في المدينة، تخطط الى ان يجلب لها مشاريع بقيمة 700 مليون دولار، وكانت السلطة قد أجرت اتصالات مكثفة مع الإسرائيليين للسماح لرجال اعمال عرب ومن داخل الخط الأخضر لدخول نابلس، وهو ما تم فعلا. كما تحاول مجددا السماح لعرب 48 بالعبور الى نابلس، وقد سمحت مؤخرا باقامة منتدى جديد لرجال الاعمال، ودعمت مبدأ الشراكة بين الحكومة ورأس المال، لتحقيق اقتصاد افضل، وهو ما يصبو اليه رئيس الحكومة الفلسطينية، سلام فياض، الذي يؤمن بأن تحقيق الأمن غير ممكن بدون اقتصاد والعكس صحيح.

ووصل أمس عشرت رجال الأعمال العرب، برا عبر مدينة أريحا عن طريق الأردن، للمشاركة في مؤتمر الاستثمار في نابلس والذي تستمر فعالياته على مدى يومين. وستعقد خلال المؤتمر أربع جلسات لمناقشة القطاعات الاستثمارية الأربع التي يتمحور حولها المؤتمر، وهي السياحة، والبنية التحتية، والزراعة والصناعة.

وسيفتتح فياض اليوم عدداً من المشاريع في مدينة نابلس، وستنظم السلطة لرجال الأعمال زيارات ميدانية إلى محافظات شمال الضفة للاطلاع مباشرة على نماذج لمشاريع استثمارية، في محاولة لدفع المستثمرين العرب للاستثمار في الضفة. وقال سمير حليلة، المنسق العام للمؤتمر: «هذه التظاهرة الاقتصادية تمثل لنا الأمل وآفاقاً واسعة بمستقبل أفضل على الرغم من معيقات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي». واعتبر حليلة، المؤتمر «يشكل فرصة كبرى لإطلاع العالم على ما تتمتع به المدينة من فرص استثمارية حقيقية حاول الاحتلال التعتيم عليها».

وتصطدم طموحات السلطة الفلسطينية، بالحصار الخانق الذي تفرضه اسرائيل على مدن الضفة الغربية عبر مئات الحواجز المنتشرة التي تعيق حرية حركة الأفراد والبضائع. وقال حليلة «إن الحصار والإغلاقات الإسرائيلية لا تشكل ذريعة لوقف أو تباطؤ الاستثمار في محافظات الضفة، حيث أن إمكانيات الاستثمار متوفرة، والمنطقة تزخر بالفرص الاستثمارية الحقيقية». وعلى الأرض يبدو الواقع أصعب كثيرا مما تخطط له السلطة. وقال عمار حجاب، الذي يملك محلا لبيع الحلويات وسط نابلس، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الاقتصاد هنا صفر للوراء، ماينس». وبحسب حجاب فانه بدون رفع الحواجز لا يمكن للاقتصاد ان يتحسن. ولا يرى حجاب ان مؤتمر الاستثمار سيحقق تحسنا، وقال «الناس طفرانة وهؤلاء مستثمرون. يعني اسمهم معهم، جايين يستثمروا مش يساعدوا ويتسوقوا».

وفي مؤتمر استثمار سابق، واجهت السلطة أسئلة صعبة من مستثمرين عرب حول ضمانات حرية الحركة والبضائع والموردين، وما هو جدوى الاستثمار تحت الاحتلال، وأسئلة حول اولئك المستثمرين الذين يصلون الى الأراضي الفلسطينية بتصاريح خاصة، ولا يمكنهم البقاء طويلا، إذ تمنحهم اسرائيل مدة محددة لزيارة فلسطين.

ويرى رجل الاقتصاد السابق سلام فياض، ان التنمية تحت الاحتلال ممكنة، وهي طريقة للتخلص منه. وقال رامي الحمد لله، رئيس مجلس إدارة سوق فلسطين للأوراق المالية: «يعتبر الاقتصاد الحجر الأول في بناء أية دولة أو سلطة، وأساس استقرارها، فالدول باتت لا تعتمد على قوة السلاح وإنما على الاقتصاد بشكل أساسي».

وأنهت الأجهزة الأمنية، في نابلس، حالة الاستعداد، وقالت إن سيادة القانون كانت له hالفضل الأكبر في استدراج هذا المؤتمر لكي يعقد في نابلس. وتطلق السلطة في نابلس حملة أمنية منذ شهور ضد الفلتان الأمني والمسلحين، واعتقلت ناشطين من حركتي حماس وفتح، وفككت أجنحة مسلحة للفصائل ونجحت في ان تفرض قوتها على الأرض الى حد كبير. الا ان الحصار الإسرائيلي ظل يضعف من خططها ومن فرصة تحسين الاقتصاد. وقال علي برهم، رئيس صندوق رجال الاعمال، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحصار أدى الى نزوح الكثير من المنشآت الاقتصادية في المدنية الى محافظات أخرى والى خارج الوطن». وبحسب برهم، فان اتصالات مكثفة جرت وتجري من اجل رفع الحصار، وقال «قررنا ان نتحرك لفك الحصار أو كسره، فتحنا حوارا مع السلطة ومع أعضاء كنيست ومؤسسات دولية». ويرى برهم ان الانتعاش الاقتصادي لا يمكن ان يتحقق الا برفع الحصار، وان مؤتمر الاستثمار ليس كفيلا وحده بتحقيق قفزة اقتصادية. واضاف «عندما دخل عرب 48 وتسوقوا من نابلس أحدثوا فرقا مهما، عملوا حركة تجارية كان لها اثر على لاقتصاد».

وقال سفيان البرغوثي، نائب المنسق العام لمؤتمر الاستثمار، إن 300 من رجال الأعمال الفلسطينيين والعرب سيحضرون مؤتمر الاستثمار المقرر انعقاده بنابلس وستعرض عليهم مشاريع بقيمة 700 مليون دولار.

وسيقدم في المؤتمر 70 مشروعا تخدم جل القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية والبنية التحتية لجميع محافظات شمال الضفة الغربية.

وقال البرغوثي ان هيئة المؤتمر تهدف إلى إيقاف هجرة الاستثمار من الشمال إلى الجنوب وإعادة فتح بوابة الاستثمار نحو الشمال.

وأضاف حجاب «ارفعوا الحواجز. لسنا بحاجة لأحد، فقرى نابلس وحدها بتشغل نابلس، الناس اللي في القرى مش قادرين يوصلونا كيف اللي من برة» (الخارج).

وبيبع حجاب الكنافة النابلسية الشهيرة، وقال «أصبحت الآن من الكماليات، ربطة الخبز أهم عند الناس، هناك فقر وحصار وطفر».

وقال برهم «نعم الحصار هو العائق الأكبر». ويشكو عرب 48 وسكان الضفة وقرى نابلس، من انهم لا يستطيعون التسوق من نابلس بدون سياراتهم، هذا غير المعاناة الكبيرة التي يلاقونها على الحواجز. وكانت نابلس قبل الانتفاضة الثانية، المركز التجاري والاقتصادي للضفة الغربية، وقفزت البطالة في المدينة الى 40 في المائة مع تزايد تأثير الحظر الإسرائيلي على الاقتصاد في المدينة.

ويضغط رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض لتحسين حركة التجارة في الضفة الغربية بإزالة الحواجز. كما يساعده توني بلير، مبعوث اللجنة الرباعية للسلام في الشرق الأوسط. ويرى فياض أن تعزيز صمود الناس وبقائهم وتحسين نوعية حياتهم، طريق تقود إلى مواجهة الاحتلال وإفشال خطته الرامية إلى طرد الناس وتهجيرهم من أرضهم.

إلا أن الإسرائيليين يقولون إنهم رغم دعمهم لتحقيق الأمن والاقتصاد في الضفة لغربية، فلن يغامروا برفع الحواجز التي تؤمن لهم الأمن في إسرائيل.