باكستان: مقتل العقل المدبر لمؤامرة «الإرهاب السائل» على رحلات عبر الأطلسي

غارة جوية أميركية تصفي 5 من «القاعدة» بينهم عرب في وزيرستان

نقطة تقتيش من الشرطة الافغانية وسط العاصمة كابل أمس (أ.ب.إ)
TT

أعلن مسؤولون باكستانيون مقتل ناشط أصولي يشتبه بأنه خطط عام 2006 لتفجير قنابل داخل طائرات فيما عرف بمؤامرة «الارهاب السائل» تقوم برحلات عبر الاطلسي وبانه على علاقة بـ«القاعدة»، في غارة جوية اميركية على منزل بالقرب من بلدة مير علي بوزيرستان الشمالية أمس شمال غربي باكستان. وذكرت قنوات تلفزيونية باكستانية وضباط في المخابرات أن رشيد رؤوف، وهو متشدد بريطاني له صلة بتنظيم القاعدة قتل مع متشدد مصري في هجوم صاروخي أميركي على منطقة وزيرستان امس. ورؤوف، 27 عاما، الذي يشتبه بأنه العقل المدبر لمؤامرة عام 2006 لنسف طائرات تعبر المحيط الاطلسي باستخدام متفجرات سائلة من بين خمس ضحايا سقطوا في هجوم يعتقد أن طائرة أميركية من دون طيار شنته في منطقة وزيرستان الشمالية. والهجوم يأتي بعد أقل من 48 ساعة من تقديم باكستان احتجاجاً إلى سفيرة واشنطن لدى إسلام آباد بشأن الهجمات الصاروخية داخل عمق الأراضي الباكستانية. واستدعت وزارة الخارجية الباكستانية الخميس السفيرة الاميركية آن باترسون، حيث سلمتها مذكرة احتجاج «شديدة اللهجة» على الهجوم الذي وقع بمنطقة شمال غربي باكستان الأربعاء الماضي. وقال مسؤول كبير في اجهزة الامن الباكستانية قتل رشيد رؤوف الذي يشتبه بأنه العقل المدبر لمحاولات اعتداء على رحلات عبر الاطلسي باستخدام متفجرات سائلة من بين خمس ضحايا ومسؤول مصري في «القاعدة» امس في غارة صاروخية على شمال وزيرستان، مضيفا ان المسؤول المصري في «القاعدة» هو ابو الزبير المصري، ويعتبر سقوط ضحايا من العرب دليلا على وجود تنظيم القاعدة.

وقال مسؤول مخابرات باكستاني ان ابو الزبير المصري كان يعيش في منطقة الشريط الحدودي منذ نهاية عام 2001، وكان برفقة رشيد رؤوف. وكان مسؤول في اجهزة الامن الباكستانية قد اعلن في وقت سابق امس مقتل ما لا يقل عن ثلاثة مسلحين اسلاميين في المناطق القبلية شمال غربي باكستان في غارة شنتها طائرة بدون طيار تابعة للقوات الاميركية التي تقاتل طالبان في افغانستان المجاورة.

غير ان مصدرا دبلوماسيا غربيا قال ان الصاروخ اطلق من طائرة مقاتلة من سماء افغانستان وليس من طائرة بدون طيار كما حدث في ضربات سابقة. ومنذ اغسطس (آب) تكاثرت هذه الضربات التي تستهدف حركة طالبان و«القاعدة» اللتين تتهمهما الولايات المتحدة بشن هجمات انطلاقا من المناطق القبلية الباكستانية على التراب الأفغاني. والأربعاء قتل مسؤول في «القاعدة» سعودي الجنسية في احدى هذه الضربات. وأول من امس توعد قيادي في طالبان الباكستانية بالرد باستهداف مجمل الاراضي الافغانية في حال تجدد الضربات. واعتقل رشيد رؤوف البريطاني الباكستاني الاصل في اغسطس (آب) 2006 ويشتبه بانتمائه الى «القاعدة» وبمشاركته في التحضير لاعتداءات كانت ستستهدف رحلات تجارية بين بريطانيا والولايات المتحدة. وكان مخطط الاعتداءات يتمثل في ادخال مكونات عبوات ناسفة في شكل سوائل الى الطائرات لتفادي الرقابة الامنية ثم تصنيع القنابل في الطائرة وتفجيرها خلال الرحلة. وأطلق انذار في الايام التي تلت اعتقاله وألغيت عدة رحلات وتم توقيف 24 شخصا يشتبه بضلوعهم في المؤامرة في بريطانيا. وقال ضابط مخابرات في المنطقة «وفقا لمعلوماتنا اطلقت الطائرة بلا طيار صاروخين على منزل». وقال مسؤول مخابرات آخر بالمنطقة «لدينا تقارير مؤكدة بمقتل خمسة أشخاص وإصابة ستة». وتستخدم القوات الاميركية بالمنطقة طائرات من دون طيار محملة بالصواريخ بشكل أساسي. ونادرا ما تؤكد الولايات المتحدة شن هجمات بطائرات دون طيار. ولا تملك باكستان أي طائرات قتالية دون طيار. وفي ديسمبر (كانون الاول) 2007 نجح رؤوف في الفرار من رجال الشرطة الذين كانوا يحرسونه بعيد مثوله امام محكمة في اسلام آباد في إطار إجراءات تسليمه الى لندن بتهمة ارتكاب جريمة قتل لا علاقة لها بالمؤامرة الارهابية. وأسقط القضاء الباكستاني الملاحقات بحقه. وسافر رؤوف وهو من أصل باكستاني الى باكستان عام 2002 بعد مقتل أحد أعمامه في بريطانيا. وكانت بريطانيا تطلب ترحيله اليها بعد مقتل العم. وخلال وجوده في باكستان تزوج رؤوف من احدى قريبات أزهر مسعود أزهر رئيس جماعة جيش محمد المتشددة. وعلى الرغم من أن جماعة جيش محمد تركز نشاطها أساسا على القتال في الجزء الواقع تحت سيطرة الهند من كشمير، إلا أن بعض الجماعات المنشقة عنها انضمت الى تنظيم القاعدة. وسبب هروب رؤوف العام الماضي حرجا للسلطات الباكستانية وأثيرت تكهنات حول السهولة التي تمكن بها من الهروب. وجاء مقتل رؤوف بعد ثلاثة ايام من مقتل قيادي هام في «القاعدة» هو عبد الله عزام السعودي الذي قتل مع خمسة مقاتلين اسلاميين بصاروخ اطلقته طائرة من دون طيار. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية: «نحقق في هذه التقارير». وأصدر أحمد الله أحمدي، وهو متحدث باسم حركة طالبان بيانا في وزيرستان الشمالية قال فيه ان قتلى الغارة الاميركية من المحليين وتعهد بالانتقام من الحكومة خارج الاراضي القبلية. وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند إنه سيزور باكستان الأسبوع الحالي، لكن لم يكشف عن ميعاد الزيارة على وجه التحديد لدواع أمنية. وتنفذ حركة طالبان باكستان منذ يوليو (تموز) 2007 سلسلة اعتداءات غير مسبوقة في كامل انحاء البلاد معظمها اعتداءات انتحارية أدت الى مقتل 1400 شخص. وهي تنتقد السلطات الباكستانية لدعمها «الحرب على الارهاب» التي تقودها واشنطن منذ 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وأصابت الضربات الصاروخية الاميركية مناطق كثيرة في شمال غربي باكستان ونجم عنها احيانا ضحايا مدنيون. وترفض واشنطن التعليق على هذه الضربات من دون ان تنفيها في حين احتجت باكستان مرارا عليها علنا.

بيد ان وسائل الاعلام الاميركية تتحدث بانتظام عن اتفاقات سرية بين واشنطن وإسلام آباد لتنفيذ هذه الضربات. ووقع 20 هجوما على الاقل خلال الاشهر الثلاثة الماضية، مما يعكس مدى نفاد صبر الولايات المتحدة ازاء المتشددين من باكستان. وتقول باكستان ان هذه الهجمات تشكل خرقا لسيادتها وتقوض جهود كسب التأييد العام للقتال ضد التشدد وتجعل من الصعب عليها تبرير التحالف مع الولايات المتحدة.

وتأخذ الولايات المتحدة على باكستان عدم قيامها بجهد كاف في مكافحة «القاعدة» وطالبان أفغانستان الذين يستخدمون المنطقة الجبلية شمال غربي البلاد المحاذية لأفغانستان كقاعدة خلفية لعملياتهم ضد نحو 70 ألف جندي أجنبي في افغانستان بينهم 33 ألف أميركي. ووفق إحصائية نفذت 11 غارة يشتبه بضلوع القوات الأميركية فيها خلال أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، وهي الأعلى المسجلة ومنذ دعم باكستان الولايات المتحدة الأميركية في حربها ضد الإرهاب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 على نيويورك وواشنطن. يُذكر أن الإقليم المضطرب المتاخم للحدود الأفغانية يعج بالعناصر المسلحة المتشددة، وتلك المتعاطفة معها من حركة «طالبان» فرع باكستان وتنظيم القاعدة، كما أنه كان مسرحاً لعدد من المواجهات العسكرية بين قوات الحكومة الباكستانية والمسلحين. من جهة أخرى، قتل عشرة أشخاص على الأقل وأصيب أربعون آخرون اول من أمس في تفجير وسط جنازة زعيم شيعي قتل بالرصاص في بلدة دير إسماعيل خان شمال غربي باكستان. واندلع إطلاق نار عنيف حول المستشفى التي نقل إليها القتلى والجرحى، وأطلقت الشرطة عبوات الغاز المسيل للدموع لاستعادة الهدوء. وتضاربت الأنباء بشأن الطريقة التي نفذ بها التفجير، حيث تحدث شهود عيان عن هجوم انتحاري في حين أشار آخرون إلى أنه انفجار قنبلة. وكان هجوم انتحاري قد استهدف احتجاجا للشيعة ضد مقتل أحد زعمائهم في نفس المنطقة يوم 19 أغسطس (آب) الماضي، مما أسفر عن مقتل 23 شخصا.