باريس: أوبري تقدمت بـ42 صوتا.. ورويال لا تستبعد اللجوء إلى القضاء

الحزب الاشتراكي على حافة الانشقاق وتبادل اتهامات بالتزوير الانتخابي

TT

42 صوتا فقط اعطت الحظوة لمارتين أوبري عمدة مدينة ليل في الانتخابات الداخلية للحزب الاشتراكي الفرنسي لمنصب الأمين العام على منافستها المرشحة الرئاسية السابقة سيغولين رويال أي ما يعادل 0.02 في المائة من مجموع المقترعين الاشتراكيين البالغ عددهم ما يزيد على 134 ألف صوت.

هذه النتيجة التي تظهر انقسام الحزب الاشتراكي الى معسكرين متعادلين وتهدد بتفتيته إذا رفضت رويال الاعتراف بنتيجة الانتخابات، لم تصدر إلا مع ساعات الفجر الأولى من يوم السبت بعد ليلة طويلة بالمفاجآت. وبعدما كان المقربون من رويال يسربون من داخل قاعة احتساب الأصوات في مقر الحزب الاشتراكي في باريس أنها تتقدم على منافستها واستعد محازبوها للاحتفال بفوزها، حصلت المفاجأة الكبرى بعد الساعة الواحدة فجرا إذ أظهرت الأرقام أن مارتين أوبري تقدمت على رويال بعد فرز أصوات فيدرالية الشمال الاشتراكية التي تضم مدينة ليل وفيدرالية أخرى (مدينة كان وتوابعها) التي يسيطر عليها رئيس الوزراء السابق لوران فابيوس أحد أهم مناصري أوبري. وبعد احتساب الأصوات مرات عديدة، خرج مسؤول اشتراكي ليعلن فوز مارتين أوبري وتقدمها على منافستها بـ42 صوتا فقط لا غير ما يجعل منها أول امرأة تتسلم منصب أمين عام الحزب الاشتراكي الفرنسي أحد أقدم وأهم الأحزاب الاشتراكية في أوروبا. وبالنظر الى الفارق الضئيل، لم يتردد أنصار سيغولين رويال في التنديد بعمليات الغش والاحتيال والتلاعب بالأصوات التي يدعون أنها حصلت خصوصا في الفيدراليتين المذكورتين. وقالت رويال في تصريح فجر أمس إنها تطالب بالتصويت مجددا وهو ما ردت عليه أوبري وأنصارها بالرفض المطلق وبدعوة الطرف الآخر الى احترام نتيجة الانتخابات.

ومساء أمس، قالت مارتين اوبري وهي ابنة جاك ديلور، رئيس المفوضية الأوروبية السابق إنها «ستكون أمينة عامة كل الاشتراكيين» ما يعني أنها عازمة على التمسك بنتائج الانتخاب ورفضها مطلب منافستها.

وما بين اتهامات الأوائل ورد المعسكر المقابل، كادت تندلع «حرب أهلية» اشتراكية بين المحازبين من الطرفين حيث معسكر رويال يتهم الآخرين بـ«سرقة انتصارها»، فيما يرد الآخرون «التحية» بأفضل منها باتهام الجهة الأولى بالتلاعب بالأصوات في دوائر انتخابية أخرى منها في منطقة مرسيليا مثلا. وازداد الغموض بإعلان فرنسوا هولند، أمين عام الحزب الحالي ورفيق درب سيغولين حتى أوائل هذا العام أنه «من الطبيعي» أن تحصل احتجاجات بسبب التقدم الطفيف لأوبري. وفي مسعى لقطع الطريق على تصاعد موجة الاحتجاج ما يهدد بانشقاق داخل الحزب، دعا هولند المجلس الأعلى الى اجتماع في السادس والعشرين من الشهر الجاري للنظر في النتيجة والمصادقة عليها. وبسبب غلبة تيار أوبري داخل المجلس المذكور فلا خوف من «مفاجآت» على زعيمة الحزب الجديد. ومع فوز أوبري، يكون تحالف القوى المناوئة لرويال قد نجح في إبعادها عن ترؤس الحزب. ويقوم التحالف على رفض أسلوب رويال في العمل السياسي حيث تغلب الصورة والشعور على الالتزام والعمل الحزبي من جهة وعلى رفض لفكرتها الداعية لقيام تحالف اليسار الاشتراكي والوسط لقطع الطريق على إعادة انتخاب نيكولا ساركوزي رئيسا للجمهورية مرة جديدة عام 2012. وأجمع المحللون السياسيون أمس على أن التقدم الضئيل جدا لأوبري على منافستها سيجعل منها زعيمة ضعيفة وموضع تشكيك مستديم كما سيمنعها من القيام بما تريده من إعادة إطلاق الماكينة الحزبية ورسم سياسة فاعلة وسيحرمها خصوصا من إعادة تجميع الاشتراكيين في إطار قوة سياسية معارضة تحضر للاستحقاقات الانتخابية القادمة. ويذهب المتشائمون الى حد توقع انشقاق الحزب الاشتراكي الى حزبين أو الى تيارين إلا إذا حصلت «عجيبة ما» ونجح فرنسوا هولند في إعادة بعض اللحمة الى الحزب عن طريق إرضاء مناصري رويال بمناصب مهمة داخله. وليل أمس، حصل اتصال هاتفي بين مارتين وسيغولين، وقالت أوساط مقربة من الثانية إنه كان «باردا» وأن رويال أكدت أنها «ترفض الانصياع» لما تعتبره عملية احتيال من أجل إبعادها. ولم يستبعد مانويل فالس، أحد مساعدي رويال «اللجوء الى القضاء» من أجل إلغاء نتائج الانتخاب.

وما كان فوز أوبري ممكنا لو لم يلتف حولها تباعا المرشحان برتراند دولانويه الذي انسحب من السباق قبل الانتخابات ثم بونوا هامون الذي خرج من المنافسة بحلوله في المرتبة الثالثة في الجولة الانتخابية الأولى. وقد دعا دولانويه وهو عمدة باريس وأحد الوجوه الأكثر شعبية داخل الحزب للتصويت لصالح أوبري وهو ما دعا اليه هامون لاحقا، والثلاثة (مع أوبري) يجمعهم تعلق بالإبقاء على الحزب الاشتراكي حزبا يساريا له هوية اشتراكية ويسارية واضحة بعكس رويال التي تريد «تحديثه» وإعادة النظر بتوجهاته الأساسية ولا تستبعد الانفتاح على الوسط لنسج تحالفات انتخابية وسياسية. وأعطى هذا المشهد المحزن للاشتراكيين مناسبة لليمين للتهكم عليه. وقال فريدريك لوفيفر، الناطق باسم حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية (اليميني الحاكم) إنه «من المؤسف» أن يكون الاشتراكيون غارقين في مشاكلهم وأن «ينسوا مشاكل فرنسا». وقال لوفيفر إن «لا شيء يجمع الاشتراكيين سوى الحقد بين قادتهم».