دليلك إلى أخطر كابوس بحري في العالم: كيف يعمل القراصنة على سواحل الصومال

«الشرق الأوسط» تروي سيناريوهات عمليات الخطف والقرصنة

صياد صومالي يحمل سمكة ضخمة على ساحل مقديشو أمس (أ ب)
TT

إنهم منظمون بشكل دقيق.. مسلحون جيدا.. يمثلون فريق عمل يجيد أفراده تقسيم المهام في ما بينهم، لكن الأهم أنهم يحصلون على دعم السكان المحليين وثقتهم بفضل تلك الأموال الهائلة التي يحصدونها من عملهم في القرصنة أمام سواحل الصومال. «الشرق الأوسط» تروي استناداً إلى شهادات موثقة من ملاحين وبحريين ومسؤولين حكوميين على صلة بملف القرصنة حقائق جديدة عن أكبر كابوس بحري في العالم، الذي تشهده سواحل الصومال. عندما يتجه المسلحون إلى عرض البحر بقواربهم الصغيرة والسريعة فإنهم في الواقع يمارسون جملة من الفنون الأمنية والعسكرية، ابتداءً من انتقاء الهدف أو الصيد الثمين ثم السيطرة عليه قبل اقتياده إلى وكر القراصنة في أحد الموانئ الصغيرة المنعزلة على سواحل إقليم البونت لاند (أرض اللبان) في شمال شرق الصومال. إذا شاء حظك العاثر أن تتفاوض مع قراصنة البحر الصوماليين، يتعين عليك الانتباه إلى موضع أقدامك، فالخطأ ممنوع بحكم الهوس الأمني الذي يعتريهم وتحفزهم الدائم لأي حدث طارئ. أولى القواعد التي يدركها من يخوض مباراة التفاوض مع القراصنة هي أنهم يعلمون جيدا أنهم في الموقف الأقوى حتى مع تسليحهم المحدود نسبيا، فقذيفة واحدة من مدافع الهاون أو صواريخ الآ ر بي جي التي بحوزتهم كفيلة بإحداث فجوة كبيرة في السفينة المخطوفة قد تدفعها إلى الغرق أو الاحتراق.

بالطبع عندما يكتشف الطاقم أنهم بصدد عملية قرصنة يطلق أحدهم رسالة مشفرة ومرمزة ومعدة مسبقا تخطر الشركة الأم بحدوث عملية الاختطاف، بالإضافة إلى رسالة استغاثة مجهزة من قبل موجهة لكل السفن المارة في الجوار بأن ثمة شيئا خطأ يقع للسفينة. لكن هاتين الرسالتين لن تمنعا القراصنة ولن تردعهم، فالأساطيل الغربية المحتشدة على سواحل الصومال نادرا ما تتدخل لوقف نشاط القراصنة أو لنجدة أي سفينة مختطفة، لذلك ليس مدهشا أن تعلم أن القراصنة في بعض الأحيان يتبادلون إشارات التحية مع بعض السفن الحربية الغربية وهم يمرون بالقرب منهم في مشهد مثير للجدل، ويدفع إلى التساؤل حول جدوى هذا الاحتشاد غير المسبوق لأساطيل نحو عشرين دولة في تلك المنطقة.

وباستخدام ميكروفون يدوى صغير، يقول أحدهم بلغة صومالية ثم بانجليزية ركيكة:«توقف مكانك.. لا حركة.. أطفئوا المحركات.. تجمعوا على السطح»، تلك أولى الكلمات الكلاسيكية التي يرددها القراصنة بعدما يكونوا قد التفوا حول السفينة المخطوفة شاهرين أسلحتهم وهم على متن قواربهم الصغيرة السريعة.

إذا كنت قبطانا للسفينة أو قائدا لطاقمها الملاحي فإن الخيارات أمامك تبقى محدودة.. إما المغامرة برفض تنفيذ تعليمات القراصنة الذين لا يمنحونك فرصة للتفكير فهم يطلقون الرصاص في الهواء وفوق الرؤوس للترويع والإرهاب، مع ما يعنيه ذلك من خطر حقيقي ومحدق بمصير طاقم السفينة، وإما الانصياع لما يقولونه.

عندما تتوقف المحركات تبدأ خلية النحل عملها فورا بدون تباطؤ، فالسلالم المصنوعة من الحبال تعرف طريقها إلى زوايا السفينة والخطاطيف أو الكلاليب الصدئة من ملوحة المياه وكثرة الاستخدام تمارس عملها بفاعلية مدهشة. ويدرك القراصنة جيدا أن معظم السفن التجارية العابرة قبالة سواحل الصومال أو على مقربة منها لا تتمتع بأي حماية عسكرية، ناهيك من أن السفن نفسها ليست مزودة بوسائل تمكنها من الدفاع عن نفسها في مواجهة أي خطر محتمل باستثناء خراطيم المياه.

ويتبنى القراصنة بشكل جيد استراتيجية الصدمة والرعب التي طبقتها القوات الأميركية عام 2003 في حربها ضد نظام حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فهم يستهدفون منذ اللحظات الأولى إخضاع السفينة وطاقمها إلى الضغط النفسي عبر تسديد فوهات الرشاشات إلى رؤوس وصدور من يتلكأ في تنفيذ تعليماتهم.

وفي دقائق معدودة يصعدون إلى متن السفينة ويبدأون على الفور في جمع كل الهواتف والكومبيوترات المحمولة والكاميرات وأجهزة التسجيل إن وجدت، وبعدها يهرع بعضهم لتفقد السفينة من القاع إلى القمة بمهارة من تدرب كثيرا على مثل هذه المهمة، فيما تبدأ عملية حصر طاقمها والتعرف على جنسياتهم.

ويتعين عليك كقبطان للسفينة أن تحذر طاقمك من أن أي محاولة للاختباء أو ممارسة لعبة القط والفأر مع القراصنة ستكون عواقبها وخيمة، فقد يتلقى من يقدم على الانزواء في أحد زوايا السفينة أو مخابئها ضربة بكعب الكلاشنيكوف على رأسه أو وجهه أو كيفما تسنى للخاطفين عقابه.

لاحقا سيضع القراصنة كل البحارة في مكان واحد، ويفرغون في زمن قياسي من جمع كل المتعلقات الشخصية من أموال وخلافه مع طاقم السفينة.

الآن وصلنا إلى المرحلة الثانية من عملية الاختطاف، يسأل القراصنة الذين يوزعون أنفسهم بشكل جيد وينم عن دراية أمنية وكأنهم مارسوا هذا العمل من قبل ولديهم خبرة لا بأس بها في التمركز والانتشار في كافة أنحاء السفينة، عن قائد المجموعة أو القبطان لكي يأمروه بقيادة السفينة إلى حيث يريدون، من دون أن ينسوا أن يلفتوا انتباهه إلى أن تصرف طائش ستدفع السفينة وطاقمها الملاحي ثمنه على الفور.

المدهش أنه في كل حوادث القرصنة التي شهدتها سواحل الصومال منذ مطلع العام الجاري ووصل عددها إلى نحو 35 عملية خطف، كانت السفن والبحارة يلتزمون بتلك التعليمات، فلم تحدث مواجهات بين طاقم السفينة وأي من المجموعات التي تمارس القرصنة على سواحل تلك الدولة المنكوبة في منطقة القرن الأفريقي.

وبالمثل فلم يحدث أن قتل القراصنة إلا في ما ندر أحدا من البحارة أو أصابوه إصابات بالغة، فهم يدركون أن الحفاظ على حياة هؤلاء يمثل بوليصة تأمين مفتوحة لهم.. ذلك أن الشركات المالكة للسفن وحكوماتها سيخضعون لاحقا لتأثيرات الرأي العام ووسائل الإعلام. يدرك القراصنة جيدا أن أول تصريح سيصدر عن أي شركة لديها سفينة مختطفة هو أن الأولوية تبقى دائما لتأمين سلامة وإطلاق سراح طاقم السفينة بسرعة.