منظر الجهاديين: التأشيرة «عقد أمان» ومن دخل بلاد الكفار بها تحرم عليه خيانتهم الحلقة السادسة

الدكتور فضل في كتاب حصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره: الظواهري استند إلى آراء مناقضة للشرع لتبرير أعمال «القاعدة»

التفجيرات التي شهدتها بعض الدول الأوروبية وراح ضحيتها العديد من الأرواح نموذج لما خلفته فتاوى «القاعدة» بإجازة قتل غير المسلمين (رويترز)
TT

تناول منظر الجهاديين السيد إمام عبد العزيز الشريف، المعروف باسم الدكتور فضل في الحلقة التي نشرناها أمس، من كتابه «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» الذي حصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره، الأسس الفكرية لتنظيم القاعدة، وأركان أخرى من فلسفة نهجهم. وتناول الدكتور فضل مسألة تأشيرة الدخول للبلدان، وما إذا كانت هذه التأشيرة تشكل عقد أمان بالمفهوم الشرعي.

وأشار الدكتور فضل إلى أن أيمن الظواهري استعان في كتابه (التبرئة) بالموسوعة البريطانية لشرح معنى لفظ «التأشيرة»، وقصد فتاوى ناصر الفهد لدعم رأيه بجواز نقض (التأشيرة كعقد أمان). وأضاف إن الظواهري أصبح بذلك «كمن يقف في سوبرماركت، ينتقي من كل رف ما يناسب رغبته ويشبع شهوته، وهو منهج العابثين في تفسير الدين». وتوقف حديث الدكتور فضل الملقب أيضا بالشيخ عبد القادر بن عبد العزيز في الحلقة السابقة، عند نقد الركن الحادي عشر من أركان مذهب (القتل بالجملة) الذي أسسه تنظيم القاعدة وهو قولهم (حتى ولو كانت التأشيرة أماناً فيجوز نقضه)، وانقطع الحديث عند رده على السبب الثاني، الذي أجاز به ناصر الفهد نقض مبدأ (أن التأشيرة عقد أمان) يواصل الدكتور فضل حديثه قائلا: كلام الفهد هذا فيه تخليط وجهل شديد ومعارضة للنصوص الصريحة. أما تخليطه فهو قد خلط بين أمان الدول للدول وبين أمان الدول للأفراد، وأما قوله إن الصحابة أمّنوا كعبًا ثم قتلوه، فكلام فاسد، ردّ عليه محمد بن مسلمة نفسه في قصته مع معاوية. وأما جهله ومعارضته للنص الصريح الذي لم يذكره: فإن أميركا مهما بلغ من عدوانها على المسلمين فليست في الإجرام بمنزلة من قاتل النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه، فلا شك في أن من قاتل النبي (صلى الله عليه وسلم) أشد إجرامًا ممن قاتل غيره من المسلمين.

وكل كافر يأتي بعد قريش في هذه الدنيا وإلى يوم القيامة فما هو إلا مجرد تابع لها مهما بلغ كفره وعدوانه، وهذا بنص حديث النبي (صلى الله عليه وسلم): (الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم) رواه البخاري. فأميركا وكل كافر ما هم إلا تابع لقريش التي أخرجت النبي (صلى الله عليه وسلم) من داره وبلده وسبّته بأقبح الشتائم والأشعار، ومع ذلك لما عاهدهم حذيفة بن اليمان على ألا يقاتلهم في بدر، أمره النبي (صلى الله عليه وسلم) بالوفاء بالعهد رغم خروجهم لقتال النبي نفسه. قال حذيفة (ما منعني أن اشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيل، فأخذنا كفار قريش قالوا: إنكم تريدون محمدًا؟ فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منها عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبرناه الخبر فقال «انصرفا، نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم») رواه مسلم. وهذا نص في محل النزاع يرفع الخلاف، فبالرغم من خروجهم لقتال النبي نفسه، أمر حذيفة بالوفاء بعهده معهم، لأن عهد المسلم مع الكفار (ومنه أمان التأشيرة) هو عقد شخصي بينه وبينهم لا ينقضه عدوان الكفار على غيره من المسلمين، بدليل حديث حذيفة، وبدليل قول الله تعالى: «وإنِ استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق»، (الأنفال:72). ولهذا قال الشافعي رحمه الله (فصل في المستأمن في دار الحرب: إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم أو يبلغوا مدة أمانهم، وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم، وإن أَسَر العدو أطفال المسلمين ونساءهم لم أكن أحب لهم الغدر بالعدو، ولكن أحب لهم لو سألوهم أن يردوا إليهم الأمان وينبذوا إليهم، فإذا فعلوا ذلك قاتلوهم عن أطفال المسلمين ونسائهم) (الأم).

ترك ناصر الفهد كل هذا واحتال في التماس الأعذار لمنفذي 11/9، فألجأه ذلك إلى اتهام الصحابة بل النبي (صلى الله عليه وسلم) بالغدر في حادثة كعب بن الأشرف، وفاعل ذلك حكمه معروف لأهل الإسلام، وتلك عقوبة من أعرض عن نصوص الشريعة الصريحة واحتال عليها من أجل فقه التبرير الذي ذكرته بالبند الثاني من الوثيقة.

وصف الله سبحانه الكفار بأنهم أهل الغدر والعدوان في قوله تعالى: «لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون»، (التوبة:10)، ومع ذلك أمرنا سبحانه أن نفي لهم إذا عاهدناهم فقال تعالى: «وأوفوا بعد الله إذا عاهدتم» (النحل:91)، وقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود» (المائدة:1)، لأن الكفار يفعلون ذلك للدنيا، أما المسلمون فيوفون تعبدًا لله وطاعة له.

ولم يكتف ناصر الفهد في التماس العذر لمنفذي 11/9 في نقض التأشيرة، بل التمس لهم العذر أيضًا في كلامه السابق لتبرير قتلهم الأميركان بالجملة في برجي مركز التجارة العالمي، فاخترع لهم قبيحة من قبائحه وهي بدعة (الشخصية الاعتبارية) التي جعلت ثلاثمائة مليون أميركي يساوون فردًا واحدًا مثل كعب بن الأشرف، وبما أن قادتهم يعادون المسلمين، وبما أنه لا وزن لقادتهم إلا بالشعب فيجوز قتله، فأباح لهم الفهد بذلك قتل المدنيين (غير المقاتلة) بمن فيهم مسلمو أميركا، وهذه مثل القتل بالجنسية والضرائب وهي بدعة باطلة لأسباب: لم يجعلهم بمرتبة واحدة بل قال تعالى: «ليسوا سواء» (آل عمران:113)، ومنها أن الله سبحانه قد ذم أهل الكتابين لإنكار كل منهما ما لدى الأخرى من الحق والفضل في قوله تعالى: وقالت اليهود ليست النصارى»، (البقرة:113)، ولم يجعل النبي كفار قريش بمرتبة واحدة، بل مدح بعضهم كالمطعم بن عدي وعبد الله بن جدعان وابي العاص بن الربيع، ونهى عن قتل بعضهم رغم خروجهم لقتاله في بدر كعمه العباس وأبي البختري بن هشام، ومنها أن قادة الفرس والروم لم يكن لهم وزن إلا بمدد شعوبهم ومع ذلك لما قاتلهم الصحابة لم يطبقوا عليهم نظرية (الشخصية الاعتبارية) التي اخترعها الفهد للتبرير، ولم يجعلوهم كرجل واحد بل قتلوا من انتصب لحربهم فقط، وقد سبق هذا بأدلته، كنهي عُمر (رضى الله عنه) عن قتل الفلاحين، ومنها أنه بالرغم من كل من قتلهم فرعون من أبناء بني إسرائيل، وبالرغم من طاعة قومه له كما قال تعالى: «فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين»، (الزخرف:54)، ومع ذلك أخطأ موسى (عليه السلام) بقتل رجل واحد منهم، وذكرت ذلك من قبل، فلم يجعلهم الله كيانًا واحدًا ولا شخصية اعتبارية بل فرّق بينهم، ومنها أن الروم (وهم اليوم أهل أوروبا وأميركا) لهم فضائل أقرّ بها الصحابة ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عن المستورد القرشي قال، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس) فقال عمرو بن العاص (لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّةً بعد فرّةٍ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك) رواه مسلم، ولأجل هذه الخصال الحسنة يفر إليهم كثير من المسلمين، خاصة في هذا الزمان إما فرارًا بالدين وإما طلبًا للدنيا، ويجدون لديهم من الحرية وسعة العيش ما لا يجدونه في بلادهم. وما شهد به عمرو بن العاص لهم (وأمنعهم من ظلم الملوك) مازال قائمًا إلى اليوم، ومنذ احتلال العراق في 2003 عزلت بعض هذه الشعوب رؤساء الوزارة لديها اعتراضًا على التحالف مع أميركا فعزل الأسبان أزنار، وعزل الأستراليون جون هوارد، ومازالت المظاهرات الاحتجاجية تجوب بلاد أميركا وحلفائها، فهم ليسوا شخصية اعتبارية واحدة، ومنذ أيام قام أكبر القساوسة في بريطانيا بموقف لصالح المسلمين، وقد قال الله تعالى: ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى»، (المائدة:8)، كما تم عزل توني بلير رئيس وزراء بريطانيا وقت احتلال أفغانستان والعراق.

بمثل هذا الفهم المنحرف (نظرية الشخصية الاعتبارية) يؤسس ناصر الفهد لمذهب القتل بالجملة، ويترك الظواهري كلام الله وكلام النبي (صلى الله عليه وسلم)، ثم يترك كلام الشافعي والشيباني وعلماء السلف، ويحتج بالكلام الفاسد للفهد، وبمثل هذا يتم تحريف الدين وتبديله، ويتم تبرير سفك الدماء بالجملة، وقد قال الإمام مالك رحمه الله (أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما أنزل الله على محمد (صلى الله عليه وسلم) لقوله، فهل نترك حديث حذيفة بن اليمان لبدعة ناصر الفهد؟ وأما سبّ النبي فلا ينقض العهد مع الكفار الحربيين لأن هذا جزء من دينهم (ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى)، ولهذا أمضى لهم النبي صلح الحديبية رغم سبّهم له وعدم اعترافهم به وطلبوا محو صفة الرسالة عنه في صيغة العقد، ورغم سبّ عروة بن مسعود للصحابة ووصفهم بالأوباش أمام النبي (صلى الله عليه وسلم). أما الذي ينتقض عهده بسب النبي فهو الذمي المقيم في دار الإسلام لالتزامه جريان أحكام الإسلام عليه بموجب عقد الذمة، كما ذكره ابن قدامة في نواقض عقد الذمة بآخر كتاب الجهاد في (المغني مع الشرح الكبير)، وفيه ذكر ابن قدامة أن من نواقض عقد الذمة (ذكر الله تعالى أو كتابه أو دينه أو رسوله بسوء). فتأمل تلبيسهم وخلطهم المسائل الفقهية بعضها ببعض من أجل تبرير التوسع في سفك الدماء، وقد ذكرت من قبل أن هذا الشيخ الجاهل ناصر الفهد، يجب منعه من الفتوى لإفتائه بخلاف الأصول، كما ذكره ابن القيم في (إعلام الموقعين)، ويجب عليه ضمان ما أتلف بسبب فتاويه كما ذكره ابن القيم في (إعلام الموقعين). والخلاصة: أن من دخل بلاد الكفار بالتأشيرة تحرم عليه خيانتهم ولو اعتدوا على غيره من المسلمين، لأن التأشيرة عهد شخصي بينه وبين الكفار كما في حديث حذيفة.

أما الركن الثاني عشر في فكر تنظيم القاعدة، وهو قولهم (إن تأشيرة دخول السياح بلاد المسلمين ليست أمانًا لهم من القتل والخطف)، وقد ذكره الظواهري في صفحات كتابه (التبرئة)، ورددت على ذلك بما يشفي في البند السابع (بالوثيقة)، ويكفي من كل ما ذكرته هناك قول أبي عُمر ابن عبد البر (كل ما اعتبره الحربي أمانًا من كلام أو إشارة أو إذن فهو أمان يجب على جميع المسلمين الوفاء به) من كتابه (الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار)، فمن دخل بلادنا بإذن من أي جهة فهو آمن، وكل من دخل منهم بلادنا بأمان غير صحيح فليس حكمه القتل والخطف، وإنما حكمه كما قال الشافعي رحمه الله (فعلينا ردّهم إلى مأمنهم ولا نعرض لهم في مالٍ أو نفسٍ، من قِبَل أنهم ليسوا يفرقون بين مَن في عسكرنا ممن يجوز أمانه ولا يجوز) من (الأم)، وهذا كما قال الله تعالى: «ثم أبلغه مأمنه»، (التوبة:6)، أي إلى حيث المكان الذي يأمن فيه على نفسه.

هذا كلام الله سبحانه، وهذا كلام علماء المسلمين، أما الظواهري وأصحابه فيقولون اقتلوا السياح واخطفوهم فليس لهم أمان مع أن الظواهري نفسه سافر إلى عدد من بلاد أوروبا وإلى أميركا وغيرها وقضى مصالحه فيها وخرج منها سالمًا لم يتعرض له أحد بسوء لا بقتل ولا بخطف، وقد قال الله تعالى: «وفي أنفسكم أفلا تبصرون»، (الذاريات:21)».

لم يكتف الظواهري بتطبيق بدعة (الشخصية الاعتبارية) للفهد ليستحل بها نقض عهد الأمان للمسلم إذا دخل بلاد الكفر، بل استعمل نفس البدعة ليستحل بها قتل السياح في بلاد المسلمين بسبب عدوان حكوماتهم على المسلمين، فقال (وقد بيّنت أن الطائفة الممتنعة المعتدية كالشخص الواحد) صفحة 154 من كتابه (التبرئة). هذا كلامه وهذا جهله وهو مصادم للكتاب والسنة، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يجعل الكفار المعتدين شخصًا واحدًا ـ رغم أنف ناصر الفهد والظواهري ـ بل فرّق بين المقاتل وغير المقاتل، وأجرى على المقاتل حكم طائفته (كما أجرى على عمه العباس حكم الكافر في الأسر والفداء يوم بدر)، في حين نهى النبي عن قتل غير المقاتل حتى والحرب قائمة، كما نهى عن قتل النساء والصبيان والعسيف (الأجير) ونحوهم فليسوا شخصًا واحدًا كما زعموا لتبرير القتل بالجملة بلا تمييز، بل بينهما فرق، أما الظواهري فيريد أن يستحل قتل أي فرد من الشعب إذا جيشه قاتل أي مسلمين، وبذلك يستحل قتل السياح من أي دولة معادية للمسلمين، وكلامه هذا يفضي إلى استحلال قتل الملايين من السياح والعمال الأجانب في بلادنا، لأنهم هم وحكوماتهم وجيوشهم (كالشخص الواحد) عند الظواهري والفهد ولكن الأمر ليس كذلك عند النبي (صلى الله عليه وسلم).

ان تعمد قتل المدنيين في العمارات والقطارات والأسواق بل والمساجد وغيرها هو نوع من الإقرار بالعجز عن مواجهة العسكريين من الأعداء، كما أنه إقرار بالعجز عن الوصول للأهداف العسكرية، وكلاهما إقرار بالجبن. وقد ألجأهم الجبن والعجز إلى قتل من وردت الشريعة بالنهي عن قتله وهم المدنيون غير المقاتلين من الأعداء بل ومن المسلمين أيضًا. الله سبحانه أنزل قرآنًا يتعبد المسلمون بتلاوته إلى آخر الزمان بسبب التسرع في قتل رجل واحد مقاتل من الكفار، أمَر فيه سبحانه بالتبين مرتين، فقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا» ـ إلى قوله ـ «كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا»، (النساء:94)، وفي نفس هذه الحادثة اشتد إنكار النبي (صلى الله عليه وسلم) على أسامة بن زيد، هذا بعض ما ورد في الكتاب والسنة للزجر عن التسرع في القتل. أما الظواهري فيتفانى في تبرير الإسراف في القتل بالجملة، ويتفانى في تبرير قتل المدنيين الأبرياء غير المقاتلين، مرة بدعوى القتل بالجنسية، ومرة بسبب دفعهم الضرائب، ومرة بدعوى التترس، ومرة بدعوى إطلاق المعاملة بالمثل، ومرة بدعوى الشخصية الاعتبارية، وهذا إصرار من ابن لادن والظواهري وناصر الفهد على تبرير التوسع في القتل والإجرام، وشهية مفتوحة لسفك الدماء».

أما الركن الأخير وهو بدعة (لا يتكلم في هذه الأمور إلا شيوخ الجهاد)، وهي بدعة قبيحة تنم عن جهل بالدين أرادوا بها المشاغبة على من ينتقدهم، وبدعتهم هذه مصادمة لقول الله تعالى: فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، (النحل:43). وصِفة المفتي معروفة في كتب العلم وكتب أصول الفقه وليس فيها شرطهم هذا، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط) متفق عليه. ولم يختلف العلماء في أن فتوى الأعمى والأعرج والمريض والمرأة مقبولة إن كانوا من أهل الفتوى ـ وكذلك كان بعض المفتين من الصحابة ـ مع أن هؤلاء ليسوا من أهل الجهاد ولا من شيوخه، فهل لا تقبل فتاواهم على مذهب ابن لادن؟ أئمة المذاهب الفقهية الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم، لم يكونوا من شيوخ الجهاد والرباط فهل لا يقبلون كلامهم؟ رحمهم الله أجمعين، ومحمد بن الحسن الشيباني صاحب كتاب (السير الكبير) وهو من أقدم الكتب في فقه الجهاد ومن أكبرها، لم يكن من شيوخ الجهاد، وهو من أهل العراق، وكتب أولا (السير الصغير) فاستغرب الإمام الأوزاعي ـ وهو من أهل بيروت وكانت من ثغور الجهاد ـ أن يؤلف عراقي في الجهاد، فكتب الشيباني (السير الكبير) فشهد له الأوزاعي بالعلم رحمهم الله. بقى أن تعلم أن أصحاب هذه البدعة كانوا يلقبونني بـ(مفتى المجاهدين في العالم) و(العالم المرابط والمفتي المجاهد).

كما بقي أن تعلم أن هؤلاء الشيوخ المجاهدين المرابطين كانوا أول من يهرب من المعارك سواء أيام الجهاد ضد الروس أو بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان، حتى كان منهم من هرب متخفيًا في ثياب النساء، وليس هذا محل تفصيل ذلك، ولكنهم يستغلون جهل الناس بما حدث. ولقد كان أميرهم الملا محمد عُمر من شيوخ الجهاد، هل استفتوه أو استأذنوه في 11/9؟ والجواب: لا.

الحلقة السابعة: إيران وسورية أسعد الناس بـ«القاعدة»