منظر الجهاديين: إيران وسورية هما أسعد الناس بتنظيم القاعدة (الحلقة السابعة)

الدكتور فضل في كتاب حصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره يرد على تلبيس الظواهري للأمور الفقهية

أحد التفجيرات التي نفذتها «القاعدة» بالجزائر في ديسمبر الماضي (رويترز)
TT

يبدأ كاتب «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» في هذه الحلقة بتعرية تلبيس أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، الأمور، وهو الفصل الثالث من كتابه الذي يحمل ردوداً مباشرة على أفكار القاعدة، التي لخصها الظواهري في كتاب «التبرئة»، والذي كان صدوره بمثابة اعتراف ضمني من القاعدة وتنظيمها ورجلها الثاني بمدى تأثير مراجعات السيد إمام عبد العزيز أو الشيخ عبد القادر بن عبد العزيز أو الدكتور فضل، وهي الأسماء الثلاثة للرجل الذي يعتبر منظر الجهاديين.

ويفتتح الدكتور فضل هذا الفصل من كتابه قائلاً:

في الفصل الأول من هذه المذكرة قمت بتعرية أكاذيب الظواهري، وفي الثاني تعرية لمغالطاته الفقهية، التي صارت أركانا لمذهب إجرامي يستحل سفك الدماء بالجملة ويُسقط كل الموانع الشرعية التي تحول دون ذلك، وفي هذا الفصل أقوم بإذن الله بتعرية تلبيسه الأمور على القارئ من أجل تشتيته، ليترك القارئ في بلبلة وفي ضباب كثيف لا يدرك معه حقائق الأمور، وينسحب هو تحت ستار من هذا الضباب الكثيف الذي تمثل في نحو مائة سؤال أوردها في كتابه «التبرئة» وتركها بغير إجابة، والذي يريد أن يُعلم الناس يطرح علمه أمامهم، لا يطرح عليهم الأسئلة. ومن ذلك:

1) فمن تلبيس الظواهري طرحه لأقوال متناقضة في المسائل الفقهية:

ليوهم القارئ أن المسألة فيها خلاف ويمكن الأخذ بأي قول فيها بلا حرج، ومن هذا أنه ذكر أن بعض العلماء أجاز نقض العهد الذي أعطاه حذيفة بن اليمان لكفار قريش في غزوة بدر بعدم مقاتلتهم، يريد الظواهري من هذا أنه حتى لو كانت التأشيرة عهد أمان، فنقض منفذي 11/9 لها جائز على قول هذا العالم، فلجأ لهذا القول الباطل وتناسى قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لحذيفة: (نفي لهم بعهدهم) الحديث رواه مسلم، وتناسى قول النبي: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدّ) رواه مسلم، فالقول المخالف للسنة باطل مردود.

والله سبحانه قد أمرنا عند اختلاف الأقوال لا باختيار أي قول منها ولكن بعرضها على الكتاب والسنة، فما وافقهما فهو الحق وما خالفهما فهو باطل، وهذا هو الترجيح قال تعالى: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر»، (النساء: 59).

وهذا المنهج المنحرف ـ منهج الاختيار بدون ترجيح ـ هو الذي جعل الظواهري يترك الكتاب والسنة وأقوال علماء سلف الأمة ويختار قول ناصر الفهد، الذي وضع لهم بدعة «إطلاق المعاملة بالمثل» وبدعة «الشخصية الاعتبارية» لتبرير القتل بالجملة كما سبق. والاختيار من الأقوال الفقهية المختلفة بدون ترجيح بينها لمعرفة الصواب منها، حرام لا يجوز في دين الله تعالى: قال ابن تيمية رحمه الله «أجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى، وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح» من كتابه «الاختيارات الفقهية». وقال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله «اعلم أن من يكتفي بأن يكون في فتياه أو عمله موافقا لقول أو وجه في المسألة، ويعمل بما يشاء من الأقوال أو الوجوه من غير نظر في الترجيح ولا تقيّد به فقد جَهِل وخرق الإجماع» من كتابه «أدب المفتي والمستفتي». وقال ابن القيم رحمه الله ـ بعدما ذكر وجوب الترجيح ـ «وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به ويفتي به ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق وأكبر الكبائر، والله المستعان»، «إعلام الموقعين». هذا كلام علماء الأمة، قارن بينه وبين ما يفعله ابن لادن والظواهري وناصر الفهد.

2) ومن تلبيس الظواهري قوله إنه كتب كتابه «التبرئة» غَيْرة على الإسلام:

فهل يتفق كلامه هذا مع كل مغالطاته الفقهية السابقة، التي جعلته يدير ظهره للكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة، ويلوذ بكلام ناصر الفهد ليبرر لابن لادن ما يهواه. حتى بلغت به الجرأة إلى معاندة كلام الله بوجوب مجاهدة الأقرب من الأعداء: «يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة وأعلموا ان الله مع المتقين» (التوبة:123)، إلى أن يقول الظواهري إن جهاد العدو البعيد ـ أميركا ـ هو الواجب. فنحن الآن أمام موقف فيه: الله سبحانه يقول كذا، والظواهري يقول ضده. والله يقول كذا وابن لادن يقول ضده، فأين الغيرة؟

ولقد بلغ من تبني الظواهري لأفكار ابن لادن ودفاعه عنها، أنه صار هو أيضا من المطالبين ببيع البترول بسعره الحقيقي من كتابه «التبرئة» أي أن الواجب على المسلمين الآن هو «الجهاد في سبيل البترول»، ليظهر لنا بعد ذلك مصطلح «شهيد البترول». فهل كتب الظواهري كتابه غيرة على الإسلام وهو يعاند الله؟ وهل الظواهري صادق في تأسفه على سبّ بعض الأوروبيين للنبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يحتال للتفلت من أحكام شريعته بقول فلان وفلان؟

3) ومن تلبيس الظواهري قوله إنني ألقي التهم بغير دليل ولا برهان. وقد كذب في هذا:

أما الأحكام الفقهية: فما ذكرت شيئًا إلا بدليله من الكتاب والسنة والراجح من أقوال علماء الأمة، خاصة في (الوثيقة).

وأما الوقائع من الأحداث والأقوال: فمنها أمور عامة لا يلزم نسبتها لمعين، وإن كنت أعرفه كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» الحديث متفق عليه، لينتفع كل الناس بالموعظة، وهذا ما فعلته بالوثيقة. ومنها أمور خاصة ذكرتها بأصحابها وقد ورد شيء من هذا في الحوار الصحافي الملحق بالوثيقة، وما سترته عليهم أكبر بكثير.

4) ومن مشاغبة الظواهري تكراره لعبارة (لا ولاية لأسير):

وهل قلت إن لي ولاية على أحد، لقد قاطعتهم منذ خمس عشرة سنة غير آسف على أحدٍ منهم. ولقد قلت إن المخابرات اليمنية طلبت مني أن أشكل حزبا مصريا معارضا من الخارج، وأنا في سجونهم، فرفضت وقلت أنا لا أحب أن أكون رئيس دولة، فتريدني أن أشكل حزبا؟

5) ومن مشاغبة الظواهري قوله (لو كانت هذه التراجعات حرة وتلقائية فلماذا لم نسمع عنها إلا بعد أن وقع أصحابها في أسر عملاء الصليبيين):

ولم يكلفنا الظواهري هنا عناء الرد على مشاغبته، فقد رد على نفسه في الصفحة التالية، من كتابه وقال (إن كاتب الوثيقة انتقد أصحابه منذ أربعة عشر عاما). ولكن لي هنا بعض التعليقات:

إن الظواهري لجأ إلى أساليب أعداء الرسل في وصف الحق بأسماء منفرة، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) سموه شاعرا وكاهنا وساحرا... وأنا لم اسم كتابي إلا «وثيقة ترشيد العمل الجهادي» فلجأ هو إلى التنفير فوصف ذلك بالتراجع مع تكذيبه لنفسه، إذ قد أقر بأنني انتقدتهم من قبل، فليس ثم تراجع إذن، ولكنه يستخف بعقل القارئ. إن هذا النقد الذي ذكرته في كتابي «الجامع» منذ 1993، هو مما حذفه الظواهري لما تصرف في كتابي بغير إذني، فوقع الظواهري في السرقة وخيانة الأمانة والكذب وكتمان العلم وكلها من كبائر الذنوب «ظلمات بعضها فوق بعض»، فقد كانوا لا يريدون أن يعرف الناس معايب الحركات الإسلامية فحذفوها من «الجامع»، فلما كتبتها في «الوثيقة» ولم يتمكنوا من سرقتها وتحريفها لجأوا إلى السفاهة والتشهير.

ان التراجع ليس عيبا إن كان إلى الحق، بل هو واجب وممدوح، هذا كلام عُمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ـ في وصيته للقضاة ـ «ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس وراجعت فيه رأيك وهُديت لرُشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل»، هذا كلام الصحابة أهل العلم (اعلام الموقعين).

6) ومن تلبيس الظواهري قوله إن الوثيقة (تتغافل عن المجرمين الحقيقيين الأميركان وأعوانهم):

وكلامه هذا فيه كذب وتلبيس للأمور: أما كذبه: فالوثيقة لم تغفل أحدا بل كما نصحت الحركات الإسلامية، نصحت الحكام في البند الرابع عشر، وتكلمت عن أعداء الإسلام في البند الخامس عشر.

وأما تلبيسه: فالظواهري قد ألغى عقله ودان بالطاعة العمياء لأميره ابن لادن إلى درجة التبني الكامل لأفكار ابن لادن الفاسدة وتبريرها له بالمعاندة لكتاب الله تعالى، وإلى درجة تبني الظواهري لاهتمامات ابن لادن البترولية: فالله يقول «قاتلوا الذين يلونكم..» (التوبة: 123)، والظواهري يقول قاتلوا العدو البعيد. والله يقول «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم..» (الشورى: 30)، والظواهري مذهبه (وما أصابكم من مصيبة فبسبب أميركا)، مقلدا في ذلك شيخه ابن لادن.

أما المجرم الحقيقي يا معشر المسلمين، بحسب حكم الله، فهو من يعرف شريعة الله ويُعرض عنها عمدا واحتيالا، كما فعل ابن لادن والظواهري وأتباعهم، هذا كلام الله تعالى «ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون»، (السجدة: 22). هذا هو الإجرام الحقيقي ولهذا سميت مغالطاتهم الفقهية مذهبا إجراميا لأنه معاند لشريعة الله تعالى.

وإذا كانت أميركا هي المجرم وسبب المصائب وبدأت الحملة الصليبية لماذا يعرض عليها ابن لادن الهدنة ويعرض عليها الظواهري التفاوض هل انتهى إجرامها؟

في عرضه الهدنة على أميركا قال ابن لادن: «ولا مانع من إجابتكم إلى هدنة طويلة الأمد بشروط عادلة، نفي بها، فنحن أمة حرم الله علينا الغدر والكذب، لينعم في هذه الهدنة الطرفان بالأمن والاستقرار، ولنبني العراق وأفغانستان اللذين دمرتهما الحرب». وفي عرض التفاوض على أميركا قال الظواهري (إنكم لا تتفاوضون مع القوى الحقيقية في العالم الإسلامي ويبدو أنكم ستخوضون رحلة مؤلمة من المفاوضات الفاشلة، ثم ستعودون بإذن الله مكرهين للتفاوض مع القوى الحقيقية، في إشارة إلى تنظيم القاعدة». فإذا كانت أميركا هي المجرم الحقيقي فلماذا يعرضون عليها الهدنة والتفاوض؟ هل انتهى إجرامها؟ هل تحررت أفغانستان والعراق وفلسطين؟ هل خرجت أميركا من الخليج ورفعت يدها عن الصومال؟ أليست هذه دوافعهم للصدام مع أميركا؟ وهل ما لم يحققوه بالمصادمة سيحققونه بالهدنة؟ فلم يبق مقصود للهدنة إلا الحرص على سلامتهم الشخصية. وكيف يتكلم ابن لادن عن الوفاء بالعهود وهو غارق في الخيانة والغدر مع الصديق والعدو؟

ولما لم تستجب أميركا لمطالب القاعدة بالهدنة والتفاوض، قام فرع القاعدة في الجزائر بتفجيرات ضد مصالح أجنبية سقط فيها عشرات الجزائريين قتلى وكان هدفهم إرغام الغرب على الرضوخ لمطالب القاعدة وزعيمها. أي ان الشعب الجزائري المثقل بالجراح عليه أن يدفع دماءه ثمنا لسلامة ابن لادن والظواهري وثمنا لإجبار أميركا على الهدنة معهما. فقام فرع القاعدة في الجزائر بتفجير 11/12/2007 سقط فيه 62 قتيلاً وأكثر من 200 جريح، وأعلن هذا الفرع أن من أهداف التفجير (تذكير الغرب: بوجوب الإصغاء جيدا لمطالب وخطابات شيخنا وأميرنا أسامة بن لادن)، أي أن دماء الجزائريين أصبحت مجرد رسالة وفداء لابن لادن والظواهري بعد دماء الأفغان وغيرهم. هذا هو فقه شيوخ الجهاد، يقتلون الجزائريين ويبكون على قتل اليهود للفلسطينيين، وينكر الظواهري على حماس أن صواريخها البدائية قد تقتل بعض أطفال اليهود الأبرياء ولا ينطق بكلمة عمن قتلتهم تفجيرات (11/9) اللامباركة، وعن آلاف الأفغان الذين تسببوا في قتلهم، بل يبرر الظواهري إجرامهم بنظرية العشرة ملايين والشخصية الاعتبارية كما سبق في الفصل الثاني.

«فائدة مهمة: جرائم الكافر لا تبرر السكوت عن خطأ المسلم»: قال الله تعالى: «يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به، والمسجد الحرام واخراج أهله، منه أكبر عند الله..» (البقرة: 217). نزلت هذه الآية في سرية عبد الله بن جحش، وكان (النبي صلى الله عليه وسلم) قد أرسلهم ـ بعد الهجرة ـ إلى قرب مكة يستطلعون أخبار قريش، فوجدوا قافلة من كفار قريش فقتل الصحابة أحدهم في الشهر الحرام، فنزلت الآية تبين أنه وإن كان ما يفعله الكفار ـ من الكفر والصد عن سبيل الله وإخراجهم أهل المسجد الحرام (النبي والمهاجرين) منه ـ شيء أكبر، إلا أن هذا لا يبرر السكوت عن خطأ المسلمين من القتل في الشهر الحرام، فقال تعالى «قل قتال فيه كبير..»، ولم يسكت عنه، ولم يقل يجوز في مقابل جرائم الكفار، بل هو كبيرة من الكبائر، حتى دفع النبي (صلى اله عليه وسلم) دية الكافر (ابن الحضرمي) الذي قتله الصحابة، لأنه قتل على وجه لا يجوز في الإسلام، رواه البيهقي وذكره ابن كثير في «البداية والنهاية».

وبهذا تعلم أن مشاغبة الظواهري التي كررها في كتابه «التبرئة» بقوله إن كاتب الوثيقة ينتقدهم وهم المتصدون لأميركا، تعلم أن كلامه هذا باطل ومناقض لكتاب الله، فهو يريد ألا ينتقدهم أحد لأن جرائم أميركا أكبر وهم يتصدون لها، فإذا شاغب أي جاهل بمثل هذه الشبهة فقولوا له قول الله سبحانه للصحابة، الذين هم خير الأمة، لما أخطأوا ولم يسكت عنهم أو يبح لهم ما فعلوا في مقابل جرائم كفار قريش. وكذلك أنكر النبي (صلى الله عليه وسلم) على أسامة بن زيد وخالد بن الوليد تسرعهم في القتل، ولم يسكت عنهم، ودفع ديات من قتلوهم على نحو ما ذكرته في «الوثيقة».

كأنهم يريدون أن تبقى منكرات المسلمين كما هي لا ينكرها أحد حتى تنتهي منكرات الكفار وجرائمهم، وهي لن تنتهي بل ستزداد كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شرّ منه، حتى تلقوا ربكم» رواه البخاري، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «يذهب الصالحون الأول فالأول، وتبقى حثالة كحثالة الشعير أو التمر، لا يباليهم الله بَالَةً» رواه البخاري، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : «إن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاءٌ وأمور تنكرونها، وتجئ فتنٌ يُرقق بعضها بعضًا) الحديث رواه مسلم، فالشرّ والفتن لن تنتهي بل ستزداد.

وهل هناك شرّ مثل تحريف الظواهري للدين لتبرير مذهب ابن لادن في القتل بالجملة؟ وهل نحرّف ديننا كلما ظهر لنا عدو كأميركا أو غيرها؟

ومما سبق تعلم لماذا أكثر الظواهري من طرح الأسئلة في كتابه «التبرئة» عن جرائم أميركا وإسرائيل؟ كما أظهر اهتمامه البالغ بقضية فلسطين، لقد فعل ذلك كنوع من التبرير لمذهبهم الإجرامي، فهو يريد ألا ينتقدهم أحد مادامت جرائم أميركا وإسرائيل قائمة، وأوضح ذلك بقوله إن المتصدين لهذه الجرائم هم الذين تنتقدهم الوثيقة، وهذا تلبيس منه على الناس، وقد تبين مما سبق أن الكتاب والسنة دلا على أن جرائم الكافر لا تبرر السكوت عن خطأ المسلم، فتفّطن لمكر الظواهري وتلبيسه.

7) ومن تلبيس الظواهري وقلبه للحقائق: قوله «والمجاهدون هم الذين أفشلوا المخطط الأميركي في المنطقة، وهم أيضا من تنتقدهم تلك التراجعات» ويقصد بالمجاهدين تنظيم القاعدة.

وهذا نفس كلام جمال عبد الناصر الذي وصفه الظواهري بالدجال، ولكن بصيغة أخرى، فقد رفع عبد الناصر بعد هزيمة 1967 شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، وذلك لإسكات منتقديه، وها هو الظواهري يحذو حذو من وصفه بالدجال، لا يريد أن ينتقدهم أحد لأنه مشغول بمحاربة أميركا.

وكلامه هذا قلب للحقيقة فإنهم هم الذين أدخلوا أميركا إلى المنطقة وتسببوا في احتلالها لأفغانستان والعراق، وأعطوا أميركا معلومات مزيفة عن صلة العراق بالقاعدة وعن أسلحة الدمار الشامل بالعراق ليعطوا أميركا الذريعة لغزو العراق، فقط من أجل استدراج أميركا إلى ساحة قتال لإنهاكها، فكان أن قتلت القاعدة من شعب العراق أضعاف من قتلتهم من الأميركان وذلك بعدما كفّرت شعب العراق وبالجملة أيضا، فأجرمت في حق شعب العراق مرتين: مرة باختلاق الذرائع لعدوان أميركا عليه، ومرة بتكفيره وقتله بالجملة، لمجرد الرغبة في الصدام مع أميركا. وكل قطرة دم سالت وتسيل في أفغانستان والعراق هي في رقبة ابن لادن والظواهري وأتباعهما، فالقاعدة الفقهية تنص على أن «إتلاف المتسبب كإتلاف المباشر في أصل الضمان» من «إعلام الموقعين».

الظواهري يزعم أنهم أفشلوا المخطط الأميركي، والحقيقة عكس ذلك، والحقيقة أيضا هو أنه أينما حلّت القاعدة حَلّ الدمار على المسلمين، حدث هذا في أفغانستان والعراق والصومال وفي منطقة وزيرستان بباكستان. دمار بعد دمار كما كان يحدث للمتبركين بمسيلمة الكذاب. والرابحون اليوم من جنون القتل في العراق هم إيران في المقام الأول، ثم سورية، وهل تسهل سورية مرور من يرغب في القتال بالعراق حبا في الجهاد في سبيل الله، أو حبا في شعب العراق أم من أجل مصلحتها؟ أليس يقيم بإيران كبار المحرضين على القتال في العراق من الصف الأول من قيادات تنظيم القاعدة، ومنهم ابن أسامة بن لادن؟ وهل القتال لمصلحة إيران وسورية هو جهاد في سبيل الله «لتكون كلمة الله هي العليا»؟ ألم يدفع الظواهري إخوانه للقتال في مصر من قبل لخدمة المخابرات السودانية بعدما شحنهم بخطبه الحماسية؟

وهل قتل أهل العراق في المساجد والأسواق والجنائز ونسف منازلهم ـ كما ينسف اليهود منازل بعض الفلسطينيين ـ هل هذا جهاد في سبيل الله أو لإفشال مخطط أميركا؟ وهل المساجد والأسواق ثكنات عسكرية يُقتل فيها المدنيون والنساء والأطفال بالتبعية بالتترس على مذهبهم، أم أنه تعمد لقتل المدنيين والمصلين بالجملة؟ وقبل ذلك كله هل كان العراق هو دار الإسلام قبل الاحتلال الأميركي أيام حكم صدام حسين؟

أليست القاعدة هي التي أشعلت فتيل الحرب الأهلية الطائفية بالعراق على يد أبي مصعب الزرقاوي بقتله للشيعة بالجملة؟ فكان أن دفعت طائفة السنة ثمن ذلك قتلاً وتهجيرا وتشريدا؟ وأليس من قواعد الدين (قاعدة سد الذرائع)؟ ولا ينبغي أن يظن أحد أن قتل الشيعة في العراق هو ضد مصلحة إيران، بل الكل يصب في مصلحتها، فقتل السنة يضعفهم ويخلي الأرض منهم لغيرهم، وقتل الشيعة يزيد من ارتباطهم وتبعيتهم لإيران كجهة حماية لهم، كما أن بعض شيعة العراق معارضون لإيران وهيمنتها، فالكل في مصلحة إيران.

حدثنا النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الطائفة المنصورة التي تنصر الإسلام والمسلمين، فظهرت في هذا الزمان الطائفة المجنونة التي تجلب الكوارث على المسلمين وتدمر الدول والجماعات. هل العقلية التي أضاعت دولة إسلامية كانت قائمة بالفعل في أفغانستان (طالبان)، هل ينتظر من هذه العقلية أن تقيم دولة إسلامية في العراق على أرض الواقع لا على الإنترنت؟ وهل تحولت الشعوب الإسلامية إلى حيوانات تجارب يجرب فيها ابن لادن والظواهري عبثهم ويمارسون فيهم هواية القتل بالجملة؟

لا شك في أن إيران ثم سورية هم أسعد الناس اليوم بتنظيم القاعدة، وربما لو لم يكن موجودا من قبل لأوجدوه، ما دام يقوم بدور سمسار الموت القادر على جلب المستعدين لتفجير أنفسهم بما يصب في مصلحة إيران وسورية بدون أدنى ثمن يدفعانه إلا غض الطرف عمن يعبر أراضيهما. شباب يتفجرون وسماسرة موت يقبضون، وساسة دول يضحكون ويكسبون.

8) ومن جهالات الظواهري استدلاله على الحق بعدد أتباعه:

فقال (لقد قال كاتب الوثيقة أوصافا ونعوتا للشيخ أسامة بن لادن، فأيهما ـ في تحليل الواقع ورصده ـ أكثر تأثيرا في الشباب المسلم وفي الجماهير المسلمة وفي السياسة الدولية؟)، ينكر الظواهري على من ينتقد ابن لادن وكأنه معصوم من الخطأ، وكأنه ما أجرم في حق أحد، وكأنه ما أزال دولة إسلامية (طالبان) من الوجود، وكأنه ما دمّر أفغانستان وشعبها ولا حّول أطفالها الى يتامى ولا نساءها الى أرامل، وكأنه ما خان ولا غدر، وسوف يأتي في الفصل الرابع بيان سبب تقديس الظواهري لابن لادن إن شاء الله. مع العلم بأن الظواهري اتهم بن لادن بأنه عميل سعودي في 1995.

واستدلال الظواهري بعدد الأتباع هو نفس استدلال الكفار الذين كانوا يحتجون به أنهم على الحق وأن الأنبياء عليهم السلام على الباطل، كما قال تعالى عنهم: «أم يقولون نحن جميعا منتصر..» (القمر:44)، وقال تعالى – عن وصف فرعون لموسى وأتباعه: «إن هؤلاء لشرذمة قليلون» (الشعراء:54).

فالحق لا يستدل عليه بعدد أتباعه كما ظن الظواهري، بل بموافقته للدليل الشرعي. أما أنا فما دعوت أحدا لاتباعي ولكني أنقل إلى الناس ما أراه الصحيح من العلم الشرعي من باب الدلالة على الخير. ولو كان على علمٍ ما فَرِحَ بعدد أتباع ابن لادن فهذا مما يزيد ذنوبه، فعليه أوزار كل من اتبعه في مذهبه الفاسد.

وقد كشف كلامه السابق مبلغ علمه وفهمه للدين، فالله سبحانه قرر أن الأمر بخلاف ما يظنه الظواهري، وأن أتباع الحق هم دائما قليل. أليس الذين هللوا لابن لادن هم أنفسهم الذين هللوا لصدام حسين من قبل؟

* الحلقة الثامنة: «القاعدة» وقضية فلسطين.. وقصة البرغوث والكلب.. والفيل