سكان غرينلاند يصوتون غدا على حكم ذاتي يفتح الطريق أمام الاستقلال

بعد حوالي ثلاثة قرون من السيطرة الدنماركية عليها

TT

يتوجه سكان غرينلاند من اتنية الانويت، الى صناديق الاقتراع غدا الثلاثاء، في استفتاء على حكم ذاتي موسع يفتح الطريق امام استقلال هذه الجزيرة الأكبر بين جزر القطب الشمالي بعد حوالي ثلاثة قرون من السيطرة الدنماركية عليها.

وسيصوت حوالي 39 الف ناخب على نظام حكم ذاتي موسع اقترحته حكومتهم بعد مفاوضات طويلة وشاقة مع الدنمارك، سيعطيهم للمرة الاولى حق تقرير مصيرهم ويعترف بلغة «اينوبيك» الخاصة بسكان غرينلاند الانويت لغة رسمية.

والمشروع الذي توصلت اليه لجنة مختلطة بين الدنمارك وغرينلاند، يمنح هذه المنطقة ايضا حق التصرف بمواردها المعدنية، وينقل اليها قطاعات جديدة من المسؤوليات، مثل العدل والشرطة وادارة السجون، كما يعطيها قدرا من السيطرة على السياسة الخارجة، ويعترف بـ«شعب غرينلاند» عملا بأحكام القانون الدولي.

وكشف استطلاع للرأي اجرته جامعة نوك اخيرا، على عينة من الناخبين، الذين حسموا خيارهم وبثته اذاعة غرينلاند في 16 نوفمبر (تشرين الثاني)، ان غالبية كبرى بنسبة 75 في المائة، تؤيد الحكم الذاتي الموسع مقابل 25 في المائة يعارضونه.

لكن رئيس الحكومة المحلية هانس اينوكسن (اجتماعي ديمقراطي) شدد على ان هذا الاستفتاء «ليس على الاستقلال»، آملا في أن «تكون غرينلاند مستقلة بعد 12 سنة.. في الذكرى الخامسة والستين» لالحاقها بالمملكة الدنماركية.

وقال للاذاعة ان «الاتفاق على الحكم الذاتي الموسع، هو السبيل الوحيد للمضي قدما»، مذكرا بأن «شعب غرينلاند يرغب في مزيد من الاستقلال منذ سنوات مديدة».

وعلى غرار معظم احزاب البرلمان ووسائل الاعلام، دعا الناخبين الى «اغتنام هذه الفرصة».

ويحلم بعض السياسيين اليساريين مثل لارس ـ اميل يوهانسن احد النائبين الانويت في برلمان كوبنهاغن، في استقلال غرينلاند عام 2021، سنة المئوية الثالثة لبدء استعمارها.

ويقول «بالطبع يمكننا أن نسيطر على مصيرنا، ونتدبر أمرنا بأنفسنا». غير أن شريحة من سكان غرينلاند، تشكك في الأمر، وتخشى هذا الحكم الذاتي الموسع معتبرة أن حكومة الجزيرة غير جاهزة لتولي مهام اكبر، ومن هؤلاء المشككين حزب الديمقراطيين، وهو الحزب الوحيد الذي يدعو الى التصويت بالرفض في الاستفتاء.

وترتفع بعض الأصوات بين السياسيين في غرينلاند لتعارض هذه التطلعات الاستقلالية. ويعلن فين لينج عضو حزب سيوموت الحاكم ان «غرينلاند لن تكون يوما دولة مستقلة» مثيرا ردود فعل حادة داخل حزبه.

ويقول «ان عددنا لا يتعدى خمسين الى ستين ألف نسمة، يعيشون في ظروف جغرافية ومناخية بالغة الصعوبة. ومن المستحيل على هذا العدد السكاني الضئيل، توفير الموارد البشرية الضرورية لتحويل غرينلاند الى دولة حديثة ومستقلة». واذ دعت صحيفة «سيرميتسياك» كبرى صحف الجزيرة للتصويت لصالح الحكم الذاتي الموسع، حذرت من انه «من الخطأ التحدث عن استقلال الآن» لأن «الاستقلال مرتبط ارتباطا وثيقا باقتصاد يشكل قاعدة له» ويمكنه الاستغناء عن مساعدات كوبنهاغن التي بلغت 2.3 مليار كورون دنماركي (432 مليون يورو) عام 2007، اي حوالي 30 في المائة من اجمالي الناتج الداخلي في غرينلاند. وأوضحت الطبيبة النفسية يونا كيتوا مبررات هذا التشكيك فقالت ان «البعض لا يرغب في التغيير والبعض الآخر يخشاه».

ورأت أن «على بلد يريد أن يكون مستقلا، أن يكون لديه مواطنون، يمكن ان يكونوا مستقلين ويريدون ذلك» مشيرة الى انه «ما زال هناك العديد من الاشخاص الذين يعتمدون على المساعدات» في مجتمع غرينلاند و«من المقلق رؤية هذا التباين الكبير بين الاغنياء والفقراء، وهناك تباين أكبر منه في الولايات المتحدة». غرينلاند (بطاقة)

* جزيرة غرينلاند المصنفة ثاني أكبر جزيرة في العالم، هي منطقة دنماركية تتمتع بحكم شبه ذاتي، ويقع قسمها الأكبر فوق المدار القطبي.

* الموقع الجغرافي: تقع الجزيرة البالغ طولها 2600 كلم بين آيسلندا وكندا. وتكسو الطبقة الجليدية، التي يقدر متوسط سماكتها بألفين الى ثلاثة آلاف متر، أكثر من 80 في المائة من مساحتها البالغة 17.2 مليون كلم مربع. وتحوي غرينلاند 10 في المائة من احتياطي المياه العذبة في العالم، وهي المنطقة التي تواجه اكبر خطر نتيجة الاحتباس الحراري في القطب الشمالي.

* السكان: حوالي 57 الف نسمة، بينهم 50 الفا من الانويت، وحوالي سبعة آلاف دنماركي في العاصمة. ويعيش أكثر من ربع السكان في العاصمة نوك على الساحل الغربي للجزيرة.

* اللغة: الاينوبيك (لغة الانويت) والدنماركية.

* التاريخ: تعود اقدم جالية سكانية معروفة في غرينلاند الى حوالى 4500 سنة، وكانوا صيادين قدموا من اميركا الشمالي وآسيا عبر مضيق بيرينغ. واكتشف المستكشف النرويجي اريك الأحمر الجزيرة عام 972، وسعى لاجتذاب مستعمرين اليها.

وفي 1721 بدأت حقبة الاستعمار الدنماركي، مع وصول القس الدنماركي هانس ايغيدي. وتحولت المستعمرة عام 1953 الى محافظة في المملكة الدنماركية، قبل ان تحظى عام 1979 بنظام حكم ذاتي داخلي.

في الاول من فبراير(شباط) 1985 خرجت غرينلاند من السوق المشتركة (نواة الاتحاد الاوروبي الحالي) من اجل الحفاظ، بصورة خاصة، على صيد السمك فيها الذي يشكل مورد الجزيرة الرئيسي.

* التاريخ والنظام: رئيسة الدولة هي ملكة الدنمارك مارغريت الثانية. وتحكم الجزيرة حكومة محلية وبرلمان محلي من 31 عضوا. وتجري الانتخابات التشريعية كل اربع سنوات. وتتمثل كوبنهاغن في الجزيرة بشخص مفوض أعلى. وفي اطار الحكم الذاتي الداخلي، تحتفظ الدنمارك بالسيطرة على العدل والشرطة والدفاع والخارجية. وفي مايو (ايار) 2003، حصلت غرينلاند على حق الاشراف على ما يعنيها من ملفات السياسة الأمنية والخارجية.

وبعد سنة بدأت لجنة مختلطة بين الدنمارك وغرينلاند، اعمالها حول نظام حكم ذاتي موسع. وتطرح نتائج هذه الاعمال التي انجزت في ربيع 2008 في استفتاء استشاري، ينظم في 25 نوفمبر. وفي حال وافق السكان على هذا النظام، فسوف يدخل حيز التنفيذ في 21 يونيو(حزيران) 2009.

وتشكل في الانتخابات الأخيرة التي جرت في غرينلاند في نوفمبر2005، ائتلاف بين حزب سيوموت المؤيد للاستقلال (توجه اجتماعي ديمقراطي، حاكم منذ نحو ثلاثين سنة) واتاسوت (ليبرالي) واينويت اتاكاليجيت (يسار متطرف مؤيد للاستقلال). وتفكك الائتلاف في مايو 2007 بسبب خلافات بين سيوموت واينويت اتاكاليجيت.

* الاقتصاد: يقوم الاقتصاد بشكل اساسي على صيد السمك، ويتم تصدير 87 في المائة من حصيلته. وتقدم الدولة الدنماركية مساعدات سنوية بلغت 2.3 مليار كورون (430 مليون يورو) عام 2007، ما شكل نصف ميزانية الجزيرة. وفي سعيها للاستقلال عن الدنمارك، تراهن غرينلاند على استغلال مواردها المعدنية (نفط وغاز وذهب والماس ويورانيوم) التي ستسيطر عليها بالكامل في ظل نظام الحكم الذاتي الموسع.

* الدفاع: غرينلاند تابعة للدنمارك العضو في منظمة حلف شمال الاطلسي. وتؤوي الجزيرة قاعدة رادار استراتيجي للانذار اقيمت في تولي (شمال غرب) بموجب اتفاق وقع عام 1951 بين كوبنهاغن وواشنطن.