النجف: عراقيون يعيشون بين مكبات النفايات.. ويقتاتون من أكداس القمامة

شكوا لـ«الشرق الأوسط»: مصيرنا مجهول.. ونحلم أن تكون لنا بيوت كالآخرين

مشردون يبحثون بين القمامة عن قوتهم اليومي في مدينة النجف («الشرق الأوسط»)
TT

لدى خروجك من مركز مدينة النجف باتجاه الغرب تشاهد عشرات الخيم المتناثرة التي شيدت من بقايا أكداس القمامة في منطقة قرب «الشارع الحولي» التي تعاني من نقص كبير في الخدمات، فضلا عن انها لا تصلح ان تكون منطقة سكنية كونها مكبا للقمامة، إذ يقطنها عراقيون شردوا من أماكن السكن العشوائي الذي يسمى في العراق بـ«التجاوز»، ولم يجدوا مأوى لهم سوى بين أكداس القمامة التي أصبحت مصدرا لمعيشتهم وتعلموا من خلالها كيفية مسك «الجنكال» الذي يساعد في البحث بين أكداس القمامة عن شيء مفيد.

الشابة نور ساجت، 16 سنة، ترتدي ملابس سوداء حتى حجابها وبرقعها لا يبدو منه سوى عيونها الزرقاء الواسعة، وبعد الحديث معها وافقت على إجراء اللقاء بشرط ان يكون بعيدا عن العاملين في الطمر الصحي، وقبل ان تشكي همومها رفعت برقعها كأنها أحست بأمان وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الكثير من هذه العائلات كانت تسكن مناطق التجاوز في المدن وبعد إصدار قرار رفع التجاوز من المدن قامت الحكومة بهدم منازلنا أمام عيوننا ولم نتمكن من فعل شيء سوى الصبر والدعاء لله عز وجل».

وأضافت نور والدموع تنهمر من عيونها «لا استطيع ان أتذكر الليلة التي قضيناها يوم هدمت منازلنا كانت ليلة عصيبة علينا لا يوجد لنا مأوى سوى الاحتماء خلف جدران المنازل من البرد القارس، اما أنا فقمت بجمع بقايا الكارتون والخشب لإشعال النار لأبي وأمي وإخوتي السبعة بعدها استقر بنا مطاف السكن بين أكداس القمامة».

وأضافت نور «والدي مصاب بمرض عضال ووالدتي امرأة متقدمه في السن لا تستطيع العمل فأصبحت انا أتحمل المسؤولية مع إخواني الأصغر مني سنا لنعمل في إخراج الأشياء المفيدة من فضلات المدن حتى تبقى عائلتنا على قيد الحياة في هذه الصحراء الجرداء».

وفيما يخص مصيرها ومصير إخوتها، قالت نور إن «مصيرنا مجهول أنا عمري حاليا 16 سنة، لكن الذي يشاهدني يحسبني عجوزا، وهذا يعود إلى العمل والهم الذي جثم على صدورنا حتى أملنا في الزواج انتهى، قطار الزواج لا يمر في أكداس القمامة، ومن يتزوج امرأة لا تقرأ ولا تكتب وأهلها يسكنون الطمر الصحي حتى إخوتي الباقين قد بان عليهم اليأس من الحياة التي أصبحت فقط لأولاد المسؤولين الذين نلبس ما يرموه في حاويات النفايات».

وقال سعد صادق، 14 سنة، وهو احد الأولاد الذين انحدروا إلى هذا المنفى كما يسمونه بعد هدم منازلهم في منطقة التجاوز في قضاء الكوفة، إن «أصدقائي هنا لا يقرأون ولا يكتبون وهمهم الوحيد هو كيف نحصل على قوتنا اليومي وعملنا يبدأ منذ الصباح الباكر حتى الغروب، وفي وقت الغذاء دائما نفكر نحن الشباب كيف نقضي حياتنا، لماذا لا نكون مثل باقي الشباب لنا بيت في المدينة ونمارس حياتنا مثل باقي الناس.. ولكن لا أظن ان يتحقق الحلم»، مضيفا «عندما نصاب بأمراض جلدية نفرح كوننا نخرج من هذه المنطقة الى المدينة ونشاهد حركة الحياة الطبيعية»، وطالب سعد الحكومة العراقية بأن «تلتفت إلى أهل المنطقة وخصوصا الشباب كي يتعلموا القراءة والكتابة وإيجاد حلول لمعاناتهم». اما جمر حرج، 54 سنة، فكان منفعلا جدا من الوضع المأساوي الذي يواجه أهالي المنطقة التي تجاوز عدد خيمها الثلاثين صنعت من بقايا أكداس القمامة حسب تعبيره، مضيفا ان «أواني الطبخ والفرش وكل ما نحتاجه في حياتنا اليومية هو من أكداس القمامة وحتى مرات نضطر الى أكل المعلبات الفاسدة التي ترمى مع الاكداس، اما أكلتنا المفضلة هي الرز والبقوليات التي توزع في الحصة التموينية»، مشيرا الى ان «كل عائلة تتكون من 8 ـ 11 فرد وهذا العدد كبير مما يجبرنا على الذهاب كل خمسة ايام للسوق البعيد عنا لجلب الطماطم وبعض الخضروات». وتساءل حرج «هل نحن عراقيون؟ وإذا كنا غير عراقيين على الحكومة اخبارنا حتى نغادر الى أي بلد آخر ولا أظن ان دولة مثل العراق تمتلك النفط ونهرين لا تستطيع تأمين أبسط الخدمات لنا»، وأضاف «إذا صادفنا حالة مرضية عند المنطقة في الليل فنقوم بوضعها بإحدى العربات التي تجرها الحيوانات اما الحالات المرضية البسيطة فنقوم بجلب حبوب مهدئة من أقرب صيدلية في المدينة».

ويقول نوري حسين طابور، 49 سنة، ان «عملنا يقتصر على نبش أكداس القمامة وإخراج فضلات المدن منها الفافون وقناني المشروبات الغازية وقناني الماء الفارغة فضلا عن الملابس المستهلكة التي نقوم ببيعها على الفقراء او نستخدمها لنا بعد غسلها»، مضيفا ان «هنالك تجارا يقومون بشراء هذه المواد منا ومن ثم تباع على معامل البلاستك وبعض المعامل الاخرى التي يتم صهر هذه المواد وإعادتها للأسواق مرة اخرى وهكذا».

من جانبه، قالت مديرة دائرة قسم الصحة العامة في النجف ان «هؤلاء الناس لديهم قلة وعي ويتصارعون على فضلات الاغنياء التي يكثر عليه الذباب وغيرها وهم عرضه لأمراض الكوليرا والكزاز والتيفوئيد وشلل الاطفال وداء الكلب»، فيما حذر مدير بيئة النجف عقيل ماجد نجم من ان «وجود أكداس النفايات في المواقع القريبة من الدور السكنية تشكل خطرا كبيرا على البيئة والصحة العامة، حيث تنتشر الامراض وتعتبر بؤرة تلوث لا تحمد عقباها». ووعد نائب رئيس مجلس محافظة النجف الشيخ خالد النعماني بطرح مشكلة هذا العائلات وتشكيل لجنة لزيارة المنطقة وإيجاد الحلول المناسبة لها مثل إدخالهم في دائرة الرعاية الصحية.