دبلوماسيون صوماليون يروون كيف تحول البرود حيالهم.. إلى اهتمام مباغت

عمليات القرصنة تعيد سواحل الصومال إلى بؤرة الاهتمام الدولي

TT

يقول مسؤولون في السلطة الانتقالية الصومالية إنهم يتلقون اتصالات هاتفية من حكومات ودول العالم من مختلف وسائل الإعلام العربية والدولية بمعدلات اكبر مما اعتادوا عليه سابقا، والفضل يرجع إلى نشاط القراصنة على سواحل بلادهم.

ولا يرى كبار مسؤولي السلطة الصومالية الذين تحدثوا أمس لـ«الشرق الأوسط» أي مدعاة للاندهاش أو الاستغراب عندما يرن الهاتف الجوال لأحدهم في وقت مبكر أو متأخر من اليوم، معلناً استقبال مكالمة من خارج الصومال، ذلك أن ما يفعله المسلحون صغار السن على متن قواربهم الصغيرة والسريعة، جعل الصومال يحتل مرتبة متقدمة في أولويات وأجندة الإعلام الدولي ناهيك عن الاهتمام الدولي المتصاعد بمستوياته السياسية والدبلوماسية.

وحكى دبلوماسي صومالي رفيع المستوى في إحدى العواصم الغربية لـ«الشرق الأوسط» كيف أنه بعدما كان نظرائه العرب والأجانب في عاصمة تلك الدولة يتعاملون معه بتحفظ ويردون ببرود على تحيته العابرة لهم، بدأوا أخيرا يطاردونه أينما حل في محاولة لفهم ظاهرة القرصنة وكيفية التخلص منها. وبات الدبلوماسي الذي طلب عدم تعريفه موضع حفاوة سياسية ودبلوماسية لافتة، بعدما كان بالكاد يجرؤ على تقديم نفسه كسفير لبلاده حيث يعمل.

وفى عاصمة أوروبية أخرى التقى دبلوماسى صومالي مع أحد السفراء العرب الذي خاطبه بقوله: يا أخي ماذا فعلتهم ببلدكم، لماذا هذه القرصنة؟ لماذا لا توقفون هذا الخطر على حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن؟، قبل أن يفاجئه الدبلوماسي الصومالي على الفور بقوله «لكي نتقاسم ثرواتكم». غرق الطرفان في موجة ضحك خلفتها تلك المفارقة التي تصلح أن تروى على أنها نكتة أو مزحة، لكن الحاصل أن هذا المشهد على قدر ما يخلف من ضحكات بفعل المقاربة، يولد أيضا تساؤلات حول مدى المرارة التي يشعر بها الصوماليون على كافة المستويات مما يعتبرونه تجاهلا عربيا لأزمتهم التي طالت 17 عاما متواصلة وبدون توقف.

فعندما كان الرئيس الصومالي عبد الله يوسف يستعد عام 2003 لدخول العاصمة الصومالية مقديشيو للمرة الأولى بعد انتخابه رئيسا للبلاد، كان يعتقد أن العرب سيسارعون إلى دعمه وتأييده وأنهم سيرسلون قواتهم العسكرية إلى هذا البلد الواقع في منطقة القرن الأفريقي لكي يساعدوه على طي صفحة الحرب الأهلية.

لكن مساعي يوسف لإقناع العرب بإعادة فتح سفاراتهم المغلقة منذ نحو عقدين في مقديشيو أو الانضمام إلى قوات حفظ سلام دولية في مواجهة الميليشيات المسلحة المناوئة لها، باءت جميعها بالفشل ولم يبق أمامه سوى أن يتوجه نحو جاره الإثيوبي ميلس زيناوي رئيس حكومة أديس أبابا لكي يطلب منه تنفيذ ما امتنع عنه العرب.

وعندما تصاعدت موجة الغضب العربية رسميا وشعبيا لدخول القوات الإثيوبية الغازية «بناء على طلب عبد الله يوسف لدحر ميليشيات تنظيم المحاكم الإسلامية نهاية عام 2006، كان رد يوسف «لا يحق لأحد أن ينتقدنا أو يوجه إلينا أية عتاب أو لوم فقد طرقنا أبوابهم بحثا عن المساعدة لكنهم تجاهلونا».

وأصدرت القمة العربية التي عقدت في الجزائر عام 2005 عدة قرارات بشأن دعوة الدول العربية للانضمام لقوات حفظ السلام في الصومال وإنشاء صندوق مالي لدعمه بقيمة 26 مليون دولار أميركي لمواجهة الاحتياجات العاجلة للحكومة الانتقالية خاصة تمويل برامج نزع السلاح من الميليشيات وإعادة تأهيلها ودمجها في المجتمع.

في كل القمم العربية التالية كان يوسف يسمع كلاما رائعاً وبليغاً عن أن «الصومال جزء لا يتجزأ من العالم العربي، وأنه حان الوقت لاستعادته عربيا ودوليا»، لكن في المقابل ظل رصيد صندوق الصومال لدى الجامعة العربية صفرا وبلا أهمية على الإطلاق.

ثمة من قارن قبل فترة بين تجاهل عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية لزيارة الصومال في الوقت الذي قام فيه تقريبا بزيارة معظم عواصم الدول الأعضاء في الجامعة العربية، بما في ذلك العاصمة العراقية بغداد التي وقعت منذ إسقاط نظام حكم الرئيس المخلوع صدام حسين عام 2003 بعد الغزو الأميركي.

موسى أعلن نهاية العام الماضي أنه يفكر في زيارة مقديشيو وأن المسألة تبقى مجرد إجراءات لترتيب الزيارة، لكن لا يبدو الآن أي مؤشر على أنها يمكن أن تتم قبل أن تنتهي فترة ولاية السلطة الحالية بحلول شهر أغسطس (آب) العام المقبل. ويقول مسؤول صومالي طلب عدم تعريفه لـ«الشرق الأوسط»: «من حقنا أن نطالبه بالزيارة، وليس من حقه (موسى) أن يتذرع باعتبارات الأمن أو مستوى حمايته».

قبل سفره إلى بغداد تلقى موسى عدة نصائح بعدم الذهاب لاعتبارات أمنية وسياسية، لكنه إصر في المقابل على إتمام الزيارة عام 2005، ولاحقا قال موسى في جلسة خاصة بمنزل أحد السفراء العرب المخضرمين في القاهرة إنه ذهب للحفاظ على عروبة العراق وتأكيد اهتمام العرب به في مواجهة الدعاوى الإقليمية والدولية التي كانت مطروحة آنذاك.

كلام موسى دفع مسؤولا صوماليا رفيع المستوى إلى القول: «حسنا، مقديشو ليست أكثر خطرا من بغداد، وما يتعرض له الصومال هو أمر خطير يتوجب أن يسارع العرب ممثلين في شخص موسى في القدوم إلى هذا البلد لتأكيد عروبته واهتمام العرب به».

والحاصل أن موسى ليس فقط هو المسؤول العربي الكبير الوحيد الغائب عن زيارة الصومال، وربما باستثناء تلك الوفود الصغيرة العدد والحجم والمستوى التي توفدها الجامعة العربية إلى هناك على استحياء بين حين وآخر، فانه يمكن القول باطمئنان أنه لم تطأ أقدام أي مسؤول عربي على أي مستوى أراضي الدولة الصومالية طيلة السنوات الـ17 الماضية. والآن يحق للصوماليين أن يتوجهوا بالشكر والعرفان إلى قراصنة البحر سيئي السمعة لأنهم أعادوا إلى بلدهم المنكوب هذا الاهتمام العربي والدولي غير المسبوق.