برلمانيون: الاتفاقية الأمنية لا تضمن حماية أميركية كافية للأموال العراقية

قالوا إنها ستبدد مليارات الدولارات وتعرقل بيع النفط ونقل العوائد عبر البنوك

TT

استغل النواب العراقيون المعارضون لتوقيع الاتفاقية الأمنية المقترحة مع الولايات المتحدة حجة جديدة لم تطف على السطح إلا مؤخرا، ألا وهي ان الاتفاقية لا تحمي بوضوح الثروة النفطية العراقية الضخمة، أو الأصول العراقية الأخرى من الاستيلاء عليها، للوفاء بتعويضات القضايا المرفوعة على حكومة صدام حسين الماضية والتي تبلغ مليارات الدولارات.

وفي يوم الأحد، أقرت مجموعة كبيرة من المسؤولين العراقيين والأميركيين الداعمين للاتفاقية الأمنية، بأنه يتعين التفاوض بصورة منفصلة على استمرار الحماية، المكفولة في تفويض مجلس الأمن المقرر أن ينتهي قريبا ومن المفترض أن تحل الاتفاقية الأمنية محله. كما أقروا أيضا أن مثل هذا الاتجاه بالغ الأهمية لتأمين وحماية الأصول العراقية، أو أنه من الممكن أن يقع المصدر الرئيس للدخل الحكومي – والمتمثل في صادرات النفط ـ فريسة للفوضى وانعدام النظام حال انتهاء تفويض الأمم المتحدة في 31 ديسمبر (كانون الأول). وثمة شكوك بأن هذه الثغرة الجديدة الظاهرة في الاتفاقية الأمنية من شأنها أن تزيد من المعارضة داخل البرلمان التي تسعى إلى تعطيل الموافقة النهائية على الاتفاقية المزمع التصويت عليها يوم الأربعاء. وفي يوم الأحد، عبّر المؤيدون لهذه الاتفاقية عن ثقتهم أنه مازال ممكنا تمرير الاتفاقية بهامش كبير، أما فيما يتعلق بمد الحماية على الأصول العراقية، فسيتم إيجاد سبل لتحقيق هذا المطلب. وقد عزز عجز الاتفاقية عن حماية تلك الأصول من شكوك الناقدين العراقيين للاتفاقية، حيث قالوا أنه لا يمكن استبعاد احتمالية إحباط الموافقة على الاتفاقية الأمنية، والتي ستكون بمثابة الأساس القانوني لاستمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق بعد مرور أكثر من 5 سنوات ونصف على بدء الحرب. ويقول مهدي الحافظ ـ وهو برلماني معارض للاتفاقية يعد من أول من أثاروا قضية انتهاء الحماية «لا يمكن لحكومة جديرة بالاحترام التوقيع على مثل هذه الاتفاقية». وأكد على أنه على ضوء كافة الأشياء غير المعروفة، يجب مد فترة تفويض الأمم المتحدة ـ وليس فقط الفقرات المتعلقة بالحماية ـ لستة أشهر إضافية حتى يتسنى دراسة الاتفاقية الأمنية على الوجه الأمثل. وقد ظهرت هذه القضية للمرة الأولى يوم السبت عندما أشار المعارضون بالبرلمان إلى أن الاتفاقية لا يمكنها منفردة ضمان استمرار حماية الأصول العراقية من القضايا التي قد تبدد مليارات الدولارات العراقية، بل ويمكنها أن تجعل من الصعب على العراق بيع النفط، فضلاً عن نقل العوائد عبر البنوك بجميع أنحاء العالم؛ حيث يمكن للمحاكم وقتها «مصادرة» الأموال لتسوية الأحكام القانونية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأحكام إما أنها قد تم إصدارها فعليا أو أنه يجري النظر فيها، وتتعلق تلك الأحكام بكل شيء بداية من دعاوى الأضرار الأساسية المقامة من الأميركيين ممن أُسيء معاملتهم كسجناء حرب، أو من تم استخدامهم «كدروع بشرية» أمام قاذفات القنابل الأميركية في حرب 1991، وحتى أكثر المزاعم غرابة بأن صدام حسين كان وراء تفجيرات مدينة أوكلاهوما عام 1995، أو هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية عام 2001 على برج التجارة العالمي. وفي استجابة لانتقادات البرلمان يوم الأحد، حيث بات من الواضح أن كلا من المسؤولين الحكوميين الأميركيين والعراقيين يعملون عن كثب لنيل الأصوات البرلمانية المؤيدة للاتفاقية الأمنية، صرح بيان جبر وزير المالية العراقي ـ خلال مؤتمر صحافي بأن الحكومة العراقية: «غير قادرة على الوفاء بكل رغباتها» في أقسام الاتفاقية المتعلقة بحماية الأصول العراقية. لكنه عاد وأضاف أن الاتفاقية تستحق التأييد والدعم، ذلك لأن الولايات المتحدة تعهدت بالضغط على مجلس الأمن لاستمرارية أعمال الحماية، إذا ما قدم العراق خطة لحل الدعاوى القانونية المتعلقة بأصوله. وأوضح مسؤولان أميركيان بارزان، شريطة عدم ذكر اسميهما، أن الاتفاقية تحتوي على ضمانات بأن الولايات المتحدة ستعمل على مد فترة الحماية من قبل مجلس الأمن. وقال أحدهما: «إنه أعلى مستوى من الضمان في اتفاقية ثنائية بين الولايات المتحدة والعراق يمكنهم الحصول عليه». وأضاف المسؤول أنه لو استطاع العراق صياغة خطة قوية من شأنها حل الدعاوى القانونية القائمة على أموالها، فإنهم يوقنون بأن هناك احتمالية بأن يمد مجلس الأمن إجراءات الحماية لعام آخر. ويقول فاضل محمد جواد، المستشار القانوني لرئيس الوزراء، إن العراق قد بدأ فعليا محادثات مع وزارة الخارجية الأميركية لتعزيز وحل بعض القضايا، إلا أن التقدم المحرز فيها مازال بطيئا. ويقول هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي، إنه يعتقد أن بلاده ستنال تأييد مجلس الأمن في النهاية، ويضيف: «لقد تشاورنا مع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، وهم مستعدون للموافقة». إلا أن حافظ، العضو البرلماني، يؤكد على أن هذه الضمانات مازالت غير مقنعة بالنسبة له.

وأوضح أن السفير الأميركي بالعراق رايان كروكر، وباقي المسؤولين البارزين بالسفارة الأميركية الذين مارسوا ضغوطا شخصية على أعضاء البرلمان قبل التصويت «قد أعطونا ضمانات أخلاقية وسياسية بأنهم سيدعمون العراق فيما يتعلق بقضية الحصانة، إلا أن هذه الضمانات ليس لها أي تأثير قانوني». وفي إيضاح لمدى تعقد القضية، أشار كل من جبر، وعلي بابان، وزير التخطيط، والذي حضر أيضا المؤتمر الصحافي يوم الأحد، إلى أنه ليس مجلس الأمن فقط الذي يتعين عليه مد فترة الحماية القانونية على الأصول العراقية، بل هناك أمر تنفيذي صادر من الرئيس الأميركي جورج بوش يقضي بحماية الأموال العراقية المودعة في البنوك الأميركية، وأنه ربما تكون هناك حاجة لمد هذا القرار أيضا. تجدر الإشارة إلى أن الأمر التنفيذي الصادر عن بوش سينتهي العمل به في مايو (أيار) 2009، رغم احتمالية أن يقوم الرئيس المنتخب باراك أوباما بمراجعته. هذا فضلاً عن أن الرئيس بوش قد عمل مع الكونغرس لتقليل احتمالية أن تتم مصادرة الأصول العراقية. ولا يعد قرار بوش ثانويا، بل إنه مهم لتعزيز تفويض الأمم المتحدة الحالي، والذي يقضي بأن يتم إيداع عوائد النفط العراقي أولا في رصيد بمصرف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نيويورك قبل أن يتم إرسالها من جديد إلى العراق للوفاء بمتطلبات الموازنة.

وأثارت تلك الأرصدة المتضخمة لدى البنك الفيدرالي الكثير من النزاع، وذلك لأنها تعكس جزئيا عدم استعداد العراق أو قدرته على إنفاق الأموال على مشروعات إعادة الإعمار الخاصة به، في الوقت الذي خصصت فيه الولايات المتحدة مبلغا قدره 50 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب لهذا الغرض. وفي يوم السبت، كشف جبر للمرة الأولى أن الحساب المصرف الفيدرالي يتضمن 20 مليار دولار؛ أي ضعف المبلغ الذي كان موجودا بنهاية عام 2007، وذلك حسبما أفاد مكتب المساءلة العام بالولايات المتحدة. (يُذكر أنه في مقابلة مستقلة، ذكر مظهر سالم قاسم، المستشار البارز بالبنك المركزي العراقي، أن الرصيد العراقي بلغ تحديدا 22 مليار دولار مع حلول 10 أكتوبر (تشرين الأول)). *خدمة «نيويورك تايمز»