الكويت: الأزمة السياسية تعود إلى المربع الأول بعد انسحاب الحكومة من البرلمان

الخرافي: أستطيع التأكيد بأن الشيخ صباح لن يحل البرلمان * ناصر المحمد: أمير البلاد أبدى تفهمه لاعتراضنا على الممارسات البرلمانية غير السليمة

جاسم الخرافي رئيس البرلمان الكويتي يتحدث خلال جلسة البرلمان التي انسحب منه أعضاء الحكومة قبل البت في موضوع استجواب الشيخ ناصر المحمد رئيس الحكومة أمس (أ.ف.ب)
TT

عادت الأزمة السياسية بين الحكومة والبرلمان إلى مربعها الأول، لتقف أمام أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، بانتظار ما سيقرره خلال الأيام المقبلة، بعد فشل مساعي احتوائها وإعادة ترطيب الأجواء بين النواب ورئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد.

وفيما كان متوقعا أمس أن تلجأ الحكومة إلى تقديم طلب لتأجيل مناقشة استجواب رئيس الحكومة المقدم من قبل ثلاثة نواب إسلاميين يتهمونه بتجاوز القانون وتسهيل دخول رجل دين شيعي يحمل الجنسية الإيرانية إلى البلاد رغم صدور قرار يمنعه من الدخول، إلى جانب عدة قضايا أخرى، فاجأت الحكومة أمس جميع المراقبين بانسحابها من جلسة البرلمان، لتعقد بعدها اجتماعا طارئا انتهى إلى تقديم استقالتها، ورفعها إلى أمير البلاد، وإعلان عدم قدرتها على التعاون مع البرلمان.

وفيما فضل أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد إرجاء البت في استقالة الحكومة، نقل رئيس البرلمان جاسم الخرافي عن الشيخ صباح الأحمد تأكيده أنه لن يلجأ إلى حل البرلمان كخطوة لإنهاء الأزمة السياسية.

واعتبر المراقبون تطمينات الشيخ صباح الأحمد بعدم اعتزامه حل البرلمان، إلى جانب إرجاءه البت في استقالة الحكومة، بمثابة فرصة أخيرة للطرفين، لاحتواء الأزمة دون اللجوء إلى الخيارات الدستورية والتي تعطيه الحق بإقالة الحكومة أو حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، على أن يتم الحسم قبل منتصف الشهر المقبل، وهو الموعد المقرر لجلسة البرلمان المقبلة.

يذكر أن أمير البلاد الشيخ صباح اتخذ قرار حل البرلمان الكويتي والدعوة لانتخابات مبكرة مرتين خلال توليه سدة الحكم في يناير (كانون الثاني) 2006، فيما شكل الشيخ ناصر المحمد أربع حكومات أثناء نفس الفترة، إلى جانب إجرائه تعديلا وزاريا موسعا العام الماضي.

وتعود خلفيات الأزمة السياسية التي تشهدها الكويت منذ ما يقارب الشهر إلى إعلان النائب المعارض أحمد المليفي نهاية الشهر الماضي اعتزامه تقديم استجواب بحق رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد لوجود تجاوزات مالية في مصروفات مكتبه، إلا أن المليفي تراجع لاحقا ليمهل الحكومة مدة ثلاثة أشهر سيتمكن خلالها فريق حكومي من تحديد أوجه الخلل ومعالجتها، إلى جانب قيام الحكومة بسحب الجنسية عن خمسة أشخاص، في خطوة راج أنها أتت ضمن صفقة تسوية بين المليفي والحكومة.

وفي منتصف الشهر الجاري، تمكن رجل الدين الشيعي السيد محمد الفالي والذي يحمل الجنسية الإيرانية من دخول البلاد بشكل استثنائي، الأمر الذي دفع النواب المقربين من الحركة السلفية وليد الطبطبائي وعبد الله البرغش ومحمد المطيري، لتقديم استجوابا بحق الشيخ ناصر المحمد الذي اتهموه بالسماح للفالي بدخول البلاد رغم المنع الصادر بحقه إثر إدانته بقضية سب الصحابة في يونيو (حزيران) الماضي.

وحمّل المستجوبون رئيس الحكومة مسؤولية تراجع مستوى الخدمات بالدولة، وتفشي الفساد الإداري وهدر الأموال العامة، بالإضافة إلى تراجع الحكومة عن قراراتها بعد تعرضها لضغوط وهو ما رأوا فيه تهديدا لدولة المؤسسات والقانون، وعاملا معطلا للتنمية، عنصرا يساهم في هز الثقة بالدولة.

وبموجب اللائحة، أدرج رئيس البرلمان جاسم الخرافي طلب الاستجواب على جدول أعمال جلسة يوم أمس، لتنتهي الجلسة بعد افتتاحها بربع ساعة، إثر انسحاب الحكومة، وخلو القاعة من الوزراء، وهو ما أثار استغراب المراقبين، خاصة الذين توقعوا أن تتمكن الحكومة من الحصول على أغلبية مريحة تكفل لها الموافقة على طلب ستقدمه لتأجيل مناقشة الاستجواب لمدة عام، ووجود دعم شعبي لها بالبلاد، إلا أن أنها مع ذلك فضلت الانسحاب.

وإثر خروج الوزراء من الجلسة، دعت الحكومة إلى اجتماع طارئ انتهى بقديم استقالتها إلى أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، في مسعى لدفعه نحو حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، إلا أن وزير الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد أعلن أن أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد «قرر إرجاء النظر في الوقت الراهن في قبول الاستقالة التي رفعها إليه رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد والوزراء، على أن تستمر الحكومة في أداء أعمالها بما يحقق مصالح الوطن والمواطنين».

وأرجعت الحكومة قرار استقالتها إلى «ما شهدته الساحة مؤخرا من مظاهر الفوضى والانحراف في الممارسة البرلمانية التي بلغت مرحلة مؤسفة من مراحل الإساءة للوضع العام والإضرار بالمصلحة الوطنية، والتي كان آخرها الاستجواب المقدم لرئيس مجلس الوزراء، والذي جسد خروج الممارسة البرلمانية عن الثوابت الدستورية والقانونية والأعراف المستقرة، بما أضحى معه السكوت عن هذا الانحراف تشجيعا للفوضى، ودعوة لإفساد المجتمع تحت شعار الديمقراطية، بما يؤدي إليه ذلك من إثارة للفتن وضرب للوحدة الوطنية، وإضرار بمصلحة الوطن والمواطنين وعرقلة التنمية في البلاد».

وأشار البيان الصادر عن الاجتماع إلى تقدير مجلس الوزراء «الجهود المخلصة والمساعي الخيرة التي قام بها رئيس مجلس الأمة وعدد من الأعضاء لتغليب صوت العقل والحكمة واحتواء الأزمات والاختناقات التي شهدتها العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية» لكنه أكد أن جميع هذه الجهود «لم تثمر عن النجاح المأمول بكل أسف».

واختتم البيان بأنه «انطلاقا من المسؤولية التي يتحملها مجلس الوزراء وصيانة للنهج الديمقراطي السليم الذي يمثل الركيزة الأساسية لنظام الحكم في دولة الكويت فقد قرر أن يضع استقالة الحكومة تحت تصرف أمير البلاد لاتخاذ ما يراه محققا لخير مصلحة الوطن والمواطنين».

ومن جانبه، أعلن رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد أنه التقى أمس أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الذي «أبدى خلال اللقاء تفهمه وتقديره للاعتبارات التي وردت في الخطاب المرفوع لسموه بشأن الممارسات البرلمانية غير السليمة التي تسيء للوضع العام في البلاد، وتعيق المسيرة الديمقراطية والتي جاءت منسجمة مع الدعوات المتكررة التي أطلقها حضرة صاحب السمو الأمير من أجل الحفاظ على المصلحة الوطنية وتغليب لغة الحوار الايجابي وتفعيل التعاون البناء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فيما يتجاوز الثغرات والاختناقات التي تشهدها العلاقة بينهما ويدفع عجلة التنمية والانجاز وتلبية آمال وطموحات المواطنين».

وفي الجانب الآخر من المشهد، وقف رئيس البرلمان الكويتي جاسم الخرافي وسط الصحافيين ليعلن أنه التقى أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، وأنه يستطيع التأكيد بأن أمير البلاد لن يتجه إلى حل البرلمان «لا حلا دستوريا أو غير دستوري»، مضيفا أن «هذا يدل على حكمة سمو الأمير وحرصه على الديمقراطية واستقرار الأوضاع في البلاد».

وتمنى الخرافي أن «يقدر النواب هذه اللفتة الكريمة من سموه، معتبرا ذلك بمثابة دليل لحرص أمير البلاد على «إتاحة الفرصة للمجلس في أن يعالج مواضيعه من خلال أعضائه الذين اثبتوا في الفترة الماضية حرصهم وتعاونهم وتكاتفهم».

يذكر أن الخرافي كان قد استبق تصريحه، بآخر عبر فيه عن استيائه من انسحاب الحكومة من الجلسة كونه «إجراء غير موفق».

ونيابيا، جاءت ردود فعل النواب حادة في مجملها من لجوء الحكومة إلى الانسحاب من جلسة البرلمان، إذ قال النائب محمد المطير وهو أحد مقدمي طلب استجواب رئيس الحكومة أن «الحكومة عاجزة عن إدارة البلاد، وهي حكومة تأزيم ضاق منها أهل الكويت» مشيرا إلى أنها «حضرت الجلسة وكان لديها أغلبية نيابية لتأجيل الاستجواب، لكنها انسحبت دون مبرر».

وعلى الخط ذاته، أكد النائب الليبرالي صالح الملا أن «انسحاب الحكومة كان سيناريو معد، وأنه يعد استهزاء بالمجلس، وبأن هناك مخططا لحدث كبير من وراء مثل هذا السلوك الحكومي».

وراجت خلال اجتماع الحكومة الاستثنائي ظهر أمس معلومات حول حل البرلمان بشكل غير دستوري، وهو ما أكده زعيم كتلة السلفيين بالبرلمان النائب خالد سلطان العيسى الذي تمنى ألا تحدث مواجهات في الشارع متى ما تم اللجوء إلى حل البرلمان بشكل مخالف للدستور، مستغربا في الوقت نفسه أن تلجأ الحكومة للانسحاب فيما كان لديها «أغلبية لتأجيل الاستجواب وصلت إلى 45 نائبا مع الحكومة، وكانت ربما ستصل إلى 50 نائبا، وهو ما اعتبر حلا للأزمة وانتصارا لصالح الفريق المنادي بعدم التأزيم»