الإفراج عن إيراني يثير التساؤلات حول مدى نفوذ طهران في العراق

تضارب حول الجهة المعتقلة ومن أفرج عنه وحول ما إذا كانت المادة التي ضبطت بحوزته ملحا أم كوكايين

TT

هل كان مهرب أسلحة إيرانيا أم عاملا في مجال ترميم الأماكن الدينية؟ هل المسحوق الأبيض الذي كان معه كوكايين أم ملح؟ من الذي ألقى القبض عليه ولماذا تم الإفراج عنه؟

تحيط هذه التساؤلات باعتقال رجل إيراني اسمه نادر قرباني، واتهمه مسؤولون أميركيون بأنه ضابط بارز في وحدة شبه عسكرية تابعة لـ«فيلق القدس» الإيراني، ولكن تم الإفراج عنه في هدوء الجمعة الماضي بعد ثلاثة أيام من احتجازه.

وأيا كانت الحقيقة، يشير الإفراج السريع عن الرجل، الذي وصفته الولايات المتحدة بأنه قيادي بارز، إلى النفوذ الإيراني داخل العراق، في الوقت الذي تستعد الولايات المتحدة إلى تقليص دورها. اعتقل قرباني في مطار بغداد. لكن الروايات التي أدلى بها عدة مسؤولين أميركيين وعراقيين تضاربت حول ما إذا كانت قوات الأمن الأميركية أو العراقية أو الخاصة هي التي ألقت القبض عليه. وقد صرح مسؤولون أميركيون أنه تم تسليمه إلى الحكومة العراقية، التي أعلنت أنه تم الإفراج عنه يوم الجمعة.

وأول من أمس، نشرت صحيفة «كيهان» الإيرانية، أن التدخل الإيراني يكمن وراء الإفراج عن قرباني. وذكرت أن قرباني مقاول بريء مسؤول عن «أعمال إصلاح وصيانة للأماكن المقدسة في العراق». وصرح مسؤولو الجيش الأميركي في بيان صحافي أعلنوا خلاله نبأ اعتقال قرباني في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) تحت عنوان: «القوات تعتقل إيرانيا متورطا في تهريب شحنات أسلحة»، بأن وظيفته كانت غطاء لتهريب الأسلحة إلى العراق في صناديق مواد البناء. وقال البيان إن قرباني كان يحمل معه كوكايينا وكان يحاول أن يغادر العراق عندما ألقي القبض عليه في المطار.

وقد رفض مسؤولون عسكريون وسياسيون أميركيون في بغداد الإعلان صراحة ما إذا كان الضغط الإيراني هو الذي أدى إلى الإفراج عن قرباني. من جانبه، صرح متحدث رسمي عسكري، ضابط البحرية إبرام ماكغال: «لقد احترمنا سيادة (العراق) والتزمنا بطلب مسؤوليه. وكان طلبهم هو نقل المحتجز إلى سلطتهم».

وقد اعتقلت القوات الأميركية عددا من العملاء الإيرانيين المزعومين في العراق، مما أشعل غضب طهران. وكثيرا ما حث مسؤولون عراقيون الولايات المتحدة على الإفراج عن المعتقلين للتخفيف من حدة التوترات على الأراضي العراقية، وقد تم بالفعل الإفراج عن البعض. وفي جميع الحالات، تتهم الولايات المتحدة المعتقلين بأنهم عملاء إيرانيون، بينما تؤكد طهران أنهم دبلوماسيون أو إيرانيون يقومون بأعمال مشروعة في العراق.

ومثل الأميركيين، يمتنع المسؤولون العراقيون عن الإدلاء بتفاصيل حول الواقعة الأخيرة. على سبيل المثال، أجاب مستشار الأمن القومي موفق الربيعي بأنه: «لا تعليق»، عندما سئل عن قرباني. ولم يجب المتحدث الرسمي باسم الحكومة، علي الدباغ، على الاتصالات الهاتفية التي تطلب التعقيب على الحدث. واعترف وكيل وزير الخارجية، لبيد عباوي، بأن الحكومة العراقية قد تدخلت لصالح قرباني، ولكنه أوضح أنه يفضل عدم الخوض في القضية.

وقال عباوي: «طالما أنه مفرج عنه الآن، انتهى الأمر برمته. ولا يهم من الذي احتجزه أو من الذي ألقي القبض عليه. والجميع سعداء بالنتيجة».

لكن هذا القول لا ينطبق بالضرورة على الأميركيين، الذين اتهموا إيران بإرسال أجزاء القنابل والجواسيس ومدربي الميليشيات لإشاعة الدمار في العراق. في المقابل، اتهمت إيران الولايات المتحدة باختلاق الاتهامات. ولم تكن هذه المرة مختلفة، حيث قالت صحيفة «كيهان» إن اعتقال قرباني جزء من مخطط أميركي «يرتبط بالحرب النفسية لتدمير العلاقات الإيرانية ـ العراقية الودية».

وقد نقلت وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية عن أحد الدبلوماسيين، الذي لم تذكر اسمه، قوله إن المادة البيضاء التي كانت بحوزة قرباني كانت ملحا وليست كوكايينا. من جهته، قال ماكغال: «أثبت التحليل الأولي أن المسحوق الأبيض» ـ حوالي 50 جراما ـ كوكايين، لكن عندما أعيد تحليله مرة أخرى وجد أنه مادة غير مخدرة. وأضاف أنه لا يعلم كنه هذه المادة.

ربما لم تكن قضية قرباني لتجذب الانتباه لولا إعلان الولايات المتحدة في البداية عن عملية القبض عليه، ثم التزامها الصمت إزاء ذلك، فبعد يومين من القبض على الرجل لم يتم نشر أي تفاصيل عن القضية حتى يوم الخميس، عندما سئل البريغادير جنرال ديفيد بيركنز المتحدث الرسمي باسم الجيش الأميركي عن وضع قرباني. وأجاب بيركنز أن قرباني احتُجز لفترة قصيرة، تم تسليمه بعدها إلى الحكومة العراقية. ووصفه بيركنز بأنه ضابط بقوة القدس، وكرر القول إن القوات العراقية هي التي قامت بعملية الاعتقال، وليس القوات الأميركية.

وفي وقت لاحق، أشار ماكغال إلى أن شركة أمنية خاصة تتعاقد معها واشنطن للعمل في المطار هي التي اعتقلت قرباني، ليُسلم بعد ذلك إلى القوات الأميركية التي احتجزته حتى يوم الخميس، حيث سلمته إلى المسؤولين العراقيين، ليطلق سراحه في اليوم التالي ويعود إلى إيران. وعندما سئل مسؤول أميركي آخر عن كيفية إطلاق سراح رجل متهم بتهريب أنواع من الأسلحة تسببت في مقتل أميركيين وعراقيين، أشار إلى أن إجراءات إطلاق السراح جزء من علاقات العمل العراقية ـ الأميركية. وقال ماكغال: «هذا من بين الذين نضطر إلى التعاون بشأنهم، ولقد تقررت ضرورة الإفراج عنه». من ناحية أخرى، تتسم مسألة النفوذ الإيراني بقدر بالغ من الحساسية بالنسبة لأعضاء مجلس النواب العراقي، الذين يرتبط الكثير منهم بعلاقات وطيدة مع طهران. وتعكس الإضافة الأخيرة إلى الاتفاقية الأمنية القلق الإيراني بشأن إمكانية استهداف واشنطن لأراضيها، إذ تنص الفقرة التي أضيفت على رفض استخدام الأراضي العراقية لشن هجمات على دول الجوار.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ «الشرق الأوسط»