منظر الجهاديين: الظواهري لم ينضم لإخوانه الذين حرضهم للقتال في مصر بل هرب إلى أفغانستان (الحلقة العاشرة)

الدكتور فضل في كتاب حصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره يتناول شخصية الظواهري والبحث عن الشهرة والنجومية

لم تسلم العديد من الدول العربية والإسلامية من فكر القاعدة واستهدافها غير المسلمين المقيمين على أراضيها (أ.ف.ب)
TT

يرى منظر الجهاديين السيد إمام عبد العزيز أو الدكتور فضل في كتابه «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة الذي حصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره في حلقات، إن هدف تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري هو الوصول إلى قيادة الأمة المسلمة، ووسيلتهم هي رفع الشعارات وتحرير المساجد، أي الاعتماد على الدعاية والإعلام أساساً. اليوم يختتم الدكتور فضل فصله الثالث في تعرية تلبيس الظواهري على القارئ قائلاً: ومن مشاغبات الظواهري تكراره (ما قولكم في حكام العرب)؟

وينبغي أن لا يذهب بعيداً، بل يوجه هذا السؤال لأخيه محمد ولشيخه وأميره بن لادن. أما أخوه محمد فقد قال للأجهزة الأمنية بمصر (إن اعتقاده أن الحاكم مسلم)، ففرحوا به ومنحوه امتيازات، ثم كان يعطي محاضرات للشباب وقال لهم (إن الحاكم منافق ونأمره بالهجرة فإن رفض نقاتله، واستدل لذلك بقول الله تعالى:

«فما لكم في المنافقن فئتين ـ إلى قوله ـ حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم...» (النساء:88ـ89) هذا كلام أخيه، فهل هذا يمت للعلم الشرعي بصلة؟ والمنافق مسلم في أحكام الدنيا إجماعاً كما ذكره القاضي عياض في (الشفا)، وقتال الحاكم المسلم محرم إجماعا أيضاً كما ذكرته بالبند السادس في (الوثيقة). ثم إن أخاه أبدى استعداده للتعهد للسلطات بعدم الصدام في شهر 6/2007 ولكن في السر.

وأما شيخه وأميره بن لادن فأراد أن يقاتل صدام حسين في الكويت عام 1990م تحت راية الحكومة السعودية، ثم انقلب عليهم وكفرهم عام 1994م لما سحبوا منه الجنسية والجواز، كان الخوارج يكفّرون بالكبائر فاخترع بن لادن التكفير بسحب الجنسية والجواز، ولما بدأ في إصدار بيانات تكفير السعودية، ونحن بالسودان، قلت له: أما تخشى من رد فعل السودانيين؟ فقال لي: إنهم يشجعونه على ذلك، ثم قرر السودانيون إبعاده في 1996، فكتب رسالة اعتذار لحكام السعودية ليعود إليها، وحمل رسالته مسؤول سوداني كبير، فرفضوا، فتوجه إلى أفغانستان. وعندما قرر بن لادن الاستقرار في السودان في 1992 نصحته ونحن في باكستان أن يبقى بالسعودية ويساعد القضايا الإسلامية قدر الاستطاعة كما فعل في الجهاد الأفغاني، فلم يقبل النصح، وأراد أن يفعل ذلك في 1996 فلم يفلح، فانتهى أمره إلى أن خاض في بحار لا ساحل لها من الدماء. فلماذا يذهب الظواهري بعيداً، يسأل أخاه وشيخه عن الحكام؟ ويسأل شيخه بن لادن عن الانتخابات البرلمانية التي دعمها في باكستان وعن المخابرات العسكرية الباكستانية التي تعاهد معها في باكستان.

يا معشر المسلمين نحن أمام طائفة من الجهال (بن لادن والظواهري وأتباعهما) حملهم جهلهم على ابتداع مذهبٍ إجرامي يبرر القتل بالجملة، ويريدون فرضه على المسلمين ويهاجمون من ينتقدهم بأنه يخدم (الحملة الصليبية الصهيونية على الأمة الإسلامية). ولقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن الجهل بالدين من أعظم أسباب كثرة القتل وهذا هو ما يحدث في هذا الزمان، ويؤصل له الظواهري في كتابه (التبرئة)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ويُرفع فيها العلم ويكثر الهرْج) والهرج: القتل. متفق عليه. وقال عُمر بن عبد العزيز (من عَبَد الله بجهل أَفْسَدَ أَكثر مما يُصلح) ذكره بن تيمية في (مجموع الفتاوى).

وقد أردت أن أحذر الناس منهم، خاصة شباب المسلمين، الذين يصطادهم هؤلاء بمجموعة من الأفكار المنحرفة والخطب الحماسية ليلقوا بهم إلى المهالك بدون أي طائل ولا أدنى إنجاز على أرض الواقع إلا الصياح الإعلامي الذي يُغطون به على جرائمهم ويلبّسون به الأمور على الناس.

ولقد قام بن لادن بتسخير الظواهري في أقذر مهمة، وهي تحريف الدين ومخالفة الكتاب والسنة من أجل تبرير أفكار بن لادن، فانتهى بهم الأمر إلى تبديل الشرع وإلى معاندة الله تعالى: الله يقول: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم...» (الشورى:30)، وهم يقولون (بل بسبب أميركا). والله يقول: «قاتلوا الذين يلونكم...» (التوبة:123)، وهم يقولون (بل قاتلوا العدو البعيد). والله يقول: «فاسألوا أهل الذكر...» (النحل:44)، وهم يقولون (بل اسألوا شيوخ الجهاد).

قال بن تيمية رحمه الله (والإنسان متى حلل الحرام المجُمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه، كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء) (مجموع الفتاوى). وإذا كانوا يعاندون الشرع ويبدلونه هكذا لموافقة هواهم، وإذا كانوا يدمرون الدول والجماعات ويجلبون الكوارث على المسلمين وهم مستخفون هاربون، فكيف سيفعلون إذا تمكنوا من حكم دولة؟ وأنا تكلمت عن أمور عايشتها وعن أناس أعرفهم من عشرات السنين، كما أنني أعرف ما يليق وما لا يليق شرعاً من الكلام، وبالله تعالى التوفيق.

اختار الدكتور فضل أو السيد إمام عبد العزيز الشريف عنوان «تعرية الباحث عن الشهرة والنجومية» لفصله الرابع والأخير من كتابه ((مذكرة التعرية لكتاب التبرئة)) وفيه يقول: أفصح الظواهري عن هدفه، وعن وسيلته لتحقيق هدفه في قوله (يجب على الحركة الإسلامية المجاهدة أن ترفع شعار تحرير المقدسات الإسلامية الثلاثة: الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى المبارك، بهذا تجتمع لها أزِمّة قيادة الأمة المسلمة وتلتف حولها قلوب المسلمين في بقاع الأرض)، ولن أتكلم الآن في سذاجة هذا التفكير فالقضية الإسلامية أعظم من أمر المساجد وقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة كلها لأجل الدين، كما مات قبل فتح بيت المقدس، وقال الظواهري أيضاً (إن الجماهير لكي تتحرك تحتاج إلى: قيادة تثق بها... وتحتاج إلى عدو واضح) من كتابه (فرسان تحت راية النبي).

فالهدف: هو الوصول إلى قيادة الأمة المسلمة، والوسيلة: هي رفع الشعارات وتحرير المساجد، أي الاعتماد على الدعاية والإعلام أساساً، هذه هي محصلة أربعين سنة في العمل الإسلامي بغير علم. ومن هنا قدّم الظواهري نفسه وأصحابه على أنهم (الطليعة المجاهدة للأمة) وأنهم (رمز المقاومة الشعبية للحملة الصليبية الصهيونية على الأمة المسلمة) من كتابه (التبرئة).

ومن أجل تحقيق هدفه لجأ الظواهري إلى أخس صور الانتهازية حتى التضحية بالإسلام نفسه عن طريق تحريف أحكام الدين كما سبق في الفصل الثاني، مع التضحية بالمسلمين أنفسهم سواء إخوانه في مصر أو دولة طالبان التي آوتهم، حتى فاق عدد من تسببت القاعدة في قتلهم من المسلمين في بضع سنين عدد من قتلتهم إسرائيل في ستين سنة (1948-2008)، كما ذكرته من قبل. فالحقيقة هي أنهم لا يدافعون عن الإسلام ولا عن المسلمين بل يضحون بهما من أجل تحقيق أهدافهم الشخصية، ومنها الوصول إلى زعامة الأمة المسلمة وقيادتها.

وقد أدرك الظواهري أهمية الإعلام ودوره في صنع الشهرة والنجومية أثناء محاكمات قضية الجهاد الكبرى في 1981، فبالرغم من هامشية دوره في الأحداث إلا أن كثرة مخاطبته لوسائل الإعلام في المحكمة أدت إلى تضخيم حجمه، فعرف أهمية الإعلام من حينئذ، حتى غطى هذا على ما فعله بإخوانه من الإرشاد عنهم والشهادة ضدهم في المحكمة لينجو بنفسه.

ثم عاش الظواهري حياته يتسلق على أكتاف الآخرين من أجل الشهرة والنجومية والزعامة مع حرصه على الظهور والحضور الإعلامي: فبداية تسلق على أكتافي لسنوات سواء في أمور الدين أو الدنيا، حتى كان يقول لي (وجودك معنا رفع عنا الحرج الشرعي). وبعدما قطعت صلتي بهم لجأ إلى خيانة الأمانة والسرقات العلمية من كتبي ليعطوا أنفسهم ثقلاً شرعياً، وليس عيباً أن لا يكون الإنسان عالماً، ولكن العيب والحرام أن يسرق علم غيره ليظنه الناس عالماً، كما أنه ليس عيباً أن يكون الإنسان فقيراً ولكن العيب والحرام أن يسرق مال غيره ليظنه الناس غنياً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبى زور) الحديث متفق عليه. وكعادته في الانتهازية جحد الظواهري إحساني إليه، وتمرد التلميذ على أستاذه: كذب وخيانة أمانة، وصدق فيه قول القائل: «إن أنت أكرمت الكريم ملكته.. وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا».

وكان من خيانته للأمانة: أني تركت لهم نسخة من كتابي (الجامع) لينتفعوا به دراسة وبيعاً، فقام بحذف الكثير منه بالرغم من أنني نهيت عن اختصاره في مقدمته. وكان من كذبه: أنه كتب اسماً ومقدمة جديدة للكتاب ونسبها لي، وخرّب الكتاب وحده ونسب ذلك للجنتهم الشرعية كعادته في الهروب من تحمل المسؤولية.

وكان من بلطجته: أنه أرسل تهديداً للأخ ياسر السري في لندن إن هو طبع كتابي الأصلي. وكل مجرم لا بد أن يأتي بشبهة وتأويل يدرأ بها اللوم عن نفسه، ابتداءً من شيخهم إبليس الذي برّر معصيته بقوله: «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين» (الأعراف: 12)، فبرّر الظواهري كذبه وخيانته بأكاذيب أخرى أدعوه هو وكل من يرددها من أصحابه للمباهلة فيها:

* فمنها: قوله إن كتابي (الجامع) كان عملاً جماعياً لجماعتهم، ووالله الذي لا إله غيره، ما كتب إنسان حرفا في كتبي، ولا كان في جماعته رجل مؤهل شرعياً لمشاورته فيما أكتب، وقد كتبت (الجامع) عام 1993 بعدما قطعت صلتي بهم، وذكرت في مقدمته أنني لا أنتمي إلى أي جماعة وإنما هي دراسة باحث محايد.

* ومنها: قوله إن اسم عبد القادر بن عبد العزيز كان رمزاً لجماعة الجهاد، ووالله الذي لا إله غيره أنا فقط الذي وضعت هذا الاسم لنفسي لأجل البعد عن الشهر، ولم أستشر فيه أي إنسان ولا فرضته على أحد، بل هم تعلقوا به.

* ومنها: قوله إنني خدعتهم فيما اشتمل عليه كتابي (الجامع) من موضوعات، وكلمة الخداع لا تقال إلا إذا كان هناك تعهد مسبق بكتابه شيء معين ثم أخالفه، ووالله الذي لا إله غيره أنني لم ألتزم مع أي إنسان بكتابة شيء من الأصل ولا بكتابة كتاب معين ولا بمحتويات أي كتاب، وعندما كتبت (العمدة) و(الجامع) ونشرات جماعة الجهاد لم أتقاض أجراً من أي جهة في مقابل ذلك، لا قبل ولا بعد كتابته، هذا شيء تطوعت به لوجه الله رغم الجهد الذي بذلته فيها.

فاللهم هذا كلام الظواهري وهذا ردي عليه، فاللهم أنزل لعنتك على الكاذب منا. وهذه مباهلتي الثالثة التي أدعوه إليها في هذه المذكرة، هو وكل من يردد كلامه من أصحابه.

قد خان الأمانة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) حديث صحيح رواه أحمد وبن حبان عن أنس.

ثم ادعى هذا المفتري الكذاب أن تهذيب الكتب شيء موجود لدى السلف، وقد أراد أن ينسب إجرامه إلى السلف، ولكن فاتته أمور:

منها: أنني نهيت في مقدمة كتابي عن اختصاره خشية العبث به. ومنها: أن الذين قاموا بالتهذيب كبن حجر كانوا علماء، وهو ليس منهم. ومنها: أن الذين قاموا بالتهذيب لم يُخفوا الكتاب الأصلي ولم يهددوا من يطبعه، فقد جاء بن الجوزي بعد الغزالي بنحو مائة سنة ليهذب (الاحياء) في (منهاج القاصدين) ثم جاء أحمد بن قدامة بعد بن الجوزي بنحو مائة سنة ليختصر منهاج القاصدين، أما الظواهري فأخفى كتابي (الجامع) وهدد ياسر السري إن طبعه. ومنها: أن الذين قاموا بالتهذيب لم ينسبوا ما فعلوه للمؤلف الأصلي كما فعل الظواهري الذي وضع عنواناً ومقدمة من عنده ونسبها لي. الظواهري يمارس الكذب والخيانة والبلطجة ويتكلم عن التهذيب.

ولم يكتف هذا المفتري الكذاب بذلك، بل قام بتنزيل كلامي المطلق في الكتاب على أفراد معينين بغير دليل بما يوقعه في البهتان المبين ويلغي فائدة الكلام المطلق.

بقى أن يعلم القارئ الكريم أن الظواهري أجرم في حقي وفي حق كتابي وكذب وخان الأمانة لمجرد مجاملة بعض الجماعات الإسلامية فقال (إخواننا يقتلون في الجهاد ونحن ننتقدهم في الكتب) وانطلت شبهته على أصحابه فاتبعوه، وهذا من شدة جهلهم، فالجهاد لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، ومن إنكاره على أسامة بن زيد، ومن قوله: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)، (وبأقوام لا خلاق لهم)، ولكنهم قوم لا يفقهون، هذه هي سيرة أيمن الظواهري وعادته: يجامل الآخرين بتحريف كتاب غيره. ويجامل بن لادن ويبرر إجرامه بتحريف الدين ومعاندة شرع الله. ويغامر بدماء إخوانه لتحقيق شهرته.

ولقد تكلمت كثيراً في أسباب فشل الحركات الإسلامية، وكنت دائماً أقول: إن الشك في القائمين على العمل الإسلامي خير من الشك في وعد الله: «وكان حق علينا نصر المؤمنين» (الروم:47) فوعد الله حق ولا يتخلف النصر إلا بنقص في الإيمان الواجب وذلك فسق، ولا يغني وجود بعض الصالحين إذا كثر الخبث، كما صح الحديث بذلك.

ثم تسلق الظواهري على أكتاف بل دماء إخوانه في جماعة الجهاد، بعدما نهيتهم عن الصدام في مصر، فباعهم مرتزقة للمخابرات السودانية لتنفيذ عمليات قتالية بمصر من 1993، رغم علمه بعدم جدواها، إلا أنه ضحى بإخوانه ودفعهم إلى المشانق والسجون من أجل إثبات الذات والشهرة، حتى أنه لما لم يرد اسمه في وسائل الإعلام بعد محاولة اغتيال عاطف صدقي (رئيس وزراء مصر الأسبق) سارع الظواهري للاتصال بالإعلام وأعلن عن نفسه في حوار أجراه بالفاكس مع صحيفة (العربي الناصري)، حتى لا تفلت منه فرصة الشهرة. وقد قام الظواهري في هذا الحادث بمنتهى الانتهازية، فترك مسؤولية اتخاذ قرار العملية لمجلس الشورى، وترك مسؤولية متابعة التنفيذ من خارج مصر لمجموعة من إخوانه كل هذا ليبعد عن نفسه المسؤولية القضائية، أما هو فله الظهور في وسائل الإعلام وتسلم الأموال من المخابرات السودانية. ثم لما انقطعت به السبل وعجز عن فعل شيء في مصر، طرده السودانيون في 1995، ولم يذهب الظواهري ليقاتل في مصر كما وعد إخوانه لأن هدفه لم يكن القتال في ذاته بل الشهرة وقد تحقق له شيء منها، وإنما لجأ إلى الهرب حرصًا على سلامته الشخصية ولم يتوقف إلا في أفغانستان حيث الملاذ الآمن. أي أن الظواهري قد حرض إخوانه على الصدام في مصر حتى سقطوا بين قتيل وسجين، ثم هرب هو ولم يقبل على نفسه ولا على أخيه ما حرضهم عليه، فإذا كان الجهاد في مصر واجبًا: فلماذا هرب الظواهري وأخوه من أداء الواجب؟ وإذا لم يكن واجبًا: فلماذا ضحى بإخوانه وعرّضهم للقتل والسجن في شيء غير واجب؟ اسألوهم عن ذلك، فإن مجلس شوراهم لم يسألهم بل هربوا كلهم من السودان في 1995 بعدما دفعوا صغار الشباب للقتل والسجن في مصر. وأنا أذكر هذا الكلام لتتعلم الأجيال الناشئة من الشباب كيف تتم المتاجرة والمغامرة بهم، وحتى لا يُقدم مسلم على شيء إلا بفتوى من العلماء الأمناء. في كتابه (مختصر منهاج القاصدين) قال الشيخ أحمد بن قدامة: إن الناهي عن المنكر (إن علم أنه يُضرب معه غيره من أصحابه لم تجز له الحسبة، لأنه عجز عن دفع المنكر إلا بإفضائه إلى منكر آخر، وليس ذلك من القدرة في شيء). هذا كلام العلماء، أما الظواهري فإنه لا يتحمل الإيذاء مع إخوانه، بل يحرضهم على الصدام وهو يهرب، ليكون عليهم المغرم (الخسائر) وله المغنم (المكاسب من السلامة والشهرة والأموال). ومازال الظواهري يمارس هوايته في التحريض عبر وسائل الإعلام إلى اليوم، ولم يرتق الظواهري في الرجولة مع إخوانه إلى مرتبة اليهودي الكافر حُيَى بن أخطب، فمن هو حُيىَ هذا؟

لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان بها ثلاث قبائل من اليهود: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، فعاهدهم على المسالمة والتعايش، ثم غدرت بنو قينقاع فأجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة، ومن بعدها غدرت بنو النضير فأجلاهم أيضًا وكان رئيسهم حُيىَ بن أخطب وفيهم نزلت سورة الحشر، ولجأ حُيىَ إلى خيبر، ثم قام بتحريض قريش وغطفان على غزو المدينة (في غزوة الأحزاب وهي الخندق)، وفيها عاهدت بنو قريظة النبي صلى الله عليه وسلم على أن يبقوا على الحياد وألا يسمحوا لأحزاب الكفار باقتحام المدينة من جهتهم، فجاء حُيىَ إلى صاحبه اليهودي كعب بن أسد رئيس بني قريظة وظل يحرضه على نكث العهد والتحالف مع الأحزاب ووعده أن يبقى معهم في حصنهم ليجري عليه ما يجري عليهم ـ وهنا الرجولة ـ فغدرت بنو قريظة، وكانت نهايتهم كما هو معروف في السيرة أن ظهر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وقتل رجالهم وقتل معهم حُيىَ بن أخطب. فهذا اليهودي حرّض ولم يهرب كالظواهري، بل وضع نفسه مع من حرّضهم ليجري عليه نفس المصير. هذه هي رجولة اليهودي، فأين الظواهري منها وهو يحرض بالريموت كونترول؟

وبالرغم من أن الظواهري أصدر بيانًا لأصحابه بوقف العمليات في مصر من عام 1995، إلا أنه عندما أعلنت الجماعة الإسلامية (مبادرة وقف العنف) في مصر في 1997، هاجمها الظواهري وشنّع عليها لأنها تحرمه من الأحداث الساخنة التي يمكنه المتاجرة بها.

ثم بعدما أفلس في مصر، وهرب من السودان، تسلق الظواهري على أكتاف الجماعة المسلحة الجزائرية، وظل يحرضهم على الإسراف في القتل في مجلات (المجاهدون) و(الأنصار) الصادرة من لندن، وظل يبرر لهم أفعالهم لسنوات لمجرد أن يكون له حضور في ساحة الإعلام الجهادي، ولتكون له يدٌ عند تلك الجماعة عند وصولهم لحكم الجزائر الذي ظنه وشيكًا. ثم لما كثر النقد ضد هذه الجماعة تراجع الظواهري عن تأييده لها ليبقى على ماء وجهه، بعدما برّر لهم الإجرام كما يبرره اليوم لبن لادن.

ثم لما أفلس في الجزائر بعدما أفلس في مصر، جاءت للظواهري فرصة الظهور الإعلامي باشتراكه في (الجبهة العالمية لجهاد اليهود والصليبيين) التي أعلنها بن لادن في 1998، وقد أدى اشتراك الظواهري فيها إلى كارثة على جماعة الجهاد كما ذكرته من قبل، وكل هذا لا يهمه طالما حافظ على سلامته الشخصية وحقق الشهرة الإعلامية فلا يبالي بالتضحية بإخوانه في 1998 كما ضحى بهم من قبل في 1993 وفي 1981، ولا مانع من مجاملتهم بأن يتباكى عليهم في كتبه.

وقد اقتضى اشتراكه في (الجبهة العالمية) نوعًا من فقه التبرير، فوضع الظواهري (نظرية قتال العدو البعيد) أي أميركا، كما ذكرته في الفصل الثاني، وألّف كتابه (فرسان تحت راية النبي) عام 2000 لتبرير اشتراكه في تلك (الجبهة).

* الحلقة الحادية عشرة: كيف استثمر الظواهري أحداث 11/9