منظر الجهاديين: لماذا لجأ الظواهري إلى تقديس بن لادن بعد نقده له واتهامه بالعمالة؟ (الحلقة الحادية عشرة)

الدكتور فضل يتناول في كتاب حصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره كيف استثمر الظواهري أحداث سبتمبر لتحقيق الشهرة والنجومية

أسامة بن لادن وأيمن الظواهري قائدا تنظيم القاعدة لم يباليا بما جرى لأفغانستان وأهلها من القتل والخراب بسببهما (رويترز)
TT

يقترح منظِّر الجهاديين السيد إمام عبد العزيز، المعروف بالدكتور فضل، على الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، تغيير اسم كتابه «التبرئة» ليصبح «التبرير»، «حتى يتسق عنوان الكتاب مع محتواه في تبرير كل أخطاء وجرائم اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة».

واختصر الدكتور فضل أهداف الظواهري في ثلاثة أشياء: الهروب والميكروفون وصندوق التبرعات. ويكمل في حلقة اليوم من كتابه «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» ما وصفه بتعرية بحث الظواهري عن الشهرة والنجومية.

لم يحقق الظواهري ما يريده من اشتراكه في (الجبهة العالمية)، فبعد تفجيرات نيروبي (1998) والمدمرة كول (2000) تدفقت الأموال ووسائل الإعلام العربية والأجنبية على بن لادن شخصيًا الذي كان لا يسمح لأحد بالظهور غيره، وكلاهما مولع بالإعلام، وجنى بن لادن منافع تشكيل (الجبهة العالمية) من الشهرة والأموال، ولم يجن شركاؤه فيها شيئًا، بل على العكس من ذلك جنى الظواهري خسائر جسيمة لجماعته إلى حد تدميرها. إلا أن الظواهري لم يبال بذلك ولكنه أدرك أن تحقيق الشهرة والنجومية لن يتم إلا بالتسلق على أكتاف بن لادن وتنظيمه (القاعدة)، فقرر الانضمام إليه وبايع بن لادن على ذلك في 6/2001، وانضم معه ثمانية أفراد فقط من جماعة الجهاد التي أصدر مجلس شوراها بيانًا بفصلهم منها. ولم توافق هذه الجماعة على مبدأ العمل المشترك مع بن لادن لسابق علمهم به، وأصدرت عدة بيانات بذلك.

وفي كتابه (فرسان تحت راية النبي) فسّر الظواهري تقاربه من «القاعدة» بأنه من باب توحيد جهود المسلمين، وهذا غير صحيح لأن بن لادن كان أمامه لمدة أربعة عشر عامًا، من 1987 ـ 2001، ولم يتحد معه من قبل بل كان ينتقده نقدًا لاذعًا إلى حد اتهامه له بأنه عميل للمخابرات السعودية لمجرد أنه نقص عنهم التبرعات عام 1995، وكتب الظواهري مقالاً في مجلتهم (كلمة حق) ضد بن لادن بعنوان (جاد الشباب بأرواحهم وضنّ الأغنياء بأموالهم). ولم تنضم معه جماعة الجهاد إلى «القاعدة» بل انضم الظواهري ومعه ثمانية أفراد فقط، والسبب ليس توحيد الجهود وإنما ـ وكما سبق ـ لأن الظواهري وجد أن الزخم والمال والشهرة كلها تصب عند بن لادن منذ إعلان الجبهة في 1998، وعلم الظواهري أنه لن يصل إلى شيء من ذلك بمجرد التحالف مع بن لادن بل بالتبعية له.

كان بن لادن يعلم جيدًا أن انضمام الظواهري إليه هو انضمام العاجز الذي انقطعت به السبل والذي لم ينجح في شيء، فلم يُسند إليه أي عمل، كما لم يكن لدى الظواهري شيء يقدمه لبن لادن لا شرعيًا ولا عسكريًا ولا سياسيًا ولا ماليًا إلا اسمه، وبالتالي فإن بن لادن جامله أيضًا في الأسماء فقط فغيرّ اسم تنظيمه من (القاعدة) إلى (قاعدة الجهاد) وهو الاسم الذي يحرص الظواهري على إبرازه. كما لم يُطلع بن لادن الظواهري على أحداث 11/9 قبل وقوعها، وكان بن لادن لا يسمح لأحد غيره بالظهور إعلاميًا، فعاش الظواهري بعد انضمامه لـ«القاعدة» فردًا في الظل وكان يتردد على مقر اللجنة الإعلامية لـ«القاعدة» في قندهار ليساهم في بعض أعمالها تحت رئاسة خالد شيخ محمد.

ثم جاءته الفرصة الذهبية لتحقيق حلم حياته وطموحه في الشهرة والنجومية، فجاءت أحداث 11/9/2001 إلى الظواهري على طبق من ذهب ليحقق طموحه:

فهي أحداث جسيمة يمكن استثمارها إعلاميًا بصورة كبيرة، وهي وإن لم يشارك في صنعها إلا أنها من صنع تنظيم انضم إليه منذ ثلاثة شهور.

وساعده على ذلك غياب كل رؤوس التنظيم بعد 11/9، فبن لادن قد توارى، وكل القيادات بـ«القاعدة» إما قتلت أو أسرت إلى غوانتانامو أو حددت إقامتها في إيران. فخلت له الساحة ليصول ويجول وسط صمت الآخرين أو غيابهم.

«خَلا لكِ الجو فبيضي وأصفِري.. ونَقّرى ما شئتِ أن تُنَقّري».

ومما سبق ـ في فصول هذه المذكرة وفي غيرها ـ يمكن للقارئ أن يدرك بسهولة ما فعله الظواهري من أجل استثمار أحداث 11/9 في تحقيق الشهرة والنجومية والزعامة الإسلامية، ومن ذلك باختصار:

1. تعظيم تفجيرات 11/9 : باعتبارها أعظم الأمجاد والفتوحات الإسلامية، وهذه حيلة إبليس لعنه الله في تحسين الشيء القبيح بمنحه اسمًا حسنًا، فكما وصف إبليس شجرة الإثم والندامة بأنها «.. شجرة الخلد وملك لا يفنى» (طه:120)، فكذلك وصف الظواهري تفجيرات 11/9 ـ وهي خيانة للصديق وغدر بالعدو وكارثة على المسلمين ـ بأنها الغزوات المباركة، ومنحوا منفذيها رتبة (الشهيد) التي تخول لحاملها دخول الجنة، للحديث (والشهيد في الجنة)، فهي صكوك غفران، كما أصدروا قرارات حرمان من ملكوت السماء ضد من ينتقدهم بأنهم يخدمون التحالف الصهيوني الأميركي كما وصفوا بذلك (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) ولو كان كاتبها هو أستاذهم ومعلمهم الذي تربوا على كتبه وجندوا أتباعهم بكتبه، يصير عميلاً أميركيًا لأنه تجرأ على مهاجمة صنمهم (11/9). وبهذا سلك الظواهري وأصحابه مسلك الكنيسة في منح صكوك الغفران لمحبيها، وإصدار قرارات الحرمان ضد منتقديها.

2. تبرير تفجيرات 11/9 شرعيًا : وفي سبيل ذلك كتب الظواهري كتابه (التبرئة) وكان الأولى أن يسميه (كتاب التبرير)، وقد استمات فيه في الدفاع عن أحداث 11/9 لأنها فرصته الذهبية للشهرة والنجومية، كما قام فيه بالتحريض على مزيد من سفك الدماء ليستمر الإجرام ويستمر معه دوران عجلة الشهرة والنجومية والتمويل.

ولا شك في أن كتابه (التبرئة) وما اشتمل عليه من تحريف للدين هو عقوبة من الله تعالى للظواهري على سالف معاصيه من الكذب وخيانة الأمانة والعمالة والفرح بالمعاصي والانتهازية إلى درجة التضحية بإخوانه، فجاء تحريفه للدين عقوبة قدرية من الله له على ذلك كما قال سبحانه: «فأصابهم سيئات ما عملوا» (النحل:34)، وكما قال تعالى: «إنما نملي لهم ليزدادوا إثما» (آل عمران:178)، وقال سبحانه: «أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون» (فاطر:8)، وقال تعالى: «فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ..» (الصف:5).

3. عدم الاعتراف بالمسؤولية المباشرة: عن تدميرهم لتنظيم القاعدة وطالبان وأفغانستان كآثار مباشرة لتفجيرات 11/9، هذا بخلاف الآثار التابعة. ولهذا فإنهما لا يتحدثان عن كارثة أفغانستان في خطبهما لأن هذا يلفت الانتباه إلى مسؤوليتهما عنها، وإنما هما يكثران من الحديث عن مآسي فلسطين ليصرفا الانتباه عن أفغانستان وما جلباه عليها من الدمار، وبالتالي فلا يمكن لبن لادن أو الظواهري أن يعتذرا عن شيء من ذلك رغم مسؤوليتهما عنه، وذلك لأن الاعتذار معناه:

أ) ضياع الوجاهة وتحطيم الأمجاد التي بنياها على تفجيرات 11/9 والتي حققت للظواهري حلم حياته في الشهرة والنجومية.

ب) ولأن الاعتذار معناه أيضًا الإقرار بالخطأ وبالخيانة والغدر وسوء التقدير في أحداث 11/9، بما يعني عدم الأهلية الشرعية والعسكرية لقيادة الجهاد، ولا لزعامة الأمة الإسلامية التي يطمحان إليها.

ج) والاعتذار معناه أيضًا وجوب تعويضهما لكل المتضررين من أحداث 11/9 في كل مكان في العالم (أي دفع الغرامات الحربية)، وهم إن أفلتا من هذا في الدنيا فلن يفلتا منها يوم القيامة بل ولا في قبريهما.

ونظرًا لثقل تبعات الاعتذار، فلم يعتذرا رغم مرور ست سنوات وأكثر على الأحداث، وليذهب الشعب الأفغاني والملا محمد عُمر إلى الجحيم، ولتوضع الأحكام الشرعية على الرف، ولتبقى الوجاهة والشهرة، فقد ظهر دين جديد فيه قال بن لادن والظواهري كذا وكذا في مقابل دين الإسلام الذي فيه قال الله وقال رسوله.

ومهما أكثرا من الصخب الإعلامي للتغطية على جرائمهما، فإن الأجيال المعاصرة والقادمة لن تنسى أبدًا أن بن لادن والظواهري وأتباعهما مسؤولون مسؤولية مباشرة شرعية وتاريخية عن إضاعة دولة إسلامية كانت قائمة في أفغانستان (طالبان) وعن مأساة شعب مسلم في أفغانستان التي آوتهما، هذه هي محصلة جهادهما والإعداد له.

4. تقديس الظواهري لبن لادن: إلى درجة إنكاره على من ينتقده كما سبق في الفصل الثالث، وكأنه قد ظهر معصوم في الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. والعجيب أن الظواهري ظل ينتقد الإخوان المسلمين طول حياته ثم صار تابعًا لرجلٍ منهم (بن لادن) يبرر له إجرامه ويحوّل باطله إلى حق، ويحوّل كوارثه إلى مآثر وأمجاد كما فعل غوبلز (خطيب النازية) مع هتلر إبان الحرب العالمية الثانية. فلماذا لجأ الظواهري إلى تقديس بن لادن بعد نقده له واتهامه بالعمالة؟

أ) السبب الأول: أن بن لادن منح الظواهري فرصة عمره في الشهرة والنجومية، فقدم له في لحظات أحداث 11/9 على طبق من ذهب، ليستثمرها الظواهري في تحقيق ما عجز عن تحقيقه بقدراته الشخصية في ثلاثين سنة من النجومية.

ب) والسبب الثاني: التمهيد لخلافة بن لادن في قيادة ما تبقى من تنظيم القاعدة، والظواهري يعلم جيدًا أن القاعدة هي بن لادن لا غير، وأن أعضاءها مرتبطون ببن لادن شخصيًا بلا منهج ولا فكر إلا ما يراه بن لادن، فلا بد من تقديسه ليرث ولاء أتباعه إذا مات بن لادن. فالظواهري يريد أن تنتقل إليه ملكية العلامة التجارية (القاعدة) في حالة موت صاحبها، فلا بد من تقديسه. وإن كان من المستبعد أن يدين سعودي أو يمني لشخص آخر بالولاء غير بن لادن، ولكن لا مانع من مغازلته لهم.

ج) والسبب الثالث: التمويل، لأن 99% من تمويل القاعدة كان يخرج من السعودية لبن لادن شخصيًا، فلا بد من تقديسه ليستمر أصحابه أو بعضهم في الدفع لخليفته إذا مات. فالظواهري يمهد للحظة إعلان وفاة بن لادن ليرث تركته التنظيمية.

ولهذا فقد صار الخائن الغادر المدمر بن لادن هو الشيخ الإمام المجاهد عند الظواهري وأصحابه، وانتقلت العدوى منهما إلى غيرهما. إلا أنه وكما هو معلوم في الشرع فإن تغيير الأسماء لا يغير من الحقائق شيئًا، فكل ما أسكر حرام وإن لم يسمه الناس خمرًا.

5. واستكمالاً لمقومات الزعامة الإلكترونية للأمة الإسلامية، فكان لا بد أن يتحدث الظواهري في كل قضايا الأمة، وهو ما يفعله، خاصة قضية فلسطين التي وصفها الظواهري بأنها (القضية التي تلهب مشاعر الأمة المسلمة) وأن رفعهم لهذه الشعارات هو الذي يجمع لهم (قيادة الأمة المسلمة) من كتابه (فرسان تحت راية النبي)، وقد سبق هذا في الفصل الثالث.

وبعد:

فهذا ما فعله الظواهري من أجل تمجيد أحداث 11/9، والدفاع عنها وعن فاعلها (بن لادن)، فهي التي حققت له الشهرة والنجومية، ولكن من فوق جبال من الجماجم والدماء والأشلاء والخراب والأسرى والمآسي الإنسانية، التي شارك في صنعها وهلل لها وبررها، فبئست الشهرة والنجومية هي. ولم يبال الظواهري بشيء من هذا الخراب وإن أصاب أهل بيته بعدما تخلى عنهم، وكل ما كان يحرص عليه طوال سيرته ثلاثة أشياء: الهروب والفرار المهين حرصًا على سلامته الشخصية، والحضور الإعلامي بأي شكل، وجمع الأموال.

أو هي باختصار: الهروب والميكروفون وصندوق التبرعات. وصدق فيه ما قيل في الحجاج بن يوسف: «أسدٌ عَلَي وفي الحروب نعامةٌ .. فتخاء تنفر من صفير الصافر، هلاّ برزت إلى غزالة في الوغى.. بل كان قلبك في جناحي طائر».

و(غزالة) امرأة من الخوارج كانت تقاتل الحجاج وجيوشه، وكان الحجاج يرتعد منها ويهرب على بطشه وجبروته. ذكره ابن كثير في أحداث سنة 77هـ في (البداية والنهاية) 9/19 ـ 23.

ولو أن رجلاً قتل دجاجة لجاره لاعتذر له ولعوضه عنها، إلا أن هؤلاء ـ بن لادن والظواهري ـ لم يبالوا بما جرى على أفغانستان وأهلها من القتل والخراب وما زالت دماؤهم تسيل إلى يومي هذا بسببهم، ومع ذلك لم يعتذروا لأحد وكأن الأفغان شعب من الحشرات لا قيمة لهم. وليس الأفغان وحدهم الذين سالت دماؤهم بسبب القاعدة، بل شعوب أخرى كثيرة في مشارق الأرض ومغاربها.

ولو أن رجلاً أساء التصرف في شيء من ماله الذي يملكه لاعتبره الناس سفيها ولحكم القاضي عليه بالحجر للسفه، فكيف ببن لادن والظواهري اللذين أساءا التصرف في دولة لا يملكانها (طالبان) وفي شعب لا يملكانه (الأفغان) بل وفي تنظيماتهما الإسلامية، وفرضا على طالبان حربًا مع أميركا رغم أنوفهم، ورغم نهي أميرهما الملا محمد عُمر لهما عن الصدام مع أميركا، بماذا يوصف هؤلاء؟

عاش بن لادن في السودان أربع سنوات (1992 ـ 1996) أنفق عليهم عشرات الملايين من الدولارات ورصف لهم مئات الكيلومترات وغيرها، ثم عاش بعدها في أفغانستان خمس سنوات قبل 11/9 (1996 ـ 2001) وبالرغم من مبايعته لهم وحمايتهم له لم يرصف لهم طريقًا واحدًا ولا بنى مدرسة أو مستشفى، وكان مئات الأطفال الأفغان يموتون في تلك الفترة من الجوع والبرد بلا مغيث، بل زاد من كوارثهم بعد 11/9/2001. واتخذا الملا محمد عُمر وطالبان وأفغانستان مجرد سُلم تسلقا عليه لتحقيق مآربهما، انتهازية بشعة.

ثم دخلا العراق بعد احتلاله في 2003 بالتسلق على أكتاف جماعة (أنصار الإسلام) الكردية، ثم تنكرا لها وعملا في العراق باستقلالية عنها، وأمير هذه الجماعة وهو الملا كريكار (وكنيته: أبو سيد قطب) كان قد أخبرني عام 1990 أنه ترجم كتابي (العمدة) إلى اللغة الكردية.

وبعدما دخلت القاعدة العراق بفريق غير عراقي اتهمهم البعض بأنهم أجانب عن العراق، وهذه تقسيمات جاهلية لا يبالي بها من يجاهد في سبيل الله، ففي الحديث (المسلم أخو المسلم)، ولكنهم أرادوا أن يثبتوا أن المقاومة عراقية الجنسية، فأرسلوا أحد قادتهم المهمين من وزيرستان بباكستان إلى العراق لمجرد الرياء والسمعة وهو عبد الهادي العراقي، فلم يصل إلى العراق واعتقلته أميركا في الطريق، ولم يتم الأمر لأنه قام على الرياء وهو شرك.

وأحب أن ألفت نظر القارئ إلى أن الظواهري متأثر بكلام سيد قطب رحمه الله، والصحيح من كلامهما هو من باب الثقافة العامة لا يجوز ترتيب أحكام فقهية عليه، خاصة ما يتعلق باستباحة الدماء والأموال، فالعجز الفقهي لديهما شديد. ولكن شتان ما بين سيد قطب وبين الظواهري في الصدق، فقد قال سيد قطب (إن إصبع السبابة التي تشهد لله بالتوحيد في كل صلاة تأبى أن تكتب استرحامًا لظالم) هذا ما نقله الظواهري في كتابه (فرسان تحت راية النبي)، وقد ثبت سيد قطب على ذلك رحمه الله. فماذا كانت منزلة الظواهري في الصدق والثبات؟ أرشد الظواهري عن إخوانه وشهد ضدهم في 1981 لينجو بنفسه، ثم باع إخوانه للمخابرات السودانية في 1993م ليحقق الشهرة وهرب ولم يفعل ما حرّضهم عليه، ثم دمر جماعته باشتراكه في الجبهة العالمية في 1998، ثم جاءه العدو البعيد (أميركا) إلى بيته في أفغانستان فهرب منه، ثم قام بتحريف الدين لتبرير الإجرام كما ذكرته في الفصل الثاني، هذا فضلاً عن الكذب وخيانة الأمانة كما ذكرته في الفصل الأول، فشتان ما بينهما في الصدق.

ولو عاش سيد قطب أظنه كان قد تدارك قصوره الفقهي، فقد قضى جُل عمره في الدراسات الأدبية، أما الظواهري فقد توقف نموه الفكري عند مرحلة كلام سيد قطب منذ أكثر من ثلاثين سنة ولم يرتق منها إلى مرحلة النضج الفقهي رغم محاولاتي المتكررة لدفعه للدراسة الشرعية ولكن دون جدوى، فلم يكن لديه صبر على دراسة العلوم الشرعية وهي تحتاج إلى صبر كصبر الجماد، كما قال التابعي عامر الشعبي، وقد ذكرت قوله هذا في كتابي «الجامع»، وفي فترةٍ ما كتبت بعض الكتب والرسائل وضع الظواهري اسمه عليها لأجبر عجزه الشرعي، ثم لما قطعت صلتي بهم ظلوا يسرقون من كتبي بدون عزو. ثم صار الظواهري بعد ذلك ـ خاصة في كتابه «التبرئة» ـ عالة على من معهم من طلاب العلم من ليبيا وموريتانيا الذين درسوا بعض العلوم الشرعية في موريتانيا، ومع ذلك فتخبطهم الفقهي ظاهر حتى صاروا مجرد صيادين يصطادون من كتب الفقه أقوالاً تبرر أعمالهم بدون تمييز بين الصحيح من الضعيف من الأقوال، فكانوا كما قال الشافعي رحمه الله (حاطب ليل، يجمع الحطب بالليل ولعل فيه أفعى تلدغه).

وقد أدى توقف النمو الفكري للظواهري عند مرحلة سيد قطب إلى أن صار متخبطًا من الناحيتين الفقهية والعملية، وإلى أن صار كلامه مجرد خطب حماسية ورفع للشعارات ـ كما كرره هو ـ، حتى أنه صار ينزعج من وجود شروط وموانع واختيارات شرعية كما ظهر من كلامه في كتابه (التبرئة).

هذا شيء مختصر عن أيمن الظواهري الباحث عن الشهرة والزعامة والنجومية كما عرفته منذ أربعين سنة، أي قبل أن يولد كثير من أصحابه، وقد حاولت إصلاحهم في وقت من الأوقات، ولكن دون جدوى.

قد كتبت هذا الكلام كما كتبت (وثيقة ترشيد العمل الجهادي) لتحذير المسلمين ـ خاصة الشبان الصغار ـ من هؤلاء المغامرين الانتهازيين ومن أمثالهم.

يا معشر المسلمين: الجهاد في سبيل الله حق، ولكن لا تسمحوا لهؤلاء وأمثالهم بالمتاجرة بهذه القضية النبيلة، فهم يدفعون بالشباب إلى تضحيات بليغة ويجلبون على المسلمين كوارث جسيمة، وهم أحرص الناس على سلامتهم الشخصية وجني المنافع وبدون تحقيق أدنى مصلحة للإسلام والمسلمين. إن هؤلاء قد ظلموا خلقًا كثيرًا في بلاد كثيرة، ولا تظنوا أن الظالمين يمكن أن يوفقهم الله، فقد قال سبحانه: «.. إن الله لا يهدي القوم الظالمين» (الأحقاف:10).

ولا تغتروا بالشعارات أو بعدالة قضية معينة حتى تعرفوا حقيقة من يرفع تلك الشعارات من سيرته السابقة: هل هو صادق أم أنها مجرد مصيدة لاصطياد المغفلين والمتاجرة بهم. فإن مسجد الضرار كان كبقية المساجد في مظهره، ومع ذلك نهى الله عن الصلاة فيه بسبب خبث نوايا أصحابه، قال تعالى: «والذين اتخذوا مسجدا ضرارا...» ـ إلى قوله ـ «لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه..» (التوبة:107 ـ 108). فلا يكفي النظر في الشعار بل يجب أيضًا النظر في حقيقة من يرفعه، فليس كل مسجد يُصلى فيه، ولا كل شعار يُتبع ولو كان نبيلاً. وقد ذكرت تنبيهات بشأن التحريض على الجهاد في هذه المذكرة وفي (الوثيقة).

ولا شيء يفسد دين الإنسان مثل حرصه على الزعامة والشهرة والمال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) رواه الترمذي وصححه، ومعنا أن الحرص على المال والشرف يفسد الدين كما يفسد الذئبان الجائعان حظيرة الغنم، فماذا يبقى منها؟

* الحلقة الأخيرة «قمصان» الفتنة