الإرهابيون يضربون رمز ازدهار الهند

مخاوف من تداعيات هجمات مومباي على علاقات المسلمين والهندوس

TT

بددت الهجمات الإرهابية حالة السّلم في أكثر من ست مدن هندية خلال العام الماضي وحده. إلا أن أيا منها لم يحمل في طياته تهديدات للحكومة العلمانية الديمقراطية في البلاد بالدرجة التي تضمنتها التفجيرات التي ضربت مدينة مومباي ليلة السادس والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وتعد مدينة مومباي العاصمة التجارية والمالية للهند، كما أنها أكثر المدن الهندية تحررا من الأحقاد القومية والطائفية. وباستهداف العديد من المنشآت في المدينة، وعلى رأسها فندقان فخمان: فندق «تاج» وفندق «تريدنت»، حيث تجتمع الشخصيات المهمة والبارزة لمناقشة النشاطات التجارية والأجندات السياسية، فإن الإرهابيين يضربون رمز نمو البلد وازدهاره. كما أن ثمة مغزى جليا في توقيت الهجمات، حيث أتت عشية انتخابات خمسة مجالس إقليمية. وقد عمدت اللغة التي اُستخدمت خلال الحملات الانتخابية إلى استقطاب الآراء وسط اتجاهات معادية لبعضها بعضا. وكانت بالأساس ضد حزب «المؤتمر» الحاكم، الذي تبنى العلمانية، في مواجهة حزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي القومي. وبعد كل هجمة إرهابية في الماضي كان حزب «بهاراتيا جاناتا» يدين حزب «المؤتمر» لتراخيه في التعامل مع الإرهاب، على أساس أنه يهدف إلى تعبئة الناخب المسلم في البلاد لصالحه. وفي المقابل، كان حزب «المؤتمر» يفضح زيف حزب «بهاراتيا جاناتا» والمؤسسات التابعة له، ويقول إنها تتعامل بعنف مع المسلمين لضمان صوت الناخب الهندوسي الذي له أهمية كبيرة بالنسبة لحزب «بهاراتيا جاناتا». وثمة كلمة يستخدمها الهنود لوصف هذا الوضع، وهي كلمة «الطائفية»، والتي تشير إلى محاولة دؤوبة من أجل استغلال المشاعر الدينية لتحقيق مكاسب انتخابية. وقد كانت نتيجة هذا المنحى مدمرة على أصعدة عدة. اذ كان يلقى القبض على المشتبه في مشاركتهم في أعمال إرهابية بصورة عشوائية، ولا يتمتعون بالحقوق التي كفلها لهم القانون، ودائما هناك مزاعم حول تعرض المتهمين للتعذيب على يد الشرطة، وثمة تساؤلات بخصوص المواجهات التي تقع بين الشرطة والمتهمين، ويبقى المتهمون وراء القضبان لأعوام في الوقت الذي تنظر فيه المحاكم في قضاياهم، وقليلا ما تصدر المحاكم إدانة. كما أن اللجان التي أُسست للنظر في حوادث عنف ديني معينة تصدر تقاريرها ولكن بعد وقت طويل، ويطرح القليل من تلك التقارير للنقاش أمام الرأي العام، وفي المعتاد يتم تجاهل التوصيات التي تخلص إليها التقارير، أو يتم تنفيذها ولكن بصورة منتقاة، ويعاقب المسلمون الذين يدانون في القضايا فيما لا يعاقب الهندوس أو تصدر بحقهم عقوبات مخففة. وعليه، أخذت الأقلية المسلمة في الهند تفقد ثقتها بالدولة الهندية، ومؤسساتها، ووسائلها، وأدى ذلك إلى انتشار الراديكالية بين الشباب المسلمين، ودفعهم التطرف الديني إلى انتهاج العنف، وتشير الأدلة المتزايدة على أن بعضا منهم انضم إلى تنظيم جهادي دولي على صلة وثيقة بتنظيمات إرهابية في بنغلاديش وباكستان. ويسري الاعتقاد في الهند بأن تلك التنظيمات على صلة وثيقة بالمؤسسات الاستخباراتية في تلك البلاد. ومما زاد الأمر تعقيدا، إلقاء القبض على امرأة هندوسية ورجل دين هندوسي وضابط في القوات المسلحة وبعض متطرفين هندوس على خلفية مزاعم بالتورط في هجمات إرهابية محددة. وحاليا، فإن الفرصة سانحة أمام حزب «بهاراتيا جاناتا» والتنظيمات التابعة له كي تقول إن الشرطة، وبناء على تعليمات قياداتها «العلمانية» تعجز عن ضمان تطبيق الإجراءات القانونية الواجبة، وفي الواقع، فإنهم يقولون بأن قضية الهندوس خلقت من أجل إرضاء المسلمين قبل الانتخابات التي سوف تجري على المجالس الإقليمية. وبكلام أوضح، فإن بعد المسلمين، بدأ الهندوس يتشككون في مصداقية الشرطة، وبالتبعية، الدولة الهندية. ومن الممكن أن تزيد هجمات السادس والعشرين من نوفمبر في مدينة مومباي من المخاوف لدى المسلمين والهندوس، لدرجة أنهم قد يصبحون غير واثقين من أن سلطات تطبيق القانون قادرة على جلب المذنبين إلى العدالة، وتلك تحديدا هي المخاوف التي تمهد لمواجهات دامية بين المسلمين والهندوس. ولا يمكن تهدئة هذه المخاوف حتى تتخذ الهند وبقوة إجراءات صارمة ضد الإرهاب، وبغض النظر عن ديانة المشتبه فيهم. فلم يعد بالإمكان نكران أن بعض الشبان المسلمين انخرطوا في حرب مع من يعتبرونهم الكفار.

كما أنه من الواضح تمامًا أن الطريقة التي تنتهجها بعض الأحزاب العلمانية تجاه الإرهاب شديدة الجبن أيضًا، وأن رأي القوميين الهندوس ـ على أساس أن ليس كل المسلمين إرهابيين، ولكن كل الإرهابيين مسلمون ـ ليس أقل خطأً، أو خطرًا.

وهناك حاجة أيضاً إلى التأكيد على خاصية المناصرة الإسلامية للهجمات الإرهابية، ففي فندق تاج، اتجه الإرهابيون للسؤال عن أرقام الغرف التي يشغلها الأجانب، خاصة الأميركيين، والبريطانيين. كما أن المبنى الآخر الذي هاجموه كان يأوي نزلاء إسرائيليين. بين ليلة وضحاها، تحولت مومباي إلى مسرح تتصارع عليه الحضارات بدون توقف أو حتى فاصل. وعلى مدار الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستحتاج الكثير من الأسئلة التي أثيرت عن الهجوم الوحشي الدموي في مومباي إلى إجابة، ومنها: من هؤلاء الإرهابيون؟ من الذين دربهم، ومن شركاؤهم المحليون؟ من أين حصلوا على أسلحتهم، ومن أين اكتسبوا مهاراتهم التنظيمية؟ لماذا أخفقت أجهزة الاستخبارات في تعقبهم؟ أما في الوقت الحالي، فمن الضروري الاطمئنان قليلاً من بعض التطورات على وجه الخصوص، فهجمات مومباي ـ حتى وقت كتابة هذه السطور ـ لم تؤد إلى تفشي العنف بين المسلمين والهندوس في المناطق الأخرى بالهند. كما أن الساسة الذين عادة ما يندفعون سريعاً لتوضيح ردة فعلهم في السابق، آثروا التعقل، وبقوا ساكتين على نحو لافت للنظر. كما أدان أعضاء كلا المجتمعين الهجمات الإرهابية بدون إطلاق العنان لألسنتهم في لعبة توجيه اللوم. أما الأمر الأكثر روعة، فهو اتفاق مانموهان سينغ، رئيس الوزراء الهندي، وال كي أدفاني، زعيم المعارضة، على تحييد خلافاتهما جانباً، وزيارة مدينة مومباي معاً، لمواساة الأسر التي فقدت ذويها في هذه المذبحة.

ومن بين الضحايا الذين زهقت أرواحهم في الحادث ارفع الضباط في شرطة مومباي. إن هذه الإيماءة البسيطة من جانب سينغ وأدفاني سيكون وقعها كبيرًا في طمأنة الهند المشدوهة، الحانقة بأن المؤسسة السياسية في بلدهم ما زالت موضع ثقة إزاء النهوض بالعاطفة الشعبية.

* الكاتب محرر مجلة «الهند والشؤون العالمية»