ساركوزي: الرسائل القوية لخادم الحرمين جعلت السعودية جسرا للتواصل بين العالم العربي والإسلامي والغرب

الرئيس الفرنسي في حديث لـ«الشرق الاوسط»: لا نقبل إيران بقدرات نووية وموقفنا هو الحزم والحوار معها

TT

في مقابلة خص بها «الشرق الاوسط» قبل زيارته الى السعودية اليوم حيث سيجري مباحثات مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تحدث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن علاقات الثقة الوطيدة التي تربطه بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي وصفه بـ«رجل المنطق والاعتدال». ويزور ساركوزي السعودية اليوم بعد حضوره صباحا مؤتمر تمويل التنمية في الدوحة.

كما تحدث الرئيس الفرنسي في الحوار باسهاب القضايا الاقليمية التي شملت الموقف الفرنسي من لبنان وسورية والملف النووي الايراني والمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، والجهود السعودية والفرنسية تجاه المصالحة في افغانستان وفي ما يلي نص الحديث.

* تقومون بزيارة إلى منطقة الخليج، وتشمل زيارتكم المملكة العربية السعودية وقطر. بأي شعور تقاربون المحطة السعودية، حيث ستجتمعون بالملك عبد الله؟ وكيف ستدفعون بالشراكة الاستراتيجية التي تربطكم بهذا البلد؟ وماذا تنتظرون من تعزيز هذه العلاقة على صعيد العلاقات الثنائية وعلى الصعيد الإقليمي أيضا، وربما أبعد من ذلك؟ ـ أقوم بزيارة المملكة العربية السعودية وأنا سعيد جدا بلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، وهو صديق عزيز وأقيم معه، كما تعرف، علاقة تتميز بثقة كبيرة. ولقد سررت جداً بلقاء خادم الحرمين قبل خمسة عشر يوما في واشنطن بمناسبة اجتماع مجموعة العشرين «ـ20G- » حيث عبّر عن موقف متزن وبنّاء فيما يخص إصلاح النظام المالي الدولي. ويسرني أكثر أن أزور المملكة العربية السعودية من جديد حيث أحتفظ بذكرى ممتازة منذ زيارتي الأخيرة في شهر يناير (كانون الثاني)، والتي أتاحت لنا إعطاء بعد جديد لشراكتنا الاستراتيجية. فالمملكة العربية السعودية تمثل بالنسبة لفرنسا حليفا لا بد منه وشريكا من أجل إحلال السلام في المنطقة. وأود الإشادة من جديد بمبادرات خادم الحرمين الجريئة لدفع عجلة السلام نحو الامام، طبعا أقصد هنا مبادرة السلام العربية الخاصة بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وكذلك الدعم الذي توفره المملكة العربية السعودية لإجراء المصالحة بين الفلسطينيين، وللاستقرار في لبنان ولإعادة إعماره، والاقتراح الذي قُدم مؤخرا بالقيام بوساطة فيما يخص أفغانستان. ولا أنسى طبعا الرسائل القوية جداً لصاحب الجلالة من أجل الحوار بين الأديان والتي تجعل من المملكة العربية السعودية هذا الجسر الضروري بين العالم العربي والإسلامي والغرب. فيما يخص الشراكة الفرنسية – السعودية، فنحن لم نكف أبدا عن تعزيزها طوال الأشهر الأخيرة. وقد حددنا مع الملك عبد الله خياراتنا، أثناء زيارتي الأخيرة، لجهة إعادة بناء العلاقة بين بلدينا وتكييفها مع تحديات العصر، ومع الأولويات الخاصة بالمملكة العربية السعودية.

لقد سبق أن قلت إن فرنسا تريد مساندة خيار الملك عبد الله الواضح والمستنير في مراهنته على الشباب وعلى المعرفة، وإعطاء الأولوية للتربية والتكوين والبحوث. وقمنا آنذاك بالتوقيع على اتفاقين لهما أهمية كبرى في هذا المجال. وفي شهر أبريل (نيسان) الماضي تم التوقيع على أكثر من 50 اتفاقاً بين الجامعات الفرنسية والسعودية ومن شأن ذلك أن يسمح بزيادة عدد المُبتعثين السعوديين للدراسة في فرنسا. في شهر يناير (كانون الثاني)، عبّرت عن أمنية فرنسا بمرافقة مسيرة التنمية الاقتصادية في المملكة، إذ أن الشركات الفرنسية بحكم خبرتها، قادرة على تلبية حاجات المملكة في مجالات عديدة. ولقد أدركت المملكة تماما هذا الواقع والنتائج «التي تحققت» مدهشة بشكل واضح. تصور أن صادراتنا قد زادت خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام بنسبة 19% مقارنة بعام 2007، ويفترض أن تصل قريبا الى ملياري يورو. ومنذ شهر يناير( كانون الثاني) تم التوقيع على عقود مهمة مع شركات فرنسية: فيوليا وسويز لإدارة شبكة مياه الرياض وجدة، وألستوم لتوسيع محطة الشعيبة، وأيضا شركة توتال لبناء مصفاة في الجبيل. وليست هذه العقود سوى أمثلة عن ثقة الاقتصاد السعودي المتجددة في الخبرة والتكنولوجيا الفرنسية. ولقد تعززت الشراكة الفرنسية ـ السعودية أيضا في مجال الأمن الداخلي من خلال التوقيع في شهر فبراير( شباط) على اتفاق يتيح تعميق التعاون فيما بيننا في مجالات مكافحة الإرهاب وكل أشكال التهريب، ومنها تهريب المخدرات، والاتجار بالبشر إلخ. وكذلك مكافحة ظاهرة الجرائم على شبكة الانترنت. وفي مجال العدل، هناك اتفاق تعاون قيد التحضير، من المنتظر التوقيع عليه قريبا. وهناك اخيراً المسألة الأساسية الخاصة بالطاقة، فلقد وقعنا خلال زيارتي الأخيرة اتفاقا مُبتَكَرا فعلاً في قطاعي النفط والغاز، يضع أسس تعاون متميز في مجال الطاقة، عبر تشكيل فريق عمل فرنسي ـ سعودي مؤلف من خبراء ومنفتح على المجتمع المدني وعلى الشركات. عرضتُ أيضا على المملكة العربية السعودية تعاونا في مجال الطاقة النووية المدنية، حيث تتوافر في فرنسا التكنولوجيا الأولى في العالم. ونعمل اليوم على مشروع اتفاق – إطاري مع السلطات السعودية، أتمنى أن نتمكن من التوقيع عليه في أسرع وقت ممكن.

وكما ترى، تمكنا خلال 10 أشهر من تحقيق نتائج إيجابية جدا وملموسة فعلا. وهذا دليل على أن الشراكة بين بلدينا تتغير أبعادها وهذا ممتاز جدا.

كلمة أخيرة فيما يخص مؤتمر الدوحة حول تمويل التنمية الذي أشارك فيه قبل الذهاب إلى المملكة العربية السعودية. يأخذ هذا اللقاء دلالة خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي نعيشها اليوم، ولهذا حرصت على الحضور باسم الاتحاد الأوروبي. في الواقع، يجب ألا ينتج عن هذه الأزمة تخفيض في مستوى المساعدات للبلدان النامية المحتاجة اليوم أكثر مما مضى. وأمامنا فرصة تاريخية لإعطاء العولمة وجها آخر أكثر إنسانية وأكثر تضامنية، وعلينا انتهاز هذه الفرصة. فالاتحاد الأوروبي هو هيئة فاعلة في التنمية لأنه اليوم يحتل المرتبة الأولى بين المانحين في المساعدات العامة للتنمية مع ما يقارب 60 % من المساعدة العالمية، وسأعبّر في الدوحة من جديد عن تصميم الأوروبيين على مواصلة جهودهم لصالح تمويل التنمية بمختلف أشكالها.

* فيما يخص منطقة الخليج، يثير الملف النووي الإيراني الكثير من التساؤلات، لا بل القلق في البلدان المجاورة. كيف ترون تطور هذا الملف خلال الفترة المقبلة مع وصول الإدارة الأميركية الجديدة؟ وهل سيكون الظرف مناسبا اكثر للبحث عن اتفاق مع إيران في حين أن السيد أوباما على استعداد للحوار مع طهران وربما للوصول إلى تسوية؟ هل أن خطر حصول انفجار اليوم أقل مما كان عليه في عهد الرئيس بوش ؟ ـ إن النهج الذي ندافع عنه مع شركائنا الأوروبيين بالنسبة للملف النووي الإيراني يقوم على أساسيين: الحزم والحوار. وعلينا أن نكون حازمين جداً مع السلطات الإيرانية، ولكن علينا في الوقت نفسه أن نحافظ على قناة للنقاش مع طهران، لأن الحوار يبقى الوسيلة الأفضل لإقناع الإيرانيين بأن مصلحتهم هي في احترام التزاماتهم الدولية. وفي هذا الإطار من التبادل تمكنت الأسرة الدولية من تقديم عروض طموحة جدا للإيرانيين، بما فيها ضمانات هامة للتعاون في المجال النووي المدني والتنمية الاقتصادية. ولازالت هذه العروض مطروحة اليوم على الطاولة. خلال السنتين الماضيتين، صدرت عن الولايات المتحدة بوادر مهمة تندرج ضمن هذا النهج، خاصة عندما وافقت على المشاركة في اللقاء بين المفاوضين الاوروبي والايراني «في جنيف». أعتقد أن تصريحات الرئيس الأميركي المنتخَب تنحو في هذا الاتجاه وتعبّر عن التماثل مع وجهة نظرنا القائلة بضرورة الحوار دون تساهل مع طهران والذي وحده سيسمح بالوصول إلى تسوية للأزمة عن طريق التفاوض.

أعرف أن هذا النهج هو النهج الذي يعطيه حلفاؤنا في المنطقة الأفضلية، وأفكر هنا بشكل خاص بالمملكة العربية السعودية وبقطر اللتين لا توفران جهدا للمساعدة على إيجاد حل سلمي. بالنسبة لنا، لا يمكن القبول بإيران تتمتع بقدرات نووية.

* يحتل لبنان بالنسبة لفرنسا وللمملكة العربية السعودية المرتبة الأولى على سلم أولويات السياسة الخارجية لكلا البلدين؛ بشكل عام، هل أنتم راضون عن تطور الوضع الداخلي اللبناني وعن تطور العلاقات اللبنانية ـ السورية؟ وهل بوسعنا أن نقول إنكم اليوم توصلتم مع الطرف السعودي إلى نهج مشترك تجاه المسألة اللبنانية وتجاه الدور الذي تلعبه الأطراف المختلفة في لبنان بما فيها سورية ؟ ـ طبعا أنا راض بشكل عام عن الطريقة التي تطور فيه الوضع في لبنان منذ عدة أشهر. ومن لا يرضى عن هذا الوضع؟ أذكّرك بأن لبنان كان قبل ستة أشهر غارقا في محنة سياسية عميقة جدا وما كنا نرى نهايتها، أزمة سياسية لدرجة ان طيف الحرب الأهلية عاد يخيم على اللبنانيين.

أين نحن اليوم؟ لقد تم انتخاب الرئيس ميشال سليمان، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعاودت المؤسسات اللبنانية عملها من جديد، وتحسن الوضع الأمني وجرى تبني قانون انتخابي جديد، ويجري التحضير للانتخابات في الربيع المقبل. كما أن التقدم واضح على صعيد العلاقات اللبنانية ـ السورية، إذ تم تشكيل أربع لجان مشتركة سوف تعمل على عدد من المسائل الحساسة، من مسألة المفقودين الى مسألة المعتقلين مرورا بمسألة الحدود. فيما يخص إقامة العلاقات الدبلوماسية التي ذُكرت للمرة الأولى في باريس في 12 تموز(يوليو) وأعلنت في 14 أغسطس (آب) الماضي، نتمنى اليوم أن تتحقق مع تعيين سفيرين قبل نهاية العام. طبعا، لسنا في نهاية الطريق وما زال هناك عدد من المراحل التي يلزم قطعها. لكن علينا الاعتراف أن الوضع اليوم أفضل بكثير مما كان عليه بالأمس، ولهذا فأنا متفائل. هل كان بالإمكان تحقيق كل ذلك بدون المجازفة بالنقاش مع سورية ؟ لا أعتقد. فهذا الحوار، وقد قلت ذلك منذ البداية، يجب أن يكون حازما ومتطلبا وأن يحقق تقدما ملموسا. وهذا ما حصل. ولأننا لم نلاحظ تطورا إيجابيا، اتخذت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي خيار وقف الاتصالات التي بدأت مع السلطات السورية. لكن وما إن قدّم الحكم في سورية الإشارات التي كنا ننتظرها منه، كان عليّ أن احترم كلمتي وأن افتح باب الحوار، لأنه الوسيلة الوحيدة لإقناع الرئيس بشار الأسد بمتابعة جهوده، وإقناع بلدان أخرى أيضا مثل إيران بأن العودة إلى الأسرة الدولية ممكنة لكن يجب أن يستحقها البلد المعني، وأن يكسبها بفضل الافعال الملموسة.

فيما يخص كل هذه المسائل، تشاورت كثيرا مع خادم الحرمين الملك عبد الله، رجل المنطق والاعتدال، ومن كبار حكماء هذه المنطقة. وأود الإشادة مجددا بالدور الحاسم الذي قامت به بلدان مثل المملكة العربية السعودية وقطر في إيجاد حل للأزمة اللبنانية.

* من بين المشاغل الهامة للبنانيين هناك الانتخابات التشريعية في ربيع 2009 والتي يتوقف عليها الى حد ما مستقبل لبنان. هل حصلتم في إطار علاقاتكم الجديدة بدمشق على موقف حيادي من الطرف السوري أو بالأحرى على عدم تدخله في العملية الانتخابية؟ وكيف يمكنكم ان تساهموا (مع الاتحاد الأوروبي وربما الأمم المتحدة) لتكون هذه الانتخابات نزيهة وشفافة وديمقراطية؟

ـ ليس هناك أدنى شك في أن الأسرة الدولية ستراقب بكثير من الاهتمام ما سيحصل خلال هذه الانتخابات، ولا أحد يقبل في أن يتم المساس باستقلال لبنان وبسيادة الشعب اللبناني بأي شكل من الاشكال. هذه الانتخابات هي مرحلة حاسمة في عملية المصالحة في لبنان وموعد هام في الديمقراطية اللبنانية الحرة والمستقلة. لذلك يجب أن تجري في منتهى الشفافية والإنصاف. ولهذا عرضنا مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي على السلطات اللبنانية استعدادنا لتلبية أي طلب خاص بالدعم الفني أو بالمراقبة.

* لعبت فرنسا كرئيسة للاتحاد الأوروبي دورا فاعلا في أزمتين كبيرتين هما: أزمة جورجيا والأزمة المالية، لكن وللأسف على الرغم من جهودكم وجهود الرباعية لا شيء يذكر (تقريبا) في شأن الملف الإسرائيلي ـ الفلسطيني. لقد سبق أن أشرتم في خطابكم الافتتاحي لأعمال مؤتمر باريس لدعم الفلسطينيين (في ديسمبر(كانون الأول) 2007) بأنكم ستعملون ما بوسعكم للتقدم نحو حل حددتم معالمه في خطابكم أمام الكنيست في الصيف الماضي. ماذا ستفعلون باسم فرنسا وباسم الاتحاد الأوروبي ومع الإدارة الأميركية الجديدة بحيث ما كان مستحيلا حتى الآن (عقد اتفاق سلام) يصبح ممكنا غدا ؟ وهل سيتم إدماج المبادرة العربية كأحد مرجعيات البحث عن السلام؟ ـ إنني على قناعة بأن علينا أن نستعمل لغة الحقيقة مع الجميع. وأعتقد أني برهنت خلال الأشهر الماضية، على أن صداقة فرنسا لإسرائيل وللفلسطينيين هي في نفس مستوى العمق والصدق، وأن حرصنا على إقامة دولة فلسطينية لا يتعارض أبدا مع التزامنا بنفس القوة بأمن إسرائيل. ولأني لا أرى الصداقة إلا في الصراحة، فمن واجبي أن أقول للإسرائيليين إن الوسيلة الأفضل لضمان أمنهم هي في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وديمقراطية وقابلة للحياة، وان الاستيطان يجب أن يتوقف لأنه يشكل خطرا على السلام الذي أصبح ممكنا بعد مؤتمر أنابوليس. وأنا أيضا صريح في ما يخص مسألة اللاجئين أو في ما يخص جعل القدس عاصمة للدولتين. هذه الرسائل حملتها حتى أمام الكنيست.

وأقول بنفس الطريقة لأصدقائنا الفلسطينيين بأنه يلزم إيقاف العنف والإرهاب لتحقيق السلام وأن هذه مسؤولية الفلسطينيين قبل غيرهم. لهذا تساند فرنسا جهود الرئيس محمود عباس للمصالحة بين الفلسطينيين.

لك الحق في القول إن الأمور لا تسير اليوم بالسرعة المطلوبة، ما نقوله للإسرائيليين وللفلسطينيين هو أن عليهم متابعة المفاوضات، وعليهم أن يتقدموا في مفاوضاتهم حتى ولو كان الامر صعبا، ولو كان السياق يعقّد الأمور. أمامنا فرصة تاريخية للسلام وعلينا أن ننتهزها، ولا يطلب الشعب الإسرائيلي ولا الشعب الفلسطيني شيئا آخر.

هناك علامات مشجعة جدا، وأفكر هنا بشكل خاص بتطور هام، حسب رأيي، لم تتم الإشارة إليه بشكل كافٍ، وهو قبول السلطات الإسرائيلية وللمرة الأولى بمبادرة السلام العربية والتي كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله قد اطلقها عام 2002، هذا القبول حصل في مرسيليا خلال المؤتمر الوزاري للاتحاد من أجل المتوسط في بداية هذا الشهر، وفي 12 نوفمبر(تشرين الثاني) أشاد الرئيس شيمعون بيريس بنفسه بمبادرة السلام العربية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. واليوم، وبطلب من الطرفين، ازداد انخراط فرنسا والاتحاد الأوروبي في عملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية، وأتمنى أن تقوم الإدارة الأميركية الجديدة أيضا بدورها الكامل في هذا الشأن، لأنني مقتنع بأن بوسع الأوروبيين والأميركيين سويا ان يقدموا مساهمة حاسمة في العملية، من خلال عرضنا مثلا توفير ضمانات دولية لاتفاق سلام حول مسائل الأمن، ومسألة اللاجئين، أو بشكل عام في مجال التنمية الاقتصادية.

* تسعى فرنسا لتنظم في باريس مؤتمرا إقليميا حول أفغانستان، في وقت نرى فيه أن المملكة العربية السعودية مستعدة لوساطة لمصالحة الاطراف الافغانية. هل يمكن ان نتصور نوعا من التعاون او التفاعل بين المبادرتين؟ بشكل عام، ما هو تقييمكم للوضع في أفغانستان؟ ماذا تنتظرون من الادارة الاميركية الجديدة في هذا الصدد؟

ـ ما يحصل في افغانستان يعنينا جميعا، لأن ما يحصل في افغانستان يتعلق بأمننا وأمن العالم. لهذا السبب قررت منذ بضعة شهور أن أعزز بشكل لم يسبق له مثيل جهدنا المدني والعسكري. قررت ذلك في إطار الاستراتيجية الجديدة للحلفاء التي اعتُمِدت بمبادرة من فرنسا في قمة بوخارست، والتي نصت على نهج شامل مدني وعسكري، مع تنسيق اكبر للمساعدة، وتحمل الافغان انفسهم شيئا فشيئا مسؤولياتهم في مجال الامن.

الرئيس المنتخب اوباما اعلن انه هو ايضا سيعطي الاولوية لأفغانستان، وذلك يسعدني لأننا بحاجة لكل الطاقات والعزم لمساعدة افغانستان على النهوض.

لكن الحل يمر ايضا عن طريق اطلاق حوار سياسي واسع النطاق يسمح لكل الافغان الراغبين في ذلك والذين ينبذون العنف، بالمساهمة في نهوض البلد. علينا ان نحيي الجهود التي تبذلها السلطات الافغانية في هذا الاتجاه. هذه مسؤولية تقع على عاتقهم.

علينا ايضا ان نركز على الاعمار. هذا ما فعلته فرنسا عندما ضاعفت مساعدتها المدنية، وعندما استضافت في باريس في يونيو(حزيران) الماضي مؤتمر المانحين الدوليين الذي لقي نجاحا كبيرا، وجمع أكثر من 20 مليار دولار. يجب على الأسرة الدولية الآن أن تحترم التزاماتها، وتعزز فعالية وحضور المساعدة الدولية. هذا أساسي لتعزيز شرعية العمل الدولي بنظر الشعب الافغاني الذي بدأ صبره ينفد ـ ويحق له ذلك ـ وينتظر تحسن ظروف حياته اليومية.

كذلك لا بد من تحسين التعاون بين افغانستان وباكستان لمكافحة آفة الارهاب التي تضرب البلدين الآن. يجب التركيز على وجه الخصوص على مكافحة تسلل المتمردين الإسلاميين الآتين من المناطق القبلية من باكستان الى افغانستان. بالنسبة لهذا الموضوع كما بالنسبة لموضوع المصالحة الوطنية، يمكن للمملكة العربية السعودية ان تلعب دورا اساسيا، نظرا لدورها في المنطقة ولتأثيرها الكبير جداً على البلدين.

من جهتنا، كما ذكرتم، اقترح برنار كوشنير (وزير الخارجية الفرنسي) تنظيم اجتماع غير رسمي يجمع افغانستان والدول المجاورة بغية تعزيز التعاون الاقليمي، وهو عنصر حاسم لاستقرار افغانستان والمنطقة بأسرها.

بالطبع كل هذه المبادرات تكمل وتعزز بعضها البعض. لهذا السبب نحن مع أصدقائنا السعوديين يدعم كل منا جهود الآخر بدون أي تحفظ.