الموسيقى والباليه.. تتحدى ضجيج بغداد

أول مدرسة تستأنف الحياة بعد أحداث 2003.. ومديرتها تحلم بافتتاح مدارس مماثلة

طالبان يعزفان على آلة التشيلو في مدرسة الموسيقى والباليه ببغداد («الشرق الأوسط»)
TT

ما ان تكون داخل تلك البناية التي شيدت عام 1968 حتى تغمرك نشوة لدى انسياب انغام موسيقية ترطب أسماعك بعد رحلة قد تطول مع ضجيج السيارات وصافرات المركبات الخاصة بالمسؤولين التي تدوي كل لحظة في شوارع بغداد، اما ناظراك فحتما سيحلقان معك ومع الموسيقى وأنت تشاهد عشرات الأطفال وهم يؤدون رقصة في فن الباليه ضمن أوبريت ربما سيقدمونه لجمع من المتفرجين القادمين من رحلة ضجيج الشوارع او انهم فقط يؤدونه ضمن دراستهم المنهجية اليومية.

هذا الشعور ينتاب أي زائر لمدرسة الموسيقى والباليه الكائنة في جانب الكرخ في العاصمة العراقية بغداد والتي كانت وما زالت المدرسة الوحيدة الي تستقطب الاطفال من المرحلة الابتدائية وصولا بهم الى المرحلة الاعدادية ضمن قسمي الدروس التربوية الاعتيادية والقسم الفني للدروس المتخصصة في الموسيقى والباليه.

وتتمنى مديرة هذه المدرسة ناجحة نايف حمادي والتي تعمل مديرة منذ عشرين عاما أن يصار الى فتح مدارس اخرى للموسيقى والباليه في عموم المحافظات العراقية او على اقل تقدير تخصيص دروس في الموسيقى وفن الباليه في المدارس العراقية الاعتيادية لما لهذه الدروس من وقع وتأثير على النفس البشرية، إذ تساهم في صقل روح الانسان وتترفع به الى مستويات أعلى بحيث لا يفكر بشكل سيئ للآخرين.

وتؤكد نايف في حديثها لـ«الشرق الاوسط» أن مدرستها التي شيدت في ستينيات القرن العشرين كانت وما زالت تستوعب المواهب من الاطفال ممن يملكون أذنا موسيقة، أو لهم تطلعات خاصة في عالم الموسيقى وفن الباليه، مشيرة الى ان الكثير من طلبتها أصبحوا فيما بعد اما مدرسين في نفس المدرسة بعد حصولهم على شهادة الدبلوم منها او اصبحوا عازفين مهمين في الفرقة السمفونية العراقية. وأشارت نايف الى ان بعض أساتذة المدرسة هم من خيرة موسيقيي العراق، بعض منهم تخرج على يديه أشهر الموسيقيين العراقيين.

وقالت نايف ان «مدرستنا اول مدرسة استأنفت الحياة بعد سقوط النظام (العراقي السابق) بينما كانت كل المدارس الباقية في العراق معطلة، إذ بدأ الدوام في المدرسة في 23 ابريل (نيسان) 2003، وقد انتظم الطلبة في دوامهم اليومي، وكنا نؤكد عليهم نسيان ما حصل خارج بناية المدرسة والبدء بالتدريب والدراسة لأنها مستقبلكم، وفعلا تم الامر كما اردنا وكان الطلبة يرقصون الباليه ويعزفون الموسيقى بينما الفوضى في الخارج لا يعرف لها طريق نهاية».

عدد الطلبة في هذه المدرسة الحكومية قد لا يتجاوز بضع عشرات بعد المائة، لكن في جولة بسيطة في ساحة المدرسة وفي قاعات التدريب الموسيقى وقاعات الرقص تشعر ان كل طالب يحمل ملايين الاحلام وهو يحلق بموسيقاه او بلوحة باليه تدرب عليها.

الاطفال في هذه المدرسة متميزون شكلا ومضمونا، وأي طفل يحمل آلته في ساحة المدرسة او لدى اقترابه من قاعة الدرس، كأنه يحتضن لعبة عزت عليه وحصل عليها أخيرا، وتقول الطالبة داليا عصام وأصابعها الصغيرة تقترب من البيانو الذي جلست اليه مع مدرسها انها تهوى الموسيقى وان لديها بيانو وأورغا وكمانا في البيت وتعزف عليها جميعا.

وداليا، وهي طالبة في المرحلة الاولى والبنت الوحيدة لأهلها، تؤكد وهي تنظر الينا بخجل جميل انها ستصبح موسيقية في المستقبل، لكنها قطعت كلامها والتفتت الى البيانو وكأنها تسأله عن أحلامها، وبدأت تعزف لنا مقطوعة تصورنا أنها جزء من مقطوعة كنا قد سمعناها على جهاز الراديو ونحن في طريقنا الى المدرسة المتميزة في كل جوانبها.

اما ايزان سلام، طالبة في المرحلة الخامسة الابتدائية، فقد كانت تحلق في عالم آخر من الموسيقى، فهي تطير مع النغم الذي تسمعه وترقص لتأدية حركات خاصة في أوبريت ستقدمه المدرسة عن النزاهة بعنوان «الاحفاد»، وتقول ايزان انها ابنة لأم رسامة وأب رسام ايضا وأخذت تحلم بالرسم هي الأخرى. وكانت ايزان تحلم بأن تحلق مع النوارس وقد اختارت مدرسة الموسيقى والباليه بمحض إرادتها وانتمت لها واستمرت في اداء رقصات الباليه في المهرجانات التي تشارك فيها المدرسة ومنها المهرجان عن النزاهة الذي سيقام بعد شهر من الآن.

المدرسة وعلى الرغم من كل تميزها إلا ان أجور أساتذتها متدنية قياسا بما يقومون به من تنمية المواهب، كما تحتاج الى كادر تخصصي اضافي لأن العمل متواصل وكثير ومتشعب.

وأكدت مديرة المدرسة أن الكادر التخصصي من الروس والبلغار والعرب غادروا العراق بعد الدخول في حرب الخليج الاولى عام 1991، وقد تمت الاستعانة بكادر عراقي ومازالت المدرسة بحاجة الى كادر آخر.