منظر الجهاديين: نجحت العملية «تفجيرات 11/9» ومات المريض «إمارة أفغانستان الإسلامية» وهرب الطبيب «ابن لادن والظواهري» (الحلقة الأخيرة)

د. فضل في ختام حلقات كتابه الذي حصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره يحكي عن «قمصان» الفتنة

تفجيرات سبتمبر 2001 أبرز نتاج فكر تنظيم القاعدة الذي تسبب بعد ذلك بالويلات على أفغانستان وأهلها (أ.ف.ب)
TT

ننشر اليوم الحلقة الأخيرة من كتاب «مذكرة التعرية لكتاب التبرئة» للدكتور فضل أو السيد إمام عبد العزيز الشريف، أول أمير لتنظيم الجهاد المصري، وأستاذ أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة». وفي هذه الحلقة يختتم فضل حواره المفتوح مع الظواهري، والذي قام فيه بتناول أفكار «القاعدة»، وتصرفات رجليها الأول والثاني. ويضيف في كتابه: أما في هذه الخاتمة فأقول: إذا كان من المسلمين من يُفتتن بابن لادن والظواهري وبأمثالهما وتخفى عليهم جهالاتهما، فكيف سيثبت هؤلاء لفتنة المسيح الدجال التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح بقوله: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم من الدجال)، خاصة وأن الدجال سيبدأ أمره بالدعوة إلى الخير والصلاح، كما قال ابن حجر رحمه الله (وأما الذي يدّعيه فإنه يخرج أولاً فيدّعي الإيمان والصلاح، ثم يدّعي النبوة، ثم يدّعي الألوهية، كما أخرج الطبراني من طريق سليمان بن شهاب قال: نزل عَلَيّّ عبد الله ابن المعتمر وكان صحابيًا فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «الدجال ليس به خفاء، يجيء من قِبَل المشرق فيدعو إلى الدين فيُتّبع ويظهر، فلا يزال حتى يقدم الكوفة فيُظهر الدين ويعمل به فيُتبع ويحث على ذلك، ثم يدّعي أنه نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه، فيمكث بعد ذلك فيقول: أنا الله، فتُغشى عينه وتقُطع أذنه ويُكتب بين عينيه كافر فلا يخفي على كل مسلم، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) قال ابن حجر (وسنده ضعيف) من (فتح الباري).

وهذا مثل ما صنع المختار بن أبي عبيد الثقفي، بدأ بالصلاح وذهب إلى العراق ونادى بالثأر من قتلة الحسين بن علي وقتل معظمهم، ثم ادعى النبوة، وهو الكذاب المذكور في حديث النبي: (إن في ثقيف كذابًا ومبيرًا) رواه مسلم، والمبير هو الحجاج بن يوسف الثقفي. وكان خبر المختار عام 66 و67 هـ.

وكذلك افتتن الناس منذ نحو تسعين سنة بمصطفى كمال أتاتورك الذي طرد جنود الحلفاء من تركيا في الحرب العالمية الأولى حتى لقبه الناس بالغازي، وحتى وصفه الشاعر أحمد شوقي بأنه خالد بن الوليد التركي، وفيه أنشد: «الله أكبر، كم في الفتح من عجبٍ.. يا خالد الترك جدّد خالد العرب».

ثم لم يلبث مصطفى كمال أن ألغى الخلافة العثمانية من تركيا وحارب الإسلام، فقال شوقي فيه: «أفتى خُزَعْبِلة وقال ضلالة.. وأتى بكُفرٍ في البلاد براح».

فيا معشر المسلمين لا تغتروا بكل من يتكلم في الدين والجهاد حتى تعرضوا أمره وحاله على الشريعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) متفق عليه، وفي رواية زاد (وبأقوام لا خلاق لهم). وهذا الرجل الفاجر الذي أيدّ الله به الدين كان يجاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وأحدث نكاية عظيمة في الكفار ولم يؤذِ أحدًا من المسلمين، ولم يضر إلا نفسه إذ انتحر لما لم يصبر على ألم جراحاته، فكيف بالذين يجلبون الكوارث على المسلمين ويدمرون الدول والجماعات، ويحرفون الدين ويبدلونه بالبدع والضلالات المضادة لكتاب الله، ويتسببون في قتل المسلمين وسجنهم بعشرات الآلاف؟ ما يكون وصف هؤلاء؟

وما فائدة أن تهدم عمارتين في أميركا فتقوم هي بهدم دولة طالبان، الدولة الوحيدة في العالم التي كانت ترحب بالمسلمين المطاردين، ثم هرب ابن لادن وترك الأفغان يدفعون ثمن حماقته قتلاً وتشريدًا وخرابًا واسعًا، ثم يتباكى ابن لادن على أطفال فلسطين ويتناسى أطفال أفغانستان الذين تسيل دماؤهم كل يوم بسببه، ومن ورائه الظواهري جاهز للتبرير.

كل ما كان يعني ابن لادن هو تحقيق هدفه الشخصي بضرب أميركا، ولو كان ذلك على حساب الدولة التي آوته (أفغانستان)، ولو على حساب تدمير تنظيمه (القاعدة) بين قتيل وأسير وطريد، ثم سخّر ما تبقى من تنظيمه لحمايته الشخصية بدءًا من معركة تورا بورا في أواخر 2001 فما بعدها، فأصبح التنظيم مسخّرًا للدفاع عن فرد، في حين تشتت بقية أتباعه بلا حماية، فسقط كثير منهم قتلى وأسرى للأميركان. وهكذا استخدم ابن لادن تنظيمه في تحقيق هدفه ثم في حمايته الشخصية ثم في تبرير مذهبه في القتل بالجملة، ودائمًا هناك آخرون يدفعون ثمن كل ذلك. حتى أخلص أعوانه الذي بنى له تنظيم القاعدة وهو أبو حفص المصري تركه ابن لادن وتخلى عنه ولم يوفر له ولو جزءًا من الحماية التي وفرها لنفسه، فسقط أبو حفص وكثير من إخوانه قتلى القصف الأميركي مع بداية الاحتلال الأميركي لأفغانستان في 10/2001. جرت العادة أن قبطان السفينة هو آخر من يغادرها إذا تعرضت للغرق بعد أن يغادرها كل الركاب في قوارب النجاة أيا ما كانت جنسياتهم أو دياناتهم، فإن بقي منهم أحد غرق معه القبطان، إلا أن ابن لادن والظواهري كانا من أول من غادر السفينة وتركوها تغرق بأهلها (تنظيم القاعدة) بل سخر ابن لادن ركاب السفينة من أجل نجاته وسلامته الشخصية، هؤلاء هم شيوخ الجهاد الذين يحرضون الأمة، ولهم الهرب والإعلام وجمع التبرعات. لم يستح ابن لادن والظواهري أن يتركا أصحابهما للقتل وهربا بأنفسهما، وقد كان الرجل من أهل الجاهلية يستحي من ذلك، فهذا أبو البختري بن هشام كان كافرًا وخرج مع كفار مكة لقتال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، ومع ذلك نهى النبي عن قتله لسابق إحسانه إليه قبل الهجرة، وكان مع أبي البختري زميل له، فاعترضهما الصحابي المجذر بن زياد البلوي الذي أخبر أبا البختري بالنهي عن قتله دون زميله، فأبى أبو البختري أن يتخلى عن زميله حرصًا على الحياة، وأنشد يقول: «لن يترك أبنُ حرّةٍ زميله.. حتى يموت أو يرى سبيله»، وقاتل حتى قتل، ذكره ابن كثير في (البداية والنهاية).

أما ابن لادن فترك إخوانه يقتلون ويؤسرون وهرب. وأما الظواهري فتخلى عن إخوانه بل تخلى عن زوجته وعياله وهرب وتركهم للأميركان يقتلونهم، وما زال لا يستحي هذا الفاجر الكذاب ويتحدث عن الإعداد للجهاد وعن الجهاد في فلسطين وغيرها، فما فائدة الإعداد والجهاد إذا كانت نهايته الفرار عن أهل بيته حرصًا على سلامته الشخصية؟

ومن أقبح ما فعلوه اتخاذهم الجهاد ذريعة لتحريف الدين الذي انتهى بهم إلى تأسيس مذهب إجرامي لتبرير القتل بالجملة، كما ذكرته في الفصل الثاني، فإذا انتقدهم أحد قالوا يخدم الحملة الصليبية الصهيونية على المسلمين، وقالوا لا يتكلم في هذه الأمور إلا شيوخ الجهاد ووضع لهم ابن لادن بدعة (لا يتكلم في الجهاد إلا من خاض معامعه) وهو لا يدري أنه ببدعته هذه يشطب على علم أئمة المذاهب الأربعة بل ومعظم أئمة الحديث كالبخاري ومسلم، بل ويشطب على علم أبي هريرة رضي الله عنه الذي روى نحو سبعة آلاف حديث في حين أن من خاض معامع الجهاد كخالد بن الوليد لم يروِ إلا ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم ما جهاد ابن لادن؟ والله يا معشر المسلمين لقد انسحب من كل المعارك التي خاضها وأصحابه وحدهم بدون دعم من الأفغان أمام الشيوعيين بعد سقوط عشرات القتلى من الإخوة العرب، وكاد ابن لادن نفسه أن يقع أسيرًا في إحدى المعارك. ولا تصدقوا من يقول إن العرب كان لهم أي دور عسكري مؤثر في الجهاد الأفغاني ضد الروس، هذه أكذوبة.

وما علم ابن لادن؟ في عام 1994 بالسودان كان هناك موضوع محل اهتمام ابن لادن، فأرشدته إلى قراءة كتاب معين فيه، فقال لي (إنه لا يطيق أن يكمل قراءة كتاب). أما خطبه فأتباعه يكتبونها له.

هل الذي يخوض معركة لهدم عمارتين بأهلها (كما فعل ابن لادن في 11/9) فيهدم له عدوه دولة مع الكثير من أهلها، هل هذا لديه أهلية شرعية أو عسكرية للجهاد؟ وهل الذي يدفع المئات من إخوانه إلى القبور والسجون (كما فعل الظواهري بجماعته عام 1993) من أجل الفكرة والشعلة (على قوله في ص 193 من كتابه) أو من أجل الرياء والمظاهر والاستعراض (كما هي الحقيقة)، هل هذا لديه أهلية شرعية أو عسكرية للجهاد؟

يا معشر المسلمين هؤلاء مغامرون بل مقامرون، ولِمَ لا، طالما أن هناك من يدفع ثمن مغامراتهم، أما هم فيهربون ويكسبون الشعبية والأموال (محبة الجماهير والإعداد المالي، صفحة 199 و79 من كتاب التبرئة).

هؤلاء هم شيوخ الجهاد الذين يحرفون الدين في هذا الزمان، وقد قال الإمام الأوزاعي رحمه الله (ت 157هـ) (إذا ظهرت البدع فلم ينكرها أهل العلم صارت سُنّة) رواه الخطيب البغدادي في (شرف أصحاب الحديث) ص17.

الله سبحانه يقول: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم..» (الشورى:30)، أما ابن لادن فله رأي آخر وهو (وما أصابكم من مصيبة فبسبب أميركا) وقام الظواهري بعمل التبرير اللازم لذلك حتى انتهى به فقه التبرير إلى تأسيس مذهب إجرامي للقتل بالجملة، عقوبة من الله لمن عاند كتابه، كما قال تعالى: «... فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين» (الصف:5)، هذا بخلاف الخيانة والكذب والعمالة والغدر «... ظلمات بعضها فوق بعض..» (النور:40).

فماذا كانت محصلة خبرة شيوخ الجهاد؟ وماذا كانت عاقبة فقه التبرير؟ كانت كما يقال: نجحت العملية (تفجيرات 11/9) ومات المريض (إمارة أفغانستان الإسلامية) وهرب الطبيب (ابن لادن والظواهري). وتم هذا رغم النصح المتكرر لابن لادن من إخوانه ـ خاصة الكبار أصحاب الخبرة ـ بالمحافظة على طالبان وأفغانستان كدولة إسلامية ـ أو كمشروع لها على الأقل ـ وكمأوى للمسلمين. إلا أن ابن لادن لم يُبال بشيء في سبيل تحقيق مشروعه الخاص، وهرب وترك غيره يدفع الثمن حتى أنه تخلى عن أخلص أتباعه.

جمال عبد الناصر اعتذر وأعلن تحمله مسؤولية هزيمة 1967 وقدم استقالته من الرئاسة في 8/6/1967 بعد ثلاثة أيام فقط من بدء الحرب.

والشيخ حسن نصر الله أبدى أسفه واعتذر للشعب اللبناني بعد شهر واحد فقط من حرب 7/2006 مع إسرائيل، ووعد بدفع تعويضات للمتضررين، اعتذر نصر الله بالرغم من أن لبنان لم يحتل وإنما حدث به دمار جزئي وقتلى وكان يمكن تفادي الكثير من تلك الخسائر لو أن نصر الله استعمل سلاحًا جيدًا مضادًا للطائرات الإسرائيلية (السبب الرئيسي لإيقاع الخسائر).

أما هؤلاء الجبابرة (ابن لادن والظواهري وأتباعهما) فبعد مرور أكثر من ست سنوات على أحداث 11/9/2001 التي تسببت في احتلال ودمار كاملين لأفغانستان مع سقوط عشرات الآلاف من القتلى ومئات آلاف المشردين، فلم يعتذروا لأحد، وكأن شيئًا لم يكن، وكأن الأفغان شعب من الحشرات، بل ما زالوا يكابرون ويفلسفون ما حدث بفقه التبرير الإجرامي.

وكل أتباع ابن لادن لهم حكمه في الغدر والإثم والخيانة، وهم محشورون تحت رايته يوم القيامة لا محالة إن ماتوا على ذلك، كما قال تعالى: «يوم ندعوا كل أناس بإمامهم..» (الإسراء:71). وكل من رضي بأفعالهم فهو منهم ومعهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها) حديث حسن رواه أبو داود، وقال النبي: (من كَثّر سواد قومٍ فهو منهم، ومن رضي عمل قومٍ كان شريك من عمل به) أخرجه أبو يعلي عن ابن مسعود.

والله الذي لا إله غيره يا معشر المسلمين: ما كنت أنوي أن أكتب حرفًا واحدًا لا عن ابن لادن ولا الظواهري ولا أي شخص، ولا خطروا ببالي عندما كتبت (الوثيقة) في 12/2006 ثم نقحتها في 3/2007، ولقد كان معي شهود يشهدون على ذلك. ثم عرضت (الوثيقة) على الإخوة في السجون في شهر 4/2007، وبعدها كثرت الأقاويل في الصحف عن مضمون (الوثيقة)، وأصدرت بيانًا لقطع الطريق على الأقاويل في 6/5/2007، ذكرت فيه أن الوثيقة هي دعوة للجماعات الإسلامية لترشيد عملياتها الجهادية وحذرت فيه من الانسياق وراء الشائعات وأن (الوثيقة) تشتمل على مسائل فقهية بأدلتها وليست لنقد جماعة معينة.

إلا أن الظواهري وقبل نشر (الوثيقة) وقبل إطلاعه عليها بدأ بالسّفاهة والمشاغبة، فأصدر بيانًا في 6/2007 بعنوان (أربعون عامًا على سقوط القدس) ومما قاله فيه (ويخرج علينا اليوم من علماء السلطان وفقهاء المارينز وسماسرة المراجعات من يطالبنا بالتصالح مع هؤلاء المجرمين)، وقال (نحن أغنى الناس اليوم عمن ينشر بيننا منهج التراجع وثقافة التنازل)، وبلغ الكذب بالظواهري حتى قال (إن زنازين السجن بها أجهزة فاكس). فما الذي حمل الظواهري على الهجوم المبكر قبل نشر الوثيقة؟: هو يعرف رأيي في أخطائهم وهو نقدي للحركات الإسلامية وما نهيت عنه من العمليات بدار الحرب لمن دخلها بتأشيرة وغير ذلك مما حذفه من كتابي (الجامع) عام 1994، وخشى أن يخرج إلى الناس في (الوثيقة) ما حذفه من قبل، وهو قد أقر في كتابه (التبرئة) أن ما في (الوثيقة) هو كلامي القديم وذكرت شيئًا من ذلك في هذه المذكرة، ثم تتابعت سفاهات الظواهري وأصحابه في أوروبا وغيرها فأضفت إلى (الوثيقة) مسائل لم تكن بها يوم عرضتها على الإخوة في 4/2007، من أجل الرد على سفاهاتهم وكشف حقيقة أمرهم للناس بدون تعيين. وما زالوا بعد أكثر من ست سنوات على ارتكابهم جريمة 11/9/2001 لا يريد ابن لادن والظواهري وأتباعهما أن ينتقدهم أحد بكلمة وكأنهم معصومون من الخطايا ومبرأون من الذنوب، فكانوا كالذين قال الله تعالى فيه: «وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد» (البقرة: 206)، وكأنهم ما أجرموا في حق أحد، فكتب الظواهري كتابه (التبرئة) يبرر فيه إجرامهم، وقد رددت على أكاذيبه وأباطيله في (الوثيقة) كما في هذه المذكرة وأنا مازلت أقول إن أي شيء في كتاباتي يثبت أنه مخالف للدليل الشرعي الصحيح السالم من المعارض فأنا راجع عنه وأقول بما يؤيده الدليل.

أما أن أقول قال الله تعالى: «.. ولا تزر وازرة وزر أخرى..» (الأنعام: 164)، فيقول الجاهل: بل مئات الملايين كشخصية اعتبارية هم كرجل واحد. أو أقول قال الشافعي والشيباني وابن قدامة فيقول الجاهل: بل قال ناصر الفهد. أو أقول: المعاملة بالمثل جائزة إلا فيما لا يجوز شرعًا، فيقول الجاهل: بل هي مطلقة ويجوز قتل عشرة ملايين إنسان بلا تمييز بضربة واحدة. فهذا يا معشر المسلمين بل يا معشر العقلاء ليس استدلالاً شرعيًا بل مكابرة ومعاندة لشريعة الله وتأسيسًا لمذهب إجرامي يبرر القتل بالجملة انتصارًا لفكرة فاسدة من أصلها استحسنها رجل وصدّقها بعض المغفلين وهي فكرة (وما أصابكم من مصيبة فبسبب أميركا).

وإذا أراد الله أن يضاعف العقوبة على إنسان جعله من المجاهرين بمعصيته وجعل له أتباعًا فيها. فتبعده المجاهرة عن عفو الله، للحديث (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) متفق عليه. وتزيده المتابعة ذنوبًا للحديث (ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) الحديث رواه مسلم. وهذا هو حال ابن لادن والظواهري وأتباعهما: مجاهرة بالمعاصي بل تفاخر بها وتحريض على مثلها.

أول فتنة كبرى سقط فيها آلاف القتلى في الإسلام. رُفع فيها (قميص عثمان بن عفان) ليبرر به معاوية خروجه على علِي بن أبي طالب.

ثم تتابعت القمصان: فمنها ما أتُخذ ستارًا لطلب المُلك والمنازعة فيه، ومنها ما أتُخذ ستارًا لتحريف الدين. ومن هذه الأخيرة: قميص الغيرة على حرمات الدين كستار لبدعة الخوارج، ثم قميص محبة آل البيت كستار لبدعة الشيعة، ثم قميص العدل كستار لبدعة المعتزلة. فإذا تكلم أحد في الخوارج اتهموه بعدم الغيرة على الدين. أو في الشيعة اتهموه بعدم محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أو في المعتزلة اتهموه بالطعن في عدل الله تعالى.

وفي العصر الحديث رُفعت قمصان التجديد والاجتهاد والمصلحة لتحريف الدين من ورائها، فأدى ذلك إلى تحريفات يدركها أهل العلم.

وكان آخر القمصان لتبرير تحريف الدين ما رفعه ابن لادن والظواهري، وهما قميصا (الجهاد) و(محاربة أميركا). وبسبب ذلك خالفا الكثير من قواعد الدين كما ذكرته في الفصل الثاني، فإذا أنكر عليهما أحد، رفعا القمصان في وجهه وقالا: إنه يطعن في المجاهدين، إنه يخدم مصالح أميركا. وقد قمت في هذه المذكرة بكشف أباطيلهما كما سبق ذلك في (الوثيقة) استجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عُدُولُه، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) رواه الخطيب البغدادي وصححه أحمد. وقد كان كلامي على وجه الاختصار حتى لا يملّ القارئ، ولكن الأمور ليست بهذه البساطة، وفي يوم من الأيام سيعلم أتباع ابن لادن والمفتونون به ـ ومنهم الظواهري ـ أنهم قد كانوا هم من أكبر المغفلين في هذه الدنيا.

«ستعلم حين ينجلي الغُبار.. أفَرَسٌ تحت رجلك أم حمار» (فائدة مهمة: أمر العامة موكول إلى العلماء) هذا تذكير بما ذكرته في البند الثاني من (وثيقة ترشيد العمل الجهادي).

اعلم أن الله سبحانه سوف يحاسب جميع خلقه يوم القيامة مؤمنهم وكافرهم على جميع أعمالهم، قال تعالى: «فوربك لنسألنهم أجمعين (92) عما كانوا يعملون (93) (الحجر:92 ـ 93)، ولله سبحانه في كل عمل من أعمال الإنسان أمر أو نهي (أفعل أو لا تفعل) ويُعرف هذا من شريعة نبي الوقت، وبموت نبينا صلى الله عليه وسلم انتقلت المهمة إلى العلماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي، فيجب ألا يُقدم المسلم على عمل إلا بعلم، فإن كان لا يدري وجب عليه سؤال أهل العلم كما قال تعالى: «.. فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» (النحل:43)، فإن أهمل في ذلك وسأل جاهلاً بالدين أو اتبعه فقد سلك سبيل الضلالة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) متفق عليه.

وقد ذكر الإمام أبو المعالي الجويني في كتابه (غياث الأمم) أنه في الأماكن والأزمنة التي تنعدم فيها الخلافة والإمامة أن العلماء هم رؤساء المسلمين حينئذٍ ويجب أن يصدروا عن قولهم وعلمهم. وقد وردت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: «وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا» (النساء: 83)، فبيّن الله أن ولاة أمور المسلمين يجب أن يكونوا من أهل الاستنباط (وهم العلماء) وعكسه صحيح. وقد رأيت في هذا الزمان ومن قبله أن بعض الجهال بالدين كابن لادن والظواهري قد فرضوا أنفسهم موجهين ومعلمين للمسلمين، وهم ليسو أهلاً لذلك، ويكفيك فيهم ما ذكرته في هذه المذكرة خاصة في الفصل الثاني منها، فأردت أن أحذرك منهم هنا، وقد كان التنبيه على هذه الفائدة المهمة هو الباعث الأساسي لي على كتابة كتابي (الجامع في طلب العلم الشريف) عام 1993 كما ذكرت في المقدمة، فاحرص على ذلك تنجو من دعاة الجهل والضلال.