عناصر من الحزب السوري يعتدون على إعلامي في «المستقبل» واعتصام تنديدا بالاعتداء

قالوا «لقطنا يهوديا» وانهالوا عليه بالضرب

شابات لبنانيات يرفعن لافتات دعم لحرية الإعلام بعد الاعتداء على احد الصحافيين في وسائل إعلام المستقبل (أ ف ب)
TT

في الطابق العاشر من مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت يرقد الصحافي عمر حرقوص، الذي يعمل في تلفزيون وصحيفة «المستقبل». قربه والدته التي حضرت من الخيام في الجنوب بعد إعلامها بالخبر. لا لزوم لسؤاله عما حصل. يكفي النظر الى انتفاخ شفتيه ووجنتيه والازرقاق الغالب على وجهه، اضافة الى الطوق الملتف حول عنقه والاهات المكبوتة لدى محاولته التحرك. يكفي النظر الى وجه الوالدة التي لم تستوعب ان يعتدي على ابنها غير الاسرائيليين. كل هذه الآثار تحكي ما تعرض له وهو يؤدي عمله عصر اول من أمس في شارع الحمراء، عندما أقدم أكثر من 15 عنصراً من الحزب «السوري القومي الاجتماعي» على الاعتداء عليه ضربا، مستخدمين آلات حادة، ما أدى إلى إصابته بجروح وكدمات بالغة. في أول تصريح له بعد الاعتداء قال حرقوص: «ذهبت مع فريق الاخبار كي ننقل تحركا للحزب السوري القومي الاجتماعي، هجم علينا افراد من القومي السوري، وقالوا لي: أنت عمر حرقوص، ونحن نرصدك، فأجبتهم: أنا صحافي جئت للعمل». ردوا: «أنت يساري ديمقراطي في تلفزيون المستقبل. وبدأوا بالشتائم ثم ضربوني وقالوا لي: إرحل! وبعدما أدرت ظهري بدأت الضربات تنهال عليّ مرددين أمام المارة أنت يهودي، إلى أن جاء الزميل جهاد بزي من جريدة السفير وانتشلني منهم وبدأ بالصراخ، وأخذني الى المستشفى».

عمر الذي كان ضمن صفوف جبهة المقاومة الوطنية ضد إسرائيل في الجنوب لسنوات، اعتقل بين عامي 1982 و1983 في معتقل أنصار. وبعد عام 2000 كان ناشطا في صفوف المعارضة، وله دور بارز في حركة «14 آذار». وهو من مؤسسي حركة «اليسار الديمقراطي» والناشطين في مؤسسة سمير قصير.

قبل يوم من حادث الاعتداء عليه، لاحظ تجمعا غير طبيعي لشباب عند ناصية احد مفارق شارع الحمراء، وهو المعروف بأنه «امضى عمره على ارصفة الحمرا». سأل صديقه عن الشباب، فأجاب الصديق انهم من الحزب السوري القومي، ونصحه بالابتعاد عنهم «لأن الحمرا لم تعد لنا بعد احتلال بيروت في 7 مايو (أيار) الماضي». ربما لم يصدق حرقوص في حينه ان الامور وصلت الى هذا الحد. لكن ما حصل كفيل بتغيير نظرته. أكثر ما أذهله ان الحادث وقع عصرا. كان المرور في الشارع عاديا. ولمنع الناس من أي تدخل لحمايته، صرخ المعتدون «لقطنا يهوديا». المارة ارتبكوا، فتهمة التخوين تثير الرعب. وعندما وصل الجيش لفك الاشتباك لم يجد الا اعتداء من قبل مجموعة على شخص واحد مغمى عليه بين الاقدام. المعتدون ارتدوا على الجيش الذي اضطر للدفاع عن نفسه وامسك ثلاثة منهم، في حين تمكن صديق حرقوص جهاد بزي من سحبه ليصار الى نقله الى المستشفى.

هاتف حرقوص الجوال وقع رهينة في أيدي المعتدين فأجروا عملية مسح لكل المعلومات التي يتضمنها ثم اتلفوا ما فيه. يقول: «عملي إعلاميا يتطلب علاقات مع الجميع. والآن على ان اعود لأجمعها من نقطة الصفر».

مصدر قضائي بارز أكد أن الاجهزة الأمنية اوقفت ثلاثة أشخاص ينتمون الى الحزب السوري القومي الاجتماعي ممن شاركوا في الاعتداء على حرقوص. وأفاد المصدر بان «فصيلة ميناء الحصن تسلمت الموقوفين الثلاثة وباشرت باستجوابهم بإشراف النائب العام الاستئنافي في بيروت جوزيف معماري. فيما البحث جار عن آخرين شاركوا في الاعتداء لتوقيفهم. كما تستمع القوى الامنية الى عدد من الشهود ممن كانوا في مكان الحاث وشاهدوا ما حصل».

وزير الاعلام اللبناني الدكتور طارق متري شارك في الاعتصام الذي لبى الدعوة اليه عدد كبير من الاعلاميين والنقابيين في مبنى «إخبارية المستقبل» احتجاجا على الاعتداء، ثم زار حرقوص في المستشفى، وقال: «ما حدث بالامس ليس مقبولا بكل المعايير الاخلاقية والوطنية والسياسية. إن ملاحقة الفاعلين وإنزال العقوبات في حقهم لا يحتمل التأجيل ولا التردد، ويخالف كل وسائل التعامل والتخاطب في المجتمع المتحضر، وليس مقبولا ان يكون الاعلاميون والصحافيون الضحايا دائما لهذا النوع من العنف أيا كانت الحجج». قناة «أخبار المستقبل» نقلت خبر الاعتداء الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ووزير الاعلام طارق متري ووزير الداخلية زياد بارود، تطالب باتخاذ أقصى العقوبات بحق المعتدين، وهذا هو الحد الأدنى المتوقع، محتفظةً بحقوقها الاخرى وفي ما تراه مناسباً لوقف الاعتداءات على موظفيها ومنشآتها وبالوسائل المناسبة.