أميركيون يحيون عيد الشكر في لندن واحتفالات يخيم عليها القلق من فقدان الوظائف

220 ألف أميركي يعيشون في بريطانيا

TT

كما جرت العادة منذ خمسين عاماً، احتشد الاميركيون في بريطانيا في كاتدرائية سان بول في وسط لندن لتأدية الطقوس السنوية لعيد الشكر. وخلال الطقوس، حمل أربعة من جنود المارينز بكتيبة السفارة الأميركية في لندن، ثلاثة منهم من قدامى محاربي العراق، علم الولايات المتحدة وأعلام فيالق المارينز، مارّين عبر الأرضية الرخامية تحت قبة الكاتدرائية المرتفعة لوضع الأعلام أمام المذبح. ومع حمل الأعلام بنهاية أداء الطقوس، رفعت الجموع المحتشدة بالكنيسة والتي فاق عددها الـ 3500 شخص ومعظمهم من العائلات، أصواتها تصاعديا تنشد البيت الأخير من الشعر «أميركا الجمال، أميركا، أميركا»، مع عزف آلة الأرغن الكبيرة في الكاتدرائية، ودعت الجموع في النهاية قائلة: «فليباركها الرب». ويتيح التجمع السنوي في كاتدرائية سان بول، التحفة المعمارية التي بناها السير كريستوفر ورن، الفرصة لـ220 ألف أميركي يعيشون في بريطانيا للاحتفال بالدولتين اللتين تعتبران ركيزتين أساسيتين في حياتهما. ومن الطقوس الأساسية التي يتم إجراؤها في هذه المناسبة الابتهال والدعاء إلى الله تجاه «العلاقة الخاصة» بين الولايات المتحدة وبريطانيا، والتي وصفها السفير الأميركي روبرت توتل في تصريحاته أما الجموع المحتشدة في الكاتدرائية قائلة: إننا «نعمل سويًا، ونتقدم سويًا، كما غنينا سويًا منذ عقود إن لم يكن منذ قرون». إلا أنه في هذا العام، غلب ظلال الضوء والظلام على هذه المناسبة أكثر من ذي قبل. فالأضواء والشموع كانت نتيجة إلى أن الكاتدرائية في غمرة الاحتفال بتداخل ذكرتين سنويتين، وهما: الذكرى السنوية لإرساء آخر حجر في الكاتدرائية عام 1708، والذكرى السنوية الـ50 في هذا الأسبوع احتفالاً بتخصيص الكنيسة التذكارية الأميركية (الأميركان ميموريال تشابل)، والمستقرة خلف المذبح. وتجل هذه الكنيسة الـ28 ألف فرد من أفراد الخدمة العسكرية الأميركيين المستقرين في بريطانيا وماتوا خلال الحرب العالمية الثانية. وقبل يوم من احتفالات عيد الشكر في هذه الكاتدرائية، أُقيم طقس آخر احتفاءً بإتمام أعمال الترميم التي دامت ستة أعوام، وكلفت 60 مليون دولار، والتي أعادت الضوء والألوان من جديد إلى الكاتدرائية التي اكتست جدرانها الصخرية الكبيرة، ورسومها الجصية الجدارية المهيبة بالظلمة واللون الباهت بعدما بلغت من العمر عتيّا.

أما الظلمة، وهي تعبير مجازي، فكانت بسبب أن الكثير من الأميركيين الذين يعيشون في لندن انقلبت حياتهم رأسًا على عقب نتيجة للاضطراب الناجم عن الأزمة المالية العالمية التي هزت معظم أرجاء العالم. وبحسب العديد من التقارير التي وردت في الصفحات المالية بالصحف البريطانية البارزة، هناك الآلاف من الأميركيين الذين إما فقدوا وظائفهم أو يواجهون مغبة فقدانها، وذلك نظرًا إلى تشبث البنوك، والشركات الاستثمارية، وصناديق التحوط بأسوأ أوضاع السوق منذ عقود. وقال باري غايدرت، القس الأميركي في انترناشيونال كوميونيتي تشيرش، لدى تقديمه لخطبة الوعظ للمجتمعين بالكنيسة: «أظن أن هناك البعض اليوم لا يرغبون كثيرًا في تقديم شكرهم. لقد مررنا برحلة عاصفة هذا الخريف، ولم تنته بأي حال من الأحوال». وفي الوقت الذي خرج فيه أتباع الكنيسة صباح أحد الأيام العاصفة قارصة البرودة، توقف بعضهم ممن يعملون في الصناعة المالية لنقاش ماذا تعني هذه الأزمة للأميركيين في بريطانيا. ويقول بريان تيبل، المدير الاستثماري البالغ من العمر 50 عامًا، إنه علم أن التقلبات والغموض في تزايد بالنسبة للكثيرين ممن يعملون هنا في لندن.

وأضاف: «لقد بدأت هذه الأمور في التسارع»، فالشركات الأميركية التي تواجه معضلة ارتفاع تكاليف دعم المغتربين من الأميركيين بدأت في إخطارهم بأنهم ستتم إعادتهم مرة أخرى إلى الولايات المتحدة. ورغم تخفيف انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني 25 في المائة أمام الدولار الأميركي في الأسابيع الأخيرة بعض التوترات التي تعتري الأميركيين الذين يعيشون في لندن، إلا أن الأسعار المرتفعة في بريطانيا، والتي وضعت لندن ضمن أكثر المدن ارتفاعا في الأسعار في العالم متقدمة على نيويورك نفسها، وذلك حسبما أوردته الكثير من عمليات المسح الأخيرة، ما زالت ماضية في ارتفاعها، وهو الأمر الذي مازال الكثير من العائلات الأميركية تعانيه هنا في بريطانيا. الا أنه بالنسبة للكثير من الأميركيين الذين يحتفلون بعيد الشكر، خفت حدة المخاوف من الأزمة المالية، على الأقل في الوقت الراهن، نظراً لتنامي المؤشرات على التقارب القائم بين دولتي المنشأ والإقامة بالنسبة لهم. على سبيل المثال، تشير الأرقام المتوافرة إلى أن قرابة 3 ملايين دولار من إجمالي 60 مليون دولار تم جمعها لتنظيف وتجديد الكاتدرائية جاءت من متبرعين أميركيين، وتم تخصيص قرابة مليون دولار من هذا المبلغ للكنيسة التذكارية الأميركية. وقد بث خبراء الصيانة والترميم الروح من جديد في الألواح المصنوعة من خشب البلوط، وثلاث نوافذ من الزجاج الملون تحمل لآلام السيد المسيح والشعارات الخاصة بالولايات الأميركية الخمسين.

* خدمة نيويورك تايمز