«القوة الناعمة» الأميركية تحظى بشعبية كبيرة لكنها لا تزال عاجزة عن تحسين صورة الإدارة

العالم يقع في غرام الإعلام الأميركي رغم إثارته للسخط في الداخل

TT

بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 بفترة قصيرة، التقى وفد رفيع المستوى من المسؤولين الإعلاميين ـ بينهم رؤساء كل الاستوديوهات الكبرى ـ في العديد من المرات مع مسؤولي البيت الأبيض. وتضمنت تلك اللقاءات لقاء واحدا في الأقل مع كارل روف ـ كبير المستشارين الاستراتيجيين السابق لبوش ـ وذلك لنقاش السبل التي يمكن أن تلعبها صناعة البرامج الترفيهية في تحسين صورة الولايات المتحدة حول العالم. وكان من بين الأفكار الرئيسة التي تم طرحها: استخدام «القوة الناعمة»، على أن يتم ذلك من خلال نشر البرامج التلفزيونية، والأفلام الأميركية إلى المشاهدين الأجانب حول العالم، خاصة في العالم الإسلامي، وذلك حتى يتسنى المساعدة في استمالة الرأي العام. وأسفرت تلك الاجتماعات عن القليل من النتائج الملموسة ـ إذ تضمنت أساليب أقل أهمية في دعم الحرب على الإرهاب مثل إعلانات الخدمة العامة، وطرود اسطوانات الـ«دي في دي» المجانية التي يتم إرسالها إلى الجنود الأميركيين. إلا أنه منذ ذلك الحين، حصلت الشركات الإعلامية على ما رغبت فيه، حتى وإن لم يتمكن البيت الأبيض من ذلك. فبينما راجت إلى حد كبير خلال السنوات الثماني الأخيرة ثقافة موسيقى البوب الأميركية ـ المشهورة والرائجة فعليًا ـ في جميع أنحاء العالم، انحدرت الآراء عن أميركا نفسها إلى حد كبير. ومثالاً على ذلك، يعتبر برنامج CSI التلفزيوني رائجًا إلى حد كبير في فرنسا أكثر مما هو عليه الحال في الولايات المتحدة، علاوة على أن الأفلام هي الأكثر رواجًا وإقبالاً عليها في دور السينما بجميع أنحاء العالم أكثر من الولايات المتحدة ذاتها. كما أن النسخة الروسية المعاد تصنيعها من البرنامج التلفزيوني الأميركي «ماريد ويذ تشيلدرين» (متزوج وله أطفال) تحظى بإقبال منقطع النظير هناك في موسكو، للدرجة التي جعلت شركة سوني المنتجة للبرنامج تعيد الكتاب الأصليين للحلقات من جديد لكتابة المزيد من النصوص لروسيا. الأكثر من ذلك، أن ثقافة البوب الأميركية انتشرت بالدول الإسلامية ذاتها. إلى أنه وحتى الآن، لم تتم ترجمة هذه الشعبية والقبول الثقافي إلى أصدقاء جدد. فقد أظهرت البيانات الأخيرة التي نشرها «بيو غلوبال أتيتيودز بروجيكت» في شهر يونيو (حزيران) أن صورة الولايات المتحدة ما زالت سلبية في الـ24 دولة التي أجرت فيها بيو عمليات الدراسة والمسح (رغم ارتفاع نسبة التفضيل للولايات المتحدة في 10 منها إلى حد قليل). ويقول جوزيف ناي ـ الأستاذ بجامعة هارفارد، ومبتكر عبارة «القوة الناعمة» عام 1989 للإشارة إلى الأساليب البعيدة عن استعراض العضلات العسكرية في تأثير أميركا على العالم: «إن المثير بشأن السنوات الثماني الماضية، إيضاح استطلاعات الرأي لمدى الانخفاض في الجاذبية الأميركية». وأضاف «لكنك بعد ذلك تواصل الأسئلة، وحينها سترى أن الثقافة الأميركية ما زالت جذابة، وأن القيم الأميركية ما زالت جذابة. وهو مناقض لما قاله الرئيس ـ إنهم يكرهوننا لذاتنا، ولما نؤمن به». ويوضح جيفري ستشليسنغر ـ رئيس التلفزيون الدولي في وارنر براذرز ـ تفسيرًا أكثر سهولة لبرامج الترفيه الأميركية، إذ يقول: «إن باتمان (الرجل الوطواط) هو باتمان، بغض النظر عما إذا ما كان بوش في البيت الأبيض أم لا». كما سيظل باتمان أيضًا نفسه عندما يدخل باراك أوباما البيت الأبيض. وكانت قضية صورة أميركا في الخارج ضمن برنامج الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب، والذي قال في خطابه للسياسة الخارجية في شهر أبريل (نيسان) «جميعنا يعلم أن هذه ليست أفضل الأوقات بالنسبة لسمعة الولايات المتحدة عالمياً. ومع إسدال الستار على فترة بوش الرئاسية، باشر مستطلعو الآراء أعمالهم وطرح الأسئلة حول الآثار طويلة المدى لمنزلة الولايات المتحدة. وقال ستيفن كول ـ مدير برنامج عن مواقف السياسة الخارجية الدولية بجامعة ميريلاند ـ إن البيانات التي حصل عليها قبل الانتخابات أوضحت تحسنًا ضئيلاً في صورة أميركا في الخارج بعد انخفاض طويل. وأشار إلى أنها «اتخذت منعطفًا، إلا أنها لم تقترب من الإيجابية بعد». وأفاد كول أنه أصيب بالدهشة لاكتشاف ما أوضحته عمليات الاقتراع التي أُجريت قبل الانتخابات، فأقل من نصف من استجابوا لعمليات الاقتراع في 22 دولة أجنبية 46% أشاروا إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم ستتحسن تحت إدارة أوباما. وتابع كول: «أن الأمر لا يتعلق فقط بعدم وجود بوش، بل بوجود سجل نظيف. إن الأمر يتعلق بكل القضايا الأساسية التي تم تضخيمها في عهد بوش». ومثل هذه القضايا لن يتم إغلاقها بكل سهولة. ويشير برايس زابيل ـ المنتج التلفزيوني الذي ترأس أكاديمية الفنون التلفزيونية والعلوم وأحد المشاركين في اجتماعات 2001 مع البيت الأبيض ـ إلى أن الولايات المتحدة في حاجة إلى أن تعتبر نفسها مثل أي ماركة معدة للمستهلك. وتوضح هيلاري روسن ـ الرئيسة السابقة لريكوردينغ إنداستري أسوسيشن أو أميركا ـ وأحد من شاركوا في اجتماعات ما بعد 11 سبتمبر أن روف وباقي مسؤولي البيت الأبيض كانوا يتطلعون إلى نوع من الدعم الذي منحته هوليوود للولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية. وتستطرد: «لقد أرادوا من صناعة الموسيقى، وصناعة الأفلام، وصناعة التلفزيون تقديم الدعايا، كما أن روف وضع الكثير من الضغوط على كاهلنا». وبالنسبة لهوليوود، فقد طرأ قدر كبير من التطور المهم عالميا، وذلك مرده إلى أنه مع ارتفاع مستويات المعيشة حول العالم، زاد الإنفاق على وسائل الترفيه. وحسبما أفادت «موشن بيكتشر أسوسييشن أوف أميركا» أنه في عام 2003، جلبت حصيلة بيع تذاكر الأفلام الأميركية داخليًا 9.2 مليار دولار، فيما جمعت الدول الأجنبية 10.9 مليار دولار. وفي عام 2007، كانت حصيلة البيع داخليًا 9.6 مليار دولار، فيما بلغت عالميًا أكثر من 17 مليار دولار. وأثار النمو الذي تم تحقيقه على الصعيد الخارجي دهشة الكثير من المسؤولين التنفيذيين الأميركيين بالحقل الإعلامي. وفي هذا الصدد، أشار جيفري إل. بيويكس، المسؤول التنفيذي في تايم وارنر، إلى: «إنه أمر كان من المعتقد منذ عامين أو ثلاثة ماضية أنه تحول إلى نمو أبطأ. ثم استعاد قوته بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين». وجاءت تصريح بيويكس أمام حشد من المستثمرين في يونيو (حزيران) في كلمة تناول خلالها الإقبال على المواد التلفزيونية الأميركية على المستوى الدولي. والملاحظ أن الاهتمام الأجنبي بالمواد الترفيهية الأميركية تجلى بصورة خاصة بالمجال التلفزيوني، حيث أقدمت الكثير من الدول خاصة في أوروبا، على بث البرامج الأميركية خلال وقت الذروة، بعد أن كانت تجري بثها في أوقات متأخرة من الليل. وقال باري إم. مير، رئيس شركة وارنر براذرز «بصورة متزايدة، نجد أن الكثير من المال يأتي من قطاع التلفزيون. وأصبح الطلب على المواد التلفزيونية الأميركية أقوى من أي وقت مضى». والملاحظ أن الإقبال على الثقافة الأميركية يتزايد حتى داخل منطقة الشرق الأوسط، حيث تكشف استطلاعات الرأي باستمرار عن وجهات نظر سلبية للغاية إزاء الولايات المتحدة. من ناحيتها، أطلقت فياكوم قناة إم تي في إرابيا الخريف الماضي، واستحدثت قناة نيكلديون إرابيا في يوليو ـ وهي محاولات تستلزم وعيا كبيرا بالحساسيات الثقافية. وينطلق الكثير من البرامج الأميركية داخل الشرق الأوسط من قناتين فضائيتين هما: إم بي سي 2 وإم بي سي 4، المملوكتين لمركز الشرق الأوسط للإذاعة. وخلال وقت الذروة، عرضت إم بي سي 4 مسلسل «8 قواعد بسيطة»، علاوة على برامج الحوارات «ذي انسايدر» و«إنسايد إيديشن». كما يحظى برنامج أوبرا وينفري بشعبية كبيرة. ولاحظت أمال بشارة، البروفسورة المساعدة بجامعة تفتس بمجال الأنثروبولوجيا، والتي قضت منذ فترة قريبة عامين في دراسة الإعلام داخل الضفة الغربية، أن قناة إم بي سي 2 تحظى بشعبية خاصة. وأكدت أن: «هناك تفهما قويا للاختلاف بين الحكومة الأميركية والشعب الأميركي. وهم ينظرون إلى المواد الترفيهية الأميركية كما هي، أي باعتبارها ترفيها».

* خدمة«نيويورك تايمز»