المهاجمون استغلوا ثغرات الساحل للوصول لمومباي.. و«تشتيت الانتباه» لعب لصالحهم

الهند تتساءل: كيف استطاع 10 أشخاص فقط في دقائق تركيع القلب المالي لبلادنا؟

مسافرون على رصيف محطة القطارات الرئيسية في مومباي التي تعرضت لهجمات ارهابية الاسبوع الماضي (أ ب)
TT

لاحظ الصيادون الهنود في الساعة التاسعة مساءً يوم الاربعاء الماضي هبوط أربع غرباء إلى الساحل على متن قارب مطاطي، وبعد عدة دقائق انضم أربعة رجال آخرين إلى سابقيهم في قارب سريع هبط منه شابان مفتولي العضلات يحمل كل منهما حقيبة على ظهره وحقيبة ضخمة على كتفه.

ويقول أحد الصيادين الذي يبلغ من العمر 25 عاما والذي رفض الكشف عن اسمه خشية تعرضه للانتقام: أثار هبوط أولئك الرجال بهذه الصورة شكوكي وسألت الغرباء عما يفعلونه فرد أحدهم بلكنة هندية ثقيلة «لا تعطلني، إنني في حالة مزاجية سيئة» فاعترانا القلق وتركناهم في حال سبيلهم.

استقل الغرباء سيارتي تاكسي واتجهوا إلى فندق «أوبري تريدنت» في ناريمان بوينت، والذي كان أولى المحطات في مسلسل القتل والتدمير الذي شهدته عشرة أماكن وثلاثة أيام خلفت 174 قتيلا و239 جريحا.

تلك الاعتداءات التي شوهت قلب مومباي المدينة التي تمتزج فيها القصور والمباني الحكومية ذات الطراز الفيكتوري بمدن الأكواخ. إنها مدينة الـ 14 مليون نسمة حيث سوق الأوراق المالية وبوليود مدينة صناعة السينما الهندية كما أنها مقصد المهاجرين من العمال الساعين إلى البحث عن فرص عمل أفضل.

ويقدم تقصي آثار مهاجمي مومباي أدلة على كيفية تمكن 10 مسلحين من جعل المدينة الهندية تجثو على ركبتيها في غضون دقائق معدودة ليلة الأربعاء التي اتسمت بالهلع حتى الطلقة الأخيرة التي أطلقت يوم السبت. فقد بدأت رحلة الرعب في مدينة الصيادين بالقرب من «باذوار بارك» التي تقع على بعد ميل من «أوبري تريدنت»، حيث يسكن 10.000 شخص في أكواخ متداعية على ساحل بحر العرب. ويقول إل سانكلا أحد ضباط الشرطة الذين تم تعيينهم لمراقبة انطلاق القوارب منذ وقوع الهجمات: «إنها منطقة عشوائية ولم نفكر يوما في حمايتها». ويعتقد أن فريقا آخر قدم إلى مومباي عن طريق البحر بالقرب من فندق تاج محل بالاس آند تاور. ويقول أحد الخبراء الأمنيين إن الثغرات الأمنية على ساحل مومباي قدمت الفرصة المثالية للمسلحين للتسلل إلى قلب المدينة بهدوء.

وأشار مسؤول الاستخبارات الهندية المطلع على المجموعات الإرهابية القادمة من باكستان وتحقيقات التفجيرات في الهند: «لم يكن هذا ليحدث سوى عن طريق البحر. فهجوم بهذه الضخامة إذا ما أرادوا تنفيذه عن طريق البر، كان لا بد لهم من استخدام الكثيرين من الهنود لتقديم الدعم اللوجستي، ولكن فرص تعرض العملية للفشل ستكون كبيرة في حال استخدام الكثيرين من الهنود، وتلك عملية محددة لا يعلمها سوى مجموعة صغيرة من الأشخاص ـ المخططون والمعاونون ومنفذو العملية».

وبعد وصول المسلحين إلى المدينة بدأوا في التجول في مجموعتين أو ثلاث. وخلال نصف ساعة تمكنوا من إصابة خمسة مواقع: محطة القطارات الرئيسية والمركز اليهودي في ناريمان هاوس ومقهى ليوبولد وفندقي أوبري وتاج محل.

ويقول أحد شهود العيان: في حدود الساعة التاسعة وخمس وثلاثين دقيقة شق المهاجمون طريقهم متجاوزين الحراس الأمنيين في واجهة فندق أوبري وما إن دلفوا إلى داخل الفندق حتى بدأوا في إطلاق الأعيرة النارية في الهواء.

وفي ذات الوقت تقريبا قام مسلحان آخران بفتح النار داخل مقهى ليوبولد الذي يرتاده السائحون، وقال فارهانج جيهاني شاهد عيان وصاحب المقهى الذي تم تشييده منذ 137 عاما، أن المهاجمين أطلقوا النار لمدة دقيقة من خارج المطعم مما أدى إلى مصرع سبعة أشخاص من بينهم ثلاثة أجانب. وقال: «بدا الأمر كما لو أنهم كانوا في عجلة من أمرهم، وكما لو أنهم أرادوا إصابة أكبر عدد من الأشخاص حتى إن لم يكن ذلك هدفهم الرئيسي، ربما كان هدفهم هو صرف انتباه الشرطة حيث يوجد مركز الشرطة في الجهة المقابلة من الشارع وإحداث حالة من الفوضى حتى يتمكنوا من التوجه إلى فندق تاج محل.

ويقع المدخل الخلفي لفندق تاج محل، حيث دخل المسلحون، على بعد ثلاث دقائق من مقهى ليوبولد عبر حارة ضيقة تقع فيها محلات السجاد وبائع طعام متجول وصيدلية.

كان بهرات واغيلا وأخوه الأكبر في الصيدلية مع العائلة عندما سمعوا الطلقات على الطريق، جاء أخوهما الأكبر سوباش من الشارع المقابل مهرولا لكي يغلق النوافذ المعدنية عندما ظهر المسلحون في الحارة وبدأوا في إطلاق النار بصورة عشوائية على المحلات وقد أصيب سوباش في بطنه ويده اليسرى. وقال بهارات واغيلا «سقط أخي مدرجا في دمائه، وبعد أن غادر المسلحون المكان إلى تاج محل نقلناه إلى المستشفى»، لكنه توفي في اليوم التالي.

كانت غالبية حراس تاج محل حتى المسلحين منهم قد تم اقتيادهم إلى بهو الفندق، وكان المسلحان اللذان جاءا عبر الحارة قد انضما إلى مسلحين آخرين جاءا من حارة أخرى، ودخل الأربعة إلى تاج محل من الخلف حيث مروا ببركة السباحة قبل الوصول إلى البهو الرئيسي للفندق.

على بعد ميلين من ليوبولد وفندق تاج محل توجد محطة القطارات الرئيسية في المدينة تشاتراباتي شيباجي ترمينس حيث قام مسلحان يرتديان قمصان وسراويل الجينز بإطلاق النيران بصورة عشوائية ورموا القنابل اليدوية على أرصفة القطارات مما أدى إلى مقتل 48 وجرح أعداد أكبر. وفي باحة الانتظار الرئيسة في المحطة، يوجد مطعم ريفرش، الذي تلقت نوافذه الزجاجية عشرات الرصاصات التي تركتها مليئة بالثقوب كالمعجنات.

ويقول إرشاد خان أحد مديري المطعم: «كنت أجلس في الطابق العلوي من المقهى عندما اعتقدت أن الكهرباء قد انقطعت، ثم سمعت الكثير من إطلاق الرصاص فهرعت إلى الخارج لأرى حالة من الهرج والمرج تسيطر على الناس. لقد كانت فوضى عارمة، قتل فيها 12 شخصا على الأقل».

وكان سيباستيان دي سوزا مصور صحيفة «مومباي ميرور» قد التقط الكثير من الصور للمسلحين وهم يدخلون إلى المحطة. وقال دي سوزا للصحافيين بعد ذلك: «كان هناك الكثيرون من رجال الشرطة المتنكرين في لباس مدني لكن أيا منهم لم يتمكن من القيام بشيء، لكنني اتجهت نحوهم وطلبت منهم استعمال أسلحتهم وقلت لهم «أطلقوا عليهم النار إنهم أهداف سهلة لكنهم لم يبادلوهم إطلاق النيران».

وقال شهود عيان إن المسلحين مكثوا في المحطة لمدة 20 دقيقة قبل أن يغادروها عبر مدخل جانبي، وعندما خرجوا إلى الباب الرئيسي فتحوا النيران على عدد من الأهداف القريبة من المحطة من بينها مباني تايمز أو إندنيا ومبنى بلدية مومباي العظيمة. ثم استولى المسلحان بعد ذلك على سيارة شرطة وقتلوا ثلاثة من أفرادها وأصابوا الرابع، حيث قال أرون جاذاب الناجي الوحيد منهم إنهم كانوا في طريقهم إلى مستشفى «كاما هوسبيتال» لتلبية استغاثة حول إطلاق نار.

يقع «كاما هوسبيتال» المستشفى الخيري للنساء على بعد 10 دقائق من محطة القطارات حيث تعرضت للهجوم في العاشرة وخمس عشرة دقيقة، لكن يعتقد أنها تعرضت لهجوم من قبل مجموعة مسلحة مستقلة قتلت عاملين في المستشفى وثلاثة عناصر من الشرطة.

عقب ذلك، توجه المسلحون بسيارة الشرطة إلى مسرح سينما مترو، الذي أنشئ منذ 70 عاما، والذي يبعد نصف ميل من محطة القطارات حيث قام المسلحون بإطلاق النار على الموجودين بالقرب من المسرح والعالقين في الزحام المروري، مما أدى إلى إصابة العديدين منهم، ثم توجهوا عقب ذلك جنوبا عبر طريق مهاتما غاندي مارين إلى فندق تاج محل، لكن تم اعتراض المسلحين في تشوباتي الشاطئ الذي يقع في أقصى غرب مومباي، حيث قتلت الشرطة أحد المسلحين. أما الآخر عزام أمير كساب فتم اعتقاله، وأكدت شرطة مومباي أن كساب كان أحد الذين أطلقوا الرصاص في محطة القطارات.

وقد أفادت الشرطة بعد ساعات من التحقيقات بأن كساب اعترف بأن العمليات انطلقت من ميناء كراتشي الباكستاني، حيث خرجوا في قارب ثم اختطفوا سفينة صيد هندية في طريقهم، وقالت الشرطة بعد ذلك أنهم وجدوا السفينة وعلى متنها جثة ربانها، منحور العنق ويداه مربوطتان. وقد قتل المسلحون طاقم السفينة الأربعة وتركوا جثثهم على متن السفينة.

عندما اعتقل كساب، كانن أزمة المركز اليهودي وفندقي أوبري وتاج محل لا تزال مستمرة، ولم يكن لينته الكابوس سوى بعد ظهر يوم السبت حيث أكدت الشرطة مقتل رفاق كساب التسعة.

وتساءلت رانجولي جارج، ذات الثماني عشرة عاما، والتي تتلقى العلاج نتيجة إصابتها برصاصة في رجلها وهي تحاول الهرب من تاج محل «كيف يمكن لهذا العدد القليل من الأشخاص إحداث كل تلك الفوضى في المدينة، لقد تمكن هؤلاء الأشخاص بطريقة ما من السيطرة علينا وعلى المدينة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»