وسط حالة غضب عام .. أكبر مسؤول في مومباي يعرض استقالته

المهاجمون أجروا اتصالات مع عناصر «عسكر طيبة» في باكستان بهواتف تعمل عبر الاقمار الصناعية

رجال شرطة يحرسون مبنى ناريمان في مومباي (رويترز)
TT

قال فيلاسراو دشموخ رئيس وزراء ولاية مهاراشترا امس انه عرض الاستقالة بسبب هجمات مومباي التي أسفرت عن سقوط 183 قتيلا. وفي تصريحات للصحافيين قال دشموخ عضو حزب المؤتمر الحاكم: «عرضت الاستقالة» مضيفا أنه بانتظار القرار النهائي لزعماء الحزب. ويأتي ذلك وسط مطالبات من قيادات المعارضة وأوساط الرأي العام بمزيد من الاستقالات بسبب ما اعتبر تقاعسا عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد الارهاب رغم تحذيرات باحتمال شن هجمات وشيكة. وتزايد الضغوط الداخلية على حكومة حزب المؤتمر لتفسير أسباب الفشل في منع وقوع الهجمات خاصة أن مومباي كانت هدفا في السابق لاعتداءات. وركزت الانتقادات على تحميل الحكومة مسؤولية الثغرات الأمنية التي أدت إلى تسلل المسلحين عبر البحر إلى المدينة وتنفيذ هجماتهم. وفي نيودلهي استدعت الخارجية الهندية الاثنين السفير الباكستاني في نيودلهي وقدمت له احتجاجا رسميا على هجمات بومباي، حسب وكالة «برس تراست» الهندية. وفي اول شكوى رسمية تقدمها نيودلهي الى اسلام اباد، تم تسليم السفير الباكستاني شهيد مالك رسالة تتعلق «باخفاق بلاده في القضاء على الارهاب الذي ينطلق من اراضيها»، حسب الوكالة. وذكرت الخارجية الهندية ان التحقيقات اظهرت ان كافة المسلحين الذي شاركوا في هجمات بومباي باكستانيون. ونفت الحكومة الباكستانية اي علاقة لها بالهجمات الدموية التي خلفت اكثر من 170 قتيلا ونحو 300 جريح. وقد نزل المئات إلى شوارع مومباي بعد انتهاء المواجهات احتجاجا على ما اعتبروه فشلا حكوميا، وقالوا انه كان ينبغي للسلطات إبداء استعداد أكبر لمواجهة الهجمات. ووعد رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج في بيان رسمي أمس بزيادة حجم وتطوير وتدعيم قوات مكافحة الإرهاب الهندية. وبدأ سينج سلسلة مشاورات تشارك فيها جميع الأحزاب الهندية للبحث في إنشاء وكالة تحقيق فيدرالية تركز على مكافحة الارهاب بعد تلك الهجمات. وقد قبل رئيس الوزراء استقالة وزير الداخلية شيفراز باتيل، لكنه رفض طلب الاستقالة الذي تقدم به مستشاره لشؤون الأمن القومي نارايانان. وقد أعلنت الحكومة الهندية أن وزير المالية بالانيبان شيدابرام سيتولى منصب وزير الداخلية خلفا لباتيل على ان يقوم رئيس الوزراء بأعمال وزير المالية». الى ذلك بثت قالت صحيفة «تايمز» البريطانية في عددها الصادر امس تقريرا من الهند يتحدث عن غضب ينمو بين الهندوس والأقلية المسلمة بعد الهجمات التي استهدفت فندقين كبيرين في مومباي (بومباي)، مشيرا إلى أن ذلك يهدد بتمزيق البلد. وذكر التقرير أنه في غضون ساعات من الهجمات احتشدت في شوارع مومباي جموع هندوسية وهم يرددون أغنية «فاندا ماترام» (أسجد للهند)، وهي الأغنية التي رفض المسلمون اختيارها لتكن النشيد الوطني للهند، مما عمق لدى الهندوس الغضب والكراهية للمسلمين. ويفيد التقرير أن الكثيرين من المسلمين يشعرون بأنهم الجزء المقصود بـ«حرب الإرهاب»، فمع كل عملية أو هجمات تقع في الهند تسقط التهمة أولا ودائما على المسلمين ويصبح كل شخص مشتبها فيه. وذكرت الصحيفة أن المسلمين يشكلون 13.4% (150 مليونا) من عدد سكان الهند مما يجعلهم أكبر أقلية في العالم، مشيرة إلى أن مسلمي الهند جزء منها وليسوا مهاجرين، وهو ما ينمي الحساسيات الدينية بين الهندوس والمسلمين، حسب التقرير. وربطت بين مشاعر الاحتقان المتزايدة بين الهندوس والمسلمين وبين نشاطات الحزب القومي الهندوسي (بهارتيا جانتا) الذي كان بعض أعضائه على علاقة بالمجزرة التي تعرض لها مسلمون في ولاية كوجارات عام 2002. ولفت التقرير إلى أن الجهل والأمية متفشيان بين المسلمين الهنود، فضلا عن انخفاض الدخل وعدم كفاية تمثيلهم في الوظائف الحكومية.

ويمكن للتوترات بين المسلمين والهندوس والتي تضطرم منذ عقود، ان تشتعل ان لم يكن في بومباي ففي مناطق اخرى من البلاد، وذلك انتقاما لهجمات بومباي التي استمرت ثلاثة ايام والقى المسؤولون باللوم فيها على متطرفين اسلاميين على علاقة بباكستان، حسب ما صرح مسلمون وهندوس. ورأى معلقون وكتاب ومواطنون عاديون ان غالبية الناس من الطائفتين يرغبون في العيش بسلام. ويتوقع الكاتب جواد اناند ان تستغل جماعات هندية يمينية مشاركة مسلمين في هجمات بومباي لحشد الدعم قبل الانتخابات العامة التي ستجري العام المقبل. الا انه اضاف ان الهندوس والمسلمين «يحاولون انكار وجود تطرف بين ابناء الطائفتين». واشار مسؤولون ومن بينهم رئيس الوزراء مانموهان سينغ باصابع الاتهام الى «عناصر في باكستان»، وذكر الاعلام ان احد المسلحين اعتقل حيا وهو باكستاني.

واتهم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي المعارض الحكومة الهندية بقيادة حزب المؤتمر بانها ضعيفة وانها متراخية مع الارهاب، وهي المسألة التي قال اناند انها ستكون محور اجندة الحزب في الانتخابات التي من المقرر ان تجرى في مايو (ايار) المقبل. واضاف اناند، الامين العام لمجموعة «مسلمون من اجل ديمقراطية علمانية» الناشطة، انه من المرجح ان يلجأ حزب بهاراتيا جاناتا الى استغلال هجمات بومباي للتأكيد على الرأي الهندوسي المتشدد بان «كل الارهابيين هم مسلمون، وكل المسلمين موالين لباكستان». واوضح انه «بالنسبة للمسلمين، هناك اعتقاد بان المسلمين لا يرتكبون اي شيء خاطئ ولذلك فانهم لا يصلون الى مرحلة التعامل مع هذه المسألة داخل المجتمع». وفي اشارة الى تقرير نشرته الحكومة في وقت متأخر من 2006، قال اناند ان المسلمين متأخرون عن الاغلبية الهندوسية وغيرها من الاقليات في كل شيء سواء كانت نسبة الامية او وفيات الاطفال الى عدد القروض البنكية التي حصلوا عليها. واضاف ان نتائج التقرير زادت من مشاعر التهميش لدى المسلمين الذين يمثلون نحو 13 بالمائة من سكان الهند البالغ عددهم 1.1 مليار نسمة، وزادت من مشاعرهم كضحايا. وقال المحرر الصحافي كومار كيتكار ان تعزيز الاجراءات الامنية في بومباي في اعقاب الهجمات يعني مخاوف من وقوع هجمات انتقامية في البلاد.

واشار الى ان «هناك نوعا من الحرب الباردة» تدور بين الطائفتين في بومباي ويمكن ان تزيد بسبب الهجمات. وقال كيتكار ان تاريخ التوترات بين الطائفتين يعود الى انقسام الهند بعد استقلالها العام 1947 والذي ادى الى قيام دولة باكستان الاسلامية وأسفر عن حمام دم بين المسلمين والهندوس.

واضاف ان «المتعصبين والمتطرفين من الجانبين يحاولون اثارة المشاعر واحيانا يبدو ان المتطرفين من الجانبين يعملون كجبهة واحدة لتدمير النسيج السكاني في المدينة». وتحقق الشرطة في احتمال ضلوع اعضاء من جماعات هندوسية يمينية في الهجمات الاخيرة على اهداف مسلمين ومن بينها مساجد، وتعتقد انها جاءت انتقاما لموجة من التفجيرات الدموية في انحاء البلاد. وذكرت وسائل الاعلام الهندية الشهر الماضي ان الشرطة تحقق في احتمال ضلوع متطرفين هندوس في انفجارين منفصلين في سبتمبر (ايلول) الماضي اديا الى مقتل سبعة اشخاص في غرب البلاد. وذكرت الصحف ان التحقيقات تتركز على ما اذا كانت جماعة يمينية ترتبط بجناح الشباب من حزب بهاراتيا جاناتا ضالعة في الهجمات على مدن ماليغاون وموداسا في 29 سبتمبر الماضي. وجاء الهجوم على المدينتين بعد موجة من التفجيرات القاتلة التي يبدو انها موجهة الى الهندوس من الطبقة الوسطى واعلن متطرفون اسلاميون مسؤوليتهم عنها. من جهتها ركزت «الديلي تلجراف» البريطانية على تداعيات هجمات مومباي على الصعيد الداخلي الهندي واشارت الى ان استقالة وزير الداخلية الهندي وعدد من كبار المسؤولين الامنيين جاءت بعد تصاعد الانتقادات الشديدة لفشل الاجهزة الامنية في توقع مثل هذه الهجمات والتأخر في التصدي للمهاجمين. كما تناولت الصحيفة تلبد سماء العلاقات بين الهند وباكستان بغيوم داكنة وتصاعد التوتر بينهما بشدة بعدما تبين ان المهاجمين قدموا من باكستان وتلقوا التدريب على يد جماعات اصولية متطرفة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين هنود رفيعي المستوى ان هناك اتجاها قويا في الاوساط الحكومية الهندية لوقف مباحثات السلام مع باكستان وتعليق الحوار معها خاصة بعدما تأكد ان المهاجمين اجروا اتصالات هاتفية مع عناصر من تنظيم «عسكر طيبة» الكشميرية في باكستان عبر هواتفهم التي تعمل عبر الاقمار الصناعية. ونشرت صحيفة «التايمز» صورة المهاجم عزام امير كساب وهو يحمل بندقية كما التقطتها كاميرات المراقبة في محطة القطارات الرئيسية في مومباي والتي كانت اولى اهداف الهجمات، ونقلت عن الجهات الامنية الهندية التي تجري التحقيق معه ان كساب اعترف امامها انه «تلقى اوامر بالقتل حتى آخر نفس». وتضيف الصحيفة ان كساب، 21 عاما، والذي القي القبض عليه في اليوم الاول من الهجمات بعد اصابته في يده من قبل قوات الامن الهندية اعلن للمحققين الهنود انه باكستاني الجنسية وان الهجمات كانت تهدف الى قتل 5 آلاف شخص وخاصة ذوي البشرة البيضاء من المواطنين الاميركيين والبريطانيين. ومن المعلومات المثيرة التي نقلتها الصحيفة عن مصادر الشرطة الهندية بعد التحقيق مع كساب ان المهاجمين العشرة خضعوا للتدريب على يد جماعة «عسكر طيبة» في باكستان لمدة ثلاثة اشهر، ومن بين الاشياء التي تدربوا عليها عمليات اختطاف السفن في عرض البحر.